حرف الألف
الأمن ـ الطمأنينة ـ السكينة
• الأمن فى اللغة:
سكون القلب والنفس
[1].
• والطمأنينة فى اللغة: السكون
[2].
وخَصَّ به الراغب الأصفهانى: السكون بعد انزعاج
[3].
• والسكينة فى اللغة: الثبوت والاستقرار والسكون
[4].
هكذا تكررت كلمة السكون فى تفسير الألفاظ الثلاثة. ولكن الاستعمال القرآنى لهذه
الألفاظ يفرِّق بينها بملامح دلالية مميِّزة، على النحو التالى:
• الأمن:
تكرر ذكر الأمن ومشتقاته فى القرآن الحكيم، ومن شواهده:
- {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ
وَأَمْنًا} البقرة/125.
- {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ} النساء/
83.
قال الشيخ الطاهر بن عاشور: الأمْنُ حفظ الناس من الأضرار، فتشريد
الذُّعَّار، وحراسة البلاد، وتمهيد السُّبُل، وإنارة الطرق: أمن، والانتصاف من
الجناة، والضرب على أيدى الظَّلَمة، وإرجاع الحقوق إلى أهلها: أمن، فالأَمْنُ
يُفسَّر فى كل حالٍ بما يناسبه
[5].
وهذا التفسير مشتمل على المعنى اللغوى للأمن، وهو سكون القلب والنفس، ويصاحب ذلك
بالضرورة زوالُ الخوف والاضطراب.
• الطمأنينة:
وردت فى مواضع عديدة من القرآن الكريم، ومن شواهدها:
- {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ
اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
الرعد/28.
- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ
آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ
بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُوا يَصْنَعُونَ} النحل/112.
الطمأنينة: زيادة سكون القلب، وذلك بحصول العلم اليقين الناشئ عن الرؤية،
فالخليل إبراهيم عليه السلام مؤمن بالله، ولا يريد أن يرى ليؤمن، بل ليزداد يقينًا
ويسكن فكره وخاطره بذلك اليقين
[6]،
فلا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع الشُّبَهِ عن القلب
[7]
والطمأنينة أقوى من الأمن، يتضح ذلك فى وصف القرية بأنها {كَانَتْ
آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}.
فالأمن: انتفاء الخوف والسلامة من العدو.
والطمأنينة: الدَّعة وهدوء البال
[8]،
أى ثبوت ذلك الأمن ورسوخه واستقراره فى النفوس.
• السكينة:
من شواهدها فى القرآن الكريم:
- {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} التوبة/ 26.
- {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}
الفتح/ 4.
فسَّر المفسِّرون السكينة بالسكون والطمأنينة
[9].
وزاد أبو حيان فجعل نزول السكينة: كناية عن التباسهم بطمأنينة الإيمان واستقرار ذلك
فى قلوبهم، وسكون نفوسهم، وربط بين معنى السكينة فى قول الله عز وجل: {ثُمَّ
أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، وإخبار
النبى صلى الله عليه وسلم بنزول الملائكة فعبَّر عن ذلك مرة بالسكينة ومرة بنزول
الملائكة، وهم ذَوُو السكينة؛ لأن إيمانهم فى غاية الطمأنينة
[10].
• ويؤخذ من هذا أن السكينة أرفع درجات السكون والطمأنينة.
• ونخلُص مما سبق إلى أن ألفاظ "الأمن
ـ الطمأنينة ـ السكينة" متقاربة دلاليًّا؛ حيث
تشترك جميعها فى سكون النفس وعدم اضطرابها.
وتتدرج هذه المعانى فى القوَّة:
• فالسكينة أعلاها وأشدُّها رسوخًّا.
• والطمأنينة مرحلة وسط بين الأمن والسكينة.
• والأمن أعمُّ هذه الألفاظ؛ إذ هو سكون القلب، فإذا ما زاد هذا السكون ورسخ فى
القلب صار طمأنينة، فإذا استقرَّ غايةَ الاستقرار والثبات والهدوء صار سكينة.
*****************************
[1]
مقاييس اللغة (أ م ن).
[2]
مقاييس اللغة، اللسان (ط م ن).
[3]
مفردات الأصفهانى (ط م ن).
[4]
مقاييس اللغة، مفردات الأصفهانى، اللسان (س ك ن).
[5]
التحرير والتنوير 1/209.
[6]
البحر المحيط
2/298 - 299.
[7]
التحرير والتنوير 3/39.
[8]
التحرير والتنوير 14/305.
[9]
انظر: الكشاف 1/379، التحرير والتنوير
2/493.
[10]
البحر المحيط 2/261-262.
|