حرف الألف
الاستئذان ـ الاستئناس
• الاستئذان فى
اللغة: طلب الإذن. وأصل الإذن: الإعلام بالشىء
[1]،
وجاءت صيغة الاستفعال للدلالة على الطلب، كأنه يطلب سماعَه والسماح له بما يطلبه.
• والاستئناس فى اللغة: طَلَبُ الأُنْس وعدم الوحشة والنفور. والأُنْس: كل شىءٍ
خالف طريقة التوحُّش [2].
وقد رَاعَى القرآن الكريم هذا الفارق الدلالى اللطيف بين اللفظين، فجاء الاستئذان
بمعنى طلب الإذن بالشىء والترخيص فيه، كما فى قول الله عز وجل:
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ
الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ
مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ
لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ
بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ
فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
النور/ 58 - 59.
والآية تقرِّر حكمًا شرعيًّا؛ لذا جاء لفظ الاستئذان مقصودًا، إذ المراد طلب
الأمر وإباحة الشىء، وليس إزالة الوحشة أو النفور.
على حين جاء الاستئناس فى مقام الأدب وتعليم خُلُق المعاشرة والمخالطة بين الناس
وتأليف قلوبهم، وذلك فى قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى
تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}
النور/27.
وإنْ كان المقام هنا مقام تشريع واجب الاتِّباع، فإن فيه ـ علاوة على ذلك ـ
تعليم أدبٍ رفيع للمؤمنين، فليس المراد طلب الإذن فحسب، ولكن يُرادُ أيضًا إزالة
الوحشة والنفور. ففى لفظ الاستئناس هنا كناية لطيفة عن الاستئذان، أى أن يطلب
الداخل إذنًا من شأنه ألَّا يكون معه استيحاش، وفى التعبير بلفظ الاستئناس إيماءٌ
إلى عِلَّةِ مشروعيَّةِ الاستئذان، وذلك عَوْنٌ على توفُّر الأُخُوَّة الإسلامية
[3].
• ونخلُص مما سبق إلى أن لفظى "الاستئذان ـ الاستئناس"
فى القرآن الكريم بينهما تقارب دلالى؛ حيث يشتركان فى معنى طلب السَّماح، وينفرد
الاستئناس بملمح زوال الوحشة والتلطُّف فى الطلب.
************************
[1]
مقاييس اللغة، مفردات الأصفهانى، اللسان (أ ذ ن).
[2]
مقاييس اللغة، مفردات الأصفهانى (أ ن س).
[3]
التحرير والتنوير 18/197.
|
|