اختلاف صيغة المصدر
ضلال ـ ضلالة
الضَّلال والضلالة
فى اللغة كلاهما مصدر (ضَلَّ ـ يَضِلُّ)، وهو ضياع
الشىء وذهابه فى غير حقِّه، وكل جائر عن القصد ضالٌّ
[1].
ولكن الاستعمال القرآنى للكلمتين يوضِّح مدى دقة اختيار اللفظ فى هذا الكتاب
الحكيم، كما يتبيَّن من قول الله عز وجل:
- {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي
ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ
مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)} [الأعراف:60- 61].
قال الزمخشرى: فإن قلتَ: لِمَ قال: {لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ}
ولَمْ يَقُلْ (ضلال) كما قالوا؟ قلتُ: الضَّلالة
أخَصُّ من الضلال فكانت أبلغ فى نفى الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بى شىءٌ من
الضَّلال، كما لَوْ قِيلَ لك: ألَكَ تمر؟ فقلت: ما لِى تمرةٌ
[1].
وعلَّق ابن المنير فى حاشيته على كلام الزمخشرى بقوله: التحقيق أن يقال: الضَّلالة
أَدْنَى من الضلال وأَقَلُّ؛ لأنها لا تُطْلَق إلَّا على الفعلة الواحدة منه،
وأمَّا الضلال فينطلق على القليل والكثير من جنسه، ونفى الأدنَى أبلغ من نفى
الأعلى، لا من حيث كونه أَخَصّ، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وهذا الذى ذهب إليه ابن المنير هو ما رآه الدكتور حسن طبل، حيث قال:
نفى سيدنا نوح عليه السلام تهمة الضلال عن نفسه بصيغة المصدر (ضلال)
التى وردت بها تلك التهمة على لسان قومه، ولكنَّه عدل عن تلك الصيغة إلى صيغة اسم
المرَّة (ضلالة)؛ مبالغةً فى النفى؛ وذلك لأن المصدر
يدل على القليل والكثير، أما اسم المرَّة فلا يدلُّ إلَّا على الفَعْلة الواحدة،
ونفى الأدنى أو الأقلّ أبلغ من نفى الأكثر.
لقد جاء الاتِّهام بالضلال على لسان الملأ مؤكَّدًا مبالغًا فيه، عن طريق التعبير
بفعل الرؤية وتأكيده بإنَّ واللام، ثم تعديته بحرف الجر (فى)
المفيد لمعنى الإحاطة والظرفية، وقد اقتضى ذلك أن يسلك نفى هذا الاتهام على لسان
نوح عليه السلام مسلكًا آكَدَ وأبلغ؛ فكان الالتفات عن صيغة المصدر إلى اسم المرة،
وإيقاعها فى سياق النفى، ثم إيثار حرف الجر (الباء)؛
حتى ينفى على نحو قاطع أن يكون قد عَلِق به أدنى قدر ممَّا يُسَمَّى ضلالة
[2].
• ونخلص مما سبق إلى أن الصيغة الصرفية (ضلالة) ـ
بدلالتها على المصدر واسم المرة معًا ـ أفادت التقليل، بخلاف الصيغة (ضلال)
الدالة على المصدر فقط، فهى تنطبق على القليل والكثير.
************************
[1]
تهذيب اللغة، مقاييس اللغة،
اللسان (ض ل ل).
[2]
الكشاف 2/85.
|
|