لقاء عالم3
أ.د. حورية توفيق
الأزهر منار الثقافة الإسلامية
للأستاذة الدكتورة / حورية توفيق مجاهد
أستاذ العلوم السياسية. جامعة القاهرة
وسائل انتشار الإسلام في إفريقيا:
كان لمصر دائما دور كبير كمركز للإشعاع الحضاري والثقافي في إفريقيا فمصر اتخذت
سياستها منذ العصور القديمة في الاتجاه نحو منابع النيل الذي نظر إليه علي أنه
شريان الحياة في ضوء حقيقة أن مصر هبة النيل، وقد كانت الصلة وثيقة بين مصر وجنوبها
في كوش ومروى وعن طريقها انتقلت حضارة مصر الفرعونية القديمة جنوبا، وقد قام الكثير
من الباحثين الغربيين وغيرهم بتحليل آثار الحضارة المصرية على الجنوب وذلك قبل مجئ
المسيحية والإسلام إلى مصر بآلاف السنين.
وفيما يتعلق بالنواحي الدينية والروحية فمن الواضح أيضا أن مصر الفرعونية كانت مركز
إشعاع حضاري وثقافي للجنوب ومنها- على ما يعتقد الكثيرون- أخذت وانتشرت فكرة
التوحيد التي بدأت بها، وكانت مصر هي نقطة الارتكاز والانطلاق لكل من المسيحية
والإسلام.
وقد كان للموقع الاستراتيجي لمصر في طريق سفر وانتقال الحجيج من شمال وغرب إفريقيا
إلى المناطق المقدسة بالأراضي الحجازية لأداء شعائر الحج دوره في ربط مصر بالمناطق
الإسلامية، فهي تتحكم في الباب الشمالي لشرقي إفريقيا.
ويعد الأزهر أهم ما تركه الفاطميون من آثار خالدة في مصر على مر العصور بالإضافة
إلى القاهرة(1)، فبعد إنشاء القاهرة لتصبح العاصمة
أمر المعز لدين الله الفاطمي قائده جوهر الصقلي بإنشاء الجامع الأزهر(2)
حيث أرسى قواعده في 24 من جمادي الأولي عام 359هـ (970م) واستكمل بناءه وصليت فيه
أول جمعة في 7 من رمضان عام 361هـ. و كان الغرض من إنشائه أن يكون المسجد الرسمي
الجامع للقاهرة العاصمة الجديدة أسوة بجامع عمرو بالفسطاط، هذا من ناحية. ومن ناحية
أخرى، قصد من إنشائه أن يصبح مركز النشر للدعوة الفاطمية ومناهضة الخلافة العباسية
في بغداد والخلافة الأموية في قرطبة بهدف انتزاع زعامة العالم الإسلامي من
العباسيين. فقد كان الهدف أن يتلقى فيه الطلاب أصول المذهب الشيعي: مذهب الدولة
الفاطمية على يد أساتذة شيعيين على أمل نشر نفوذهم.
ومن الجدير بالذكر أن الأزهر الذي نشأ في كنف السلطة الحاكمة تأثر نشاطه بالتغيير
الذي طرأ عليها. و قد نشط الأزهر منذ إنشائه وأسهم في الحركة العلمية إسهاما كبيرا
حيث كانت تعقد به حلقات لدراسة الدين واللغة والأدب والقراءات والنحو والمنطق
والفلك. وإن كان قد ركز نشاطه في ظل الدولة الأيوبية السنية المذهب التي جاءت على
أنقاض الدولة الفاطمية الشيعية ووجهت هجومها على كل ما يرتبط بالمذهب الشيعي وتخليص
البلاد منه: فأبطلت صلاة الجمعة بالأزهر لنحو مائة عام وركدت الحياة العلمية التي
ازدهرت من قبل(3).
ولكن استعاد الأزهر نشاطه من جديد في ظل العهد المملوكي خاصة في ظل الحاكم الظاهر
بيبرس الذي أمر بإعادة خطبة الجمعة وحلقات الدراسة ووصل عدد الدارسين إلى 750
طالباً ليس فقط من القاهرة بل من ريف مصر ومن إفريقيا وشمال إفريقيا وتم تخصيص رواق
لكل جنسية أو مجموعة من هؤلاء يقيمون به.. وعليه فإن الأزهر لم يعد في العهد
المملوكي مسجدا للعبادة فقط، ولكنه أصبح أيضا جامعة عليا للدراسات الإسلامية
والعربية ومركزا لأعمال الدولة الرسمية كما كان يؤمه الفقراء والحجاج والمسافرون
والمتصوفة وغيرهم(4).
أما في العصر العثماني فقد ركد نشاط الأزهر العلمي وتأثر بالركود الذي عم كل مظاهر
الحياة في البلاد. فانصرف عن دراسة العلوم الرياضية والعقلية ونادت آراء بتحريمها
وجمد الفكر عند علوم السلف ولكنه لم يركد كمركز جذب وإشعاع حيث ظل يجذب طلاب العلم
وعمل على الحفاظ على الثقافة العربية الإسلامية من الاندثار.
وقد درست به آنذاك مذاهب الفقه الأربعة وكان لكل مذهب شيخه وإن كانت مشيخة الأزهر
للشافعية في معظم الأحوال. وقد أنشئت وظيفة شيخ الأزهر في نهاية القرن السابع عشر
الميلادي وأصبح هذا المنصب وقفاً على كبار العلماء(5).
ومن الجدير بالتأكيد في هذا المجال على أن الإسلام لا يعرف مفهوم رجل الدين المعروف
في المسيحية ولا يعرف السلطة الكهنوتية ولا الهيراركية الكنسية، وليس لديه أسرار،
ولا يتمتع أي شخص بالقداسة . فما يعرفه هو العالم بأمور الدين والفقه وليس رجل
الدين. وبالتالي فإن شيخ الأزهر هو موظف في الدولة ولكن من هيئة كبار العلماء –
علماء الدين الإسلامي – وهم جميعا أصحاب فضيلة لعلمهم بالأصوال الشرعية ولكنهم
ليسوا أصحاب قداسة(6).
وقد تطور الأزهر ليصبح جامعة علمية إسلامية بل إنه في الواقع ( أكبر وأقدم جامعة
علمية إسلامية عرفها الشرق )(7) بل إنه أقدم جامعة
إسلامية في العالم. ويرجع الفضل في تطوير الأزهر ليصبح جامعة علمية بجانب رسالته
كجامع إلي الوزير الفاطمي يعقوب بن كلس حين استأذن العزيز بالله – ابن المعز لدين
الله – في تعيين جماعة من الفقهاء للتدريس فيه تحت رياسة أبى يعقوب القاضي وكان
قوام الدراسة فيه في بدء الأمر انتماء الطالب لحلقة دراسية تحت أحد الأساتذة(8)
حتى يكتسب علمًا ثم ينسلخ عن أستاذه ويتولى بدوره عرض علمه على الطلاب فإذا لقي
استجابة ونجاحًا أصبح من العلماء وإلا فإنه يعود لاستكمال العلم عند أستاذه في
حلقته. و بإنشاء منصب شيخ الأزهر أصبح هو المرجع في منح الإجازة التي تبيح لصاحبها
التدريس والإفتاء والقضاء(9).
وقبل أن تنتقل الدراسة للمباني الحديثة كانت تتم في المسجد وعلى نظام الحلقات حيث
يحيط الطلبة بالأستاذ. وقد أنشأ الأزهر معاهد دينية ملحقة به منتشرة في أنحاء مصر.
وتطورت الدراسة وأصبحت تقوم على مراحل دراسية وتبلورت المواد التي تدرس بكل مرحلة
كما خضعت المناهج للتطوير. وقد أعطى القائمون على الدراسة بالأزهر اهتمامًا خاصا
بالوافدين من دول العالم المختلفة.
وقد بدأت جامعة الأزهر عهدها العلمي بثلاث كليات هي كلية أصول الدين (1930م) وكلية
اللغة العربية (1931م) وكلية الشريعة (1933م). وبلغ عدد كليات الجامعة عام 1994-
1995 خمسين كلية بين نظرية وعملية(10).
وبلغ عدد الطلاب الوافدين من إفريقيا عام 97/98 نحو 1429 طالبا يدرسون في كليات
الجامعة المختلفة ولكن تركيزهم الأساسي على دراسة اللغة العربية والشريعة والقانون
وأصول الدين والتربية. بالإضافة إلى عدد من الطالبات يبلغ 77 طالبة يدرسن بكليات
البنات بجامعة الأزهر مع تركيزهن على الدراسات الإسلامية العربية والدراسات
الإنسانية والتجارة والعلوم(11).
شهادات الغرباء ومعهد البحوث الإسلامية(12):
وضع نظام لدراسة الغرباء أو الوافدين في عام 1916م. وقسم هذا النظام التعليم
والشهادات الممنوحة لهم إلى ثلاثة أنواع:
( إجازة الغرباء ) وهى شهادة تعطى لمن أتم الدراسة في أقل من ثمان مواد ونجح فيها.
( الشهادة الأهلية للغرباء ) وتعطى لمن أتم دراسته في ثمان مواد ونجح فيها.
( الشهادة العالية للغرباء ) وتعطى هذه الشهادة لمن أتم دراسة 12 مادة ونجح فيها.
و كان ينص في كل شهادة من الشهادات المذكورة على المواد التي امتحن فيها الطالب.
أما معهد البحوث الإسلامية فقد عرف في بدء الأمر باسم القسم العام وكان طلابه ممن
لم تؤهلهم سنهم للالتحاق بالمعاهد النظامية. وكانوا خليطا من المصريين والوافدين
يتلقون العلم في حلقات بالجامع الأزهر. وقد أنشئ معهد البحوث الإسلامية خصيصا
للطلبة الوافدين وفي نفس الوقت يسمح فيه لكثير منهم لالتحاق بمعهدي القاهرة
والإسكندرية. وقد قسم التعليم بالمعهد في بدء الأمر إلى ثلاث مراحل تعادل المراحل
القديمة في نظام الأزهر:
المرحلة الأولى: ومدتها أربع سنوات، يمنح الناجح بعدها ( الشهادة الابتدائية للبحوث
).
المرحلة الثانية: ومدتها خمس سنوات، يمنح الناجح بعدها ( الشهادة الثانوية للبحوث
).
المرحلة الثالثة: ومدتها أربع سنوات، يمنح الناجح بعدها ( الشهادة العالمية للبحوث
).
أما النظام الحديث الذي أصبح متبعًا بعد التطوير فيشمل مرحلتين:
المرحلة الأولى: ومدتها أربع سنوات، ويحصل في نهايتها الطالب على الشهادة الإعدادية
ويدرس نفس المناهج التي تدرس في المعاهد الأزهرية الإعدادية.
المرحلة الثانية: ومدتها خمس سنوات، ويحصل بعدها الطالب على الشهادة الثانوية
الأزهرية المعادلة. ويمكن التقدم بعدها للالتحاق بالكليات المختلفة النظرية أسوة
بخريجي المعاهد الثانوية الأزهرية العامة بالإضافة إلي كليات جامعة الأزهر.
وقد ساير تطوير معهد البحوث الإسلامية ما طرأ على الأزهر من تطوير أدخلت بموجبه
دراسة وتخصصات العلوم المختلفة بالإضافة إلى العلوم الدينية(13).
و إذا كان الشيخ محمد عبده في إطار آرائه في تجديد الفكر الإسلامي(14)
قد وجه هجوماً شديدا للأزهر وهو أحد خريجيه وعلمائه فإن هدفه كان تطوير الأزهر
والاهتمام بالعلوم المدنية حتى يمكنه تخريج دارسي العلوم الدينية والعلوم المدنية
المواكبين للعصر.
هذا ويوكل إلى بعض الأساتذة المختارين تعليم اللغة العربية لمن لا يجيدونها من
الوافدين غير العرب وإعدادهم للالتحاق بمراحل التعليم المختلفة. ويسكن هؤلاء
الوافدون في الأروقة(15) الخاصة بهم، ولما كثر عددهم
عن أن يستوعبوا بها أعدت لهم مشيخة الأزهر المساكن الحديثة ( مدينة سكنية ضخمة ) في
مدينة البعوث الإسلامية(16) تحت إشراف مراقبة البعوث
الإسلامية.
وعليه كان لإنشاء الأزهر في مصر دوره الكبير كمصدر ومركز للإشعاع الثقافي الإسلامي.
وقد أوضح أحد المستشرقين وهو جاك بولان، أهمية دور مصر عامة والأزهر خاصة في هذا
المجال بقوله ( تعد مكة المكان المقدس عند المسلمين، وتعد القاهرة مركز الثقافة
الإسلامية، ومكانة الأزهر في العالم الإسلامي لا تعادلها مكانة، ومنذ قرون عديدة
والأزهر مفتوح للمسلمين يجدون فيه العلم ومشعل النور، بل يجدون فيه المأوى والزاد،
وكان الإفريقيون يتدفقون إليه ليتعلموا علوم القرآن والحديث وغيرها، ولكن مصر كانت
تستغل الأزهر لتغرس في نفوس الوافدين إليه ألوانا من المعارف والثورات والاتجاهات
القومية، مما حدا بأحد قادة نيجيريا أن يصرح: ( أن مسلمي نيجيريا يعدون الأزهر مركز
القيادة للعالم الإسلامي كله )(17).
وعامة ينظر للأزهر وشقيقاته في شمال إفريقيا – القيروانة والزيتونة – من جانب
المبشرين المسيحيين على أنها ( مصانع تنتج دعاة إسلاميين مزودين بمنطق عاطفي يكون
لتأثيره بين مواطنيهم من الوثنيين والمسيحيين بعد عودتهم فعل السحر ).
وفى هذا المجال تجدر الإشارة إلى أنه قد نشأت في إفريقيا جنوبي الصحراء مراكز
ثقافية في جاو وجني أو جنة و تمبكتو في شمال مالي وعرفت فترة ازدهار كبيرة.
ولكن التركيز على الأزهر بالذات يرجع لامتداد نشاطه لأكثر من ألف عام منذ إنشائه
ولرسالته الدءوبة كمركز إشعاع ثقافي. ولا يتصور البعض مدى انجذاب الإفريقيين
وتقديرهم لكل من يلبس الملابس الأزهرية حيث يحرصون على أن يحصلوا منه على البركة.
بل أن السفير المصري نفسه في كثير من المناطق الإفريقية يحرص الإفريقيون المسلمون
على أن يتباركوا به بعد صلاة الجمعة؛ لأنه من بلد الأزهر.
وقد لعب الأزهر دورا ثقافيا رئيسيا كان له أثره في نشر الإسلام وإن كان دوره غير
مباشر في هذا المجال: خاصة عن طريق المنح المعطاة للدارسين بين الدول الإفريقية
للدراسة بالأزهر فيعود لكل من الدارسين خريجي الأزهر داعية للإسلام من إفريقيا
ذاتها ليقوم بنشر الدعوة في مجال شعبه عملا بقوله تعالي:
{ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
} التوبة .
وينجذب إليهم الأفراد نتيجة لتقدمهم الثقافي وقدرتهم على التعبير باللغات المحلية
وكذلك لباسهم المميز.
****************
|
|