حرف الشين
الشهوة ـ اللَّذَّة ـ الهوَى
• الشهوة فى
اللغة: الرغبة فى الشىء وحبُّه[1].
• واللَّذَّة فى اللغة: طِيبُ الشىء وحُسْنُه[2].
• والهَوَى فى اللغة: محبةُ الإنسانِ الشىءَ وغلبته على قلبه[3].
وخصَّه ابن فارس بالخُلُوِّ من الخير والسقوط بصاحبه فيما لا ينبغى[4].
هكذا لا تُسْعِفنا كتب اللغة بفروق دقيقة بين الألفاظ الثلاثة، فلنتأمل سياقاتها فى
القرآن الكريم:
الشهوة:
ورد لفظ "الشهوة" ومشتقاته فى عدة مواضع من القرآن
الكريم، وهى على ضربين: شهوة محمودة، وهى التى أحلَّها الله عز وجل، كما فى قوله عز
وجل:
- {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ}
الأنبياء/102.
- {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} فصلت/31.
- {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}
المرسلات/42.
فهذه شهوة محمودة أعطاها الله عز وجل لعباده المؤمنين فى الجنة.
والضرب الثانى شهوة مذمومة وهى الشَّهْوة الكاذبة أى التى يمكن الاستغناء عنها ولا
يختلُّ البدن من دونها، وهى المنهىُّ عنها كما فى قول الله عز وجل:
- {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}
مريم/59
والأصل فى الشهوة: نزوع النفس إلى ما تريده[5].
وعلى ذلك تكون الشهوة نزوعًا نفسيًّا ورغبة فى الشىء، وهى تارة محمودة، وتارةً تكون
مذمومة.
اللَّذَّة:
ورد لفظ "اللذة" فى القرآن الكريم ثلاث مرات فى
الآيات التالية:
- {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ
الْأَعْيُنُ} الزخرف/71.
- {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}
الصافات/46.
- {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}
محمد/15.
فى آية الزخرف خُصَّت الشهوة بالأنفس، وخصت اللذَّة بالأعين، وهذا حصر
لأنواع النعم؛ لأنها: إمَّا مشتهاة فى القلوب، وإمَّا مستلذَّة فى العيون[6].
ووصف الخمر بأنها "لذَّة للشاربين" فى الآيتين
الأخريين، فيه دلالة على أن اللذة إحساس يظهر أثره فى البدن.
الهوى:
ورد لفظ "الهوى" ومشتقاته فى مواضع كثيرة من القرآن
الكريم، ومن شواهده:
- {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى
أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}
البقرة/87.
- {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا
مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}
المائدة/77.
الهَوَى أساس الشهوة؛ لأنه يَهْوِى "أى يميل"
بالنفس إلى الشهوات. وقيل: سُمِّى بذلك لأنه يَهْوِى بصاحبه فى الدنيا وفى الآخرة[7].
والفرق بين الهوى والشهوة أن الهَوَى مصدر الشهوة وأصلها، وأن الهوى يختص بالآراء
والاعتقادات، بينما تختص الشهوة بالمستلذات المحسوسة[8].
• ونخلص مما سبق إلى أن ألفاظ "الشهوة ـ اللذة ـ الهوى"
بينها تقارب دلالىٌّ؛ حيث تشترك جميعها فى معنى الحب والرغبة. ويختص كل منها بملمح
دلالى يميزه:
• فالشهوة: تختص بالمحسوسات، ولكن لا يظهر أثر ذلك فى
البدن، فهى الميل إلى اللَّذة وهو أمر نفسىٌّ لا بدنى، كما أن الشهوة تكون محمودة
آنًا، ومذمومة آنًا آخر.
• واللَّذة: تختص بالمحسوسات التى تظهر آثارها فى
البدن كلذَّة الطعم ولذة النظر وغيرها.
• والهوى: مصدر اللذة والشهوة؛ ولذلك يختص بالآراء والأفكار والاعتقادات، وهو مذموم
دائمًا؛ لأنه يهوِى بصاحبه.
**************************
[1]
اللسان (ش هـ ا).
[2]
مقاييس اللغة، اللسان (ل ذ ذ).
[3]
تهذيب اللغة، اللسان (هـ و ى).
[4]
مقاييس اللغة (هـ و ى).
[5]
مفردات الأصفهانى (ش هـ ا).
[6]
الكشاف 3/496-497.
[7]
مفردات الأصفهانى (هـ و ى).
[8]
أدب الدنيا والدين للماوردى، ص38.
|