حرف السين
السخط ـ الغضب ـ الغيظ
• السُّخْط
والسَّخَطُ فى اللغة: كراهة الشىء وعدم الرضا به[1].
• والغضب فى اللغة: شدَّة السُّخط والإنكار[2].
• والغيظ فى اللغة: غضبٌ كامن فى النفس بسبب سُوءٍ لَحِقَه من غيره[3].
ويؤخذ مما سبق أن السخط والغيظ لا تظهر آثارهما على الجوارح، والفرق بينهما أن
الغيظ انفعال بسوء لحقه من الغير، أما السخط فهو مجرد الكراهة وعدم الرضا بالشىء
وإن لم يلحقه سوء.
وأما الغضب فيختلف عن السخط والغيظ بملمحين: الشدة، وظهور أثر ذلك على الجوارح.
وفى القرآن الكريم ورد لفظ "السخط"
أربع مرات، فى الآيات التالية:
- {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ
بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} آل عمران/162.
- {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ
سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} المائدة/80.
- {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ
يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} التوبة/58
- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ
اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}
محمد/28.
والملاحظ فى ثلاث من الآيات السابقة أن السخط جاء فى مقابلة الرضا والرضوان،
وهذا يدل على أن السخط نقيض الرضا والرضوان.
ولم نجد للمفسرين قولًا شافيًا فى معنى السخط، ومن سياق الآيات لا نجد أكثر من
مقابلته بمعنى الرِّضا أو الرضوان، وما ذهب إليه المناوى والراغب من أن السخط هو
الغضب الشديد المقتضى للعقوبة[4]،
وما ذهب إليه أبو البقاء من أن السخط لا يكون إلَّا من الكبراء والعظماء بخلاف
الغضب فإن يكون منهما ومن غيرهما[5]،
لا يتضح هذا الذى ذهبوا إليه من سياق الآية، بل ما ذهب إليه ابن منظور فى اللسان ـ
وهو كون السخط نقيضًا للرِّضَا ـ هو ما تعطيه السياقات القرآنية المذكورة.
• وعلى ذلك يمكننا القول إن السخط: كراهة الشىء وعدم الرضا به.
وأما لفظ "الغضب"
فقد تكرر فى مواضع عديدة من القرآن الكريم، ومن شواهده:
- {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ
وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} البقرة/61
- {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
رِجْسٌ وَغَضَبٌ} الأعراف/71.
- {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}
الشورى/37.
سياق الآيات السابقة ـ وغيرها ـ يبيِّن صحة ما ذهب
إليه ابن فارس من أن الغضب هو السُّخط الشديد[6]،
وأن الغضب يظهر على الجوارح ويقترن بفعلٍ ما يقصد به الإضرار بالغير[7].
ومن هنا جاز إطلاق السخط والغضب على الله سبحانه وتعالى، فالسخط منه عز وجل كراهة
السوء وعدم الرضا به، والغضب منه عز وجل أشدُّ من السخط؛ لاقترانه بإنزال العذاب
كما فى قول الله عز وجل:
- {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ
وَغَضَبٌ} الأعراف/71.
وأما الغيظ فلا يجوز إسناده إلى الله عز وجل؛ لأنه تغيُّرٌ يَلْحَق
بالمغتاظ، وهو كامِنٌ لا يُستَطاع إنفاذُه؛ للعجز عن ذلك[8].
وقد تكرر ذكر الغيظ فى عدة مواضع من القرآن الكريم، ومن ذلك:
- {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ
الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
آل عمران/119.
- {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران/134.
- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ
كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} الحج/15.
لمَّا كان الغيظ خفيًّا كامنًا فى النفس قال الله عز وجل: {وَإِذَا
خَلَوْا} لأنهم يُضمرون ذلك فى نفوسهم ولا يُظهِرونه للمؤمنين، فقال لهم
الله عز وجل: {مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ}: أى ازدادوا
غيظًا حتى تهلكوا[9].
وذلك لعجزهم عن الفعل وعدم قدرتهم على إمضاء غيظهم بأن يضرُّوا المؤمنين.
• ونخلص مما سبق إلى أن ألفاظ "السخط
ـ الغضب ـ الغيظ" متقاربة فى الدلالة؛ حيث تشترك
فى معنى عام هو الكراهة وعدم الرِّضَا، وهذا المعنى العام هو: السخط.
• أمَّا الغضب فيتميَّز بالشدة، والاقتران بالفعل.
• وأمَّا الغيظ فيتميز أيضًا بالشدة، ولكن مع العجز عن الفعل؛ ولذا جاز إسناد السخط
والغضب إلى الله عز وجل، وامتنع إطلاق الغيظ عليه سبحانه وتعالى.
****************************
[1]
اللسان (س خ ط).
[2]
مقاييس اللغة، اللسان (غ ض ب).
[3]
مقاييس اللغة، اللسان (غ ى ظ).
[4]
التوقيف، ص198، مفردات الأصفهانى (س
خ ط).
[5]
الكليات، ص515.
[6]
مقاييس اللغة (غ ض ب).
[7]
انظر: تفسير القرطبى 4/133، المحرر الوجيز
3/233، الكليات ص671.
[8]
انظر: الصحاح، مقاييس اللغة (غ ى ظ)، الكليات
ص671، المحرر الوجيز 3/233.
[9]
الكشاف: 1/459.
|
|