حرف الراء
ريب ـ شك ـ مِرْيَة
• الرَّيْبُ فى
اللغة: شكٌّ يصاحبه خوفٌ وكراهة[1].
• والشَّكُّ فى اللغة: خلاف اليقين؛ سُمِّى بذلك لأن الشَّاكَّ كأنَّما شُكَّ له
الأمران فى مَشَكٍّ واحدٍ وهو لا يتيقَّن واحدًا منهما .. وكل شىءٍ أدخلْتَه فى شىء
فقد شككته[2].
• والمِرْيَة فى اللغة: التردُّد فى الأمر والشكُّ والجدال فيه، وأصلها من قولهم:
مَرَيْتُ الناقة، أى: مسحت ضَرْعَها لتستخرج ما فيه، والمِرْيَة كأنها استخراج
للشُّبَه المشكلة[3].
وقد تكرر ذكر الريب فى القرآن الكريم مرات عديدة، ومن شواهده:
- {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}
البقرة/2.
- {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا
عَلَى عَبْدِنَا} البقرة/23.
- {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا
رَيْبَ فِيهِ} آل عمران/9.
- {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ
الْمَنُونِ} الطور/30.
قال الزمخشرى: حقيقة الرِّيبَةِ: قَلَقُ النفسِ واضطرابها، ومنه ما روى
الحسن بن علىٍّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دع ما يريبك إلى ما
لا يريبك؛ فإن الشكَّ ريبةٌ، وإنَّ الصدق طمأنينة". أى: فإن كَوْنَ الأمر مشكوكًا
فيه ممَّا تقلق له النفس ولا تستقر. ومنه رَيْب الزمان، وهو ما يُقلِق النفوسَ
ويَشْخَص بالقلوب من نوائبه. فإن قلت: كيف نفى الرَّيْبَ على سبيل الاستغراق، وكم
من مرتابٍ فيه؟! قلت: ما نَفَى أن أحدًا لا يرتاب فيه، وإنَّما المنفىُّ كَوْنُه
متعلَّقًا للرَّيْبِ ومَظِنَّةً له؛ لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا
ينبغى لمرتابٍ أن يقع فيه[4].
وقال ابن عباس: "ريب" فى القرآن: شكّ، إلا مكانًا واحدًا فى الطور: {رَيْبَ
الْمَنُونِ}. والمراد به هنا: مصيبة الموت، أو أحداث الدهر[5].
ولكن الريب يفترق عن الشك فى كون الريب مصاحبًا للخوف والكراهة. كما يستعمل الريب
بمعنى آخر هو: النائبة والمصيبة.
أمَّا الشَّكُّ فقد تكرر ذكره أيضًا فى القرآن الكريم، ومن شواهده:
- {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}
النساء/157.
الشَّكُّ: أنْ لا يترجَّح أحدُ الاحتمالين؛ ولذلك وُصِفوا بعدم العلم، ثم
وُصِفوا باتِّباع الظن، أى: إنْ لاحتْ لهم أمَارةٌ اتَّبعوا ظنَّهم وإنْ لم يكن
علمًا أو يقينًا[6].
ومما يؤكَّد اختلاف الشك عن الرَّيْب، وَصْفُ أوَّلِهما بالثانى فى عدة آيات من
كتاب الله عز وجل، منها:
- {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}
هود/110، فصلت/45.
فالشك: انتفاء العلم، بحيث لا يترجَّح أحد الاحتمالين، ووصفه بالمريب أى:
يبعث على القلق والاضطراب.
وأمَّا المِرْيَة فمن شواهدها فى كتاب الله عز وجل:
- {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ} هود/17.
- {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ
هَؤُلَاءِ} هود/109.
- {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ
رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}
فصلت/54.
وقد راجعت كتب التفسير مُنقِّبًا عن معنى {مِرْيَةٍ}
فلم أظفر بِطائلٍ، فالمفسرون جميعًا يرون أنها تعنى الشك. ولكن قال الراغب
الأصفهانى:
"المِرْية: التردُّد فى الأمر، وهو أَخَصُّ من الشَّكِّ"[7].
وفى هذا نَظَرٌ؛ لأن الشَّكَّ أيضًا تردُّدٌ بين طرفين متساويين فى الاحتمال[8].
ولعلَّ الصواب أن يقال: إنَّ المرية شَكٌّ يصاحبه عنادٌ، كأن صاحبه يستخرج ما فيه
من شُبَهٍ يجادل بها.
• ونخلص مما سبق إلى أن هذه الألفاظ: "ريب ـ شك ـ مرية"
بينها تقارب دلالى؛ حيث تشترك جميعها فى ملمح عامٍّ مشترك هو: انتفاء العلم.
وتفترق كل منها بملمح دلالىٍّ مميز:
• فالريب يتميز بالخوف والكراهة، وأنه يستعمل بمعنى آخر هو الحَدَث والنائبة.
• والشك: أعمّ هذه الألفاظ، وهو استواء الطرفين أو الاحتمالين دون ترجيح لأحدهما.
• والمرية تتميَّز بملمح الجدال والعناد.
**************************
[1]
مقاييس اللغة، اللسان (ر ى ب).
[2]
مقاييس اللغة، اللسان (ش ك ك).
[3]
مقاييس اللغة، مفردات الأصفهانى، اللسان (م ر ى).
[4]
الكشاف 1/112 - 114.
[5]
التحرير والتنوير 27/61.
[6]
الكشاف 1/580.
[7]
مفردات الأصفهانى، (م ر ى).
[8]
عمدة الحفاظ (م ر ى).
|
|