مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

الزعم أن إخبار القرآن عن مدينة "إرم"
مجرد أساطير
(
*)

مضمون الشبهة:

ذهب كثير من الطاعنين على مدى طويل من الزمن إلى إنكار وجود قوم عاد، واعتبروا ذكرهم في القرآن الكريم من قبيل القصص الرمزي لاستخلاص العبر والدروس، بل تطاول بعضهم فجعلوا أخبارهم من الأساطير التي لا أصل لها في التاريخ؛ ومن ثم فلا إعجاز قرآني في الإخبار عن وجود هذه المدينة وذكر حضارتها، وأوصافها، ولا فضل للقرآن في ذلك.

ومنهم من أنكر الكشوف العلمية الأثرية الحديثة في العثور على آثار قوم عاد ومدينتهم "إرم"، وتزييف الحقائق التاريخية في المنطقة العربية، وخاصة ما فعله اليهود من نسبة كل حضارة تُكتشف إلى تاريخهم المزيف، فحاولوا التكتيم على نتائج الكشوفات الأثرية الحديثة، وحاولوا تغيير اسم "إرم" إلى اسم عبري هو "أوبار" (ubar).

وهناك من ينكر المسألة رأسًا، سواء كانت الاكتشافات صادقة أو غير ذلك؛ فينكر أي أفضلية للقرآن في ذكر هذا القصص؛ إذ كان الناس قبل الإسلام على علم بها، فلا جديد يضيفه القرآن، ولا إعجاز في ذكره لهذه الأمم، فكان كثير من العرب على علم بها قبل الإسلام.

ويذهبون من وراء ذلك إلى التشكيك في ثبوت القرآن الكريم، والطعن في قصصه وحقائقه، وإنكار الإسلام عامة.

وجه إبطال الشبهة:

أخبر القرآن الكريم في كثير من الآيات والسور عن قوم عاد وما كان من حضارتهم وأوصافهم وأعمالهم وأمرهم مع نبيهم هود عليه السلام، ثم هلاكهم بعذاب من الله عز وجل؛ إذ أرسل عليهم الريح العقيم، وأخذتهم الصاعقة، واندثر ذكر قوم عاد بهلاكهم، ولم يعلم أحد مكانهم؛ لإبادتهم بالكامل بعاصفة رملية غير عادية طمرتهم وردمت آثارهم، وتطاول الزمن وأنكر الناس وجودهم، ثم جاءت الكشوف الأثرية الحديثة وأثبتت وجود هذه المدينة العظيمة أسفل الرمال، وصدقت القرآن الكريم في كل ما ذكره عن قوم عاد بما لا يدع مجالاً لشك، وهذا الكشف يثبت صدق القرآن الكريم ومدى إعجازه؛ إذ أخبر عن قوم كانوا قد هلكوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، وأن الله أهلكهم بالعاصفة، ودمَّرهم تمامًا، ولم تكن الأمة العربية أمة تدوين وتوثيق، مع بعد المسافة بين هذه البلاد المدمرة وبين مكة، وهذا جعل الإخبار عن هذه البلاد بهذا التفصيل وحيًا سماويًّا وليس من عند بشر، وهذا يثبت أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم.

التفصيل:

ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أخبارًا كثيرة عن أمم بائدة، تقادم عهدها وتوالت عليها العصور، كما أنبأنا الله عز وجل من أخبارهم وأحوالهم مع أنبيائهم، وذكر أوصافهم وأعمالهم ومساكنهم وحضاراتهم، وكيف كان عصيانهم لأنبيائهم وتكبرهم عليهم، ثم بيان عاقبة أمرهم، وكيفية هلاك هؤلاء المكذبين، قال تعالى:)فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (40)( (العنكبوت).

ومن هؤلاء الأقوام الذين حدثنا عنهم القرآن الكريم في أكثر من موضع وبشيء من التفصيل قوم عاد؛ حيث جاء الخبر عنهم بما كانوا عليه من القوة وشدة البأس، ومن مساكنهم الشاهقة ذات العماد، وما كانوا فيه من النعيم الوافر، وشأنهم مع نبيهم هود عليه السلام؛ إذ كذبوه ورموه بالسفه والجهل، وكذبوا دعوته وكفروا بربهم، ثم كان عقابهم الأليم وعذابهم الشديد وهلاكهم المدمر، إذ أرسل الله عليهم ريحًا صرصرًا شديدة البرد، وشديدة القوة، تحمل عليهم الرمل والحصباء فتقلبها عليهم، وتقتلعهم من الأرض، حتى أتت عليهم جميعًا، وأصبحوا أثرًا بعد عين، ودُفنوا في باطن الأرض، وهذا ما نجده في كثير من آيات القرآن الكريم كما يأتي:

·    حديث القرآن الكريم عن قوم عاد:

تنوعت الآيات القرآنية التي تناولت قوم عاد بالذكر، فمنها ما فصلت القول عنهم؛ فذكرت نعم الله عليهم وصفاتهم ومساكنهم وبيوتهم، وأحوالهم مع نبيهم هود عليه السلام، ودعوته لهم ورفضهم له وتكذيبهم بما جاء به، ثم عذاب الله لهم، وإهلاكهم وإبادتهم عن آخرهم، ومنها ما جاء مقتصرًا على عذابهم وإهلاكهم، وجاءت سورتان من سور القرآن تدل عليهم؛ سُمِّيت إحداهما باسم نبيهم هود عليه السلام، وسُمِّيت الأخرى باسم موطنهم الأحقاف، ومن هذه الآيات ما يأتي:

1.  قال تعالى: )وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (65) قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين (66) قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين (67) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين (68) أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (69) قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (70) قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين (71) فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين (72)( (الأعراف)، وقد جاء في تفسير قول الله تعالى: )وزادكم في الخلق بسطة( (الاعراف:69) ؛ أي: زاد طولكم على الناس, "بسطة"؛ أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم.

وفي هذه الآيات ذكر الله عز وجل قصة نبيه هود مع قومه, وأنه دعاهم إلى عبادة الله وحده, وذكَّرهم بالنعم التي ميَّزهم الله بها عن غيرهم؛ فقد أعطاهم زيادة في الأجسام والطول, لكنهم كذبوه واتهموه بالسفاهة, وأصروا على ذلك، فأخذهم الله بالعذاب، وأنجى الله هودًا ومن معه.

2. وقال تعالى: )وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (50) يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون (51) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين (52)((هود)، وفيهذه الآيات دعاهم نبي الله هود عليه السلام للاستغفار، وهو هنا بمعنى الإيمان، ثم دعاهم إلى التوبة من كل الذنوب, ووعدهم إن هم فعلوا ذلك أن الله تعالى سيرسل عليهم الأمطار الكثيرة, وأنه سيزيدهم قوة بالإضافة إلى القوة التي يتمتعون بها.

3.  وقال تعالى على لسان نبيه هود: )أتبنون بكل ريع آية تعبثون (128) وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون (129) وإذا بطشتم بطشتم جبارين (130) فاتقوا الله وأطيعون (131) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون (132) أمدكم بأنعام وبنين (133) وجنات وعيون (134) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (135)((الشعراء).

ففي هذا السياق جاء الوصف للبناء الذي كانوا يبنونه, ومعنى "ريع": كل مكان مشرف من الأرض مرتفع أو طريق أو واد, وقال ابن كثير: يبنون هناك بنيانًا محكمًا هائلاً باهرًا؛ ولهذا قال: )أتبنون بكل ريع آية((الشعراء:128)؛ أي: معلمًا بناء مشهورًا,)تعبثون (128)((الشعراء)؛ أي: وإنما تفعلون ذلك عبثًا لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة؛ ولهذا أنكر عليهم نبيهم ذلك؛ لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة, واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة, وقيل هي بروج الحمام.

ومعنى قوله تعالى:)وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون(129)((الشعراء)، المصانع هي القصور المشيدة, وقيل: هي الحصون المرتفعة, وفي قول آخر: هي الأحواض التي يُجمع فيها ماء المطر.

ومعنى: )لعلكم تخلدون(129)((الشعراء)؛ أي: لكي تقيموا فيها أبدًا, وذلك ليس بحاصل لكم، بل زائل عنكم، كما زال عمن كان قبلكم, وقيل: إن "لعل" استفهام بمعنى التوبيخ؛ أي فهل تخلدون.

ومعنى: )وإذا بطشتم بطشتم جبارين(130)((الشعراء) ، البطش: هو الأخذ بعنف ظلمًا, وهذا وصف لهم بالغلظة والقوة والجبروت، ثم دعاهم نبي الله هود عليه السلام للإيمان بالله تعالى وطاعته؛ لأن الله تعالى قد أنعم عليهم بكثرة الأبناء والأنعام, وأعطاهم البساتين والعيون والأنهاروالآبار.

4.  وقال تعالى: )وعادًا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين (38)((العنكبوت).

5.  وقال تعالى: )فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (13) إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أُرسلتم به كافرون (14) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون (15) فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا يُنصرون (16)((فصلت).

     في هذه الآيات أخبر الله عز وجل عن إهلاكهم بالصاعقة, والصاعقة هي كل ما أفسد الشيء وغيَّره عن هيئته, وقيل في هذا الموضع عني بها: وقيعة من الله وعذاب، ثم بين الله عز وجل نوع هذه الصاعقة المهلكة, وهو إهلاكهم بالريح الصرصر التي استمرت عدة أيام, واختلف العلماء في معنى الصرصر, فقيل: هي الريح الشديدة الهبوب والسموم, وقيل: هي الريح الباردة, وقيل الصرصر: هي الريح ذات الصوت الشديد, ولا مانع من حمل الكلمة على جميع هذه المعاني؛ فقد كانت ريحًا باردة شديدة الهبوب ولها صوت مخيف.

6.  وقال تعالى: )واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (21) قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (22) قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أُرسلت به ولكني أراكم قومًا تجهلون (23) فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم (24) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين (25) ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (26)( (الأحقاف).

هذه الآيات أخبرت عن المكان الذي كانت به مساكن قوم عاد, وهي الأحقاف, والأحقاف: جمع حِقْف، وهو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلاً، وهو وادٍ بأرض حضرموت, وقيل: هو وادٍ بين عمان والمهرة.

وذكرت الآيات أن العذاب جاءهم في صورة عارض المطر ثم نزل بهم العذاب, والعارض هو السحاب الذي يأتي بالمطر ويكون معترضًا في الأفق, وبعد مجيء هذا العارض وفرحهم به فاجأهم العذاب, وهي الريح التي دمرت كل شيء ورمت كل شيء على بعضه, وقد نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك أنه قال: أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا أيديهم, فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش, فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم, وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسومًا ولهم أنين, ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر، ولم تُبْقِ إلا آثارًا لبعض المساكن التي كانوا يسكنونها.

7. وقال تعالى: )وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم (41) ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم (42)( (الذاريات)، وهنا وُصفت الريح بوصف جديد وهو العقم؛ لأنها لا فائدة منها، فلا تلقح شجرًا ولا تثير سحابًا؛ أي إنها لا بركة فيها ولا رحمة ولا منفعة, أو لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم.

8. وقال تعالى: )كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر (18) إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يوم نحس مستمر (19) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر (20) فكيف كان عذابي ونذر (21)((القمر)،  هذه الآيات تصف عمل الريح في قوم عاد؛ فقد كانت ترفع الواحد منهم إلى السماء ثم تطرحه على رأسه في الأرض فتدق رقبته, وتبين رءوسهم من أجسادهم, وقيل: إنها كانت تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها، ومعنى: )أعجاز نخل منقعر(20)((القمر)، الأعجاز: جمع عجُز, وهو مؤخر الشيء،والمنقعر: المنقلع من أصله.

9.  وقال تعالى:)وأما عاد فأُهلكوا بريح صرصر عاتية (6) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية (7) فهل ترى لهم من باقية (8)((الحاقة)، وفي هذه الآيات زاد وصف جديد للريح، وهو وصفها بأنها "عاتية"؛ أي: قوية وشديدة على قوم عاد فلم يستطيعوا ردها.

10. وقال تعالى: )ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يُخلق مثلها في البلاد (8)((الفجر)، أما هذه الآيات فقد وصفت "إرم" هنا بأنها ذات العماد, وقد اختلف المفسرون في معنى: )إرم ذات العماد(7)((الفجر)، على عدة أقوال, وأقرب الأقوال في ذلك: هو أن "إرم" اسم لقبيلة عاد, وذلك نسبة لأحد أجدادهم, أو أن "إرم" هو اسم لبلدتهم.

وأما معنى:)ذات العماد(7)((الفجر)؛ أي: ذات الطول, وقيل: إن الوصف بالطول هو عائد على قوم عاد؛ أي: إنهم كانوا أصحاب أجسام طويلة, فشُبِّهت قاماتهم بالأعمدة, وقيل: إن الوصف بالطول عائد على منازلهم, فقد كانت بيوتهم تُرفع بالأعمدة الطويلة, ولا مانع من حمل معنى الآية على القولين, وذلك لعدم التعارض بينهما.

ومعنى قوله تعالى: )التي لم يُخلق مثلها في البلاد (8)((الفجر): عائد على "إرم", فقيل: إن قبيلة عاد لم يُخلق مثلها في ذلك الزمان؛ أي: إنه لم يكن لهم مثيل في القوة وطول الأجسام, وقيل: إن مدينة إرم كانت أعظم مدينة في ذلك الزمان فلم يكن يشابهها أي بلد. 

فمن خلال هذه الآيات نعلم أن عادًا سكنوا الأحقاف من أرض حضرموت, وأنهم كانواأصحاب أجسام طويلة, وقد أعطاهم الله تعالى أنواعًا من العطايا؛ مثل: كثرة الأبناء والأنعام والبساتين والأنهار, واتصفوا بأنهم كانوا يبنون القصور الشاهقة والحصون العالية وأحواض الماء هناك؛ ولهذا قال تعالى فيهم:)أتبنون بكل ريع آية تعبثون (128)( (الشعراء)، ومن ذلك بناؤهم لمدينة "إرم" التي وصفها القرآن الكريم بأن مبانيها كانت ذات أعمدة ضخمة, ولم يكن لها مثيل فيما جاورها من المدن في ذلك العصر, وكانوا أيضًا أصحاب عبث ولهو وكفر؛ فأرسل الله عز وجل إليهم نبيه هودًا عليه السلام, فدعاهم إلى الإيمان بالله وحده, والتوبة إليه, والاستغفار من ذنوبهم, وذكرهم بنعم الله عليهم, فرفضوا دعوته وكذبوه واتهموه بالسفاهة والكذب, ثم أخذ يرغبهم ويعدهم بما عند الله لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة, فوعدهم- إن هم آمنوا بالله- بالزيادة في القوة والنعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم من قبل, فلما لم يستجيبوا له انتقل من الوعد والترغيب إلى الوعيد والترهيب, فهددهم وخوفهم من عذاب الله وانتقامه, لكنهم اغتروا بقوتهم وقالوا: )من أشد منا قوة( (فصلت: ١٥), ونسوا:)أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة( (فصلت: ١٥)، وبعد هذا جاءهم عذاب الله, فأهلكهم الله تعالى بريح صرصر عاتية, فأهلكتهم ودفنتهم ومساكنهم تحت الرمال, فصاروا عبرة لمن جاء بعدهم, ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد([1]).

وهكذا فقد فصل القرآن الكريم الحديث عن هؤلاء القوم، وبيَّن كثيرًا من أمورهم وأحوالهم، ووضح عاقبة أمرهم وهلاكهم؛ ليأخذ الناس العبرة والعظة فلا يكفرون نعمة الله، ولا يشركون به أحدًا، ولا يتكبرون على أنبيائه ورسله.

وهذا التفصيل عن قوم عاد لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه من تلقاء نفسه، أو من المجتمع من حوله؛ إذ تباعدت الأسفار بين هذه البلاد وبين مكة، ومر على هلاكهم الدهر الطويل، لدرجة أن الناس جعلوا الحديث عنهم من الخرافات والأساطير، وطعن الناس قديمًا وحديثًا في وجودهم، حتى جاء العصر الحديث بكشوفاته ومعداته المناسبة، واستطاع أن يثبت وجود هذه المدينة أسفل الرمال، مطمورة في الأرض، كما نص القرآن الكريم على ذلك، وهذا ما نفصله فيما يأتي:

·    الكشف الحديث عن إرم ذات العماد:

جاءت الكشوف الأثرية الحديثة وأثبتت حقيقة وجود مساكن قوم عاد ومدينة إرم، وذلك ما يذكره الدكتور زغلول النجار فيقول: في سنة ‏1984م زُوِّد أحد مكوكات الفضاء بجهاز رادار له القدرة على اختراق التربة الجافة إلى عمق عدة أمتار يُعرف باسم "جهاز رادار اختراق سطحالأرض" (GroundPenetratingRadarOrGPRفكشف عن العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربًا إلى أواسط آسياشرقًا‏.

وبمجرد نشر نتائج تحليل الصور المأخوذة بواسطة هذا الجهاز تقدم أحد هواةدراسة الآثار، وهو أمريكي يُدعى نيكولاس كلاب ( NicholssClapp ) إلى مؤسسة بحوث الفضاء الأمريكية المعروفة باسم "ناسا"(NASA)‏ بطلب للصور التي أُخذت بتلك الواسطة لجنوب الجزيرة العربية‏,‏ وبدراستها اتضح وجود آثار مدقات للطرق القديمةالمؤدية إلى عدد من أبنية مدفونة تحت الرمال السافية التي تملأ حوض الربع الخالي‏,‏وعدد من أودية الأنهار القديمة والبحيرات الجافة التي يزيد قطر بعضها عن عدة كيلومترات‏.‏

وقد احتار الدارسون في معرفة حقيقة تلك الآثار؛‏ فلجئوا إلى الكتابات القديمة الموجودة في إحدى المكتبات المتخصصة في ولاية كاليفورنيا، وتُعرف باسم "مكتبة هنتنجتون" (HuntingtonLibrary)، ولجئوا إلى عدد من المتخصصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم، وفي مقدمتهم الأمريكي جوريس زارينز (‏JurisZarins‏)، والبريطاني راندولف فينيس (‏RandulphFiennes).


صورة لصحراء الربع الخالي في السعودية تم تصويرها بجهاز رادار (GPR) له قدرة اختراق التربة لأكثر من عشرة أمتار، وتبين وجود آثار وأنهار وبحيرات مدفونة تحت الرمال

وبعد دراسة مستفيضة أجمعوا على أنها هي آثار عاصمة ملك عاد التي ذكر القرآن أن اسمها "إرم"‏ كما جاء في سورة الفجر‏,‏ والتي قُدِّر عمرها بالفترة من 3000‏ ق‏.‏م،‏ إلى أن نزل بها عقاب ربها، فطمرتها عاصفة رملية غير عادية،‏ وعلى الفور قام معمل الدفع النفاث بكاليفورنيا ‏(‏معهد كاليفورنياللتقنية‏) (TheJetPropulsionLaboratories,California Institute of Technology ,J.P.L‏)بإعداد تقرير مطول يضم نتائج الدراسة‏,‏ ويدعو رجال الأعمال والحكومات العربية إلى التبرع للكشف عن تلك الآثار التي تملأ فراغًا في تاريخ البشرية‏,‏ وكان عنوان التقرير هو‏:‏ البعثة عبر الجزيرة (‏TheTransArabiaExpedition)، وتحت العنوان مباشرةجاءت الآيتان الكريمتان رقما 7 و 8‏ من سورة الفجر‏,‏ وقد أُرسل إليَّ التقرير لدراسته‏,‏ وقد قمت بذلك فعلاً، وقدمت رأيي فيه كتابة إلى المسئولين بالمملكة العربيةالسعودية‏.

وقد ذكر التقرير أن اثنين من العلماء القدامى قد سبق لهما زيارة مملكة عاد في أواخر حكمها‏,‏ وكانت المنطقة لا تزال عامرة بحضارة زاهرة‏,‏ والأنهار فيها متدفقة بالماء‏,‏ والبحيرات زاخرة بالحياة‏,‏ والأرض مكسوة بالخضرة‏,‏ وقوم عاد مستكبرون في الأرض‏,‏ ويشكلون الحضارة السائدة فيها‏,‏ وذلك قبل أن يهلكهم الله‏ تعالى‏ مباشرة‏,‏ وكان أحد هؤلاء هو بليني الكبير من علماء الحضارة الرومانية، والذي عاش في الفترة من عام ‏23‏م إلى ‏79‏م‏,‏ والآخر كان هو الفلكي والجغرافي المعروف بطليموس الإسكندري الذي كان أمينًا لمكتبة الإسكندرية، وعاش في الفترة من ‏100‏م إلى‏170م تقريبًا‏,‏ وقام برسم خريطة للمنطقة بأنهارها المتدفقة‏, وطرقاتها المتشعبة والتي تلتقي حول منطقة واسعة سماها باسم "‏سوقعمان".‏

صورة بالأقمار الصناعية لشبه الجزيرة العربية، ويبدو

الربع الخالي في الجنوب الشرقي منها

ووصف بليني الكبير حضارة عاد الأولى بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى على وجه الأرض‏,‏ وذلك في ثرائها‏,‏ ووفرة خيراتها‏,‏ وقوتها؛ حيث كانت على مفترق طرق التجارة بين كل من الصين والهند من جهة وبلاد الشام وأوربا من جهة أخرى‏,‏ والتي كانت تُصدر إليها البخور والعطور والأخشاب‏,‏ والفواكهالمجففة‏,‏ والذهب‏,‏ والحرير وغيرها‏.

وقد علَّق كثير من المتأخرين على كتابات كل من بليني الكبير وبطليموس الإسكندري بأنها ضرب من الخرافات والأساطير‏,‏ كما يتشكك فيها بعض مُدَّعي العلم في زماننا ممن لم يستطيعوا تصور أن الربع الخالي-‏ وهـو من أكـثر أجزاء الأرض جفافًا اليوم- كان مليئًا في يوم من الأيام بالأنهار والبحيرات والعمران‏,‏ ولكن صور المكوك الفضائي جاءت مطابقة لخريطة بطليموس, ومؤكدة ما قد كتبه من قبل كل منه ومن بليني الكبير كما جاء في تقرير معهد الدفع النفاث‏.

إرهاصات قبل الكشف عن إرم:

· في سنة 1975م تم اكتشاف آثار لمدينة قديمة في شمال غربي سوريا باسم مدينة "إبلا" (Ebla)، وتم تحديد تاريخها بحوالي 4500‏ سنة مضت‏,‏ وفي بقايا مكتبة قصر الحكم في هذه المدينة القديمةوُجدت مجموعة كبيرة من الألواح الصلصالية- حوالي ‏15,000‏ لوح- تحمل كتابات بإحدىاللغات القديمة التي تم معرفة مفاتيحها وتمت قراءتها‏.‏

· نشرت المجلة الجغرافية الأهلية بتاريخ ديسمبر ‏1978م (NationalGeographicMagazine‏) مقالا بعنوان (Ebla:SplendorofanunknownEmpire‏) لكاتب باسم (HowardlaFay)‏.

جاءت فيه الإشارة إلى أن من الأسماء التي وُجدت على ألواح مدينة "إبلا" الاسم "إرم" على أنه اسم لمدينة غير معروفة جاء ذكره في السورة رقم ‏89‏ من القرآن الكريم‏.

· بعد ذلك بعام- ‏أي في ‏1979م- ‏نشر اثنان من غلاة الصهاينة هما‏:‏ حاييم برمانت وميخائيل ويتزمان (ChaimBermantandMichaelWetzman) كتابًا مشتركًا تحت عنوان (Ebla:ArevelationInArchaeology‏) ذكرا فيه أسماء ثلاثة وُجدت مكتوبة على ألواح الصلصال المكتشفة في ‏إبلا‏ هي‏:‏ "شاموتو" أو "ثمود", و "‏عاد",‏ و "‏إرم"‏، وذكرا أن هذه الأسماء الثلاثة ذُكرت في السورة رقم ‏89‏ من القرآن الكريم.

وأضاف هذان الصهيونيان أن "‏ثمود"‏ اسم قبيلة ذكرهاسارجون الثاني (SargonII‏) في القرن الثامن قبل الميلاد‏,‏ بينما الاسم "إرم"‏ قد اختلف فيه؛ فمن المؤرخين من اعتبره اسمًا لإحدى القبائل‏,‏ ومنهم من اعتبره اسمًا لمكان‏,‏ أما عن الاسم الثالث‏ "‏عاد"‏ فقد اعتبراه اسمًا أسطوريًّا‏,‏ وهذا منقبيل تزييف التاريخ الذي برع فيه الصهاينة منذ القدم‏,‏ وقد سبقهم في ذلك جيش من مزيفي تاريخ الجزيرة العربية، على رأسهم (ThomasBertram‏) الذي نشر في الثلاثينيات من القرن العشرين كلامًا مشابهًا.

· في يوليو سنة 1990م تشكل فريق من البحاث في وكالة الفضاء الأمريكية (NASA)‏ برئاسة ‏(CharlesElachi)‏، ومن معهد الدفعالنفاث (J.P.L)‏ برئاسة (RonaldBlom)‏ للبحث عن "‏إرم ذات العماد" تحت رعاية وتشجيع عدد من الأسماء البارزة، منها (ArmandHammar,SirRandulphFiennes,GeorgeHedges)، ولكن البحث تأجل بسببحرب الخليج‏.‏

بعد الكشف عن إرم:

· في يناير ‏1991م بدأت عمليات الكشف عن الآثار في المنطقة التي حددتها الصور الفضائية واسمها الحالي "الشيصار"، واستمر إلى مطلع سنة ‏1998م، وأُعلن خلال ذلك عن اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع، سميكةالجدران بأبراج في زواياها، مقامة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاعها إلى تسعة أمتار، وقطرها إلى ثلاثة أمتار، وربما تكون هي التي وصفها القرآن‏.

· في 17/2/1992م نُشر في مجلة تايم (Time) الأمريكية مقال بعنوان (ArabiaLostSandCastleByRichardOstling)، ذكر فيه الكشف عن "إرم".‏

صورة لبعض الآثار المكتشفة للمدينة الضائعة "إرم" ذات العماد

· بتاريخ 10‏/4/1992م كتبت مقالاً بعنوان "اكتشاف مدينة إرم ذات العماد"، نُشر بجريدة الأهرام المصرية، لـخصت فيه ما وصلني من أخبار ذلك الكشف حتى تاريخه‏.‏

·     في سنة ‏1993م نشر بيل هاريس كتابه المعنون (BillHarris:LostCivilizations‏).

·     بتاريخ ‏23/4/1998‏م نشر (NicholasClapp) كتابه المعنون (TheRoadtoUbar‏).

صورة من الفضاء للفجوة الضخمة التي اكتُشفت فيها
مدينة "إرم" ذات العماد

· بتاريخ ‏14/6/1999م نشر بيكو إير (PicoIyer) كتابهالمعنون (Falling off The Map: Some Lonely Places in The World)، وتوالت الكتب والنشرات والمواقع على شبكة المعلومات الدولية منذ ذلك التاريخ‏,‏ ولكن تكتم القائمون على الكشف عن نشر مزيد من أخباره حتى يتمكنوا من تزييفه وإلحاقه بأساطيراليهود كما فعلوا من قبل في لفائف البحر الميت وآثار "إبلا"‏ وغيرها من المواقع‏,‏ ولكن كل ما نُشر- على قلته- يؤكد صدق ما جاء بالقرآن عن قوم عاد بأنهم‏:‏

1. ‏كانوا في نعمة من الله عظيمة ولكنهم بطروها ولم يشكروها، ووصف بليني الكبير لتلك الحضارة بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى كأنه ترجمة لمنطوق الآية الكريمة التي قال فيها ربنا عز وجل:)التي لم يُخلق مثلها في البلاد (8)( (الفجر)‏.

 

تصور لشكل القلعة التي كانت تحيط بمدينة "إرم" والمقامة
على أعمدة ضخمة

2. أن هذه الحضارة قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية، وهو ما سبق القرآن الكريم بالإشارة إليه‏.

رسم تخطيطي يوضح شكل مدينة "إرم ذات العماد" التي
ذكرها القرآن الكريم

3. أن هناك محاولات مستميتة من اليهود لتزييف تاريخ تلك المنطقة، ونسبة كل حضارة تكتشف فيها إلى تاريخهم المزيف؛ ولذلك كان هذا التكتم الشديد على نتائج الكشف حتى يفاجئوا العالم بما قد زيفوه‏,‏ ومن ذلك محاولة تغيير اسم "‏إرم"‏ إلى اسم عبري هو "أوبار" (Ubar‏).

هذه قصة "إرم ذات العماد"‏ مدينة قوم عاد‏,‏ التي جاءتالكشوف الأثرية الحديثة بإثبات ما ذُكر عنها في القرآن الكريم،‏ وإن كان نفر من الأقدمين قد حاول إنكار ذلك تطاولاً على الله وكتابه‏,‏ فإن نفرًا من المحدثين قد حاول إنكاره تطاولاً على العلم وأهله في زمن يتكلم فيه الرويبضة كما أخبرنا رسولالله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويبقى ما جاء في القرآن الكريم من ذكر لقوم عاد ولمدينتهم:‏ )إرم ذات العماد(7)((الفجر),‏ ولما أصابهاوأصابهم من دمار بعاصفة رملية غير عادية- صورة من صور الإعجاز التاريخي في كتاب اللهتشهد له بصفائه الرباني‏,‏ وإشراقاته النورانية‏,‏ وبأنه لا يأتيه الباطل من بينيديه ولا من خلفه([2]‏).

إننا نلاحظ من العرض السابق لما جاء في كتاب الله تعالى ولما وصل إليه علماء الآثار أن هناك تطابقًا واضحًا بين ما جاء في كتاب الله تعالى وبين مكتشفات العلم الحديث، وذلك من عدة وجوه، يمكن أن نلخصها في النقاط الآتية:

1. أن قوم هود كانوا يسكنون في الأحقاف, والأحقاف جمع حِقْف, وهو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلاً, وقد أكدت الاكتشافات أن المنطقة التي كان يسكنها قوم عاد ينطبق عليها هذا الوصف.

2. أن المنطقة التي كان يسكنها قوم عاد كانت منطقة زراعية, تنتشر بها البساتين, ويوجد بها الأنهار والعيون, وكأنها واحة غناء في وسط الصحراء, ولذلك امتن الله عليهم بهذه النعمة، وقد جاء ذلك مطابقًا للصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للمنطقة التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا عام 1990م عن نظام واسع من القنوات والسدود القديمة التي استعملت في الري في منطقة قوم عاد، والتي يُقدر أنها كانت قادرة على توفير المياه إلى 200,000 شخص, كما تم تصوير مجرى لنهرين جافين قرب مساكن قوم عاد.

يقول أحد الباحثين الذين أجروا أبحاثهم في تلك المنطقة:"لقد كانت المناطق التي حول مدنية مأرب خصبة جدًّا، ويعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت كانت كلها مزروعة".

وأكبر دليل على ذلك هو انتشار المزارع حول هذه المنطقة في الوقت الحالي, وكذلك وفرة المياه الجوفية في هذه المنطقة.

صورة حديثة تظهر الزراعة بجانب بقايا آثار مدينة إرم، هذا يدل على أن المدينة بُـنـيت على ضفاف نهر متدفق حسب ما أظهرت الصور لما تحت الرمال التي أُخذت بواسطة مكوك الفضاء الأمريكي "ناسا"

3. ذكرت الآيات الكريمة أن قوم عاد كانوا يبنون القصور الشاهقة والحصون العالية, وكذلك كانوا يهتمون ببناء الأحواض التي يُخزن بها الماء، وقد أكدت الاكتشافات الحديثة هذه المسألة.

4. جاء في الآيات السابقة أن قوم عاد كانت لهم مدينة تُسمى "إرم", ووصفها القرآن بأنها ذات أعمدة, وقد جاءت الكشوف الحديثة لمساكن قوم عاد لتؤكد هذه الحقيقة؛ فقد اكتشفوا قلعة ثمانية الأضلاع، سميكة الجدران بأبراج في زواياها، مقامة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاعها إلى تسعة أمتار، وقطرها إلى ثلاثة أمتار.

يقول الدكتور زارينز- وهو أحد أعضاء فريق البحث وقائد عملية الحفر- : إنه بما أن الأعمدة الضخمة تُعد من العلامات المميزة للمدينة المكتشفة, وحيث أن مدينة "إرم" وُصفت في القرآن بأنها "ذات العماد"؛ أي الأعمدة الضخمة- فإن ذلك يُعد خير دليل على أن المدينة التي اكتُشفت هي مدينة "إرم" التي ذُكرتفي القرآن الكريم, والمدينة الأسطورية التي ذُكرت في القرآن باسم "إرم" (Iram)- والتي أُنشئت لكي تكون فريدة جدًّا- تبدو مستديرة، ويمر بها رواق معمد دائري، بينما كل المواقع الأخرى في اليمن التي اكتُشفت حتى الآن كانت أبنيتها ذات أعمدة مربعة, ويقال بأن سكان مدينة إرم بنوا العديد من الأعمدة التي غُطِّيت بالذهب أو صُنعت من الفضة، وكانت هذه الأعمدة رائعة المنظر، وهذا تطابق واضح وجلي مع ما ذكرته الآيات الكريمة.

5. أن قوم عاد لما كذبوا نبي الله هودًا أرسل الله تعالى عليهم ريحًا شديدة محملة بالأتربة قضت عليهم وغمرت دولتهم بالرمال, ومما أكدته الاكتشافات الحديثة لمساكن قوم عاد أن نهاية قوم عاد كانت بسبب عاصفة رملية هوجاء طمرت مساكنهم تحت تلك الرمال.

وبهذا يكون القرآن الكريم قد أعطى صورة واضحة جلية عن قوم عاد ومساكنهم, وما كانوا فيه من نعمة, وأنهم كذبوا رسول الله هودًا عليه السلام, فأنزل الله بهم أشد العذاب, فأهلكهم وطمر بلدتهم تحت الرمال, وهذا كله صورة من صور الإعجاز التاريخي في كتاب الله تشهد له بأنه كلام البارئ سبحانه وتعالى‏,‏ وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه([3])‏.

أما الذين يذهبون إلى أن هذا الاكتشاف لا قيمة له، وإثبات وجود قوم عاد لا أهمية له ولا يمثل إعجازًا للقرآن الكريم، بحجة أن قوم عاد كانوا معروفين للعرب قبل الإسلام، ولم يأتِ القرآن بجديد لديهم- فهذا كلام منقوص ولا يؤثر بشيء فيما ذكرناه؛ إذ كان علم العرب عن قوم عاد قبل نزول القرآن مجرد أخبار مجتزأة وغير كاملة، ونتيجة لبعد المسافة بين مكة وبلاد قوم عاد، وعدم وجود التوثيق والتدوين، فلا بد من غياب الحقيقة ونسيان أمر هذه البلاد مع مرور الزمن، فجاء القرآن الكريم ببيان تفصيلي عن هذه الأمم.

والأهم أنه بيَّن طريقة العقوبة التي حلت بهم، والعذاب الذي نزل بساحتهم، ووضح أنهم مدفونون تحت الرمال، وأن هذا العذاب قد نزل بهم بسبب معاصيهم وكفرهم ليعتبر بهم الناس، فأنكر ذلك الظالمون قديمًا وحديثًا، وأنكروا وجود قوم عاد ومساكنهم، فلما يأتي العصر الحديث باكتشافاته المتنوعة، ويقف على حقيقة هذه الحضارات، ويؤكد وجود هذه البلاد، ويثبت صدق حديث القرآن عنهم، فهذا يمثل إعجازًا كبيرًا للقرآن الكريم قديمًا وحديثًا؛ إذ تأكد صدق إخباره عن هذه الحضارة التي طمرت قبل وجود الإسلام بمئات السنين، وتناسي ذكرهم بين الناس، فلم يعد يعلمهم أحد بهذا التفصيل، وتأكد أيضًا إثبات أن هذا القرآن هو كلام الله الحق الذي يعلم غيب السماوات والأرض.

الخلاصة:

· أخبر القرآن الكريم عن كثير من الحضارات البائدة قبل وجود الإسلام، وبيَّن أحوالهم مع أنبيائهم وأوصافهم ومساكنهم، وبيَّن عقابهم على كفرهم ومعاصيهم وهلاكهم بسبب كبرهم وعنادهم، ومن بين هذه الأمم البائدة جاء ذكر قوم عاد بالتفصيل في أمرهم، وأنهم كانوا يبنون القصور المشيدة والحصون العالية.

· ذكر القرآن الكريم أن هلاك قوم عاد كان بعاصفة رملية هائلة سُلِّطت عليهم حتى دمرتهم واقتلعتهم من أماكنهم وأهلكتهم، ودفنتهم في الرمال في باطن الأرض، فلم يعد لهم وجود عليها.

· شكَّك كثير من الناس في وجود قوم عاد وحقيقة مساكنهم قديمًا وحديثًا؛ وذلك لاختفائها بالكامل تحت الرمال، حتى جاءت الكشوف الأثرية الحديثة وأثبتت وجود مساكن قوم عاد مطمورة تحت الرمال.

· في سنة 1984م زُوِّد أحد مكوكات الفضاء بجهاز رادار له القدرة على اختراق التربة الجافة إلى عمق عدة أمتار يُعرف باسم "جهاز رادار اختراق سطح الأرض"، وقد استطاع الكشف عن العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا إلى أواسط آسيا، مما أدى إلى شغف الباحثين بدراسة هذه المناطق، حتى وجدوا آثار مدقات للطرق القديمة المؤدية إلى عدد من أبنية مدفونة تحت الرمال السافية في جنوب الجزيرة العربية، وعدد من أودية الأنهار القديمة والبحيرات الجافة، وتوصلوا بعد دراسة مستفيضة إلى أنها هي آثار عاصمة ملك عاد، وهي مدينة "إرم".

· وفي عام 1991م بدأت عمليات الكشف عن الآثار في منطقة "الشيصار"، واستمر حتى عام 1998م، وأُعلن خلال ذلك عن اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع، سميكة الجدران بأبراج في زواياها، مقامة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاعها إلى تسعة أمتار، وقطرها إلى ثلاثة أمتار، ويرجحون أنها هي المدينة التي ذكرها القرآن الكريم "إرم".

· هناك محاولات مستميتة من اليهود لتزييف هذه الكشوف الأثرية الحديثة عن قوم عاد، ومحاولة نسبة هذه الكشوف إلى تاريخهم المزيف؛ ولذلك حاولوا تغيير اسم "إرم" إلى اسم عبري هو "أوبار"(ubar)، ولكن كل ما نُشر عن هذه الكشوف يؤكد أنها مدينة قوم عاد؛ لأن ما جاء من أوصافها يتفق تمامًا مع ما ذُكر في القرآن الكريم.

· إن الذين يذهبون إلى أن هذه الكشوف الأثرية لا قيمة لها لا اعتبار لكلامهم؛ لأن هذه الكشوف تبين صدق القرآن الكريم فيما أخبر عنه، وترد على افتراءات الظالمين قديمًا وحديثًا، كما أنه لم يكن معلومًا عن قوم عاد هذه الحقائق؛ إذ إنهم هلكوا قبل الإسلام بمئات السنين، وقد تناسى الناس أمرهم، لدرجة أنهم كذبوا أخبارهم، فهذا الكشف يُعد إعجازًا تاريخيًّا للقرآن الكريم في ذكر هؤلاء الأمم، وبيان أحوالهم وهلاكهم، وصدق أخباره عنهم.

 

[1]. انظر: مساكن قوم عاد، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.

[2]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص610: 616 بتصرف.

[3]. مساكن قوم عاد، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.

read go want my wife to cheat
read women who cheat on husband want my wife to cheat
why do men have affairs why do husband cheat why men cheat on beautiful women
reasons wives cheat on their husbands affair dating sites why do men have affairs
viagra vison loss vasodilator viagra read
viagra vison loss buy viagra online read
husband cheat online online affair
read cheat husband click here
My girlfriend cheated on me find an affair signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  1706
إجمالي عدد الزوار
  36890091

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع