مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

إنكارحدوث طوفان نوح  عليه السلام (*)

مضمون الشبهة:

في محاولة لتزييف الحقائق التاريخية ينكر الطاعنون حدوث الطوفان الذي أغرق الله تعالى به الكافرين ونجَّى منه المؤمنين مع نوح عليه السلام، وهو الوارد في القرآن الكريم؛ قال تعالى: )فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (14)((العنكبوت)، ويذهبون إلى أنه من الأساطير التي توارثها الإسلام عن غيره من الأديان والكتب السابقة، ويستدلون على ذلك بأن الطوفان من الأمور المستحيل حدوثها علميا، ويتساءلون: من أين جاءت المياه التي غطت الأرض بجبالها؟! وكيف تستطيع التربة أن تبتلع كل هذه المياه؟! وأين ذهبت؟! وأين هي الآن؟! ثم كيف لسفينة أن تسع كل أصناف حيوانات الأرض؟!

وجوه إبطال الشبهة:

1)  طوفان نوح عليه السلام ليس أسطورة، وإنما هو حقيقة سطرها القرآن الكريم، وحكاها بدقة منقطعة النظير، وقدم الدليل المادي على ثبوته، وهو بقاء السفينة في مكانها حتى يراها الناس بعد ذلك، فيتعظوا ويعتبروا؛ قال تعالى: )ولقد تركناها آية فهل من مدكر (15)( (القمر)، والقرآن بهذا لم يتوارث هذه القصة عن غيره من الكتب السماوية الأخرى؛ لأنه قد دخلها التحريف، فجاء حديثها مليئًا بالتناقضات؛ خاصة كتاب العهد القديم (التوراة)، فلو كان القرآن قد أخذ تلك القصة من هذه الكتب لجاء حديثه به الكثير من العوار ولم يكن ليسلم من النقد.

2)  لقد توافرت الأدلة العلمية والمادية على حدوث الطوفان؛ فأثبت ليونارد وولي من خلال الحفريات والدراسات الأثرية أن طوفانًا عارمًا قد حدث في منطقة سهول وادي الرافدين وما حولها (وهي المنطقة التي سكنها قوم نوح عليه السلام، كما يجمع الأثريون والمؤرخون)، كما اكتشف أحد رعاة الغنم في تركيا سفينة نوح عليه السلام مطمورة في رسوبيات مياه عذبة على جبل الجودي عام 1948م، وقد تتابعت الدراسات العلمية لموقع السفينة بعد ذلك في سنوات عديدة، وإلى يومنا هذا، وهذا من أوضح الأدلة على حدوث الطوفان؛ فكما يقال: البعرة تدل على البعير.

     3)  من الثابت علميًّا أن الأرض هي أغنى الكواكب بالماء، وأن كل الماء الموجود على سطحها هو خارج منها أصلاً، وهذا يفسر كمية الماء الذي كان في الطوفان، بالإضافة إلى ماء المطر، وبعد انتهاء الطوفان انحسر الماء عن اليابسة؛ فابتلعت الأرض جزءًا منه، وفاض الباقي إلى البحار والمحيطات وإلى غيرها من منخفضات الأرض، وهذه المياه لم تغطِّ جميع الكرة الأرضية كما يدَّعون؛ لأن هذا لا دليل عليه، والقرآن الكريم لم يتطرق إليها، وهذه المسألة وإن كانت لم تُحسم بعد إلا أن المنطق ينادي بمحدودية الطوفان بأرض قوم نوح؛ حيث كان استقرار جميع بني آدم، ثم تفرق أبناء الناجين من الطوفان بعد ذلك إلى مختلف مناطق الأرض، ورغم ذلك فإن طوفان نوح عليه السلام من المعجزات، والأصل في المعجزات أنها لا تُعلل؛ لأنها خوارق للسنن، أما عن حمل نوح في سفينته من كل زوجين اثنين، فالمراد به من الحيوانات الأليفة التي وُجدت في منطقته؛ لأنها الضرورية من أجل بناء حياة جديدة في منطقة فقدت كمية كبيرة من مواشيها بسبب الطوفان، فهل بعد هذا ينكرون حدوث الطوفان؟!

التفصيل:

أولاً. حديث القرآن الكريم عن الطوفان واختلافه عن غيره:

لقد قص علينا القرآن الكريم كثيرًا من قصص الأمم البائدة؛ وذلك للعظة والعبرة، ومن ذلك حديثه عن نوح عليه السلام وقومه الذين لم يؤمنوا به إلا قليل منهم، بعد أن دعاهم إلى عبادة الله وحده تسع مئة وخمسين عامًا؛ فأهلك الله الكافرين بالطوفان، ونجَّى نوحًا والذين آمنوا معه في السفينة.

وقـد حكى القرآن هذه الحادثة- أي: الطوفان- في أكثر من سورة؛ فقال الله تعالى مفصلا: )وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم (41) وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدًا للقوم الظالمين (44)( (هود).

وقال تعالى: )كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدُجِر (9) فدعا ربه أني مغلوب فانتصر (10) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر (12) وحملناه على ذات ألواح ودُسُر (13) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كُفِر (14) ولقد تركناها آية فهل من مُدَّكِر (15) فكيف كان عذابي ونُذُر (16) ((القمر).

وقال تعالى أيضًا في إشارة موجزة: )ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (14) فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين (15) ((العنكبوت).

إن الناظر في هذه الآيات الكريمة يجد عرضًا كافيًا شافيًا لمعجزة الطوفان؛ يقول الشيخ سيد قطب معلقًا على بعض الآيات: )ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر (12)((القمر)، وهي حركة كونية ضخمة غامرة تصورها ألفاظ وعبارات مختارة، تبدأ بإسناد الفعل إلى الله تعالى مباشرة: )ففتحنا( (القمر:11)، فيحس القارئ يد الجبار تفتح )أبواب السماء( (القمر:11)، بهذا اللفظ، وهذا الجمع )بماء منهمر((القمر:11) غزير متوال، وبالقوة ذاتها وبالحركة نفسها:)وفجرنا الأرض عيونا( (القمر:12) ، وهو تعبير يرسم مشهد التفجر وكأنه ينبثق من الأرض كلها، وكأنما الأرض كلها قد استحالت عيونًا.

والتقى الماء المنهمر من السماء بالماء المتفجر من الأرض)على أمر قد قُدِر((القمر:12)، التقيا على أمر مقدَّر، فهما على اتفاق لتنفيذ هذا الأمر المقدَّر، طائعان للأمر، محققان للقدر.

حتى إذا صار طوفانًا يطم ويعم، ويغمر وجه الأرض، ويطوي الدنس الذي يغشى هذا الوجه، وقد يئس الرسول من تطهيره، وغُلب على أمره في علاجه- امتدت اليد القوية الرحيمة إلى الرسول الذي دعا دعوته، فتحرك لها الكون كله، امتدت له هذه اليد بالنجاة وبالتكريم: )وحملناه على ذات ألواح ودُسُر (13) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كُفِر (14)((القمر) ، وظاهر من العبارة تفخيم السفينة وتعظيم أمرها؛ فهي ذات ألواح ودسر([1])،تُوصف ولا تُذكر لفخامتها وقيمتها، وهي تجري في رعاية الله تعالى بملاحظة أعينه؛ )جزاء لمن كان كُفِر(14)(([2])(القمر).

وهذه السفينة هي من أوضح الأدلة القرآنية على حدوث الطوفان العظيم؛ إذ يقول الله تعالى عن الآيات السابقة: )ولقد تركناها آية فهل من مدكر(15)((القمر)،)وجعلناها آية للعالمين(15)((العنكبوت).

قال ابن جرير الطبري: "يقول تعالى ذكره: ولقد تركنا السفينة التي حملنا فيها نوحًا ومن كان معه آية؛ يعني: عبرة وعظة لمن بعد قوم نوح من الأمم ليعتبروا ويتعظوا، فينتهوا عن أن يسلكوا مسلكهم في الكفر بالله، وتكذيب رسله، فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة"([3]).

ويقول الطاهر ابن عاشور: )ولقد تركناها آية فهل من مدكر (15)((القمر)... أي: أبقينا سفينة نوح محفوظة من البلى؛ لتكون آية تشهدها الأمم الذين أُرسلت إليهم الرسل متى أراد واحد من الناس رؤيتها ممن هو بجوار مكانها؛ تأييدًا للرسل وتخويفًا بأول عذاب عذبت به الأمم، أمة كذبت رسولها، فكانت حجة دائمة مثل ديار ثمود.

ثم أخذت تتناقص حتى بقي منها أخشاب شهدها صدر الأمة الإسلامية، فلم تضمحل حتى رآها ناس من جميع الأمم بعد نوح، فتواتر خبرها بالمشاهدة تأييدًا لتواتر الطوفان بالأخبار المتواترة، وقد ذكر القرآن أنها استقرت على جبل الجودي، فمنه نزل نوح ومن معه وبقيت السفينة هنالك لا ينالها أحد؛ وذلك من أسباب حفظها عن الاضمحلال.

وجاء في صحيح الإمام البخاري أن قتادة رضي الله عنه قال: «أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة»([4])([5]).

ولا غرابة في هذا، فقد جاءت في القرآن أمور أخرى تحت باب: ترك شيء للاتعاظ والاعتبار؛ يقول الله تعالى في شأن فرعون: )فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون (92)( (يونس)، فجعل الله عز وجل جسد فرعون آية ودلالة على إغراق كل ظالم، وإهلاك كل طاغية، فجسد فرعون تُرك آية، وكذلك سفينة نوح تُركت آية، وكذلك مدائن قوم لوط، كما قال الله عز وجل عنهما: )وإنكم لتمرون عليهم مصبحين (137) وبالليل أفلا تعقلون (138)( (الصافات)، وديار ثمود، كما قال عز وجل: )وإنهما لبإمام مبين (79)( (الحجر)؛ أي: بطريق واضح، يمر عليهما المارة أثناء أسفارهم، وأثناء ذهابهم وإيابهم([6]).

هذا هو القرآن، وهذا حديثه عن أعظم طوفان حدث في تاريخ البشرية، فماذا عن حديث الكتب السماوية الأخرى عن هذا الحدث المعجز؟!

يقول الدكتور موريس بوكاي: يروي لنا الإصحاح السادس والإصحاح السابع والإصحاح الثامن من سفر التكوين قصة الطوفان، ونحن لا نجد في الحقيقة قصة واحدة للطوفان، بل نجد قصتين، لم توضع إحداهما بعد إتمام الأخرى، ولكن تباعدت وتداخلت أجزاء إحداهما في الأخرى مع محاولة مكشوفة لمحاولة التنسيق بين الأحداث المختلفة.

وفي حقيقة الأمر نجد في هذه الإصحاحات الثلاثة تناقضات واضحة كبيرة؛ والسبب في وجود هذه التناقضات أيضًا يرجع إلى وجود مصدرين لكتابة أسفار التوراة، هما المصدر الياهوى([7]) والمصدر الكهنوتي.

وهذان المصدران اللذان صدرت عنهما كتابة أسفار التوراة يتناقضان ويتعارضان إلى حد كبير، لقد تم تقطيع كل رواية للحدث إلى أجزاء، وتم إدخال تعديلات وتفسيرات في مزيج تداخلت فيه عناصر أحد المصدرين في عناصر المصدر الآخر؛ لدرجة أننا نستطيع أن نلاحظ بوضوح أننا ننتقل من أحد المصدرين إلى المصدر الآخر في ذات قصة الطوفان سبع عشرة مرة، وذلك في غضون ما لا يزيد عن مئة سطر تقريبًا في هذا النص من سفر التكوين المكتوب باللغة الإنجليزية.

ولو أننا نظرنا إلى قصة الطوفان ككل لوجدناها تمضي على هذا النحو: لـما عم الفساد بين الناس قرر الله أن يدمرهم وأن يدمر كل المخلوقات الحية، وحذر الله سيدنا نوحًا من الطوفان قبل حدوثه، وأمره أن يبني الفلك أو السفينة، وأن يدخل فيها زوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم الثلاث مع كائنات حية أخرى.

ويختلف المصدران المتداخلان في رواية قصة الطوفان في تحديد الكائنات الحية الأخرى التي أمر الله تعالى سيدنا نوحًا عليه السلام أن يدخلها معه في السفينة؛ فهناك مقطع من الرواية كهنوتي الأصل يشير إلى أن سيدنا نوحًا قد أخذ معه في السفينة زوجًا من كل نوع، ثم يخبرنا مقطع آخر من الرواية ياهوي الأصل أن الله قد أمر سيدنا نوحًا أن يأخذ معه في السفينة سبعة من كل نوع ذكورًا وإناثًا، وذلك من الحيوانات المسماة بالحيوانات الطاهرة (pureAnimals)، وأن يأخذ زوجًا واحدًا من الحيوانات غير الطاهرة (ImpureAnimals).

وبعد ذلك يخبرنا نص التوراة أن سيدنا نوحًا لم يدخل بالسفينة فعلاً إلا زوجًا واحدًا من كل نوع من الحيوانات، ويؤكد لنا المتخصصون في دراسة نصوص الكتاب المقدس- مثل الأب دي فو- أن هذه الرواية الأخيرة إنما هي النص المعدل من الرواية الياهوية.

وفي الرواية فقرة ترجع إلى الأصل الياهوى تشير إلى أن السبب في الطوفان هو ماء المطر المنهمر من السماء، وهناك رواية كهنوتية المصدر تؤكد لنا أن السبب في الطوفان هو سبب مزدوج؛ أي: إن الطوفان قد حدث بسبب ماء المطر، وبسبب ماء الينابيع الأرضية أيضًا.

وبالتوراة أيضًا موقفان مختلفان من الزمن الذي استغرقه دوام الطوفان؛ فوفقًا للمصدر الياهوى قد استمر الطوفان أربعين يومًا، وحسب النص الكهنوتي فقد استمر الطوفان مئة وخمسين يومًا...

ونحن لا نستطيع بناء على الروايات الثلاث التي تقدمها لنا التوراة عن قصة الطوفان أن نعتبر أن هذه الروايات يمكن أن تمدنا بمعلومات يمكن وصفها بأنها أحداث تتفق مع الحقيقة، ونحن مضطرون أن نعترف- لو شئنا أن نتكلم بموضوعية- أن النصوص التوراتية التي وصلت إلينا لا تمثل تعبيرًا عن الحقائق([8]).

ويقول الدكتور موريس بوكاي في موضع آخر: إن رواية التوراة عن الطوفان تتناقض بشكل واضح مع المعلومات العلمية التاريخية الحديثة ومع المعقولية أيضًا.

أما بالنسبة لرواية القرآن عن الطوفان، فيقول: يعطينا القرآن الكريم عن الطوفان رواية عامة مختلفة عن رواية الكتاب المقدس، ورواية القرآن عن الطوفان لا تسمح بأي نقد أو نقض لمحتوياتها من وجهة النظر التاريخية؛ وفقًا لمعايير علم التاريخ الحديث([9]).

وإضافة إلى ما سبق، يقول الباحث التركي هارون يحيى: قصة الطوفان معروفة لدى كل شعوب العالم عن طريق الرسل الذين جاءوا بدين الحق، إلا أنها حُرِّفت إلى أساطير مع انتقالها من جيل إلى جيل، وزيد عليها ففسدت رواياتها؛ فقد أخبر الله الناس بقصة نوح وقومه عن طريق رسله وكتبه التي أرسلها إلى العديد من الأقوام لتكون إنذارًا وعبرة، وفي كل مرة كان النص يحرف عن أصوله، ويضاف إلى قصة الطوفان عناصر أسطورية وخيالية.

أما القرآن فهو المصدر الوحيد الذي بقي دون تحريف، والذي تتوافق نصوصه مع الكشوف والنظريات المستنتجة، بقي القرآن؛ لأن الله عز وجل صانه من أي تحريف أو تغييرأو تشويه؛ )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر)، وهكذا فالقرآن في حماية الله([10]).

وعليه، فقد تبين لنا من خلال ما سبق دقة القرآن الكريم، وبلاغته في الحديث عن طوفان نوح عليه السلام، وفي المقابل جاءت نصوص التوراة والكتب القديمة الأخرى مليئة بالتناقضات والاختلافات؛ مما يفقدها كل مصداقية، فهل لهذا الكتاب العزيز- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- أن يكون مأخوذًا من تلك الكتب، وقد ثبت- بما لا يدع مجالاً للشك- تحريفها، فلو كان القرآن قد أخذ تلك القصة من هذه الكتب لجاء حديثه به الكثير من العوار، ولم يكن ليسلم من النقد، وهذا ما لم يحدث، والأدلة العلمية على هذا ستتضح من خلال الوجه الثاني.

ثانيًا. الأدلة العلمية والمادية على حدوث الطوفان:

ليس مصادفة أن نأتي في أيامنا هذه على آثار أمم حدثنا القرآن عن دمارها، ويقدم لنا الدليل الأثري حقيقة تقول: إنه كلما كان اختفاء القوم مفاجئًا كلما كانت إمكانية العثور على آثارهم وبقاياهم أكبر.

عندما يحدث اختفاء أمة من الأمم بشكل مفاجئ- وذلك غالبًا ما يكون بسبب كارثة طبيعية أو هجرة فجائية أو حربًا ضروسًا- فإن آثار هذه الأمم تكون محفوظة بشكل أفضل؛ ففي وقت قصير تدفن منازلهم وأدواتهم التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية تحت الأرض، وتبقى محفوظة لفترة طويلة بعيدة عن عبث الإنسان لتظهر فيما بعد؛ لتعطي معلومات مهمة عن الماضي عندما تخرج إلى الضوء.

بهذه الطريقة تم الكشف عن الكثير من آثار طوفان نوح في أيامنا هذه, فبالرغم من حدوث الطوفان في الألف الثلاثين قبل الميلاد, فقد وضع هذا الطوفان نهاية سريعة لحضارة كاملة, لتقوم مقامها حضارة جديدة؛ وبذلك تم الاحتفاظ بآثاره لآلاف السنين حتى يكون للعالمين نذيرًا.

لقد تم تنفيذ عدد كبير من الحفريات في أثناء البحث عن مكان الطوفان الذي وقع في سهول وادي الرافدين, فعُثر في أثناء الحفريات- والتي نُفذت في المنطقة وغطت أربع مدن رئيسة- على آثار طوفان يُعتبر طوفانًا عارمًا بشكل خاص, وهذه المدن كانت أكبر المدن في وادي الرافدين، وهي: أور (تل المقير حديثًا), كيش السومرية (تل الأحيمر حديثًا), شورباك (تل الفعرة حديثًا), إيريك (تل الورقة حديثًا).

لقد قام بهذه الحفريات العلماء المختصون؛ فقام هول من المتحف البريطاني بالحفريات الأولى في هذه المنطقة, وحمل ليونارد وولي مسئولية متابعة ما بدأه هول, فقام بالإشراف على الحفريات التي تم تنظيمها من قِبل المتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا, وكان مسرح هذه الحفريات هو منتصف الصحراء الواقعة بين بغداد والخليج العربي، وقد استمرت هذه الحفريات التي قام بها وولي, حتى كان لها دوي عالمي كبير منذ عام 1922م وحتى 1934م.

وقد كشفت هذه الحفريات عن وجود طبقة من طين الصلصال بسمك 2,5 مترًا، ومن المرجَّح أن تكون هذه الطبقة قد تشكلت من الكتل الصلصالية التي حُملت مع مياه الطوفان، والتي لا يوجد مثلها في أنحاء العالم إلا تحت سهول وادي الرافدين، ويعطي هذا دليلاً مهمًّا يثبت أن الطوفان قد حدث فقط في هذه السهول.

ولِـمَ لا تكون هذه المنطقة هي منطقة الطوفان، وفيها قد قامت أقدم الحضارات التي عرفها التاريخ, بالإضافة إلى أن موقعها بين نهري دجلة والفرات يؤهلها لأن تكون منطقة الطوفان العظيم, فمن المحتمل أن يكون وجود هذين النهرين أحد العوامل المساعدة في حدوث الطوفان؛ حيث يمكن أن يكونا قد فاضا وأغرقا المنطقة.

السبب الآخر لاعتبار هذه المنطقة هي منطقة الطوفان هو سبب تاريخي: فقد وُجدت في سجلات العديد من الحضارات التي تتابعت على المنطقة وثائق متعددة تتكلم عن طوفان أغرق المنطقة في الفترة الزمنية نفسها، ولقد ارتأت الحضارات التي شهدت هلاك قوم نوح ضرورة تسجيل هذا الحدث, كيف وقع، وما أسفر عنه من نتائج. وهنا نجد أن معظم الأساطير التي تناقلت ما روته تلك الحضارات قد حددت موقع الطوفان في هذه المنطقة, وقد قدمت الكشوف الأثرية دعمًا لهذه الأقوال, فأثبتت أن طوفانًا كبيرًا قد أتى على المنطقة, ومن خلال الحفريات ظهرت آثار واضحة لهذه الكارثة الكبيرة التي حلت بها.

ولقد كشفت الحفريات في منطقة وادي الرافدين أن المنطقة قد تعرضت للعديد من الكوارث نتيجة لفيضان كل من نهري دجلة والفرات([11]).

ويضيف الدكتور زغلول النجار فيقول: لقد وُجد سمك هائل من رسوبيات المياه العذبة في سهول ما بين النهرين (دجلة والفرات), والتي كانت مهدًا لعدد من الحضارات القديمة التي تم اكتشاف بعضها, ومن المرجح أن تكون هذه الرسوبيات من بقايا الطوفان؛ لانتشارها الأفقي على مساحات شاسعة من الأرض، ولسمكها الذي يزيد عن عشرة أقدام, ولعمرها الذي يمتد بين سبعة آلاف وثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد, ولطمرها للعديد من القرى القديمة التي استمر التنقيب عنها في الفترة من 1922م إلى 1934م, وتتابع متقطعًا بعد ذلك إلى اليوم.

وقد تأكدت هذه الاستنتاجات بدراسة الرسوبيات المتجمعة في أحد كهوف شمال العراق، والمعروف باسم "كهف شانيدار العظيم" (TheGreatShanidarCave)، ويرجع عمر الرسوبيات فيه إلى حوالي مئة ألف سنة مضت, وتحوي رسوبياته عددًا من البقايا الإنسية, وقام بدراسته دكتور رالف سولسكي (RalphSolecki) من معهد سمسثو نيان بالولايات المتحدة.

وتأكدت هذه الاستنتاجات كذلك بتحديد العمر المطلق للأجزاء الخشبية المتبقية من سفينة نوح عليه السلام بواسطة الكربون المشع في حدود 4500 سنة قبل الميلاد, كما أعلن مارتين روي (Martin Wroe) بجريدة الأوبزرفر اللندنية بتاريخ 16 يناير سنة 1994م([12]).

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك دليلاً ماديًّا على حدوث الطوفان، هذا الدليل المادي قد ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى: )ولقد تركناها آية فهل من مدكر (15)( (القمر)، وقوله تعالى:)وجعلناها آية للعالمين (15)( (العنكبوت)- وهذا ما تحدثنا عنه في الوجه الأول- والمقصود به هو بقاء السفينة في مكانها للعظة والاعتبار؛ لذا قال عنها عز وجل: )واستوت على الجودي ((هود: ٤٤).

يقول الدكتور زغلول النجار معلقًا على الآية السابقة: في هذا النص القرآني الكريم تأكيد على أن سفينة نوح عليه السلام استقرت على جبل اسمه الجودي([13]), وهذا الجبل يقع في جنوب شرقي تركيا إلى الشمال الشرقي من جزيرة ابن عمر- على ضفاف نهر دجلة- بالقرب من الحدود التركية- العراقية- السورية, وإلى الشمال من مدينة الموصل، وقد أثبتت الدراسات الأثرية، مثل دراسات كل من مارتين روي (MartinWroe) في سنة 1994م, وتشارلس ويليس (CharlesWillis) في سنة 1980م, وجون مونتجومري (JohnWarwickMontgomery) في السبعينيات من القرن العشرين- أن بقايا السفينة موجودة فعلاً فوق جبل الجودي (MountCudiorJudiDagh) على بعد 250 ميلاً إلى الجنوب الغربي من جبل أراراط, وذلك بعد اكتشاف الموقع بواسطة أحد رعاة الغنم من الأكراد في منتصف شهر مايو من سنة 1984م, واسمه رشيد سرحان([14]) (ResheedSarihan)، الذي رأى بقايا من أخشاب السفينة متحجرة ومطمورة في رسوبيات مياه عذبة في قمة جبل الجودي.

 

صورتان لسفينة نوح عليه السلام

وقد تتابعت دراسات موقع السفينة بعد ذلك في السنوات (1953م - 1959م- 1980م- 1987م- 1994م) وإلى يومنا هذا([15]).


 

 

صورة لأول بعثة علمية لمعاينة السفينة عام (1959م- 1960م)

وأظهر التصوير بالرادار واستشعار المواد المعدنية تركيب السفينة من الداخل بهيئة تكوينات منتظمة غير طبيعية تؤكد أنها صنعة يد, وقد وجد الباحثون حفريات متحجرة حول السفينة لقواقع مياه عذبة ومياه مالحة ومرجان على ارتفاع لا توجد فيه بحار.

واكـتُشفت أيضًا بعض مساميـر ربط الألواح الخشبية (Rivets)، وهي عادة تُطرق من الجهتين لمنع الانفلات, وتُسمى اليوم "براشيم" (Rivets), وسماها القرآن الكريم "دُسُر" كاشفًا وحده تركيب السفينة قبل أن يعرف أحد شيئًا عن تلك المسامير، قال الله تعالى: )وحملناه على ذات ألواح ودُسُر (13)( (القمر).

ومن الأشياء المهمة التي تثبت رُسُوَّ سفينة نوح على جبل الجودي مراسي السفينة التي كانت تُصنع قديمًا لتثبيت السفينة.

وقد اكتشف فاسولد (Fasold) عام 1989م مرساة عند قرية قريبة من موقع السفينة تُدعى "كازان" (Kazan) وبديهي أن تلقي السفينة مراسيها قبيل وصولها الآمن إلى مشارف سفح جبل الجودي, وشيئًا فشيئًا اكتشفت المراسي تباعًا لترسم خط السير, وقد اكتشف حتى الآن 13 مرساة كانت تعمل كأثقال لتثبيت السفينة، وهي اليوم ترشد لخط السير نحو المناطق الجبلية الشرقية لتستقر السفينة قرب مدينة قديمة كانت تُسمى "ناكسوان" (Naxuan)؛ وتعني بالإغريقية "مدينة نوح"([16]).

صورة لبعض القرويين الأتراك وهم يمسكون بمرساة سفينة نوح على جبل جودي

مرساة للسفينة وُجدت فوق جبل جودي في تركيا

من خلال العرض السابق يتبين لنا بكل وضوح أن استواء سفينة نوح على جبل الجودي بتركيا من أوضح الأدلة على حدوث الطوفان, وهو ما ذكره القرآن الكريم صراحة كما ذكرنا سابقًا.

"وعلى الرغم من ذلك ظلت محاولات الغربيين مستميتة- كما يقول الدكتور زغلول النجار- في إثبات رُسُوّ سفينة نوح على جبل أراراط؛ دفاعًا عما جاء في عهدهم القديم.

وظل الحال كذلك حتى أعلنت مجموعة العلماء الروس في يوم الجمعة الموافق 25/3/2005م في مؤتمر صحفي نقلته وكالة إنترفاكس للأنباء (TheInterfaxNewsAgency) أنه لا توجد أية آثار لسفينة نوح على جبال أراراط, وأن جميع العينات التي دُرست تؤكد ذلك, كما أكدته دراسات فادين تشيرنوبورف (Vadin Chernoborv) مدير مركز كوزمو بويسك للأبحاث العلمية (CosmopoiskScientificResearchCenter), الذي أوفد مجموعة العلماء هذه للقيام بتلك الدراسة, وقاد المؤتمر الصحفي المشار إليه قائلاً: بعد الثورة البركانية التي وقعت في جبل أراراط سنة 1840م فإن كل شيء في هذا الجبل قد تمزق بما في ذلك الكتل النباتية المتحجرة والتي ظنها نفر من السابقين خطأ أنها قد تكون من بقايا سفينة نوح, ومن هنا فلا يمكن القول بأية إمكانية لوجود بقايا محفوظة لتلك السفينة فوق جبال أراراط.

وقد قامت هذه المجموعة العلمية بدراسة جبل أراراط في خريف سنة 2004م، وعادت بالكثير من أشرطة الفيديو والعينات الصخرية (من مثل النباتات المتحجرة, وكتل الصخور التي شكلتها عوامل التعرية على هيئة مصنعة أو شبه مصنعة), وأثبتت دراسة ذلك أنها من فعل النشاط البركاني, ولا علاقة لها بسفينة نبي الله نوح عليه السلام التي ثبت وجودها على جبل الجودي"([17]).

وعليه، فإن الأسئلة المحيرة التي أَقَضَّت مضاجع الباحثين هي: كيف كان ذلك الطوفان العظيم؟ وكيف حدث؟!

وهنا يأتي الجواب الإلهي واضحًا دقيقًا في القرآن الكريم؛ إذ ينادي النبي الكريم نوح عليه السلام ربه فيأتيه الفرج:)ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر (12) وحملناه على ذات ألواح ودُسُر (13)( (القمر)، وتصور معي بقلب بصيرتك كيف تدفق الماء من السماء بما لا يتخيله بشر، وأن الأرض كلها تفجرت أنهارًا ضخمة تخرج ما في بطنها من ماء يعلو ويعلو!

إن أكبر السفن سوف تغوص ويبتلعها البحر مهما كانت ضخمة الحجم ومحكمة الصنع حين تتجاذبها أمواج كالجبال: )وهي تجري بهم في موج كالجبال( (هود: ٤٢)، بل تكسرها بلطمة من موجة عملاقة فتحطمها، فكيف وأنهار، بل بحار من ماء السماء تتصل ببحار الأرض؟! وأنى لهذه السفينة البدائية إذا ما قُورنت بسفن هذا العصر العملاقة أن تظل فوق الماء وبين الماء دون أن تتلاشى؟!

إن رب الماء والأرض والسماء يقول: )واصنع الفلك بأعيننا ووحينا( (هود: ٣٧), وقال في مسير الفلك بأمانه سبحانه وتعالى: )تجري بأعيننا( (القمر: 14), إنها رعاية الله وعنايته ورحمته بالمؤمنين([18]).

ثالثًا. رد مزاعم الطاعنين حول إنكار حدوث الطوفان من الناحية العلمية:

بعد أن فتح الله أبواب السماء بماء منهمر, وفجَّر الأرض عيونًا, حدث الطوفان وأغرق كل من كفر بالله تعالى, وأنجى الله عبده نوحًا عليه السلام مع المؤمنين, ثم قال تعالى: )وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدًا للقوم الظالمين (44)( (هود).

لقد زعم المشككون أن هذا الطوفان لا يمكن حدوثه علميًّا؛ معللين ذلك بكثرة المياه التي غطت الأرض بجبالها, ثم ابتلاع التربة لكل هذه المياه, وأيضًا حمل نوح في سفينته من كل أصناف حيوانات الأرض.

والجواب عن هذا من خلال ما يأتي:

أما عن الطعن الأول فيقول الدكتور زغلول النجار معلقًا على قوله تعالى: )وقيل يا أرض ابلعي ماءك((هود:44): في هذا النص القرآني الكريم نسب الماء إلى الأرض, وأرضنا هي أغنى الكواكب المعروفة لنا بالماء الذي تُقدر كميته عليها بحوالي 1,400 مليون كيلو متر مكعب؛ ولذلك سُميت الأرض باسم "الكوكب المائي" أو "الكوكب الأزرق".

وقد احتار العلماء منذ القدم في تفسير مصدر هذه الكمية الهائلة من الماء, والتي بدونها لم يكن ممكنًا للحياة التي نعرفها أن توجد على الأرض, ووُضعت فروض ونظريات عديدة من أجل تفسير ذلك, ومنها فرضية اصطدام المذنبات بالأرض, وانهارت كل هذه النظريات حتى بدأ علماء البراكين في دراسة ما يتصاعد من فوهاتها من غازات وأبخرة، فثبت أن أكثر من 70% منها يتكون من بخار الماء.

وبحسبة رياضية بسيطة لعدد فوهات البراكين على سطح الأرض, ومعدل ثورة كل منها, ومتوسط ما يتصاعد من بخار الماء في كل ثورة- وصل العلماء إلى كمية الماء المتجمعة نفسها على سطح الأرض وفي صخور ورسوبيات قشرتها, وفي الغلاف الغازي المحيط بها (أي حوالي 1,400مليون كيلو متر مكعب)؛ وبذلك ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه ربنا عز وجل من داخل الأرض، وفي ذلك قال عز وجل:)والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31)( (النازعات).

وتحدث القرآن الكريم عن دورة الماء حول الأرض في آيات أخرى عديدة, ولكن نسبة الماء إلى الأرض في الآية الرابعة والأربعين من سورة هود فيه تأكيد على حقيقة إخراج كل ماء الأرض من داخلها, وهو سبق قرآني واضح؛ حيث لم تتوصل العلوم المكتسبة إلى معرفة ذلك إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, وهو كذلك تأكيد على اشتراك عيون الأرض المتفجرة في إحداث طوفان نوح عليه السلام, وهو ما يؤكده القرآن الكريم بقول ربنا عز وجل: )وفجَّرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر (12)( (القمر)([19]).

هناك حقيقة علمية في علم المياه تقول بأن الماء تحت الأرض مضغوط بنسبة أو بأخرى, ولكنه محاط بطبقات من الصخور, فإذا ما زاد ضغط الماء تحت الأرض أدى إلى اندفاعه بشكل مفاجئ باتجاه السطح بما يشبه الانفجار!

حتى إن العلماء يستخدمون كلمة (Explosion)؛ أي "انفجار" للتعبير عن الآلية التي تتفجر فيها الينابيع من الأرض؛ وهذا يعني أن القرآن صحيح في تعابيره علميًّا.

وإذا تأملنا هذا التعبير الرائع: )وفجرنا الأرض عيونًا( (القمر:12)، نجده تعبيرًا دقيقًا من الناحية العلمية؛ والذي يؤكد ذلك أن الله تعالى أعطى لسيدنا نوح مؤشرًا على اقتراب حدوث الطوفان أن يرى التنور يفور! والتنور عبارة عن حفرة في الأرض تُصنع من أجل إيقاد النار وتحضير الطعام, وهذه الحفرة- والله أعلم- تسرب إليها الماء من جوف الأرض وبدأ بالفوران كما نرى اليوم في الينابيع الحارة التي نرى الماء يغلي فيها.

انفجار الينابيع يشكل البحيرات ويخرج الماء من الأرض مضغوطًا،

ويرتفع وقد يصل ارتفاعه إلى أكثر من مئة متر

إن رؤية بعض الماء الذي يغلي من ينبوع مثلاً بدرجة حرارة عالية فإن هذا يؤشِّر إلى قرب انفجار ذلك الينبوع, وهذا الانفجار يحدث عادة بشكل مفاجئ، وربما يكون هذا ما حدث مع سيدنا نوح كمؤشر له ليبدأ الركوب في السفية هو والمؤمنون كدليل على اقتراب انفجار الينابيع، قال تعالى:)حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40)( (هود)، وفي قوله تعالى: )وفار التنور((هود:40)، إشارة علمية لاقتراب حدوث الانفجارات النبعية التي ستشكل الطوفان([20]).

وبعد أن ابتلعت الأرض ماءها- كما قلنا- وأقلعت السماء عن إنزال المطر الغزير قال الله تعالى عاطفًا: )وغيض الماء((هود:44)؛ أي: قل الماء ونضب.

يقول الدكتور زغلول النجار: وفي هذا النص القرآني إشارة واضحة إلى انحســار الماء عن اليابسة بابتلاع الأرض لجزء منه، ولفيض الباقي إلى البحار والمحيطات وإلى غيرها من منخفضات الأرض.

هذا ما ذكره القرآن, بينما يذكر سفر التكوين ما نصه: "وأجـاز الله ريحًا على الأرض فهدأت المياه...", ولست أدري ما علاقة الريح بانحسار الماء عن الأرض؟!

وعليه، فهنا يُثار سؤال مهم مؤداه: هل عَمَّ طوفان نوح جميع الكرة الأرضية, أم كان محدودًا بالمنطقة التي سكنها قوم نوح؟ وهذه المنطقة يجمع الأثريون والمؤرخون على كونها المنطقة الممتدة من جبال جنوب تركيا إلى ما بين نهري دجلة والفرات، والسهول المنبسطة من حولهما.

وهذا السؤال لم يُحسم بعد، وإن كان اليهود يؤمنون بعالمية الطوفان (سفر التكوين 18: 7 - 24)، والمنطق ينادي بمحدوديته بأرض قوم نوح؛ حيث كان استقرار جميع بني آدم, ثم تفرق أبناء الناجين من الطوفان بعد ذلك إلى مختلف مناطق الأرض.

وطوفان نوح من معجزات هذا النبي, والأصل في المعجزات أنها لا تُعلـل؛ لأنها خوارق للسنن, والذي يخرق السنن لا تستطيع السنن تفسيره.

ومن هنا كان التوقف عند حدود ما جاء في كتاب الله تعالى واجبًا على المؤمنين من العباد, دون الخوض في التفاصيل التي لا طائل من ورائها, كما جاء في التوراة([21])؛ فالقرآن الكريم لم يتطرق إلى هذه المسألة, ولكنه في المقابل قدم الدليل المادي على حدوث هذا الطوفان, وهو ترك سفينة نوح عبرة وآية للناس جميعًا- كما ذكرنا في الوجه الأول والثاني- وكم من سفينة قد أبحرت بعدها فهلكت وصارت حطامًا, وهذا ما شهدت به الدراسات العلمية الحديثة, هذا بالإضافة إلى الحفريات التي تمت في المنطقة التي سكنها قوم نوح, كما ذكرنا سابقًا.

ودعمًا لما سبق نقول: عندما تدرس عوامل الطوفان الواحد تلو الآخر تظهر على أنها ظاهرة طبيعية جدًّا, أما ما يجعله معجزة فهو حدوث هذه الظواهر كلها في آن واحد, وعقب إنذار نوح لقومه وتحذيره لهم من حدوث هذه الكارثة([22]).

هذا عن الطعن الأول الخاص بمياه الطوفان, فأما عن الطعن الثاني وهو حمل نوح في سفينته من كل أصناف حيوانات الأرض فيُجاب عنه بما يأتي:

يقول الباحث التركي هارون يحيى: تؤمن تفاسير الإنجيل أن نوحًا عليه السلام قد اصطحب معه في السفينة جميع أنواع الحيوانات الموجودة على سطح الأرض, وهكذا نجت الحيوانات من الانقراض, بفضل نوح, وحسب هذه الرواية فإن كل أنواع الدواب التي كانت على سطح الأرض قد جُمعت على سطح السفينة.

المدافعون عن هذا المعتقد لا بد أن يواجهوا صعوبات حقيقية من نواح عديدة تعترض نظريتهم؛ فالأسئلة التي تطرح نفسها: كيف كانت تطعم الحيوانات المحمولة في السفينة؟ وكيف تم عزلها عن بعضها، وأين كانت تنام؟ الجواب عن هذا غير ممكن.

سؤال آخر لا يقل أهمية: كيف أمكن جمع الحيوانات من مختلف القارات: الثدييات القطبية, الكنغر الأسترالي، والثور الأمريكي؟ ويتبع ذلك سؤال آخر: كيف أمكن الإمساك بالحيوانات السامة؛ مثل: الأفاعي والعقارب, والحيوانات المفترسة، وكيف أمكن عزلها عن بيئتها الطبيعية إلى أن انتهى الطوفان؟

هذه أسئلة يواجهها العهد القديم, أما في القرآن الكريم فلا توجد آيات تفيد بأن كل أنواع الحيوانات الموجودة على الأرض قد تم اصطحابها في السفينة, ولكن كل ما قاله هو قوله تعالى:  )قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين((هود:40)، لقد حدث الطوفان في منطقة معينة, وبذلك تكون الحيوانات التي حُملت على ظهر السفينة هي تلك التي كانت تتواجد في منطقة قوم نوح عليه السلام بالذات.

ومع ذلك يبقى من المستحيل جمع كل أنواع الحيوانات التي كانت تعيش في تلك المنطقة, من الصعب على نوح والقلة التي كانت معه من المؤمنين أن يذهبوا في كل اتجاه ليجمعوا زوجًا من كل نوع من أنواع الحيوانات الموجودة في محيطهم, فمن غير المعقول أن يتمكنوا من جمع كل أنواع الحشرات, أو التفريق بين الأنثى منها والذكر؛ لذلك كان الأقرب إلى المنطق السديد أن يكون سيدنا نوح عليه السلام قد قام بجمع الأنواع الأليفة، والتي يسهل جمعها؛ مثل: الغنم والبقر والجمال والجياد وما شابه ذلك؛ لأن هذه الأنواع كانت هي الضرورية من أجل بناء حياة جديدة في منطقة فقدت كمية كبيرة من مواشيها بسبب الطوفان.

النقطة المهمة والأساسية هنا هي: الحكمة الإلهية من أمر الله عز وجل لنوح عليه السلام باصطحاب زوجين من كل نوع, تتجلى هذه الحكمة في جمع الأنواع الضرورية لبناء حياة جديدة بعد الطوفان, وليس الحفاظ على الجنس الحيواني, وبما أن الطوفان لم يكن عالميًّا, فإمكانية انقراض الجنس الحيواني لم يكن أمرًا واردًا, فمن المحتمل جدًّا أن أنواعًا عديدة من حيوانات المناطق المجاورة قد أتت إلى المنطقة بعد انتهاء الطوفان([23]).

فهل بعد كل ما سبق ينكر الطاعنون حدوث طوفان نوح عليه السلام ؟!

الخلاصة:

· لقد حكى القرآن الكريم قصة طوفان نوح عليه السلام فجاء حديثه معبرًا تمامًا وبإيجاز عن أحداث هذه القصة, وهذا بخلاف ما جاء في الكتب السماوية الأخرى والأساطير.

· قدم القرآن الكريم دليلاً ماديًّا واضحًا على حدوث الطوفان, وهو قوله تعالى:)ولقد تركناها آية فهل من مُدَّكِر (15)( (القمر)، وقوله تعالى: )وجعلناها آية للعالمين (15)( (العنكبوت)، وهذه إشارة صريحة إلى بقاء السفينة في مكانها حتى تراها الأمم, أمة بعد أمة؛ للعظة والعبرة.

· إن حديث التوراة أو غيرها من كتب الأديان الأخرى عن الطوفان حديث لا يتفق مع الحقائق العلمية والتاريخية, ناهيك عن التناقضات الواضحة؛ وهذا بسبب ما أصابها من تحريف وتبديل.

· كيف يكون حديث القرآن الكريم عن الطوفان أسطورة- كما يدَّعون- وقد أثبت العلم الحديث من خلال الحفريات والاكتشافات الأثرية التي قام بها ليونارد وولي أنه قد حدث طوفان عارم في منطقة سهول وادي الرافدين وما حولها، وهي المنطقة التي سكنها قوم نوح عليه السلام كما هو متفق عليه عند الأثريين والمؤرخين؟!

· لقد اكتشف أحد رعاة الغنم في تركيا سفينة نوح عليه السلام مطمورة في رسوبيات مياه عذبة على جبل الجودي عام 1948م، وقد تتابعت دراسات موقع السفينة بعد ذلك في سنوات عديدة وإلى يومنا هذا، فاكتُشفت العديد من مراسي السفينة... إلخ، وهذا من أوضح الأدلة على حدوث الطوفان.

· إن من الثابت علميًّا أن الأرض هي أغنى الكواكب بالماء، وأن كل الماء الموجود على سطحها هو خارج منها أصلاً، وهذا يفسر كَمَّ الماء الذي تفجَّر من الأرض فالتقى مع ماء المطر الغزير فحدث الطوفان الذي قدَّره الله تعالى، وهذا ما عبَّر عنه الله خير تعبير فقال تعالى: )ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر (12) وحملناه على ذات ألواح ودسر (13) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كُفِر (14) ولقد تركناها آية فهل من مدكر (15) فكيف كان عذابي ونذر (16)( (القمر).

· بانتهاء الطوفان انحسر الماء عن اليابسة؛ فابتلعت الأرض جزءًا منه، وفاض الباقي إلى البحار والمحيطات وإلى غيرها من منخفضات الأرض, وهذه إشارة علمية أشار إليها القرآن الكريم إشارة واضحة؛ فقال تعالى: )وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدًا للقوم الظالمين (44)( (هود).

· هل عم طوفان نوح جميع الكرة الأرضية أم كان محدودًا بالمنطقة التي سكنها قوم نوح؟ سؤال لم يُـحسم بعد، وإن كان المنطق ينادي بمحدوديته بأرض قوم نوح؛ حيث كان استقرار جميع بني آدم, ثم تفرق أبناء الناجين من الطوفان بعد ذلك إلى مختلف مناطق الأرض, ورغم ذلك فإن طوفان نوح عليه السلام من المعجزات, والأصل في المعجزات أنها لا تُعلل؛ لأنها خوارق للسنن.

· لقد حدث الطوفان في منطقة معينة (وهي سهول وادي الرافدين وما حولها)؛ ولذلك تكون الحيوانات التي حُملت على ظهر السفينة هي تلك التي كانت تتواجد في منطقة قوم نوح عليه السلام, ولكن الأليفة منها؛ لأنها الضرورية من أجل بناء حياة جديدة في منطقة فقدت كمية كبيرة من مواشيها بسبب الطوفان.


 

[1]. دُسُر: مسامير، وقيل: الدُّسُر ما تُربط به الأخشاب، فيكون أعمَّ من المسامير؛ لأن الأخشاب قد تُربط بالمسامير وقد
تُربط بالحبال، فالمهم أن توثيق تلك الألواح بعضها بعضًا كان قويًّا.

[2]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج6، ص343.

[3]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ج22، ص582.

[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: )وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ(13)((ق) ، (8/ 484) معلقًا.

[5]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، مج13، ج27، ص186 بتصرف.

[6]. سلسلة التفسير، مصطفى العدوي، دروس صوتية قام بتفريغها موقع: الشبكة الإسلاميةwww.islamweb.net.

[7]. المصدر الياهوَى أو اليهوَى: أحد المصادر الرئيسية الأربعة للتوراة في الفرضية الوثائقية المعيارية لفلهاوزن، وهو أقدم المصادر ويشكِّل نصف سفر التكوين، والنصف الأول من سفر الخروج، وأجزاء من سفر العدد، وهو يصف الله بشكل يشبه الإنسان، وينسب إلى "يهوه" أحد أسماء الله في التوراة.

[8]. التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، د. موريس بوكاي، مرجع سابق، ص67: 69 بتصرف.

[9]. المرجع السابق، ص259 بتصرف.

[10]. الأمم البائدة، هارون يحيى، ترجمة: ميسون نهلوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص32، 33 بتصرف.

[11]. المرجع السابق, ص24: 32.

[12]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم, د. زغلول النجار, مكتبة الشروق الدولية, القاهرة، ط2, 1429هـ/ 2008م, ج1, ص351 بتصرف.

[13]. جبل الجودي: يمثِّل واحدة من أعلى القمم في سلسلة جبال جنوب تركيا؛ إذ يزيد ارتفاعه عن سبعة آلاف قدم (أي حوالي 2300م) فوق مستوى سطح البحر.

[14]. هو من سُكنة قرية (Nisir Nasar) التركية, التي يتطابق اسمها تمامًا مع الاسم البابلي للقرية التي كان يسكنها نوح.

[15]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم, د. زغلول النجار, مرجع سابق, ج1، ص350 , 351 بتصرف.

[16]. انظر: الطوفان العظيم, د. محمد دودح, بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.

[17]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم, د. زغلول النجار, مرجع سابق, ج1, ص352.

[18]. مراسي سفينة سيدنا نوح عليه السلام, د. أحمد محمد صالح, بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة, السعودية، العدد (28), رمضان 1428هـ, ص29 بتصرف.

[19]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم, د. زغلول النجار, مرجع سابق, ج1، ص347, 348 بتصرف.

[20]. إشارات علمية رائعة في قصة نوح, عبد الدائم الكحيل, بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[21]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم, د. زغلول النجار, مرجع سابق, ج1, ص349، 350 بتصرف.

[22]. الأمم البائدة, هارون يحيى, مرجع سابق, ص32 بتصرف.

[23]. المرجع السابق, ص23، 24 بتصرف.

wives that cheat redirect read here
my husband cheated my husband almost cheated on me open
generic viagra softabs po box delivery us drugstore pharmacy viagra buy viagra generic
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
why wife cheat percentage of women who cheat why women cheat in relationships
why wife cheat percentage of women who cheat why women cheat in relationships
husband cheat online online affair
dating a married woman cheat on my wife i cheated on my husband
dating a married woman cheat on my wife i cheated on my husband
read the unfaithful husband click here
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  1949
إجمالي عدد الزوار
  36890356

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع