مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

استنكار تحريم السنة النبوية للوشم والنمص (*)

مضمون الشبهة:

بدعوى التضييق على المرأة والنيل من حريتها يستنكر بعض الطاعنين تحريم السنة النبوية للوشم والنمص؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحُسن، المغيِّرات خلق الله...».

ويتساءلون: كيف حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم الوشم والنمص، وعدَّهما تغييرًا لخلق الله، مع أنه قد أوصى بختان الإناث، وإزالة شعر الإبطين والعانة؟! فلماذا لم يعدّ هذه الأشياء تغييرًا لخلق الله أيضًا؟!

هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في التشريع الإسلامي، وإنكار الحقائق العلمية التي سبق في الإشارة إليها.

وجها إبطال الشبهة:

1.لقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريم الوشم؛ لكونه تغييرًا لخلق الله، وهو ما نصَّ عليه الحديث؛ فعن عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات... المغيِّرات خلق الله»، وقد تنبَّهت كثير من الدول إلى ضرره فتم تحريمه، وقد جاء العلم حديثًا فأثبت أن الوشم يسبب أضرارًا كثيرة؛ منها تشوُّهات في مكان الوشم ـ تحدث بعد مدَّة ـ يصعب إزالتها إلا بعملية جراحية تؤدي في النهاية إلى أضرار وتشوُّهات للجلد، وهذا تغيير واضح لخلق الله قد أشار إليه التشريع الإسلامي من خلال الحديث السابق. ومن ثم؛ فكيف يستنكرون تحريم السنة النبوية للوشم؟!

2.لقد أباح الإسلام للمرأة أنواعًا كثيرة من الزينة؛ تماشيًا مع طبيعتها، ولكنه حرَّم عليها أنواعًا معينة من الزينة كالنمص؛ لأنه تغيير لخلق الله، كما جاء في الحديث النبوي: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحُسن، المغيِّرات خلق الله»، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم، ولكنه قد أجاز الأخذ من الحواجب الكثيفة إذا بلغت من الكثافة حدًّا مُشوِّهًا للخلقة، وخارجًا عن أصلها المعتاد.

وقد توصَّل العلم حديثًا إلى أن النمص المتكرر يؤدي في النهاية إلى فقدان شعر الحاجبين وعدم نموِّه مرة أخرى؛ الأمر الذي يشوِّه جمال المرأة، ناهيك عن الأضرار الأخرى الكثيرة التي يسببها، وهذا تغيير لخلق الله، وهو ما أشار إليه الحديث، ولكن ليس كل تغيير في خلقة الإنسان يُعدُّ تغييرًا مُحرَّمًا؛ فإن للتغيير المحرم ضوابط، ليس من بينها ما أَذِنَ فيه الشرع؛ كخصال الفطرة، والختان.

التفصيل:

أولا. تحريم الوشم وبيان مضاره:

1)  الحقائق العلمية:

لقد أثبت العلم الحديث أن الوشم يسبِّب أضرارًا عديدة للموشوم؛ بدنيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا. فأما عن الأضرار البدنية؛ فقد ثبت علميًّا من خلال الفحص الطبي أن الوشم يسبب تسمُّمًا في الدم، وأنه الاحتمال الأكبر للإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي، وأنه مسبب للحساسية الجلدية، وقد يصل التسمم من الوشم في بعض الحالات لدرجة الموت، كما أنه قد يكون الوشم سببًا في حدوث متلازمة تشبه الصدمة التسممية؛ لوجود مواد سامة بالصبغ تضرُّ بالجسم. وأيضًا يمكن أن يسبب الوشم سرطان الجلد، وعندما يستخدم الليزر لإزالة الوشم يترك آثارًا سامة مسرطنة؛ نتيجة حرارة الليزر التي تحوِّل بعض المكونات لمواد مسرطنة، ثم يمتصها الجسم.

كما يمكن أن يسبِّب الوشم خطورة للأم إذا كان موضع الوشم أسفل الظهر، واستُخدم عند الولادة التخدير في العمود الفقري؛ فمن المحتمل عندئذٍ دخول صبغ الوشم داخل القناة الشوكية فيشكِّل خطورة على حياة الأم؛ لذلك أصدرت منظمة الغذاء والدواء (fdo ) الأمريكية تحذيرات من ممارسة الوشم([1]).

وأما عن الأضرار الاجتماعية والنفسية فهي كالآتي:

ارتبطت ظاهرة الوشم منذ مئات السنين بأفراد العصابات والبحَّارة، وعنهم انتقلت إلى بعض الفنانين المهووسين ومغنِّي الرُّوك، الذين بدورهم نشروا هذه الظاهرة أخيرًا، من خلال ظهور صورهم في الصحف والمجلات، ومن خلال حفلاتهم التي كانوا يقيمونها وهم أشباه عراة، وأجسادهم مطلية بأنواع مختلفة من رسومات الوشم، الأمر الذي أدَّى إلى قبول الفكرة بين أوساط الشباب والمراهقين والإعجاب بها، وقيامهم بمحاولات تقليدها من دون تفكير، حتى أصبحت هذه الظاهرة موضة عارمة، وتجارة رائجة رابحة لبعض فناني الوشم.

وقد كشفت دراسة حديثة نُشرت في إحدى الصحف الأمريكية أن نسبة (20%) من الأطفال الأمريكيين يتباهون بالوشم على أجسادهم، وذلك على الرغم من أن (18) ولاية أمريكية لا تسمح بوشم المراهقين.

والحقيقة أن هذه الظاهرة لم تَطُل الشباب العربي إلا ما ندر، وفي حدود ضيِّقة لم تجعلها تصل إلى تلك الدرجة من الهوس الذي وصلت إليه أوربا والعالم الغربي، وهي إن جذبت قلة قليلة من فئة الشباب في مختلف أنحاء الوطن العربي؛ فهي ليست فقط من منطلق التقليد الأعمى للغرب، بل لوجود بعض القناعات الخاطئة لدى هؤلاء الشباب التي تتمثل في أن الوشم بكلمات معينة يظهرهم بمظهر الرجال، أو يدل على معاناتهم من مشكلة عاطفية أو اجتماعية أو ما شابه ذلك.


وللوشم دلالة على نفسية إجرامية في بعض الأحيان؛ فقد دلَّت دراسة حديثة على أن كثيرًا من أصحاب السوابق يكونون مولعين بالوشم. وأكَّدت دراسة علمية حديثة أُجريت في جامعة روتشيستر في نيويورك، أن الشبان الموشومين هم أكثر عرضة لأنماط سلوكية خطرة؛ كالتدخين، وتعاطي المخدرات، والكحول، والدخول في علاقات جنسية غير طبيعية، والانضمام إلى صفوف العصابات الخطيرة، والاشتباك في المعارك والغياب عن المدرسة...إلخ, وقال الطبيب تيموثي روبرتس المتخصص في طب المراهقين: "إن الوشم نفسه لا يسبب السلوك المنحرف، ولكن الأشخاص الذين يَشِمُون أنفسهم يجنحون إلى التورط في أنماط سلوكية خطيرة، هذا إضافة إلى أن الوشم بحد ذاته كثيرًا ما يكون السبب في الإصابة بمرض فقدان المناعة، أو التهاب الكبد أو الأمراض المعدية الأخرى؛ وذلك بسبب عدم مراعاة القواعد الصحية لمن يزاول هذه المهنة".

وغالبًا ما يعقب هذا الوشم الندم, فبعد مدّة زمنية يندم كثير من الذين وَشَموا أنفسهم, فيضطرون إلى إزالته بطريقة أو بأخرى؛ يقول الدكتور "برين كيني": "إن العديد من الناس الذين قاموا برسم الوشم يتداركون أمرهم في وقت لاحق، وكأنهم يقولون لأنفسهم يا إلهي.. ما هذا؟ هذا ليس بالضبط ما كنت أريده، فما بدا أنه رائع في سن 17 أو 20 لا يبدو رائعًا الآن"([2]).

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث الشريف:

يستنكر مثيرو الشبهة تحريم السنة النبوية للوشم وغيره، معتبرين ذلك تضييقًا على المرأة، وهذا الكلام عارٍ تمامًا عن الصحة؛ وذلك لما يأتي:

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، فجعله في أفضل هيئة وأكمل صورة، معتدل القامة، كامل الخلقة، وأودع فيه غريزة حبِّ التزيُّن والتجمُّل، ودعا إليها عن طريق رسله وأنبيائه؛ فقال تعالى:)يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين(31) ( (الأعراف)، وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال»([3])، ولكن إذا أصبح هذا التزين تغييرًا للشكل والخلقة التي خلقها الله تعالى؛ فإن الأمر يصبح مُحرَّمًا وكبيرة؛ لأنه تغيير للخلقة، وبالتالي تدخُّل في شأن من شئون الله عز وجل.

وإذا كان الإسلام قد شرع التزيُّن والتجمل للرجال والنساء جميعًا، فإنه قد رخَّص للنساء فيهما أكثر مما رخَّص للرجال، فأباح لهن لبس الحرير والتحلي بالذهب؛ قالصلى الله عليه وسلم: «حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأُحلَّ لإناثهم»([4])، وقد حرَّم الإسلام بعض أشكال الزينة كالوشم وغيره؛ لما فيه من الخروج عن الفطرة والتغيير لخلق الله تعالى؛ فعن عبد الله بن مسعود قال: « "لعن الله الواشمات والمتوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيِّرات خلق الله"، فبلغ ذلك امرأة من بني أسدٍ يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت:)وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا((الحشر/7) ؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه...»([5]).

وهناك أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم رواها أكثر من واحد من الصحابة رضوان الله عليهم؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة»([6])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى عمر بامرأة تَشِمُ، فقام فقال: أنشدكم بالله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوشم؟ فقال أبو هريرة: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين أنا سمعت، قال: ما سمعت؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تَشِمْن ولا تستوشِمَن»([7])، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لُعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء»([8]).

وإيضاحًا لما سبق يمكننا أن نذكر الآتي:

·      من الدلالات اللغوية في الحديث:

الوَشْم: "هو رسم خطوط أو صور وكتابات على بعض أنحاء الجسم؛ وذلك بغرز إبرة في الجلد، وذرِّ مواد مُلوَّنة تدخل تحت الجلد، ويبقى أثرها ثابتًا لا يُمْحَى، ويكون الأثر أخضرَ أو أزرق"([9]).

·      من أقوال الفقهاء وشُرَّاح الحديث:

يقول الدكتور محمد عثمان شبير: وقد أجمع العلماء على تحريم الوشم على الفاعلة والمفعول بها باختيارها ورضاها؛ ولذا لا تأثم البنت الصغيرة إذا فُعل بها الوشم لعدم التكليف، وكذا لا يأثم من حصل فيه الوشم نتيجة حادث؛ كاحتكاك جسم الإنسان بالأسفلت، فدخل السواد تحت الجلد، أو نتيجة انفجار قنبلة فدخل الدخان والبارود تحت الجلد، وكذا إذا حدث الوشم عن طريق العلاج.

ووجه الاستدلال أن اللعن لا يكون على أمر غير مُحرَّم؛ فدلَّت الأحاديث على أن الوشم حرام، كما يدل اللعن على أنه من الكبائر.

واستدلوا بالمعقول على تحريم الوشم، وهو أنه إيلام للحي بلا حاجة ولا ضرورة، قال ابن الجوزي: "لا يحلُّ؛ لأنه أذًى لا فائدة فيه"([10]). وإضافة إلى ما سبق؛ فإن الوشم لم يَعُد مقصورًا على النساء؛ فقد انتقل إلى الرجال وشاع بينهم، فإذا كان في حقِّ النساء محرمًا، فإنه من باب أولى يكون محرمًا في حقِّ الرجال دون شك.

أما عن المعنى الذي لأجله حُرِّم الوشم؛ فقد اختلف العلماء فيه: فنقل القرطبي عن بعض العلماء: أنه التدليس. وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه التغيير لخلق الله عز وجل، بإضافة ما هو باقٍ في الجسم عن طريق الوخز بالإبر، والتعذيب لجسم الإنسان بلا حاجة ولا ضرورة، واستدلوا لذلك بما يأتي:

1. قول الله تعالى:) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا(119)((النساء).

فالمراد بقوله تعالى:)فليغيرن خلق الله((النساء:119):الواشم كما ذكر ابن مسعود

والحسن البصري؛ فيكون المعنى الذي لأجله حُرِّم الوشم هو تغيير خلق الله.

2. حديث ابن مسعود السابق، فقد أشار الحديث إلى علة النهي عن تلك الأشياء،والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ لنصِّ الحديث على العلة صراحة.

وبناء على أن المعنى الذي لأجله حرِّم الوشم هو التغيير لخلق الله بما هو باقٍ فلا يدخل في النهي عن الوشم تغيير الخلقة بما لا يكون باقيًا؛ كتجميل العينين بالإثمد، وخضاب اليدين والقدمين بالحنَّاء والكتم، وتحمير الوجنتين، وتطريف الأصابع، والنقش والتكتيب بالأصباغ، قال الشوكاني: إنما النهي في التغيير الذي يكون باقيًا، أما ما لا يكون باقيًا ـ كالكحل ونحوه من الخضابات ـ فقد أجازه مالك وغيره من العلماء"([11]).

ولم يكن الإسلام وحده هو الذي حرَّم الوشم؛ فقد تنبَّهت كثير من الدول إلى ضرر الوشم فتم تحريمه؛ فقد تقدَّم "مارتن مادون" عام 1969م بمشروع قانون بتحريم الوشم رسميًّا في إنجلترا، وأصدرت الحكومة اليابانية عام 1870م مرسومًا يحرِّم الوشم.

وفي تقرير نشره موقع قناة الجزيرة نقلًا عن شبكة رويترز الإخبارية ليوم الخميس 17/ 7/ 2003م حذَّرت اللجنة الأوربية من أن هُواة رسم الوشم على أجسامهم يحقنون جلودهم بمواد كيميائية سامة؛ بسبب الجهل السائد بالمواد المستخدمة في صبغات الوشم.

وقالت: إن غالبية الكيماويات المستخدمة في الوشم هي صبغات صناعية صُنعت في الأصل لأغراض أخرى؛ مثل طلاء السيارات أو أحبار الكتابة، وليس هناك على الإطلاق بيانات تدعم استخدامها بأمان في الوشم، أو أن مثل هذه البيانات تكون شحيحة.

وسألت اللجنة في بيان مصاحب لتقرير عن المخاطر الصحية للوشم وثقب الجسم "هل ترضى بحقن جلدك بطلاء السيارات"؟!

وقال التقرير: إنه إضافة إلى مخاطر العدوى بأمراض، مثل: فيروس "إتش آي في" المسبِّب للإيدز والتهاب الكبد، أو الإصابات البكتيرية الناجمة عن تلوُّث الإبر ـ  فإن الوشم يمكن أن يتسبب في الإصابة بسرطان الجلد والصدفية، وعرض الصدمة الناتج عن الالتهاب الحاد بسبب التسمم أو حتى تغيرات سلوكية.

وقال: إنه جرى الإبلاغ عن حالتي وفاة بسبب الوشم أو تخريم الجسم في أوربا منذ نهاية عام 2002م.

وبهذا؛ فإن الوشم تغيير دائم لخلق الله، كما ذكر الحديث؛ لأنه وفقًا لما يقوله الأطباء فإنه بعد مدَّة من عمل الوشم (التاتو) يرفض الجسم المادة المحقونة داخله، ويفرز أجسامًا مضادة ليهاجم هذه المادة الغريبة، الأمر الذي يسبب تشوُّهات في مكان الوشم، وعند الرغبة في إزالة الوشم يتم حفر الجلد، والدخول في عملية جراحية، وهي عبارة عن زراعة جلد جديد لترقيع المكان، وقد يلجأ الأطباء للعلاج بالليزر أو بالصنفرة أو بالتقشير الكيميائي، وكلُّ ذلك يسبب أضرارًا وتشوهات للجلد([12]).    

 فهل بعد هذا كله يحق لمثيري الشبهة أن يستنكروا تحريم الوشم، ويشككوا فيما يسببه من أضرار صحية؟!

3)  وجه الإعجاز:

ثبت علميًّا أن الوشم يسبِّب أضرارًا عديدة للجسم؛ كالإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي، والحساسية، وسرطان الجلد، هذا بالإضافة إلى الأضرار الاجتماعية والنفسية، كما ثبت أن الوشم ـ بعد مدَّة من عمله ـ يسبِّب تشوُّهات جلدية، وهذا تغيير واضح للخِلْقة؛ لذا حرَّمته كثير من الدول عندما تبيَّنوا ضرره.

وقد جاء الإسلام بتحريم الوشم مبيِّنًا العلة من ذلك، وهي تغيير خلق الله؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن الله الواشمات والمتوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله...»، فأي إعجاز تشريعي هذا؟!

ثانيًا. تحريم النمص وبيان مضاره:

1)  الحقائق العلمية:

أثبت الطب حديثًا أن النَّمْص أو إزالة شعر الحاجب يسبب أضرارًا كثيرة، منها:

1. ارتخاء عضلات الجفن العلوي نتيجة التهيُّج المستمر للعضلات الرافعة للحاجب: أثبتت الدراسات العلمية أن كثرة النمص يؤدي إلى كثرة تهيُّج الجلد والعضلات المحرِّكة للحاجب؛ الأمر الذي يؤدي إلى ارتخاء الجفن أعلى العين، ويكون الارتخاء للجفن في الجزء الوحشي، ولإصلاحه فلا بد من إجراء جراحات تجميلية، وإن لم يعالج ارتخاء الجفن يؤدي إلى ضعف الإبصار، والصداع وزغللة العين (1) و (6).

2. صداع متكرر والتهاب في الجيوب الأنفية، وقد أشارت الأبحاث في الولايات المتحدة إلى أن النمص يسبب صداعًا والتهابًا للجيوب الأنفية، ويؤكد ارتباط الأنف بالحاجب وجود ما يُسمَّى "انعكاس العطاس"؛ حيث يلاحظ العطس مع النمص، ويُفسَّر ذلك علميًّا بتهيج مراكز العطس نتيجة تهيج أعصاب الأنف التي تتغذَّى عصبيًّا من العصب الخامس، وهو المصدر نفسه المغذِّي للحاجب.

3. يقلُّ شعر الحاجب؛ وذلك لموت حويصلات الشعر، والتأثير على المظهر الجمالي للمرأة الأمر الذي دعا الغرب لاستعمال الوشم، وزرع الحاجب ولصقه.

4.   حدوث أمراض جلدية، مثل البهاق والثآليل عند من يعانون من ضعف المناعة.

5. حدوث تغيرات جلدية، مثل التهاب الوجه الاحمراري (rosacea) عند النساء، الذي لم يستطع العلماء تحديد سببه إلى الآن.

6. حدوث التهابات بجلد الوجه الناتج عن وجود كائنات طفيلية متعايشة طبيعيًّا؛ حيث يوجد في أكثر من 89% من الناس على الجلد نوع من الكائنات يُسمَّى "الحلم" (mitesdemodexskinmites) تتغذَّى على زيت الغدة الشحمية (sebacousgland) للشعرة، وتسبب التهابًا في الجلد، خاصة في الوجه، وفي منطقة الجبهة والخدود والذقن، لكن عند ضعف المناعة، وبمصاحبة النمص يتضاعف عدد الحلم، ويسبب مشكلات جلدية، مثل الحبوب على جلد وجه الإنسان تحديدًا، وفي الجبهة على الأخص، وهي نوعان من الحلم؛ واحدة تُسمَّى (demodexbrevis) تعيش في الغدة الشحمية، والأخرى في حويصلة الشعرة، وتُسمَّى (demodexfolliculorum)، وتعيش تلك الكائنات في الحاجب، ويمكن أن تصل لفروة الرأس عن طريق البكتيريا.

7. يسبب النمص في حالة وجود ضعف في المناعة لأي سبب (مثل أيام الحيض والحمل والولادة والنفاس، أو الضغوط العصبية) تكاثر الحلم، ويصبح ممرضًا، ويؤدي لالتهاب حويصلة الشعر، ثم أقل خدش يمكن أن يؤدي إلى انتشار أمراض جلدية، مثل الحبوب، وفي الحالات الشديدة يصعب السيطرة بالمضادات الحيوية وقاتلات الحلم من مركَّبات السلفا، كما يمكن أن ينتشر الالتهاب بالعين، ويصل الالتهاب بطريقة متراجعة من أوردة الحاجب ليصب في الجيب الكهفي داخل الجمجمة، وبذلك يشكِّل خطرًا جسيمًا على حياة الإنسان.كما يمكن أن تسبِّب البكتيريا العنقودية الموجودة طبيعيًّا على الجلد والشعر في هذا المكان الالتهابات الجلدية، خصوصًا مع عدم النظافة.

8. توجد حويصلات الشعر في الحاجبين بعدد محدد عند الولادة، ولا تنمو حويصلات أخرى بعد الولادة إلا في أضيق الحدود؛ بسبب كثرة النمص بأنواعه: الملقط، الخيط، الشمع، الليزر، الكهرباء، كما يمكن أن يؤدي إلى فقدان شعر الحاجب نهائيًّا؛ الأمر الذي يؤثر على الشكل الجمالي للمرأة، وبهذا يصبح شعر الحاجب خفيفًا (sparse)، الأمر الذي دعا الغرب لعمل مراكز زراعة الشعر وشعر الحاجب، وصمَّموا نماذج عديدة سمَّوها بأسماء رموز مشهورة عندهم، وكذا تمَّ استحداث معاهد تعليمية وتدريبية لمعالجة فقدان شعر الحاجب، وفي ذلك خطر وضرر وتغيير لخلق الله.

9. آخر ما توصَّل إليه العلماء أن النمص يعدُّ إيذاء للجلد، وعند إعادة التئام الجرح تتكوَّن شعيرات دموية جديدة، وتهاجر خلايا الأدمة لسطح الجلد، وفي هذا تغيير دائم للجلد.

10.  تسهيل حدوث سرطان خلايا الجلد القاعدي: تم اكتشاف علاقة بين سرطان الجلد وفيروس (humanpapillomavirus)، الذي يوجد متعايشًا على الجلد، وخاصة جلد الجبهة في الإنسان حيث الحاجبان، وتجرى حاليًّا أبحاث في السويد وألمانيا والولايات المتحدة من عام 2008م أشارت إلى ذلك.

11.  أُجريت تجارب على الفئران أثبتت أن نتف الشعر يؤدي إلى موت خلايا حويصلة الشعر؛ لذا يخفُّ من كثرة النمص شعر الحاجبين ويؤثِّر على جمال المرأة في العمر لاحقًا، المر الذي دعا الغرب لزرعه، واستحداث ماركات وموديلات بأسماء مشاهيرهم.

12.  أدَّى النمص للحواجب باستخدام الخيط القطني إلى انتشار البهاق والبرص في حالة سُجِّلت في الهند عام 2003م، ونُشر ذلك في ورقة عمل في المجلة البريطانية المتخصصة في تجميل الجلد.

13.  يغذِّي الشعرة الأعصاب المتصلة بالقشرة الدماغية، ونزع الشعرة قد يؤثر على القشرة الدماغية بعد تهيُّج أعصاب الشعرة من النمص باستمرار.

14.  وتعدُّ شعرة الحاجب عضو مصغَّر في كل وحدة شحمية عضلية في منطقة الحاجب، وبالتالي يكون النمص المتكرر هو عملية إزالة وحدات عضوية مصغرة كاملة.

15.  يقع الحاجبان في المنطقة الخطرة في الوجه (dangerous area) تبعًا لعلماء التشريح؛ حيث تتصل الأوردة التي تنزح الدم من الجانبين إلى داخل الجمجمة عن طريق الوريد البصري، ويكون خطر انتشار الالتهاب بطريقة متراجعة من أوردة الجبهة فوق العين، ومنها إلى الجيب الكهفي داخل الجمجمة؛ حيث يحدث انتشار الالتهاب بطريقة متراجعة من أوردة جلد الحاجب فوق العين عبر الوريد البصري؛ وحيث إن أوردة الوجه ليس بها صمامات، وتسمح بمرور الدم الحر في اتجاهين من الوجه إلى داخل الجمجمة والعكس؛ لذلك يمكن أن يفضي هذا الالتهاب إلى الموت، وتفصيل ذلك كالآتي: ينتقل الالتهاب من خارج الوجه من الأوردة المغذِّية للحاجب في الجبهة (supraopthalmicvein orbitalsupra trocula) إلى داخل الجمجمة عن طريق الوريد البصري ليصل إلى داخل الجيب الكهفي في الجمجمة، الذي بداخله الأعصاب الدماغية التي يحدث بتأثرها شلل في الجسم، كما يحدث التهاب في الأغشية الدماغية، ومن ثم تحدث الوفاة([13])

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار  إليه الحديث النبوي الشريف:

يدعي مثيرو الشبهة أن تعاليم الإسلام فيما يتعلق بزينة المرأة فيها تضييق للخناق عليها وتقييد لحريتها، إلا أن الحقيقة الشرعية غير ذلك تمامًا، وبادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى بداهة هي من نافلة القول، وهي أن تعاليم الإسلام في تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة من أجل إقامة الأسرة الكريمة تشير إلى أهمية الأسباب المؤدِّية إلى تكوين الرغبة في الاقتران بها؛ أي: يمكن القول: إن الزينة والتزيُّن من قِبَل المرأة مطلب شرعي.

وفي ضوء ذلك، فعلى المرأة المسلمة أن تفهم أن الإسلام لا يدعوها إلى ترك الزينة والإعراض عنها بالكلية بحيث تفقد فطرتها؛ قال تعالى:)قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون(32)((الأعراف)؛ ومن ثم أباح لها التجمُّل والتزيُّن، ولكن في حدود ما أباحه الله تعالى، في حدود ما ليس عبثيًّا مما فيه تغيير لخلق الله عز وجل؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن الله... النامصات والمتنمصات... المغيِّرات خلق الله»([14]).

ويتضح ذلك بصورة جلية من خلال ما يأتي:

النمص عند أكثر أهل العلم متعلق بشعر الحاجبين([15])، وما عداه من الشعر فمسكوت عنه؛ لعدم الدليل على منع أخذه؛ قال الإمام أبو داود في سننه بعد أن ساق الحديث: "والنامصة التي تَنْقُش الحاجب حتى تَرِقَّه"([16]).

وقال محمود شاكر في تعليقه على تفسير الطبري: "المتنمصة والنامصة: التي تزيل شعر حاجبها بالمنقاش حتى ترقِّقه وترفِّعه وتسوِّيه"([17]).

ومما يرجِّح اختصاص النمص المحرَّم بالحاجبين ما جاء عن عائشة رضي الله عنها  من الترخيص للمرأة أن تحفَّ جبينها لزوجها، وفيه أن المرأة قالت: «يا أم المؤمنين، إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي؟ فقالت عائشة: أميطي عنك الأذى، وتصنَّعي لزوجك كما تصنعين للزيارة...»([18]).

وقد نقله عنها جمع من أهل العلم وأقرُّوه، وهذا يدل على أنه يجوز للمرأة حلق شعر الوجه ونتفه، عدا الحاجبين. ومما يدل على هذا ما ذكره العلماء من إباحة إزالة شعر الشارب واللحية بالنسبة للمرأة؛ حتى لا تتشبَّه بالرجال([19])؛ لأن ظهور الشعر في وجه المرأة  ـ في غير الحاجبين ـ يعدُّ عيبًا ونقصًا.

واستدلوا لذلك أيضًا بأن حديث ابن مسعود رضي الله عنه قد ورد بلفظ "المتنمصات"، والمتنمصات جمع متنمصة، وهي التي تطلب أن يُفعل بها التنمص، وهو من باب تفعل أو معناه التكلف والمبالغة في إزالة الشعر من الوجه، ولا تتحقق المبالغة في إزالة الشعر من الوجه إلا في الحاجبين؛ لأنهما المحلُّ الطبيعي لظهور الشعر في وجه المرأة، فإذا بالغت المرأة في نتف شعر الحاجبين للتجمل والتحسين كأن تزيلهما كليًّا أو ترققهما حتى يصيرا كالقوس أو الهلال، فهو النمص المنهي عنه([20]).

ومن ثم؛ فقد اتفق العلماء على تحريم نَمْص الحواجب؛ أي: نتفها، أما عن قَصِّها وحلقها، فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف؛ لأنه تغيير لخلق الله، فلا فرق بين أن يكون نتفًا أو يكون قصًّا أو حلقًا، وهذا أحوط بلا ريب([21]).

أما عن قولهم: إن منع المرأة من نمص حواجبها يجعل حواجبها كحواجب الرجال؛ فهو قول باطل؛ وذلك لما يأتي:

إن الله عز وجل خلق المرأة ـ مثلما خلق الرجل ـ في أحسن تقويم؛ فجعل لها شكلًا وهيئة تناسب خلقتها الأنثوية، التي تتطلب شيئًا من الجمال، من هذا خلقه تعالى حواجب للمرأة تناسب طبيعتها، هذه هي القاعدة، ولكن لكل قاعدة شواذ؛ فقد توجد بعض النساء بحواجب كثيفة كثافة غير طبيعية، وهذه لها حكم خاص كالآتي:

يجوز الأخذ من الحواجب الكثيفة بشرط أن تبلغ من الكثافة حدًّا مشوِّهًا للخِلْقة وخارجًا عن أصلها المعتاد، فلا حرج حينئذٍ في تخفيفه بالقدر الذي يزول به هذا التشوُّه ولا يتعدَّاه، ولا يدخل ذلك في النمص المحرم، وإنما هو إزالة عيب وشين؛ فعن عبد الرحمن بن طرفة «أن جدَّه عرفجة بن أسعد قُطع أنفه يوم الكُلاب فاتخذ أنفًا من ورق، فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفًا من ذهب»([22]).

أما إن كانت الحواجب كثيفة باعتبار ما كان قبل ترك النمص فهذا طبيعي، وليس بعيب، وإنما هو مجرد ظن من المرأة التي لم تعتد رؤية الحواجب بحالتها الطبيعية منذ مدّة، ولعل ذلك أيضًا من الشيطان لعنه الله؛ فإنه قد يقبِّح في عينيها رؤية الحواجب بحالتها الطبيعية ليزيِّن لها العودة إلى تغيير خلق الله.

وكذلك إن كانت الحواجب كثيفة باعتبار ما شاع في أوساط النساء المتنمصات، فلا يصلح أن يكون فعل هؤلاء معيارًا للحلال والحرام، حتى وإن كان ذلك شائعًا فيهن؛ قالتعالى: )قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون (100)( (المائدة) ([23]).

هذا عن الحواجب الكثيفة كثافة مشوِّهة للخلقة؛ فإن قال قائل: هناك نساء ذات حواجب كثيفة غير مشوهة للخلقة، إلا أنهن يردن أن يظهَرن في صورة حسنة تليق بطبيعتهن، وهذا يتطلب تهذيب الحواجب ـ قلنا هذه الحواجب الكثيفة لا تخلُّ بطبيعة المرأة التي جُبلت على حبِّ الزينة والتزين، والدليل على هذا من الواقع أنه بدأت موضة الحواجب الكثيفة فعليًّا تعود من جديد لعالم الموضة؛ لأنها تعطي للوجه مظهرًا أكثر أناقة وطبيعية من الحواجب الرفيعة.

ونقلت صحيفة الأنباء الكويتية في عددها الصادر يوم السبت عن خبيرة التجميل "لورا ليج" قولها: "إن الحواجب المرتفعة للغاية يمكن أن تعطي الشخص شكلًا دميمًا"، مضيفة أنه "غالبًا ما يكون وضع أدوات التجميل بشكل غير مناسب هو السبب وراء ذلك"([24]).

وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإن تحريم الإسلام للنمص كان لعلة وهي تغيير خلق الله، كما نصَّ على ذلك الحديث؛ فإن قال قائل: حُرِّم النمص لأنه كان شعارًا للفاجرات، قلنا: إنه عند التحقيق يتبين أن الحديث نصَّ على العلة، وهي: تغيير خلق الله طلبًا للحسن، ولو كانت العلة هي كون ذلك شعارًا للفاجرات، لم يكن لتخصيص هذه الأشياء فائدة، فإن كل ما هو شعار للفاجرات محظور، سواء من هذه الأشياء المذكورة في الحديث أو من غيرها؛ ومما يؤكِّد ذلك: سياق حديث ابن مسعود، فإن أم يعقوب لما سألت ابن مسعود وذكر لها الحديث، قالت: «فإني أرى أهلك يفعلونه؟ قال: فاذهبي فانظري فنظرت، فلم تر من حاجتها شيئًا...»([25]).وهذا يدل دلالة قاطعة على أن النمص لم يكن شعارًا للفاجرات، وإلا لم تعترض أم يعقوب ابتداء، ثم لم تظن انتهاءً أن امرأة ابن مسعود وهي من فضليات الصحابة تفعله([26]).

ويؤكد ما سبق ما توصَّل إليه العلم الحديث بشأن النمص؛ حيث أثبت أن الشعر الذي ينتج بعد النمص يكون أكثر سمكًا وخشونة وأكثر كثافة من الشعر الأصلي، ولا يرجع لطبيعته مرة أخرى، كما يؤدي النمص المتكرر في النهاية إلى فقدان الشعر وعدم نموه مرة أخرى، الأمر الذي يشوِّه جمال المرأة، ويؤدي إلى زرع الحاجب ولصقه، والوشم والصبغ للحاجب، واستحداث موديلات للحاجب المزروع؛ لأن الإنسان يولد بعدد محدد من حويصلات الشعر ولا تنمو حويصلات جديدة بعد الولادة([27])، وهذا لا شك تغيير لخلق الله.

بالإضافة إلى هذا؛فإن النمص يسبِّب أضرارًا أخرى كثيرة ـ سبق الحديث عنها ـ كارتخاء عضلات الجفن العلوي، والصداع المتكرر، والتهاب الجيوب الأنفية، والتغيرات والالتهابات الجلدية... إلخ.

أما عن تشكيك مثيري الشبهة في علة تحريم النمص وهي تغيير الخلق، وتساؤلهم: إذا كانت تلك العلة عقلانية، فلماذا لا يعدُّ الختان وإزالة شعر الإبطين والعانة تغييرًا لخلق الله أيضًا؟ نقول:

إن لتغيير الخلق المحرَّم ضوابط:

1. ما جاء في النصوص الشرعية الأمر به أو الإذن فيه فليس من تغيير خلق الله المحرَّم، وإن كان فيه تغيير للخِلْقة في الظاهر؛ كخصال الفطرة.

2. ارتكاب ما ظاهره تغيير خلق الله في خِلْقة مشوَّهة غير معهودة لقصد العلاج أو إصلاح العيب جائز، ويدل على ذلك قيد "للحُسْن" في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ورواية «من غير داء» في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ومن ذلك الجراحات التجميلية التي يُقصد منها العلاج وإزالة العيب؛ إذ المقصود العلاج لإزالة الضرر، والتجميل جاء تبعًا.

3. يُحرَّم ما فيه تغيير لخلق الله إذا كان ذلك لمجرَّد الحصول على زيادة حُسْن، كما يدل عليه الحديث السابق، وذلك كما في بعض صور جراحة التجميل التحسينية.

4. إذا كان العضو مشوَّهًا؛ فإن الجراحة لإعادته إلى خِلْقته المعهودة أو قريب منها لا يندرج ضمن تغيير الخلق المحرَّم؛ إذ المقصود هنا إعادته إلى الخِلْقة لا إزالتها وتغييرها.

5. ذكر بعض العلماء أن التغيير المحرَّم ما كان باقيًا على الجسم كالوشم والتفليج ونحوهما مما جاء ذكره فيما سبق من نصوص. أما ما لا يبقى كالكحل والحناء ونحوهما؛ فإن النهي لا يتناولهما، ومثل ذلك بعض الإجراءات التجميلية التي لا يطول أثرها كاستعمال الكريمات والتقشير الكيميائي السطحي ونحوهما.

ومن خلال ما سبق يمكن صياغة الضابط العام للتغيير المحرم بأنه: "إحداث تغيير دائم في خِلْقةٍ معهودةٍ".

وفيما يلي بيان أبرز قيود هذا الضابط:

تغيير: هذا التغيير إما أن يكون بإضافة؛ كالحقن التجميلي والترقيع ونحوهما، وإما أن يكون بإزالة بعض أنسجة الجسم كشفط الدهون، وإما أن يكون بتعديل مظهر بعض الأعضاء بتكبيرها أو تصغيرها أو شدِّها.

دائم: المراد أن أثره يمكث مدَّة طويلةً؛ كالأشهر أو السنوات، ولا يلزم أن يدوم مدى الحياة، وهذا قيد يخرج التغيير المؤقَّت الذي لا يدوم أثره أكثر من عدِّة أيام.

خِلْقةٍ معهودةٍ: أي الخِلْقة المعتادة التي جرت السنة الكونية بمثلها، فالمعتاد مثلًا في كبار السن وجود التجاعيد في وجوههم. أما الصغار؛ فإن وجودها بشكل مشوَّه يُعدُّ خِلْقة غير معتادة ولا معهودة، وتقييد التغيير بحدوثه في الخلقة ـ العضو ـ يعني أن التغيير يظهر على العضو، وليس بإضافة شيء خارجي إليه.

وهذا القيد ـ خِلْقة معهودة ـ يتناول التغيير لعدَّة دوافع، منها: تغيير الخلقة المعهودة لطلب زيادة الحسن؛ كالوشم والنمص والتفليج، وما يُلحق بها من الجراحات التجميلية التي تُجرى لخِلقة معتادة في عرف أوساط الناس، وهذا أشهر دوافع التغيير المحرم للخِلْقة.

ويخرج بهذا القيد تغيير الخِلْقة غير المعهودة كما في علاج الأمراض، والإصابات والتشوُّهات والعيوب الخَلْقية أو الطارئة التي ينشأ عنها ضرر حسي أو نفسي، كما أنه لا يتناول التغيير المأذون فيه شرعًا كالختان وإقامة العقوبات الشرعية([28]).

ونخلص مما سبق إلى أن استنكار الطاعنين تحريم السنة النبوية للنمص لا يقوم على دليل أو برهان صحيح؛ فضلًا عن أن العلم الحديث قد توصَّل إلى أضرار عديدة للنمص، وأثبت أنه يؤدي إلى تغيير الخلقة، وهو ما أشار إليه الحديث الشريف؛ فأي إعجاز تشريعي هذا؟!

3)  وجه الإعجاز:

أثبت العلم الحديث من خلال الفحص الطبي أن نمص الحواجب يسبب أضرارًا كثيرة؛ منها: ارتخاء عضلات الجفن العلوي، صداع متكرر، التهاب الجيوب الأنفية، تغيُّرات والتهابات جلدية، كما يؤدي النمص المتكرر في النهاية إلى فقدان شعر الحاجبين وعدم نموه مرة أخرى؛ الأمر الذي يشوِّه جمال المرأة، وهذا تغيير واضح لخلق الله، أشار إليه التشريع الإسلامي من خلال الحديث النبوي: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله»، وهذا لا شك إعجاز تشريعي. 


(*) نساؤهم ونساؤنا، كامل النجار، مقال منشور بموقع: الحوار المتمدن www.ahewar.org.

[1]. الحكمة العلمية في تحريم النمص والوشم والتفلج، د. منال جلال عبد الوهاب، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (33)، جمادى الآخرة 1430هـ، ص15 بتصرف.

[2]. الإعجاز التشريعي في تحريم الإسلام للوشم، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.

[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه، (2/ 483)، رقم (259).

[4]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: أبواب اللباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب: ما جاء في الحرير والذهب للرجال، (5/ 313)، رقم (1774). وصحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1720).

[5]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (الحشر:7)، (8/ 498)، رقم (4886). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة... (8/ 3248- 3249)، رقم (5469).

[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: وصل الشعر، (10/ 387)، رقم (5937). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة... (8/ 3248)، رقم (5467).

[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: المستوشمة، (10/ 393)، رقم (5946).

[8]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الترجُّل، باب: في صلة الشعر، (11/ 152)، رقم (4164). وصحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4170).

[9]. لسان العرب، ومعجم اللغة العربية المعاصرة، مادة: وشم.

[10]. انظر: أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي، د. محمد عثمان شبير، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 1409هـ/ 1989م، ص21- 22.

[11]. المرجع السابق، ص22.

[12]. انظر: الإعجاز التشريعي في تحريم الإسلام للوشم، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان
www.jameataleman.org. الإعجاز الطبي والدوائي: تحريم الإسلام للوشم، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.

[13]. الحكمة العلمية في تحريم النمص والوشم والتفلج، د. منال جلال عبد الوهاب، مرجع سابق، ص13- 15 بتصرف.

[14]. المرأة بين غرائز البشر وهداية الإسلام، مقال منشور بمنتديات: أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com.

[15]. انظر: سلسلة التفسير، مصطفى العدوي، دروس صوتية مفرغة من موقع: الشبكة الإسلامية www.islamweb.net. دروس صوتية مفرغة، أبو إسحاق الحويني، موقع: الشبكة الإسلامية www.islamweb.net.

[16]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، ج11، ص152.

[17]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ج9، هامش ص222.

[18]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب: الصلاة، باب: إذا كانت المرأة أقرأ من الرجال وصلاة المرأة عليها وجاء، (3/ 146)، رقم (5104).

[19]. الأدلة على كون النمص خاصًّا بالحاجبين دون سائر الوجه، مقال منشور بموقع: إسلام ويب www.islamweb.net.

[20]. أحكام زراعة الشعر وإزالته، د. سعد بن تركي الخثلان، مقال منشور بموقع: صيد الفوائد www.saaid.net.

[21]. انظر: النمص بين الطب والشرع، خولة درويش، مقال منشور بموقع: صيد الفوائدwww.saaid.net.

[22]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في ربط الأسنان بالذهب، (11/ 197)، رقم (4226). وحسَّنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4232).

[23]. شرط جواز الأخذ من الحواجب الكثيفة، مقال منشور بموقع: إسلام ويب www.islamweb.net.

[24]. الحواجب الكثيفة تعود من جديد، مقال منشور بموقع: شبكة فراس الإعلاميةwww.fpnp.net.

[25]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب:  )وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ((الحشر:7)، (8/ 498)، رقم (4886). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة... (8/ 3248، 3249)، رقم (5469).

[26]. تحريم النمص مطلقًا هو أسعد الأقوال بالدليل، مقال منشور بموقع: إسلام ويبwww.islamweb.net.

[27]. الحكمة العلمية في تحريم النمص والوشم والتفلج، د. منال جلال عبد الوهاب، مرجع سابق، ص16 بتصرف.

[28]. تغيير خلق الله: ضوابطه وتطبيقاته، د. صالح بن محمد الفوزان، بحث منشور بموقع: فرسان السنة www.forsanelhag.com.

redirect how do i know if my wife cheated unfaithful wives
redirect redirect unfaithful wives
click website dating site for married people
click here unfaithful spouse women cheat husband
signs of a cheater why married men cheat on their wives website
reasons wives cheat on their husbands affair dating sites why do men have affairs
viagra vison loss viagra uk buy online read
viagra vison loss vasodilator viagra read
husband cheat online online affair
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  7929
إجمالي عدد الزوار
  36594157

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع