مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

الطعن في تحريم الإسلام للخمر (*)

مضمون الشبهة:

من جملة ما درج عليه المغالطون ـ وهم بصدد طعونهم المتزايدة في التشريع الإسلامي ـ الطعن في تحريم الإسلام للخمر؛ إذ نُصَّ على تحريمها في القرآن والسنة، ومن أدلة تحريمها قرآنًا قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون(90)( (المائدة)، ومن أدلة تحريمها سُنَّة قوله صلى الله عليه وسلم في شرب الخمر للتداوي: «إنه ليس بدواء ولكنه داء».

وبالنظر إلى الطعون التي أُثيرت في هذا المقام نجدها تتلخَّص فيما يأتي:

·      للخمر فوائد طبية وخصوصًا لمرضى القلب؛ لما ثبت عنها من توسيع للأوعية الدموية.

·      للخمر قيمة غذائية؛ نظرًا لما ينتج عنها من سعرات حرارية عالية.

·      الخمر تكسب شاربها طاقة حرارية تمكِّنه من مقاومة البرد.

·      الخمر فاتحة للشَّهية.

·      للخمر القدرة على إدرار البول؛ لذا تستخدم في علاج من يشتكي من الحصى في الكلى.

·      الخمر تنشِّط الذهن.

·      الخمر تثير الرغبة الجنسية وتقوِّيها.

وبناء على ذلك نجدهم يتساءلون: لماذا يُحرمها الإسلام ولها مثل هذه الفوائد؟ أليست حياة الإنسان تستحق أن تباح من أجلها الضرورات؟ وهل يوجد أغلى من حياة الإنسان وصحته يمكن الحفاظ عليهما؟

وجوه إبطال الشبهة:

1.إن كان صحيحًا أن الكحول يُوسِّع الأوعية الدموية الموجودة تحت الجلد، إلا أنه يفعل العكس مع الأوعية الدموية المغذِّية لعضلة القلب؛ إذ يتسبب الكحول في تصلُّبها، وذلك بسبب ما يحدثه من زيادة نسبة الدهنيات في الدم مثل الكوليسترول والجليسرين الثلاثي، التي تترسَّب بدورها على جدران الأوعية، فتسبِّب تصلُّبها وتضيُّقها، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى الإصابة بفقر التروية القلبية، وخصوصًا الذبحة الصدرية.

2.يؤكد العلماء أن الكحول ليس مصدرًا غذائيًّا يمكن الاعتماد عليه؛ فعلى الرغم من تولُّد حرارة عالية من احتراقه إلا أنه لا يحتوي على العناصر الغذائية المهمة مثل البروتينات والمعادن والفيتامينات، بل يؤدي إلى نقصها من الجسم؛ ومن ثم التأثير بشكل مباشر على كل من الكبد والدماغ، ولو نظر من يدَّعي أن للخمر قيمة غذائية لشاربها ـ لوجده يعاني من أمراض سوء التغذية.

3.إن شعور شارب الخمر بالدفء شعور كاذب ومؤقت سرعان ما يزول؛ وذلك يعود إلى تأثير الكحول على الأوعية الدموية الموجودة تحت سطح الجلد الأمر الذي يؤدي إلى تمدُّدها؛ ومن ثم السماح لكمية أكبر من الدم بالتوارد على المناطق السطحية من الجلد، فيظهر ذلك على شكل احمرار في الوجه مثلًا؛ ولأن الدم يكون محمَّلًا بحرارة الجسم الداخلية؛ لذا فإن السكِّير يحس بالدفء في بداية الأمر، ولكن سرعان ما يختفي ذلك الإحساس نتيجة لتسرُّب حرارة الجسم إلى الخارج، فيشعر المرء بالبرد وتنتابه القشعريرة في الأجواء الباردة.

4.كيف تكون الخمر فاتحة للشهية؟! إنها تصيب المعدة بالالتهاب الضموري؛ وعليه تبدأ كمية العصارة المعدية بالتناقص، كما أنها تؤدي إلى اضطرابات شديدة في الهضم؛ فينتهي الأمر بفقدان شارب الخمر للشهية.

5.إن كان صحيحًا أن للكحول القدرة على إدرار البول، فليس معنى هذا أنه يساعد الجسم على التخلُّص من الأملاح الزائدة والسموم والحصى، بل إن ما يحدث هو العكس؛ إذ إنه ـ أي شرب الخمر ـ يترتَّب عليه أضرارٌ كبيرةٌ، منها: أنه يتسبب في رفع نسبة الدهون في الدم، الأمر الذي يؤدي إلى إرهاق الكليتين في التخلص من تلك الدهون، ويؤدي في النهاية إلى ضعفهما وإصابتهما بالفشل، فتتراكم السموم في الجسم.

6.إن شارب الكحول يشعر بنشوة ونشاط في بادئ الأمر؛ وذلك من خلال توسيع الكحول لأوردة الدماغ، فتزداد كمية الدم الواردة إليه، الأمر الذي يؤدي إلى تنبيه مؤقت لا يلبث أن يزول ويتحوَّل إلى خمول وخمود، وتتأثر من جرَّاء ذلك المراكز العليا في الدماغ المسئولة عن الوظائف الحيوية في جسم الإنسان، مثل: الذاكرة والقراءة والكلام والسلوك والحركة وغيرها، فأين إذًا النشاط الذي تسببه الخمر للذهن؟!

7.إذا كانت الخمر تثير الرغبة الجنسية، فإنها تعطِّل أداء العمل الجنسي؛ إذ إن الاستمرار في تعاطي الكحول يؤدي إلى خلل كبير في الوظائف الجنسية عند الرجل والمرأة؛ وذلك بسبب التأثير المباشر للكحول على الخصيتين والمبيضين، والغدة النخامية المسئولة عن إفراز الهرمونات الجنسية التي تحفِّز كلًّا من الخصيتين والمبيضين.

التفصيل:

لن نستطيع هنا ـ ونحن بصدد بيان الإعجاز العلمي من الحكمة الربانية في تحريم الخمر، وذلك ردًّا على ما يُثار من شبهات حول الحكمة من هذا التشريع ـ الحديث تفصيلًا عن أضرار الخمر الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وكذلك أضرارها على صحة الإنسان؛ إذ إن للخمر أضرارًا على الأذن والعين، والجلد والجهاز العصبي، والقلب والأوعية الدموية، وأضرارًا على الجهاز التنفسي والهضمي والتناسلي... إلخ، فهذا مما يَقْصُرُ مُؤلَّف ـ ولن نبالغ إذا قلنا عدة مؤلفات ـ عن الإحاطة به.

صحيح أن الحديث عن هذه الأضرار ـ تفصيلًا ـ أمر مهم، ذاك أنه سيظهِر بجلاء الحكمة الربانية من تحريم الخمر، ولكننا لن ندع الحميَّة ـ ونحن في معرض الانبهار بهذا التشريع ـ تأخذنا إلى هذا المنحى. ومن ثم؛ فإننا نؤثر أن يأتي محور حديثنا مرتكزًا حول ما أُثير من طعون أو تُوهِّم من شبهات، مُبيِّنين أوجه العوار فيما يُدَّعى من خلال ما توصَّلت إليه الدراسات الطبية الحديثة.

أولا. الخمر داء وليست دواء:

أول ما يستهلُّ به الطاعنون طعونهم قولهم: إن للخمر فوائد طبية، وخاصة لمرضى القلب؛ لما ثبت عنها من توسيع للأوعية الدموية.

وردًّا على ذلك نقول: على الرغم من أن الكحول يُوسِّع الأوعية الدموية الموجودة تحت سطح الجلد، إلا أنه يفعل العكس مع الأوعية الدموية المغذِّية لعضلة القلب، التي تُعرَف بـ "الشرايين التاجية" (coronaryarteries)؛ حيث يتسبب الكحول في تصلُّبها، وذلك بسبب ما يحدثه من زيادة نسبة دهنيات الدم، مثل الكوليسترول والجليسرين الثلاثي، التي تترسَّب بدورها على جدران الأوعية فتسبب تصلبها وتضيقها؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى الإصابة بفقر التروية القلبية (ihd)، وخصوصًا الذبحة الصدرية (anginapectoris)، وربما احتشاء عضلة القلب (myocardialinfarction).

يقول الدكتور عدنان الشريف في مقال له نُشر في مجلة الفكر الإسلامي العدد (10) المحرم 1405هـ: "لقد نصح بعض الأطباء ـ قبل التأكُّد طبيًّا من ذلك بصورة جازمة ـ بعضًا من مرضى القلب المصابين بقصور الشريان التاجي بأن يتناولوا كل ليلة قدحًا من الكحول يوسِّع الشرايين التاجية، ويمنع حصول عوارض الذبحة الصدرية.

فماذا كانت النتيجة؟

لقد كانت النتيجة غير مُجدِية ـ بل عكسية ـ في أكثر الحالات؛ إذ ثبت للأطباء أنفسهم الذين طلعوا علينا بهذه البدعة الطبية: أن الكحول يُوسِّع الشرايين العادية التي ليست متضيقة بفعل التصلُّب. وفي هذه الحالة؛ فإن المناطق العضلية القلبية التابعة بتغذيتها لشرايين تاجية متصلبة، بدلًا من أن يزداد ما يصلها من دم يقل في حالة تناول الكحول الذي يُوسِّع فقط ما تبقَّى من شرايين قلبية سليمة تُغذِّي مناطق عضلية هي أصلًا ليست بحاجة لزيادة كمية الدم التي يتطلبها عملها، وهذا ما يُعرف بعارض السرقة في التعابير الطبية.

وبفضل الوصفة العصرية المخملية، وتحت ستار المرض وإرشادات الأطباء إلى مدمني الكحول، أصبح الكأس كأسين، ثم ثلاثة، وانتهى إلى زجاجة بأكملها، ثم الإدمان".

أما الدكتور محمد الخطيب فيقول: "منذ قديم الزمان كان هناك اعتقاد شائع بأن الكحول يُوسِّع الشريان التاجي للقلب، وقد أثبتت البحوث الطبية الحديثة أن الكحول ليس له أي تأثير مباشر على الشريان التاجي للقلب، وأن ألم الذبحة القلبية يخفُّ نتيجة لتأثير الكحول المخدر على مراكز الألم في المخ.

وأثبتت الأبحاث الحديثة أيضًا أن كمية الكحول إذا زادت فإنها تُحدث تسمُّمًا في عضلة القلب وإجهادًا؛ وذلك لأن الكحول بنسبة (1%) في الدم يسبب زيادة في عدد نبضات القلب عشر نبضات في الدقيقة، ومن هذه العوامل فقد يشعر المريض بزوال الألم وبالراحة الوهمية فلا يلزم الفراش فيتعرَّض للوفاة.

ولهذا فقد أصبح الأطباء في العصر الحديث ينصحون أي إنسان مُعرَّض للذبحة الصدرية بالامتناع عن الكحول والتدخين".

أما الدكتور محمد علي البار فيقول: "لقد وجد الباحثون أن أُوقيتين من الويسكي إذا أُعطيت لمريض يعاني من الذبحة الصدرية فإنها تسبِّب له على الفور ذبحة صدرية، وتظهر الآثار في تخطيط القلب، وهذا يدلِّل على أن إعطاء الكحول لمريض الذبحة الصدرية كعلاج هو وهم قاتل، وليس له أساس من الصحة، بل إنه يؤدي إلى تفاقم مرض الذبحة، وقد يؤدي إلى جلطة القلب".

ثم يقول: "وقد أظهرت الأبحاث الطبية أن أوقيتين من الويسكي فقط تسبب انخفاضًا في عمل القلب بنسبة (20%)، كما لاحظ (ريجان) أن ست أوقيات من الويسكي أدَّت إلى عدم قدرة البطين الأيسر على الضخِّ؛ الأمر الذي أدَّى إلى ارتفاع الضغط داخل البطين الأيسر في الحالة الانبساطية (increasedenddiastolicpressure)، وهي إحدى علامات هبوط القلب".

كما لاحظ باحثون آخرون زيادة احتقان الرئتين بالدم بعد شرب الكحول، وهي علامة أخرى على هبوط القلب.

ويؤكد الباحثان "نوت وبيرد": "على أن الكحول يتسبب في إثارة بل وزيادة نسبة الإصابة بالذبحة الصدرية من نوع برينزميتال (prinzmetalangina)، وهي نوبات ألم في الصدر تصيب المرء أثناء الراحة ولا سيما في الليل، وتصحبها تغيرات مؤقتة في تخطيط القلب، وتنتج عن تضيُّق في إحدى الشرايين التاجية الرئيسية التي تغذِّي عضلة القلب؛ لذا فإنه ليس هناك سبب منطقي في أن يُوصف الكحول لمريض يعاني من الذبحة الصدرية".

وبالرغم من أن بعض الدراسات أظهرت أن الكحول يرفع نسبة الدهنيات عالية الكثافة(ihd)، التي تشمل الذبحة الصدرية واحتشاء عضلة القلب، إلا أن هناك عدة قرائن تؤكد اشتراك الكحول في الإصابة بتصلب الشرايين وفقر التروية القلبية.

ومن تلك القرائن مايلي:

1.ترافق الإدمان مع الكحول مع تدخين السجائر، ويعدُّ الأخير من العوامل المهمة المساعدة على الإصابة بفقر التروية القلبية.

2.دور الكحول في زيادة نسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم، الذي يعدُّ من أهم العوامل المساعدة على الإصابة بفقر التروية القلبية.

3.دور الكحول في زيادة دهنية الدم (hyperlipiedmia)؛ الأمر الذي يساعد على ترسيب الدهون على جدران الأوعية الدموية ويؤدي إلى تصلبها، ومن ثَمَّ الإصابة بفقر التروية القلبية.

أما البروفيسور "برون والد" (braunwald) ـ وهو أشهر المتخصصين في أمراض القلب في العالم، وصاحب كتاب "أمراض القلب" ـ فيقول في كتابه المذكور: "بالرغم من وجود بعض الدراسات التي أظهرت أن الكحول يرفع نسبة الدهنيات العالية الكثافة في الدم، إلا أنني لا أنصح مطلقًا باستخدام الكحول كعلاج وقائي من الإصابة بفقر التروية القلبية".

أما الدكتور أحمد طه ـ استشاري أمراض القلب بمستشفى الرياض المركزي ـ فيجيب عن سؤال طُرِحَ عليه: هل تعاطي الخمر يقي من النوبات القلبية؟ بالآتي: بين الفينة والفينة تطلع علينا الدوريات الطبية ببحث يدَّعي فيه ناشره: أن قليلًا من الخمر يصلح القلب، ويقي من النوبات القلبية، وأن يكون للخمر بعض الفوائد فهذه حقيقة لا يجادل فيها اثنان؛ لأن الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير أخبرنا أن فيها منافع للناس، ولكن في إطار الآية الخالدة التي تقرِّر أن في الخمر من الإثم والضرر ما يفوق نفعها، قال تعالى:)   يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما( (البقرة/219).

ومعظم البحوث ـ إن لم يكن أغلبها ـ التي تدَّعي أن الخمر يقي من النوبات القلبية المميتة وغير المميتة تقوم على مقارنة من يتعاطون الخمر بكميات قليلة أو متوسطة أو كثيرة أو من امتنعوا عن الخمر بعد تعاطيها لمدَّة وتعرضوا لنوبات قلبية بمجموعة ضابطة من الأصناف الأربعة المذكورة آنفًا ممن لم يتعرضوا لنوبات قلبية، ومثل هذا النوع من البحوث التي تُعرف باسم الدراسات ذات المقطع العرضي قد يظهر العلاقة بين شيئين ولكن لا يثبتها، وإنما يثبت ذلك الدراسة ذات المقطع الطولي، وهي الدراسة التي تتبع مجموعة من الناس لعدة سنوات ترصد فيها حدوث المرض موضوع البحث، ولندلِّل على الفرق الشاسع بين مدلول الدراسة العرضية والطولية نورد المثال الآتي: قد يقارن شخص بين من يموتون في قارعة الطريق ومن يموتون في الطريق، فيستنتج أن البقاء في الفراش أشدُّ خطرًا من السير في الطريق، فهذه دراسة عرضية أدَّت إلى نتائج غير صحيحة، فلو أن الباحث الذي توصَّل إلى مثل هذه النتيجة تتبَّع مجموعة من الناس لوجد أن نسبة ضئيلة من الذين يأوون إلى فراشهم من الأصحاء يموتون كل يوم، وأن الموتى على حوادث الطريق هم من الأصحاء الذين معظمهم في سن الشباب، وهذا المثال يوضِّح لنا أن الإحصاءات وحدها دون إعمال الفكر قد تؤدي إلى نتائج مغلوطة.

والآن نناقش موضوعنا الرئيسي: هل الخمر تقي من النوبات القلبية؟

أولًا. ينبغي ألا يغيب عن البال أن الدراسات التي أُجريت في الغرب في هذا المجال تقارن بين مجموعة من الذين يتعاطون أو تعاطوا الخمر في الماضي، ولا تقارن بين من تعاطى الخمر ومن لم يتعاطها مطلقًا في حياته؛ إذ إنه يندر أن يكون في الغرب من غير المسلمين من لم يتعاط الخمر ولو لمرة في حياته، فلو أجريت مقارنة بين من يتعاطون الخمر بكميات قليلة أو معتدلة ومن لم يتعاطوها مطلقًا لربما أثبتت المقارنة أن من لم يتعاط الخمر مطلقًا أقل عرضة للنوبات القلبية.

ثانيًا. حسب تعريف البحوث التي أُجريت في هذا المجال؛ فإن من يتعاطون الخمر بكميات قليلة أو معتدلة هم الذين يتعاطون الخمر مرتين أو ثلاث مرات يوميًّا، وهذه الكمية لا شك أنها ضارة بأجهزة الجسم الأخرى، ولا سيما إذا استمرت لمدة طويلة.

ثالثًا. قد يكون الفرق بين من يتعاطون الخمر بكميات قليلة أو معتدلة ومن يتعاطونها بكميات كبيرة: هو أن الذين يتعاطونها بكميات كبيرة يموتون في سنٍّ مبكرة قبل أن يصلوا إلى العمر الذي تحدث فيه النوبات القلبية، وهذا لا يمكن إثباته إلا بالدراسات الطولية.

رابعًا. لم تُثبت أي من الدراسات الطولية أن الخمر يقي من النوبات القلبية؛ بل على العكس من ذلك فقد أثبتت أن نسبة الإصابة بالنوبات القلبية لدى شارب الخمور أعلى؛ نتيجة لزيادة الوزن وزيادة نسبة الدهنيات وحمض اليوريك في الدم، وارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب، واختلاف وظيفة البطين الأيسر لدى متعاطي الخمور، بل إن إحدى الدراسات لم تظهر علاقة وثيقة بين مرض تصلب الشرايين التاجية المغذية للقلب في بداية الدراسة، ولكن المتابعة لعدة سنوات أثبتت الآثار السلبية للخمر على القلب والشرايين التاجية، الأمر الذي يثبت أن مرور السنين هو الذي يظهر تأثير الخمر على القلب، ويؤكِّد تفوُّق الدراسات الطولية على الدراسات العرضية.

خامسًا. لا يسبب الخمر موت الفجأة نتيجة تصلب الشرايين التاجية وانسدادها، ومن ثَمَّ حدوث نوبات القلب فحسب، بل قد يكون موت الفجأة نتيجة لعدم انتظام ضربات القلب مع سلامة الشرايين التاجية لأسباب: بعضها معروف كاعتلال عضلة القلب، أو لأسباب غير معروفة حتى الآن.

سادسًا. يدَّعي بعضهم أن الخمر إذا ما شُرِب بكميات معتدلة أو قليلة، فإنه يقلل من تعرُّض شاربه للنوبات القلبية عن طريق زيادة نسبة الكوليسترول عالي الكثافة في الدم، التي تُعرف بأنها واقية من تصلُّب الشرايين، إلا أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى زيادة نسبة الكوليسترول عالي الكثافة، كالتوتر النفسي والعصبي، والتي لا يمكن تقويمها في مثل هذه البحوث؛ فإن متعاطي الخمر في المجتمعات الغربية يلجأ إلى ذلك هروبًا من ضغوط الحياة وبحثًا عن سلوى لحياته الضنك، وقد يكون خفض هذا التوتر هو السبب في تميز متعاطي الخمر بنسبة عالية من الكوليسترول عالي الكثافة.

سابعًا. هناك بحوث تشير إلى أن ارتفاع نسبة الكوليسترول عالي الكثافة لدى متعاطي الخمر هو نتيجة لبقايا الفواكه التي صُنع منها الخمر وليس نتيجة للخمر نفسه؛ إذ إن الفواكه والخضروات تحتوي على مواد مؤكسدة تعمل على خفض الكوليسترول منخفض الكثافة وزيادة الكوليسترول عالي الكثافة في الدم، ولكن لماذا لا يظهر مفعول ذلك عند من يتعاطون الخمر بكميات كبيرة؟ ففي الغالب أن مفعول زيادة الكوليسترول عالي الكثافة في الدم عند هؤلاء الأفراد يعاكسه زيادة الوزن واختلال وظيفة الكبد التي تؤدي دورًا مهمًّا في تنظيم الدهون في الجسم.

ويذكر الدكتور سلطان أحمد في بحثه الذي قدَّمه في المؤتمر الإسلامي الأول عن الطب الإسلامي المنعقد في الكويت سنة 1401هـ بعنوان "تأثير الخمر على القلب" ما يلي: "بالرغم من أن الأثر السام على القلب ووظائف الكبد معروف جيدًا إلا أن تعاطي الكحول للأغراض الاجتماعية أو الدواعي الطبية صار شائعًا، ولقد كان هناك مفهوم بأن الكميات القليلة من الكحول لا تؤدي إلى التسمم أو إصابة الأعضاء، وبالتالي لا يجوز منعها.

لذا أُجريت هذه الدراسة لتقييم الأثر السام على القلب ـ للكميات غير السامة ـ في الإنسان الطبيعي، وكذلك دراسة تأثير إدمان الخمر على المرضى، فبتعاطي ست أوقيات من الكحول تركيز (43%) للأشخاص العاديين المتراوح عمرهم بين (23 و30) عامًا على مدى ساعتين (مجموعة 1) أو على مدى ساعة (مجموعة 2) ـ حدث اضطراب في وظيفة القلب.

ففي المجموعة الأولى بعد ستين دقيقة؛ حيث كان مستوى الكحول نحو (74) مليجرامًا لكل مليلتر من الدم ـ زادت فترة ما قبل ضخ الدم من (90- 96) ملي ثانية.

وزاد وقت ثبات الحجم من (44- 52)، وزادت النسبة بينهما من (0,299: 0,323)، وقد ازداد الانخفاض بعد ساعتين من ارتفاع الكحول في الدم إلى (111) ملِّيجرامًا، وبمضاعفة سرعة تعاطي الكحول (المجموعة الثانية) حدث هبوط في أداء البطين الأيسر بعد ثلاثين دقيقة؛ حيث كان معدل الكحول في الدم (50) مليجرامًا لكل (100) مليلتر.

أما المجموعة الثالثة فكانت مجموعة مقارنة في خمسة أشخاص، وقد أُعطيت سكروزًا؛ حيث حدث انخفاض في كل من المعدلات الثلاثة المذكورة.

وعلى ذلك؛ فإن تعاطي الكحول بجرعات غير سامة سَبَّبَ هبوطًا في وظيفة الجهاز الدوري في الأشخاص العاديين غير المعتادين عليه. ولتقييم أداء القلب في حالة المدمنين؛ فإن ثلاثة أشخاص من المعروفين بالإدمان الشديد للخمر قد تمت مقارنتهم بأشخاص عاديين، وبالرغم من الفروق المحسوسة في الأعراض والعلامات القلبية إلا أنه تبيَّن عندهم جميعًا انخفاض مُؤكَّد في مقدرة البطين الأيسر على الانقباض والانبساط، وكان الهبوط أوضح في المرضى الذين عندهم استطالة في وقت انبساط القلب، وفي (12) مريضًا لا يعانون من أي أعراض أو تضخُّم في القلب؛ فإن حجم البطين الأيسر وحجم الدم المقذوف يختلفان بصورة واضحة عن الطبيعي، وفي أحد عشر مريضًا إضافيًّا لا يعانون من تضخم القلب ظهر فرق واضح بأن كان عندهم زيادة في الحجم ونقص في كمية الضخ. وفي ثمانية عشر مريضًا يعانون من تضخم القلب بلا أعراض، حدث عندهم انخفاض واضح في عملية الضخ مع تمدُّد في الأحجام وانخفاض في الجزء المقذوف من الدم.

وبذلك فإن الإدمان على الكحول يسبب تدهورًا مستمرًّا ابتداء من اضطراب نسق القلب إلى مراحل متعاقبة من ضعف قدرته على ضخ الدم، ثم تضخم القلب ثم ظهور الأعراض وهبوط القلب، والمعلومات المستقاة من التجارب على الكلاب تؤيد هذه الحقائق؛ فعند تغذية سبعة كلاب بنحو خُمس احتياجهم من الطاقة الحرارية بواسطة الكحول لمدة 18 شهرًا تبين هبوط واضح في الكمية المقذوفة من البطين الأيسر، ومقدرة العضلة على الانقباض، أما تضخم البطين والتهاب الشرايين التاجية أو تغيرها فلم يظهرا في التشريح، وقد انخفض البوتاسيوم بدرجة ملحوظة في عضلة القلب في هذه الحيوانات.

والخلاصة: فإن تعاطي الكحول بكميات غير سامة سَبَّبَ هبوطًا في وظائف الجهاز الدوري في الأشخاص الطبيعيين والمعتادين عليه، أما التعاطي المزمن للكحول فيسبب تدهورًا مبتدئًا بتثبيط وظائف عضلة القلب إلى مرحلة تتميز بضعف المقدرة على ضخ الدم وتضخم القلب وظهور أعراض عدم التكافؤ.

وعلى ذلك؛ فإن استعمال الكحول بأي كمية ولأي فترة من الزمن لا يؤثر على القلب بصورة بالغة الضرر فحسب، بل يؤثر على سلامة العقيدة".

ويذكر البروفيسور "توماس شيهي" ـ أستاذ الطب الباطني في جامعة ألاباما في برمنجهام بالولايات المتحدة ـ في مقال له نُشر في المجلة الطبية المشهورة(postgraduatemedicine) في عددها الصادر في أبريل عام 1992م بعنوان: "الكحول والقلب... كيف ينفع وكيف يضر"؟ ما يلي: "لقد كان أول من بدأ بإعلان دور الكحول في الوقاية من نوبات القلب هو الباحث "روسك" وزملاؤه في عام 1956م عندما أعلنوا أن تناول أونصة إلى أونصتين من الويسكي تعمل عمل الحبوب الواقية من الذبحة الصدرية المعروفة بنيتروجلسرين.

كما كان الاعتقاد السائد قديمًا أن الكحول يُوسِّع الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، وقد قال بعضهم إن دور الكحول هو دور تثبيطي لمستقبلات الألم إلى الدماغ، ولكن الدراسات المتلاحقة أثبتت أن الكحول يقوم بتوسيع الشرايين بالفعل، ولكن تلك الشرايين الطبيعية المغذية لعضلة القلب ـ أما تلك الشرايين المتضيقة بفعل التصلب الذي أصابها من جرَّاء تراكم الدهون على جدرانها فإنها لا تتوسَّع عندما لاحظ أن نسبة الكحول في الدم إذا زادت على (200) ملِّيجرام/ ملي؛ فإنها تسبب ما يُعرف بالسرقة التاجية (coronarysteal وذلك في حالة وجود فقر للتروية. فقد وجد أن الشرايين الطبيعية تتوسع فتسحب بذلك كمية أكبر من الدم، فلا تصل كمية وافرة من الدم إلى تلك الشرايين المتضيقة أصلًا، وبذلك تزداد الحالة سوءًا".

ثم يستطرد البروفيسور شيهي قائلًا: "وقد جاءت فكرة أن الكحول يقي من النوبات القلبية، عندما وجد الباحث ويلنس في عام 1947م من خلال ملاحظاته عند تشريح بعض جثث مدمني الكحول المتوفين قبل بلوغهم الخمسين من العمر؛ حيث وجد أن نسبة تصلب الشرايين عندهم أقل من غير المدمنين على الكحول، وهذه الملاحظة دفعت العديد من العلماء والباحثين إلى إجراء العديد من الدراسات للتأكد من صحة هذا القول.

ومن خلال الدراسات الإحصائية اختلف الباحثون في دور الكحول في الإصابة بالنوبات القلبية؛ فذهبت مجموعة منهم إلى القول بأن الكحول يزيد من احتمال الإصابة بأمراض الشرايين التاجية، بينما ذهبت أخرى إلى عدم وجود علاقة بين تعاطي الكحول وحدوث هذه الأمراض، أما الفئة الثالثة فتقول: إن تعاطي الكحول بكميات معتدلة يقي من حدوث النوبات القلبية.

وقد أُجريت بعض الدراسات على بعض المرضى المصابين بنوبات قلبية بواسطة فحص الجهد مع التخطيط الكهربائي للقلب، فوجد أنه كلما زادت كمية الكحول المتعاطاة زادت إمكانية حدوث فقر التروية القلبية، وقد فُسِّرت هذه النتائج بدور الكحول في انقباض الشرايين والسرقة التاجية".

ثم يقول البروفيسور شيهي: "إن للكحول القدرة الكافية على انقباض الشرايين التاجية، ومن ثم تحفيز حدوث احتشاء عضلة القلب (ami) حتى في حالة عدم وجود أي أمراض في الشرايين التاجية للقلب".

أما عن علاقة تعاطي الكحول بموت الفجأة (suddendeath) فيحدثنا قائلًا: "تُقدَّر عدد حالات موت الفجأة التي تحدث في الولايات المتحدة بنحو (300,000 ) حالة سنويًّا، ومعظم تلك الحالات كانت بسبب الإدمان على الكحول، وفي دراسة طويلة أُجريت في السويد عام 1987م بواسطة الباحث "ليثل" وزملائه اشترك فيها (2122 رجلًا) أعمارهم في الخمسين ـ وجد أن نحو (49%) من حالات الوفاة التي حدثت بينهم كانت لمتعاطي الكحول".

وفي دراسة أخرى لنحو (169) امرأة وجد "بيرد" وزملاؤه في عام 1986م أن (40%) من المتوفيات بموت الفجأة كنَّ من المدمنات للكحول. كما أثبتت دراسة أجراها معهد علم الأمراض في موسكو بأن نحو (17%) من إجمالي الوفيات بسبب موت الفجأة كانت نتيجة للإدمان للكحول.

ثم يستطرد قائلًا: أما أسباب حدوث موت الفجأة عند الكحوليين فيرجع إلى عدة عوامل مجتمعة، منها: دور الكحول في الإصابة بانقباض الشرايين التاجية (cordiomyopathy)، واضطرابات نظم القلب (arthythmias)، واعتلال عضلة القلب(cardiomyopaty).

وقد وجد الباحث "فرنانديز" وزملاؤه (rernandezetal) في عام 1973م أن الكحول يتسبب في حدوث انقباض في الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب؛ ومن ثم حدوث الذبحة الصدرية أو احتشاء عضلة القلب.

كما أثبتت بعض الدراسات بأن هذا الانقباض يحدث بعد (5 ـ 17) ساعة من تناول كمية من الكحول تُقدَّر بنحو (100 ـ 150 ملي) (3 ـ 5 أونصات).

كما أثبت العالم "تاكيزاوا" وزملاؤه (Takizawaetal) أن للكحول دورًا بارزًا في حدوث النوبات القلبية من النوع (Variantangina).

أما عن اضطرابات نظم القلب فيقول البروفيسور شيهي: "لقد أثبت العالم "إيتنجر" وزملاؤه (Ettingeretal)في عام 1978م ما يحدثه الكحول من اضطراب في نظم القلب بعد شربهم للخمور، وقد أطلق على تلك الظاهرة بمتلازمة إصابة القلب في أيام العطل (Holidayheartsyndrome وقد وجد من خلال تلك الدراسة ما يلي:

· 12 مريضًا أصيبوا بالرجفان الأذيني AF).

·      مرضى أصيبوا بالرفرفة الأذينية       (    AF).

·      6 مرضى أصيبوا بخوارج الانقباض البطيني      (       PVC).

·       4 مرضى أصيبوا بتسارع النظم الجيبي   (      ST).

كما وجد أن (16) منهم احتاجوا إلى تدخُّل سريع لإعادة انتظام القلب ـ سواء بالصدمة الكهربائية أو بالأدوية ـ على الرغم من أن هؤلاء المرضى كانوا يتعاطون الخمور لفترة تزيد على عشر سنوات، ولم يكن أحد منهم يعاني من أي مرض في القلب أو الشرايين. أما عن سبب حدوث تلك الاضطرابات؛ فيعود للتأثير السُّمِّي المباشر للكحول على عضلة القلب.

وقد أثبتت إحدى الدراسات التي أُجريت على أشخاص أصحَّاء بأن تعاطي الكحول أقل من (50) ملي في اليوم ـ تزيد من احتمال اضطراب نظم القلب، أما إذا بلغت تلك الكمية (90) ملي؛ فإن احتمال تلك الاضطرابات يزيد ثلاثة أضعاف، وقد وجد الباحث "ليونستين" وزملاؤه بأن (12) من بين (19) مريضًا (63%) ممن تقل أعمارهم عن (65) سنة قد أُصيبوا بالرجفان الأذيني.

أما الباحث "ريتش" وزملاؤه، فقد وجدوا أن (40) من بين (64) مريضًا (62%) قد أصيبوا كذلك بالرجفان الأذيني، في حين أعلن كوهن وزملاؤه بأن تعاطي الكحول بمعدل (6) مرات فأكثر في اليوم الواحد يزيد من احتمال حدوث اضطرابات في نظم القلب بمقدار الضعف".

ويخلص البروفيسور شيهي في نهاية المقال إلى القول: "إن العديد من الدراسات التي أُجريت في السنوات الأخيرة قد أظهرت أن الكحول يتسبَّب في توسيع الشرايين التاجيَّة العادية، ولكن في الوقت نفسه يؤهِّب لحدوث احتشاء عضلة القلب عند أولئك الذين يعانون من تضيُّق في شرايين القلب، كما أثبتت تلك الدراسات دور الكحول في الإصابة بنوبات الذبحة الصدرية، واضطرابات نظم القلب واعتلال عضلة القلب، وموت الفجأة، وإلى وقتنا هذا لا تُعرف الكيفية التي مَكَّنَتْ الكحول لأن يكون سببًا في حدوث تلك الأمراض".

·      حكم الإسلام في التداوي بالخمر:

عن طارق الجعفي رضي الله عنه «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بدواء ولكنه داء»([1]).

وعن طارق بن سويد الحضرمي رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله، إن بأرضنا أعنابًا نعتصرها، فنشرب منها، قال: لا، فراجعته، قلت: إنا نستشفي به للمريض، قال: إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء»([2]).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في السَّكَر: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم»([3]).

يذكر ابن القيم رحمه الله عن حكم التداوي بالمحرمات ما يلي: "إن المعالجة بالمحرَّمات قبيحة عقلًا وشرعًا، أما الشرع فمما ذُكر من الأحاديث، وأما العقل فهو أن الله سبحانه وتعالى إنما حرَّمه لـخُبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيِّـبًا عقوبة لها، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله:)فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم((النساء/160)،وإنما حُرِّم على هذه الأمة ما حُرم لخبثه، وتحريمه له حمية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يُطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثَّر في إزالتها، ولكنه يعقب سقمًا أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.

وأيضًا؛ فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالًا بيِّنًا، فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت الطبيعة منه خبثًا، فكيف إذا كان خبيثًا في ذاته؟ ولهذا حرم الله سبحانه وتعالى على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة؛ لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته.

وأيضًا؛ فإن إباحة التداوي به ـ ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ـ ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها جالب لشفائها، فهذا أحب شيء إليها، والشارع سَدَّ الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضًا وتعارضًا".

ويستطرد ابن القيم بقوله: "وها هنا سِرٌّ لطيف في كون المحرمات لا يُستشفى بها؛ فإن شرط الشفاء بالدواء تلقِّيه بالقبول، واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء؛ فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حَلَّ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين ـ أي: الخمر ـ الأمر الذي يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها، وبين حسن ظنه بها، وتلقي طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانًا كان أكره لها وأسوأ اعتقادًا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه الداء، والله أعلم".

وعودة إلى المؤتمر الدولي لنرى معجرة أخرى من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد وقف أحد أعضاء المؤتمر قائلًا: "هناك العديد من المرضى، كنا نحن معشر الأطباء نوصيهم ونَصِف لهم أنواعًا من الخمر تعجيلًا لشفائهم، والحقيقة أننا كنا نعجل بالقضاء عليهم".

فما كان من مُمثِّل مصر في هذا المؤتمر إلا أن وقف قائلًا: "لقد سبقكم إلى هذا نبي الإسلام، فقد أوضح لنا أن الخمر لا تنفع للتداوي"، ثم ترجم لهم الحديث الذي رواه مسلم عن طارق الجعفي الذي سبق ذكره.

وراح ممثل مصر يعقِّب على هذا الحديث بقوله: "لقد جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة العلمية الواضحة منذ 1400عام، ونحن معشر المسلمين نتمسَّك بهذا النصح الثمين، حتى ليُفضِّل أحدنا أن يقضي نحبه على أن يشرب دواء فيه مُسكر حذرًا من مخالفة أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم".

فعجب أعضاء المؤتمر من مطابقة آرائهم ونظرياتهم الجديدة لأقوال نبي الإسلام محمدصلى الله عليه وسلم، وأدركوا أنهم لم يأتوا بجديد.

وأخيرًا؛ جاء في مقالة نُشرت في مجلة "لانست" (lancet) البريطانية ـ وهي من أشهر المجلات الطبية في العالم ـ بعنوان "الشوق إلى شرب الخمر"، استهلَّ المؤلف هذه المقالة بقوله: "إذا كنت مشتاقًا إلى الكحول فإنك حقًّا تموت بسببه"، كما يذكر في المقالة أيضًا: "إن ما يدَّعيه بعض الأطباء من أن الكحول قد يكون مفيدًا إذا ما أُخذ بجرعات صغيرة، إنما هو محضُ كذبٍ وهراء"، ثم يتابع فيقول: "إن الدراسة التي يستند إليها هؤلاء دراسة غير موثوق فيها ولا يعتدُّ بها"، ثم ينهي مقالته بقوله: "وخلاصة القول هي أن على الأطباء أن يبلِّغوا رسالة واحدة للناس، وهي أن الكحول ضار بالصحة".

ثانيًا. الخمر ليست مصدرًا للغذاء كما يُتوهَّم:

يدَّعي المغرضون أن للخمر قيمة غذائية نظرًا لما ينتج عنها من سعرات حرارية عالية؛ ومن ثم لماذا يحرمها الإسلام وهي لها مثل هذه المنافع؟

ومن جانبنا ـ ردًّا على ذلك ـ فإننا نتساءل: هل للخمر فعلًا قيمة غذائية ؟ لندع الطب الحديث كي يقول كلمته في هذا الصدد:

تقاس القيمة الغذائية للأغذية بما يتولَّد عنها من سعرات حرارية، وذلك أثناء احتراقها في الجسم، وقد وجد الباحثون أنه عند احتراق جرام واحد من الكحول تتولد نحو (7) سعرات حرارية (كالوري)، وهي تعادل تقريبًا عدد السعرات الحرارية نفسها المتولدة عن احتراق كمية مساوية من الدهون، فهل يستفيد الجسم من هذه الطاقة كما هو الحال مع بقية الأغذية؟

يؤكد العلماء أن الجسم لا يستفيد من تلك السعرات الحرارية الناتجة عن احتراق الكحول، كما لا يستطيع الجسم أن يحوِّلها إلى طاقة يستفيد منها في أوقات الضرورة، فقد كان من المتوقع ـ كما هو الحال مع بقية الأغذية ـ أن ترتفع درجة الحرارة داخل الجسم عند تزوُّده بالسعرات الحرارية الناتجة عن احتراق الكحول، ولكن ما يحدث هو العكس؛ حيث يقوم الكحول بتسريب حرارة الجسم إلى الخارج ـ كما رأينا سابقًا ـ فيتسبَّب في انخفاضها، كما أن السعرات الحرارية الناتجة عن احتراق الكحول تضرُّ أكثر مما تنفع؛ حيث تعطي الإنسان شعورًا بالشبع، وتقلل من الإحساس بالجوع، فلا يُقبل شارب الخمر على الغذاء إلا قليلًا؛ لذا نجد أن مدمني الخمر يعانون من أمراض سوء التغذية (malnutrition) دون أن يشعر أحدهم بالجوع أو يلاحظ نقصًا في الوزن.

ومن أسباب أمراض سوء التغذية عند المدمنين ما يلي:

1.عدم اكتراث المدمن باختيار النوع الجيد من الطعام؛ حيث يصبح همُّه الوحيد هو الحصول على الخمر بأي وسيلة كانت، حتى لو أدَّى الأمر إلى التضحية بثمن قوته اليومي وقوت أولاده.

2.  فقدان الشهية الذي يصيب المدمن.

3.التهاب اللسان (glossitis) الذي يصيب المدمن بصفة مستمرة؛ نتيجة لنقص مركَّبات فيتامين (ب) التي يسببها الخمر، فيصبح إدخال الطعام مؤلـمًا الأمر الذي يدفع بالمدمن إلى رفض الطعام الذي يُقَدَّمُ إليه.

4.  إصابة السكِّير بالغثيان والقيء بشكل مستمر.

5.الدور الذي يؤديه الكحول في تأخير عملية تفريغ محتويات المعدة إلى الأمعاء، فيصاب المدمن باضطرابات هضمية ترهقه وتمنعه من الأكل.

6.ما يحدثه الكحول من اضطرابات في الاستقلاب؛ حيث يؤدي اعتلال الكبد الناتج عن إدمان الكحول إلى انخفاض تكوين البروتينات والأحماض الأمينية، وعدم قدرة الكبد على تخزين المواد الحيوية، مثل: الزنك وفيتامين (ب 6) و (ب 12)، بالإضافة إلى عدم قدرته على تحويل بعض الفيتامينات من الشكل الخامل إلى الشكل النشط مثل فيتامين (د).

7.يقلِّل الكحول من قدرة الجهاز الهضمي على الامتصاص (malabsorption ويرجع ذلك إلى تأثير الكحول المباشر على الأمعاء الدقيقة، بالإضافة إلى تسببه في التهاب البنكرياس واعتلال الكبد، وكل تلك الأسباب مجتمعة تؤدي إلى نقص المواد الرئيسية من الجسم، ومنها:

 ·      الفيتامينات: وتشمل فيتامين (أ) ومجموعة فيتامينات (ب) وفيتامين (ج) و (د).

·      المعادن، وتشمل:

العنصر

أعراض نقصه

الزنك

خلل في وظيفة الخصيتين والتئام الجروح، بالإضافة إلى اضطراب المناعة.

البوتاسيوم

تأثر العضلات واضطراب نظم القلب.

الماغنسيوم

اضطراب في الأعصاب، كما تضطرب ضربات القلب.

الكالسيوم

ضعف عام في الجسم وتكزُّز في معظم عضلاته.

الفوسفات

ضعف في العضلات واضطراب في الدماغ؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى الصرع، كما تتأثر وظيفة الصفائح الدموية.

لهذا كله؛ فإن العلماء لا يعدُّون الكحول مصدرًا غذائيًّا يمكن الاعتماد عليه؛ فبالرغم من تولُّد حرارة عالية من احتراقه إلا أن الكحول لا يحتوي على العناصر الغذائية المهمة، مثل البروتينات والمعادن والفيتامينات، بل يؤدي إلى نقصها من الجسم؛ ومن ثم التأثير بشكل مباشر على كلٍّ من الكبد والدماغ.

ثالثًا. شعور شارب الخمر بالدفء شعور كاذب:

يدَّعي بعض الناس جهلًا بأن الخمر تُكْسِب شاربها طاقة حرارية تمكِّنه من مقاومة البرد.

ودفعًا لهذا الادعاء نقول: إن عملية تدفئة الجسم تكون بحفظ حرارته الداخلية ـ التي يحتاجها لاستمرار الوظائف الحيوية ـ حتى لا تتبدَّد في الهواء المحيط بالجسم إلا بقدر ضئيل. أما الكحول؛ فإنه يتسبب في شعور مؤقت بالدفء سرعان ما يزول؛ وذلك يعود إلى تأثير الكحول على الأوعية الدموية الموجودة تحت سطح الجلد الأمر الذي يؤدي إلى تمدُّدها، ومن ثَمَّ السماح لكمية أكبر من الدم بالتوارد على المناطق السطحية من الجلد، فيظهر ذلك على شكل احمرار في الوجه مثلًا؛ ولأن الدم يكون محمَّلًا بحرارة الجسم الداخلية؛ لذا فإن السِّكير يحسُّ بالدفء في بداية الأمر، ولكن سرعان ما يختفي ذلك الإحساس نتيجة تسرُّب حرارة الجسم إلى الخارج، فيشعر المرء بالبرد وتنتابه القشعريرة في الأجواء الباردة، كما أن الكحول ليس غذاء حقيقيًّا يستطيع أن يُعوِّض الجسم عما فقده من حرارة؛ لذا نجد أن شاربي الكحول هم أكثر الناس عرضة للإصابة بنزلات البرد والزكام والالتهابات الرئوية وغيرها.

كما أن حالات الوفاة المفاجئة التي تكثر في أوربا بعد حفلات رأس السنة تعدُّ خير شاهد على ذلك؛ حيث تجدهم يقضون معظم الليل في شرب الخمر ثم يخرجون إلى الهواء الطلق الشديد البرودة فيتساقطون الواحد تلو الآخر.

حكم الإسلام: لقد سبق الإسلام العلم الحديث في إقرار هذه الحقيقة بألف وأربع مئة عام، فعندما قدم وفد من اليمن على النبي صلى الله عليه وسلم قام ديلم الحميري، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إنا بأرض باردة نُعالج فيها عملًا شديدًا، وإنا نتخذ شرابًا من القمح نتقوَّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا؟ قال: هل يُسكر؟ قلت: نعم، قال: فاجتنبوه، قال: فقلت ـ قلت ـ : إن الناس غير تاركيه، قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم»([4]).

وفي عام 1928م عقد المؤتمر الدولي التاسع عشر لمكافحة المسكرات في مدينة "أنقرس" ببلجيكا لبحث مواضيع شتى تتعلَّق بالخمور. وفي هذا المؤتمر وقف كبير أطباء مستشفى فيينا بالنمسا قائلًا: لقد كان بعض الأطباء على خطأ علمي عظيم عندما كانوا يوصون بتعاطي جرعات من المشروبات الكحولية للاستفادة منها في مقاومة البرد، لما كان يبدو من تأثير ظاهري في تدفئة الجسم عند تناولها، واستطرد قائلًا: إن الشعور بالدفء في هذه الحالة إنما هو شعور كاذب؛ إذ يعقبه انخفاض في درجة الحرارة.

ثم فتح باب المناقشة، فقال أحد العلماء: "كان أهل أيسلندا ـ وهي من أشد البلدان برودة ـ يستعينون على مقاومة البرد بتعاطي المشروبات الكحولية، فكثرت بينهم الوفيات إلى حدٍّ أقلق بال ولاة الأمر، فألَّفوا لجنة لهذا الغرض، وأثبتت هذه اللجنة أن كثرة الوفيات في الجزيرة راجع إلى أن القوم يستنفدون حرارة أجسامهم بما يتعاطونه من المسكرات، فيصعد الدم من داخل الجسم إلى سطح الجلد فتبرده برودة الجو تدريجيًّا، حتى تأتي على آخره؛ فتنتهي الحياة بانتهاء الحرارة، وهذه الظاهرة هي التي دفعت برلمان أيسلندا إلى إصدار تشريع يُحرِّم الخمر في البلاد".

ثم نهض مندوب السويد فقال: "أريد أن ألفت أنظار أعضاء المؤتمر إلى ما حدث للدكتور "سكوت" وصحبه في رحلتهم عندما ذهبوا في منطاد لارتياد القطب الجنوبي، فقد أدرك سكوت مدى تأثير الخمر في الأجواء الباردة، فأوصى أصحابه بألا يشربوا الخمر حتى لا تفقد أجسامهم قدرتها على تحمُّل البرد، وعندما نسي أصحابه هذه النصيحة، وعمدوا إلى زجاجات الويسكي، كانت النتيجة كما دوَّنها الدكتور سكوت في مذكراته: أن الذين اتبعوا نصيحته واجتنبوا شرب الخمر نجوا وحدهم من الموت دون غيرهم".

عندئذٍ قام ممثل مصر الدكتور أحمد غلوش يقول: "إن الضحايا البشرية التي أشار إليها الأعضاء قد سلم المسلمون من أمرها بسبب اتباعهم أوامر دينهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث حذَّرهم من شرب الخمر، وأوضح لهم أنها لا تنفع في مقاومة البرد"، ثم قدَّم لهم ترجمة الحديث الذي رواه ديلم الحميري، والذي سبق ذكره.

أما الدكتور محمد علي البار فيقول: إن أهم سبب لانخفاض درجة حرارة الجسم وحدوث الإغماء والوفيات هو ـ كما تقول المجلة الطبية لأمريكا الشمالية في عددها الصادر في يناير 1984م ـ شرب الخمر.

ثم يستطرد قائلًا: وتفعل الخمر ذلك بعدة طرق:

أولًا: أنها توسِّع الأوعية الدموية الموجودة على سطح الجلد؛ فيفقد الإنسان مزيدًا من حرارة جسمه في الجو القارس.

ثانيًا: تمنع الخمر عملية تحويل السكر المختزن إلى جلوكوز، كما أنها تمنع أكسدة الجلوكوز إلى طاقة.

ثالثًا: تمنع الخمر عملية الارتعاش والارتجاف التي تحصل في الجو القارس، وهذه العملية مهمة جدًّا؛ لأنها تُحوِّل كمية كبيرة من السكر المختزن إلى طاقة.

رابعًا: تؤثِّر الخمر على المنطقة المخيَّة المسئولة عن تنظيم درجة حرارة الجسم فتصيبها بالشلل.

خامسًا: يصاب المخمور بفقدان الوعي والإدراك، وكثيرًا ما ترى المخمورين ـ وخاصة في أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية في الغرب ـ وهم يتسكَّعون في الشوارع والحدائق، ثم ينامون في العراء؛ حيث تنخفض درجة حرارة الجو هناك إلى ما تحت الصفر.

ونتيجة هذه العوامل مجتمعة يفقد المخمور وعيه ويفقد جسمه حرارته، وتبدأ درجة الحرارة في الانخفاض فيموت من البرد، وهو ينعم بالشعور بالدفء الكاذب.

ولهذا تقول الأبحاث الحديثة: "إن الخمر هي أهم سبب لحدوث حالات انخفاض درجة حرارة الجسم المفاجئ، وتتراوح نسبة الوفيات في هذه الحالات ما بين (30-80%)، ويعتمد ذلك على مدى سرعة إزاحة الشخص المخمور من المكان البارد، وعلى درجة برودة الجو، وعلى سرعة العلاج ودقَّته".

رابعًا. ليس صحيحًا أن الخمر فاتحة للشهية:

   يدَّعي بعض الناس جهلًا أن الخمر فاتحة للشهية؛ لذا يستعملها غير المسلمين على موائدهم.

رأي الطب: أثبتت بعض الدراسات أن تركيز الكحول بنسبة (8%)، أو أقل تحفِّز المعدة على إفراز العصارة المعدية، ومنها حامض الهيدروكلوريك، أما إذا بلغت النسبة (14- 27%) فإن تهتُّكًا وتقرُّحًا يصيب الغشاء المخاطي المبطِّن لجدار المعدة؛ الأمر الذي يعرضها لتأثير هذا الحامض، ويؤدِّي في النهاية إلى إصابة المعدة بالالتهاب الحاد، بالإضافة إلى نزيف الجهة العلوية من القناة الهضمية.

أما إذا داوم الإنسان على شرب الخمر؛ فإن المعدة تصاب حينها بالالتهاب الضموري، وتبدأ كمية العصارة المعدية بالتناقص، وينتهي الأمر بفقدان شارب الخمر للشهية.

ومن الجدير بالذكر أن الكحول يؤثر على حركة الأمعاء؛ الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة باضطرابات شديدة في الهضم قد تمنع صاحبها من تناول الطعام.

خامسًا. ليس صحيحًا أن الكحول يساعد الجسم على التخلُّص من الأملاح الزائدة والسموم والحصى:

يدَّعي بعضهم بأن للكحول القدرة على إدرار البول؛ فلذا يُستخدم في علاج من يشتكي من الحصى في الكلى.

رأي الطب الحديث:لقد وهب الله سبحانه وتعالى الكُلْيَة القدرة على ترشيح الدم من الفضلات والسموم التي قد تضر الإنسان إذا تراكمت في جسمه، مع الاحتفاظ بالمواد التي يحتاجها الجسم. ويظهر دور الكحول في التأثير على الكُلْيَة من خلال تأثيره على الجزء الخلفي للغدة النخامية؛ الأمر الذي يؤدي إلى منعها من إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول(ADH فيزداد لذلك إدرار البول، ولكن هل هذا يساعد الجسم على التخلص من الأملاح الزائدة والسموم والحصى؟

الإجابة هي: لا، بل إن الضرر كبير، ويمكن تلخيص الآثار التي تحدثها الخمر في الكلية بالآتي:

1.يتسبَّب الكحول في رفع نسبة الدهون في الدم؛ الأمر الذي يؤدي إلى إرهاق الكليتين في التخلص من تلك الدهون، ويؤدي في النهاية إلى ضعفهما وإصابتهما بالفشل، فتتراكم السموم في الجسم.

2.يزداد طرح المواد الحيوية التي يحتاجها الجسم، مثل: كُريَّات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية والبروتينات وبعض الأملاح المهمة مع البول.

3.تصاب الكلية نتيجة الإدمان بنوع من الالتهاب المزمن، كما تتسبب البيرة في إصابة الكلية بالضمور الحبيبي (GRANULARATROPHY حيث تُعرف حينها بالكلية الكحولية، كما يمكن أن تصاب الكلية بالتشحُّم نتيجة لتراكم الدهون عليها والتليف.

4.يتسبب الكحول ـ وخصوصًا النبيذ الأبيض ـ في الإصابة بالمغص الكلوي، وذلك مع ترافق وجود حصى في المسالك البولية.

5.يتسبب الكحول في تخريش غشاء الإحليل المخاطي؛ نتيجة لما يضاف إلى الكحول من مواد حافظة مثل حمض الساليسيليك.

ونسوق بهذه المناسبة رأي الدكتور النسيمي رحمه الله حيث يقول: يدِّعي كثيرون ممن يشربون البيرة أنها مشروب صحي يفيد في طرح الرمال الكلوية بإدرار البول الذي تحدثه، ويدعي آخرون أن البيرة مشروب غير ضار ولا محرم؛ لأنها لا تُسكر بالكأس أو الكأسين.

ثم يستطرد قائلًا: لقد انتشر استعمال البيرة كثيرًا في البلاد الأوربية والأمريكية حتى أضحى تجرُّعها جزءًا من الحياة اليومية، تُرتشف بدل الماء مع كل طعام، وتُطلب في النُّزهات، وتُؤخذ دون مناسبات، ولقد أخذت تلك العادة الذميمة تنمو في بلدان العالم حتى سرت إلى مرافئ البلاد العربية والإسلامية، وإلى بعض عواصمها ومدنها الكبرى، وإلى كثير من المتنزهات والمصايف في بعض الأوساط.

ومن المؤسف ما حدثني به بعض المؤمنين العدول أنهم شاهدوا سيارة تجوب مدينة عربية إسلامية، وقد حُمِّلت بما يشبه صناديق المياه الغازية، فتأمل كل واحد منهم ما كُتب عليها فقرأ عبارة: "بيرة بدون كحول".

ثم يقول: إن البيرة الخفيفة تحتوي على (2- 3%) من الكحول، وإن البيرة القوية تحتوي على (6- 7%)، وبما أن الخمر الطبيعية ـ المعروفة في عصرنا بالنبيذ ـ تحتوي عادة على مقدار يتراوح بين (8-10%)، ولا يزيد على (17%)، فكأس من الخمر يعادلها تقريبًا كأس وربع الكأس إلى كأس ونصف الكأس من البيرة القوية، أو كأسان ونصف الكأس إلى أربع كئوس من البيرة الخفيفة. وعلى هذا؛ فيمكن للإنسان أن يسكر إذا تجرَّع كمية كبيرة من البيرة ـ وإن كانت خفيفة ـ كما أن الكمية المسكرة المؤثرة من الكحول تختلف من شخص إلى آخر بحسب التحمُّل الشخصي والاعتياد، وبحسب العِرْق والإقليم وطراز الحياة، ووقت تناول المشروب، وحالة الشخص عندئذٍ من جوع أو شبع؛ لأن امتصاص الكحول يكون في حالة الجوع أسرع.

إن البيرة من المسكرات بما تحتويه من كحول، ولا توجد بيرة بدون كحول ولو أطلق هذا الاسم بعض الألمان والغربيين على البيرة الخفيفة؛ وذلك لشغفهم بالمسكرات واعتيادهم عليها، فأضحوا لا يسكرون بالبيرة الخفيفة التي تُسكر الشخص في المرات الأولى لبدء تناوله المسكرات، فسمُّوها بيرة بدون كحول، ومع ذلك فهي تزوِّدهم بكمية من الكحول تُعوِّض ما نقص في دمائهم منه، وتدفع أعراض الحرمان التي تظهر عند المدمن إذا انقطع فجأة عن المسكرات، كسائقي الشاحنات في الطرق الطويلة، كما أنها تعطي النشوة لغير المدمن إذا لم يُسرف في شربها وإلا انتابته عوارض السكر.

ثم يذكر لنا الدكتور النسيمي أضرار البيرة فيقول: إن المثابرة على استعمال البيرة تحدث فرط السمن، واتساع المعدة، والبيلة الأحينية، وضخامة القلب، وهي تؤهِّب للبيلة السكرية والنقرس والعصائد الشريانية والتهاب المثانة، ثم التهاب الكلى، وهذه الأضرار لا تنجم عن الكحول الذي فيها فقط، بل لما فيها من حمض الصفصاف (الساليسيليك) الذي يضاف إليها لحفظها، كما أن حشيشة الدينار المضافة إلى البيرة لإكسابها طعمها اللاذع، تستعمل كمضاد للباه؛ إذ تخفِّف من الرغبة الجنسية بتأثير اللوبولين الذي فيها.

وتنقص البيرة والسيدر نشاط حل الفبرين الذي يزيد من تصلُّب الشرايين، كما أن إدمان الكحول ولو بتعاطي المسكرات الخفيفة كالبيرة (حتى بتركيز 2%) يضعف المناعة وينقص المقاومة تجاه الأمراض الإنتانية وخاصة ذات الرئة.

ويضعف وظائف الكبد، وقد يؤدي إلى فقر الدم المصحوب بنقص الفيتامينات في (50%) من المدمنين، الأمر الذي يوجب إعطاء الفيتامينات وإعطاء حمض الفوليك، وقد يتسبَّب في إحداث نزيف بسبب إنقاصه للصفائح الدموية في (50%) من المدمنين؛ بسبب نقص العوامل التي تصنعها الكبد، والتي تدخل في عملية تخثُّر الدم.

قال الكولونيل "غرين" ـ وهو مدير شركة مشهورة للتأمين في أمريكا ـ : لقد كان في عداد مسئولياتي أن أقدِّم تقارير، وأقوم بتحرِّيات عن آخر حوادث وأمراض ووفيات عدة آلاف من حملة بوليصات التأمين على الحياة في جميع أنحاء البلاد، وإني لأعترض على الفكرة السائدة على نطاق واسع التي يُرَوَّج لها بقوة من أن البيرة غير ضارة، ولقد أُتيحت لي الفرصة في إحدى مدننا الكبرى التي تحتوي على عدد كبير من عشاق البيرة أن أشهد وفيات عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا من المدمنين على شرب البيرة. وقد أقرَّ تسعة من مديري شركات التأمين صحة ما جاء في تقرير الكولونيل غرين معلنين: "أنه ينطبق على أحوال عملائهم أيضًا".

أما الدكتور صبري القباني فيقول: "يزعم الكثيرون من شباب الجيل أن البيرة هي أقل المشروبات الكحولية إيذاء، وأكثرها نقاء ورواءً، ألا ساء ما يزعمون، فلا يكاد اليافع يراهق ويدخل حلقة الشباب حتى ينساق مع أقرانه إلى ارتياد أمكنة اللهو والمباذل، ويضطر بحكم التقليد والمحاكاة لأن يسايرهم في تناول القليل من المسكرات، فإذا ما مَجَّ فمه طعم العرق أو الويسكي، أو صدفت نفسه عن تعاطي المسكرات بجميع أنواعها؛ خوفًا على صحته تطوَّع كل من حوله لتسفيه رأيه، والإلحاح عليه بضرورة تناول القليل من المسكرات، فإذا لم يستسغها فعليه بالبيرة، وهنا يتقمَّص المتكلم شخصية الطبيب المجرب فيعدِّد له فوائدها، ويزين محاسنها، ثم يصف ما تُورِثُه من حمرة في الخدود ونشاط في الجسم، وإدرار للبول يطيح بالرمال؛ فهي مشهية وهاضمة، تزيد في وزن شاربها، وتضفي عليه صحة وعافية، وهي من صنف المرطبات لا من زمرة المشروبات، تعين على التعرُّق شتاء، وتخفِّف وطأة القيظ صيفًا. وبالاختصار؛ فإنه يجعل منها ترياقًا لجميع الأدواء، ومزيلًا لكل نصب وعناء.

إن شارب الخمرة لا يقربها ـ رغم رداءة طعمها ومرارة مذاقها ـ إلا طلبًا لنشوة ملكت عليه حواسه، فكلما هاجته ذكرى أو أثارت مشاعره حوادث سارَّة أو مؤلمة راح يعاقر الكأس ليزيد في نشوته ومتعته، أو ليغرق في غيبوبة عن آلامه وشقوته.

وتتأتَّى هذه النشوة من الكحول الموجود فيها، لذلك نجد المدمنين يتعاطون المشروبات الغنية بالكحول بالكئوس الصغيرة، ويمدُّونها بالماء أو الصودا ليخففوا كحولها، ويتعاطون الجعة الفقيرة من الكحول بالكئوس الواسعة، والزجاجات الكبيرة ليستوفوا نصيبهم اللازم من الكحول، وبذلك تكون النتيجة في الحالتين واحدة، وهي دخول كمِّيتين من الكحول متقاربتين بالكم مختلفتين بالكيف.

إن شارب الجِعَة لم يقتصد إذًا في تعاطي المادة المسكرة بانتقائها، بل زاد في امتلاء معدته، فوسَّعها ومدَّدها بمشروب كبير الحجم، وبتكرار تعاطي المشروبات والإدمان ينقص احتراق الأطعمة ويبطئ التمثل؛ فيكثر شحم الشارب ويزداد وزنه شحمًا وورمًا، لا قوة وحيوية ونشاطًا.

وثمَّة ضرر ثالث يأتي عن الجعة دون سائر المشروبات الكحولية هو تناولها محفوظة داخل علب القصدير أو زجاجات مختومة، والجدير بالذكر أن المعامل تضيف عادة إلى
الجعة مادة "حمض الساليسيليك" لحفظها من التعفن، وهذا الحمض مخرِّش للكلى مخرِّب لها، وبينما يظن شاربها أنها مدرة للبول مطهِّرة للكلى، فإذا بها تعمل في تخريبها كأنها المعول الهدَّام.

وكذلك؛ فإن المعامل تمزج الجعة بحشيشة الدينار (الهوبلون) لتعطيرها وإكسابها طعمًا مرًّا مُحبَّـبًا عند شاربيها، وهذه المادة نستعملها في الطب ونستعمل خلاصتها ـ اللبولين ـ لإضعاف القوة الجنسية التناسلية ولتخفيف حدَّتها وشدَّتها. وإني لعلى يقين من أن هذا السبب الأخير وحده كافٍ ـ إذا ما عرفه شباب الجيل ـ للحيلولة دونهم والجعة وسائر المشروبات الكحولية، ليحتفظوا بحيويتهم ونشاطهم".

وبمناسبة الحديث عن أضرار البيرة، أسوق هذا الخبر الذي نشرته مجلة الإصلاح في عددها (91) الصادر في ذي الحجة سنة 1405هـ، والذي جاء فيه ما يلي: "أعلن عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الاشتراكيين في روما في استجواب رسمي قُدِّم إلى المجلس أن مشروب البيرة ضارٌّ بصحة الإنسان، وأشار الأعضاء إلى أن شركات إنتاج البيرة العالمية تستخدم حاليًّا في تثبيت محلول البيرة السائل غازًا خطيرًا كان يستخدم أثناء الحرب العالمية الأولى في تصنيع القنابل المسيلة للدموع، ووُجِّه الاتهام الرئيسي إلى شركات البيرة الألمانية الغربية، وطالبوا بحظر استيرادها والبدء بحملة رسمية للتحذير من أخطار هذا المشروب".

سادسًا. شعور شارب الخمر بالنشاط شعور مؤقت:

يدَّعي بعضهم أن الخمر تنشِّط الذهن وتتيح للإنسان أن يعمل ويصبر عليه، وردًّا على ذلك نقول: يعدُّ الجهاز العصبي المركزي ـ ومنه المخ ـ هو أول الأجهزة في الجسم تعرُّضًا لتأثير الكحول؛ فعند بداية شرب الكحول يشعر المرء بنشوة ونشاط، وذلك من خلال توسيع الكحول لأوردة الدماغ، فتزداد كمية الدم الواردة إليه، الأمر الذي يؤدي إلى تنبيه مؤقت لا يلبث أن يزول ويتحوَّل إلى خمول وخمود، وتتأثر من جرَّاء ذلك المراكز العليا في الدماغ والمسئولة عن الوظائف الحيوية في جسم الإنسان، مثل: الذاكرة والقراءة والكلام والسلوك والحركة وغيرها، فيقضي الكحول على آدمية الإنسان، بأن يفقده الحياء فيكسر حاجز الخجل، ويأتي معها الإنسان بتصرفات لو كان واعيًا لاستحى من الإتيان بها، كما تؤثِّر الخمر تأثيرًا شديدًا على المخيخ الذي جعله الله عز وجل لتنسيق حركات العضلات والتوازن، فيأخذ الإنسان بالترنُّح، ويفقد السيطرة على قوامه، أما إذا ارتفعت نسبة الكحول في الدم فإن مركز التنفس في الدماغ قد يتأثر الأمر الذي يؤدي إلى توقفه، ومن ثم الوفاة.

ويذكر كتاب "الإدمان الكحولي" (alcoholism): أنه لا يعرف حتى الآن بدقة كمية الخمر التي يحصل معها الإدمان، ولكن من المؤكد أنه كلما تناول شارب الخمر المسكرات؛ فإن أعضاء الجسم تتأثر بكميات أقل من الكحول، ويعتقد بعض العلماء أنه ليس هناك كمية معينة إذا تناول المرء دونها كان آمنًا من خطر المسكرات.

كما يؤكد هذا الكتاب أن التخريب الحاصل في الأنسجة من جرَّاء شرب الخمر مرة واحدة يمكن أن يكون تخريبًا دائمًا لا يتراجع؛ ولذا نجد بعض العلماء يقول: إن تناول كأس واحدة أو اثنتين من أي نوع من الخمر قد يسبب موتًا لبعض خلايا الدماغ.

وفي هذا ما ينقض المزاعم التي يدَّعيها بعض الناس بأن القليل من الخمر لا يؤثر؛ لأن الكحول حتى لو شرب بكميات ضئيلة؛ فإنه يحدث ضعفًا في الإرادة والحكم، كما تزداد الانفعالات النفسية، ونتيجة لذلك فإن شارب الخمر لا يقوى على كبح نفسه ومنعها وهو تحت تأثير هذه الكمية البسيطة، فكيف لو صار مدمنًا لهذا الشراب؟

يقول الدكتور عمر الباقر صالح: "أثبت العلم أن جو البهجة والنشوة الطارئة وجو السعادة التي تحدث من الكئوس الأولى من الخمر ما هو إلا خداع، فالخمر ليست مُنشِّطة، بل هي في الواقع مخدِّرة، والعلم يوضِّح حقيقة النشوة الخادعة كالآتي: من المعروف أن مخ الإنسان يتميز بوجود مركز يتكوَّن من عدة خلايا حسَّاسة، تقوم بأداء وظيفة الرقيب على كل ما يصدر من مراكز المخ البدائية، فتلطِّفها وتهذِّبها وتخرجها في صورة معقولة لائقة بالإنسان، حفاظًا على استمرارية الحياة، فعندما يتناول الإنسان الخمر تتخدَّر تلك الخلايا الحساسة، ويبطل مفعولها، وتنعدم سيطرتها، وبذلك تصبح المراكز البدائية حُرَّة، وتظهر أفعالها إلى الوجود دون كَبْت أو رقابة، هذا هو السبب في أن تجد من كان مشهورًا بالصمت والحياء بالنهار ينطلق لسانه بسرعة الكمبيوتر بعد احتساء الخمر، وذلك الشخص البدين الرزين يدخل حلبة الرقص يهزُّ أردافه كأنه أحد أفراد فرقة رقص محترفة، وصاحب الصوت الأجش ينطلق بالغناء ويجد مجالًا لما لا يجب أن يقال أو يفعل، وهكذا. ولكن عندما يزداد عدد الكئوس يبدأ العدُّ التنازلي، فتتخدر مراكز المخ الواحدة بعد الأخرى؛ فيضطرب المشي ويثقل الكلام ويكثر التبوُّل، وقد ينام الشارب على كرسيه مُبنَّجًا".

·      حكم الإسلام في قليل المسكر:

عن عائشة رضي الله عنها  قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مُسكر حرام، ما أسكر الفَرْقُ منه فملء الكف منه حرام»([5])، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»([6]).

 كما وجد أن معدل إفراز هرمون الذكورة التستوستيرون يقلُّ عند مدمني الخمر، في حين يقل هرمون الأنوثة الأستروجين عند المرأة المدمنة. ومن أهم المشكلات التي يعاني منها الجهاز التناسلي للرجل ما يلي: فقدان الرغبة الجنسية، والعنَّة، وضمور الخصيتين، وصغر حجم القضيب، وانخفاض أو عدم قدرة الخصية على تصنيع الحيوانات المنوية، بالإضافة إلى تساقط شعر العانة، وفقدان الشكل الخارجي المميز للخصية.

أما أولئك الذين أُصيبت أكبادهم بالتليُّف من جرَّاء الإدمان الكحولي، فتحدث عندهم اضطرابات في ميزان الهرمونات؛ الأمر الذي يؤدي إلى كبر حجم الثديين وغير ذلك. وتفيد الإحصائيات أن (40- 90%) من المدمنين قد أصيبوا بفقدان الرغبة الجنسية، في حين  أن (10- 75%) قد أصيبت خصاهم بالضمور.

ويمضي التقرير في القول: أما أهم المشكلات التي تصيب جهاز المرأة التناسلي نتيجة إدمان الخمر فتتمثل في: خلل في وظيفة المبيض، فقدان الرغبة الجنسية، واضطرابات في الدورة الشهرية تتفاوت بين زيادة في كمية الدم أو انقطاع تام له، كما يدبُّ الضمور إلى كل من المبيضين والثديين والأعضاء التناسلية الخارجية، وتنقطع الإفرازات المهبلية، وقد أثبتت إحدى الدراسات أن (75%) من المدمنات قد أُصِبْنَ بضمور الثديين.

وتفيد بعض الدراسات إلى أن نحو (25- 50%) من المدمنين المصابين بالعُنَّة قد تحسَّنوا بعد إقلاعهم نهائيًّا عن شرب الخمر، وخصوصًا أولئك الذين لم تتأثر خصاهم بعدُ، ولم يحدث خلل كبير في الهرمونات الجنسية عندهم.

أما التقرير الذي أصدرته الكلية الملكية للأطباء النفسيين عام 1986م فيفيد: بأنه ثبت حديثًا أن تعاطي الكحول بكميات معتدلة يمكن أن يؤدي إلى العقم، هذا ما توصَّل إليه الباحث "مورجان" في عام 1982م من خلال دراسته لنحو (100) رجل ممن كانوا يتردَّدون على عيادات العقم؛ حيث وجد أن نحو (40%) من هؤلاء الرجال كان السبب في إصابتهم بالعقم هو النقص الواضح في عدد الحيوانات المنوية، وقد تبين من خلال سؤالهم أنهم كانوا يتعاطون الكحول يوميًّا بمعدل (30-50) جرام؛ أي: ما يعادل (2- 3) كئوس من البيرة يوميًّا، ولم يكونوا من المدمنين. وقد حدث تحسُّن لنصف عدد الحالات بعد الإقلاع عن تعاطي الخمور؛ حيث عاد عدد الحيوانات المنوية إلى معدله الطبيعي.

ويقول الدكتور "موريرل كافيتز": إن الكحول مثير للشهوة الجنسية، ولكن لكل شيء ثمن، إن تناول الكحول ـ وهو مخدِّر ـ له القدرة على إضعاف الشعور أو الحدِّ منه، وبما أن ممارسة الجنس عملية مليئة بالمشاعر والأحاسيس، وأن الأعضاء المشتركة في الأداء حسَّاسة هي الأخرى للغاية؛ فإن الكحول بطبيعته التي ذكرناها قد يسبِّب الفشل لكلا الطرفين.

سابعًا. الخمر تعطِّل أداء العمل الجنسي:

يدَّعي بعضهم بأن الخمر تثير الرغبة الجنسية وتقوِّيها:

رأي الطب: تتسبَّب الخمر في إثارة الشهوة الجنسية (APHRODISIAC ولكنها تعطل أداء العمل الجنسي، وذلك من خلال الآتي:

1.  تأثيرها على الخصيتين؛ حيث يتسبب الكحول في ضمورها لدى الذكور،  ومن ثم:

·           انخفاض نسبة إفراز هرمون الذكورة التستوستيرون      (    testosterone).

·      انخفاض عدد الحيوانات المنوية، كما تكثر بينها التشوُّهات.

2.تأثيرها على الكبد فتزداد نسبة هرمون الأنوثة الأستروجين (estrogen الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الصفات الأنثوية عند الرجل، ومن ثم يفقد قدرته الجنسية، ويصاب بالعُنَّة وقلة الباه الذي يُعرف بضعف الانتصاب عند المخمورين.

3.تأثير الجهاز العصبي؛ حيث تتأثر الأعصاب المغذِّية للجهاز التناسلي، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الانتصاب؛ ومن ثم فقدان القدرة الجنسية للسِّكِّير.

4.تأثير المواد الحافظة التي تدخل في تركيب البيرة مثل مادة (اللوبولين) التي توجد في حشيشة الدينار، والتي تضاف إلى البيرة لإكسابها الطعم اللاذع، وهذه المادة تستخدم طبيًّا كمضاد للباه؛ حيث تخفِّف من الرغبة الجنسية.

أما المرأة فإنها تُصاب بما يلي:

·      ضمور المبيض الأمر الذي يؤدي إلى العقم.

·      اضطرابات في الحيض.

·      بلوغ سِنِّ اليأس (انقطاع الحيض) في سِنٍّ مبكرة.

·      تزداد نسبة الإجهاض التلقائي عند الحامل التي تعاقر الخمر.

·      تصاب بعض أنسجة الثديين بالانحلال، كما تنخفض كمية الحليب عند الرضاعة.

يذكر تقرير الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا الصادر في عام 1987م بعنوان "شر عظيم ومتفاقم" ما يلي: "إن الاستمرار في تعاطي الكحول يؤدي إلى خلل كبير في الوظائف الجنسية عند الرجل والمرأة؛ وذلك بسبب التأثير المباشر للكحول على الخصيتين والمبيضين وجزء تحت المهاد من الدماغ (hypothalamus) والغدة النخامية المسئولة عن إفراز الهرمونات الجنسية (gonadotrophins) التي تحفِّز كلًّا من الخصيتين والمبيضين".

وأخيرًا قد يقول قائل: إذا كانت الخمر مضرَّة بالصحة، فلماذا نجدها منتشرة في جميع أنحاء العالم، وكثير من الناس يتعاطونها، ولا تصيبهم بالأمراض الكثيرة التي تذكرها الكتب الطبية؟

نقول: إذا كان الإنسان يأتي الشيء الضار ولا يصيبه بالضرر فليس بحجة في أن ننفي الضرر عن ذلك الشيء، فالناس يعلمون بأضرار التدخين، ولكن مع ذلك تجد نسبة كبيرة منهم تدخن، ويعلمون ضرر انتشار الفاحشة، ولكن مع ذلك تجد منهم من يأتيها؛ بل ويشجِّع على إتيانها، وهكذا.

أما لماذا نجد بعض متعاطي الخمور لا يصابون بالأمراض؛ فإن ذلك يعود لأسباب كثيرة، أذكر منها ما يلي:

1. لقد خلق الله تعالى الإنسان وأبدعه وجعل فيه من القدرة على مقاومة أعتى الأمراض والعلل، ولكن لكل شيء حدٌّ معين من التحمُّل إذا جاوزه الإنسان خارت قوته في مقاومة المرض، ومن ثم يسقط فريسة له، كما أن تلك المقدرة على التحمُّل تتفاوت من شخص إلى آخر؛ لذا نجد أن المرض الذي قد يصيب شخصًا ما في خلال مدة وجيزة يحتاج إلى مدة أطول للظهور عند شخص آخر.

والخمر تتميز بأن معظم تأثيراتها على الجسم لا تظهر إلا بعد مرور مدة من الزمن، قد تصل إلى عشر سنوات وربما أكثر، وفي خلال تلك الفترة يقوم الجسم بمقاومتها بكل ما أُوتي من قوة، حتى يصل إلى الحد الذي تخور فيه قوته، فتبدأ حينها كل تلك الأمراض بالظهور.

2. اختلاف طبائع الناس في شرب الخمور، فمنهم من يشرب بكميات قليلة، ومنهم من يعبُّها عبًّا، حتى إن بعضهم قد يشرب حتى يصل إلى حد التسمُّم، ولا ريب في أن هذا الاختلاف في الطبائع يؤدي دورًا في ظهور الأعراض الدالة على تأثُّر الجسم، فكلما كانت الكمية المتعاطاة كبيرة وفي وقت قصير كان تأثُّر الجسم أكبر.

3. إن أولئك الذين يعملون في الحقل الطبي هم أكثر الناس اطِّلاعًا على عِظم التأثير الذي تتركه الخمر على صاحبها، ولهذا تجد قصور فهم العامة من الناس عن إدراك حجم المشكلة إلا إذا اطَّلع الواحد منهم على الدراسات والإحصاءات التي أُجريت في هذا الموضوع.

3)  وجه الإعجاز: 

إن كانت الدراسات الحديثة قد أكَّدت عدم قدرة الخمر على شفاء أيٍّ من الأمراض ـ بل هي السبب في كثير منها ـ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكَّد ذلك قبل 1400 عام، عندما سُئل عن استخدام الخمر دواءً، فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء».

 

(*) الشبهة والرد عليها مأخوذان من كتاب: الخمر داء وليست بدواء، د. شبيب بن علي الحاضري، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مكة المكرمة، ط2، 1421هـ/ 2000م.

[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: تحريم التداوي بالخمر، (7/ 3076)، رقم (5049).

[2].صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: النهي أن يُتداوى بالخمر، (2/ 1157)، رقم (3500). وصحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3500).

[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأشربة، باب: شراء الحلواء والعسل، (10/ 81) معلقًا.

[4]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الأشربة، باب: النهي عن المسكر، (10/ 89، 90)، رقم (3678). وصحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3683).

[5]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الأشربة، باب: ما أسكر كثيره فقليله حرام، (5/ 492)، رقم (1927). وصحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1886).

[6]. حسن صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الأشربة، باب: ما أسكر كثيره فقليله حرام ، (2/ 1124)، رقم (3393). وصحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3393) : حسن صحيح.

redirect redirect unfaithful wives
wives that cheat redirect read here
open read here black women white men
open my husband cheated black women white men
signs of a cheater why women cheat website
husbands who cheat open my boyfriend cheated on me with a guy
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
my husband cheated my husband almost cheated on me open
go using viagra on females how long for viagra to work
go using viagra on females how long for viagra to work
generic viagra softabs po box delivery viagra 50 mg buy viagra generic
where to order viagra online buy viagra free shipping viagra sipari verme
why do wife cheat on husband website reasons why married men cheat
website why are women unfaithful redirect
website why are women unfaithful redirect
read here my husband cheated on me why women cheat on men
My girlfriend cheated on me find an affair signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  3729
إجمالي عدد الزوار
  36750716

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع