مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

 استنكار تحريم الربا في التشريع الإسلامي (*)

مضمون الشبهة:

يستنكر الطاعنون تحريم الربا في التشريع الإسلامي، ويزعمون أن إصرار المسلمين على رفضه جمود وتخلُّف عن ركب الحضارة، ويستدلُّون على ذلك بأن الدنيا كلها تتعامل به، وكل الدراسات الاقتصادية الحديثة في أرقى الجامعات العالمية تأخذ به.

كما أن الربا يقوم على التراضي؛ فمثله مثل التجارة وكل البيوع، بالإضافة إلى أنه يحرِّك اقتصاد البلاد؛ حيث تُجمع الأموال فيربح أهلها ثم يموِّلون المشاريع فتزدهر البلاد ويربح المستثمر. ومن ثم؛ فلا حكمة عندهم لتحريم الربا في الإسلام.

وجوه إبطال الشبهة:

1. إن اتهام الإسلام بالجمود والتخلُّف لرفضه التعامل بالربا ـ لهو اتهام باطل، كما أن القول بأن الدنيا جميعها تتعامل به، وكل الدراسات الاقتصادية الحديثة في أرقى الجامعات العالمية تقرُّه ـ لهو فضيحة كبرى للقول وقائله؛ إذ ثبت فشل هذه الأنظمة جميعها أمام العالم أجمع، واتجهوا جميعًا إلى الأخذ بالنظام الاقتصادي الإسلامي، ووجدوا فيه الملاذ الآمن من هذا الانهيار الاقتصادي الكبير، وذلك الفشل الذريع.

2. وضعت الشريعة الإسلامية قواعد متكاملة لتنظيم المال، وحفظ الحقوق، ومن هذه القواعد تحريم الربا، واستبدلته بكل من القرض الحسن والشركة، ليقوما بالوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاجها المجتمع، وتحريم بيع الدين بالدين، وكذلك تنظيم وظيفة النقد من خلال تحريم ربا الفضل في النقود، وعدَّه معيارًا ومخزنًا للقيمة، ووسيلة للتبادل، وتحريم استخدامها باعتبارها سلعة؛ حتى لا يتفشَّى الفساد والإضرار بحقوق الناس، ويتحقَّق العدل وأمن المجتمع.

3. حرَّم الإسلام الربا ومنع الناس من التعامل به؛ لما فيه من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وهذا ما كان يدركه الإسلام منذ قديم الأزل. وأما اليوم؛ فإن العلماء والخبراء الاقتصاديين يدركون أضرار الربا ومفاسده تبعًا لتطور العمليات الاقتصادية، ومنها: سوء توزيع الثروة وغيرها، كل هذا يدل على أن هذا التشريع معجز، وأنه من عند الله، ولا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله.

التفصيل:

أولًا. فشل الأنظمة الاقتصادية الوضعية والبحث عن البديل الإسلامي:

من يدرس أبواب المعاملات في الفقه الإسلامي يجد فيها منهجًا اقتصاديًّا كاملًا يقوم على مجموعة من الأحكام والمبادئ العلمية والنماذج العملية والضوابط الشرعية؛ التي تمثل الإطار الفكري والعملي للاقتصاد الإسلامي، الذي يمثِّل طفرة تشريعية هائلة في التاريخ البشري، ومن يدرس ويحلِّل النظم الاقتصادية المطبَّقة في العالم اليوم يجدها تسير إما في فلك النهج الرأسمالي أو الاشتراكي أو في خليط منهما معًا، الأمر الذي يترتَّب عليه مَحْقُ المال وضياعه، وحدوث الانهيار المالي الذي خرَّب كل المؤسسات المالية على مستوى العالم، وأخذت الناس حالة من الهلع والخوف والاضطراب.

وفي مناخ الأزمة انطلقت أصوات في الغرب تنادي بتطبيق أسس الاقتصاد الإسلامي بعد فشل النظم الوضعية في تحقيق الحياة الرغدة بشقَّيها المادي والمعنوي للناس، ومن هؤلاء:

1. "بوفيس فانسون": رئيس تحرير مجلة تشالينجز 4/ 10/ 1429هـ الموافق 5/ 10/ 2008م؛ ففي افتتاحية تشالينجز كتب بوفيس فانسون ـ رئيس تحريرها ـ موضوعًا بعنوان: "البابا أو القرآن" أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية.

فقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية، ودور المسيحية كديانة ـ والكنيسة الكاثوليكية خاصة ـ في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرًا إلى أن هذا  السلوك الاقتصادي السيِّئ أَوْدَى بالبشرية إلى الهاوية.

وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكُّم عن موقف الكنيسة ومستسمحًا البابا بنديكت السادس عشر قائلًا: أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلًا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبَّقوها لما حلَّ بنا ما حلَّ من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود.

2. "رولان لاسكين": رئيس تحرير صحيفة لوجورنال دي فينانس، وقد نادى بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حدٍّ لهذه الأزمة التي تهزُّ أسواق العالم من جرَّاء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

وفي مقاله الذي جاء بعنوان: "هل تأهَّلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية"؟ عرض لاسكين المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدَّم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية.

3. وحسب موقع الجزيرة نت: فقد دعا مجلس الشيوخ الفرنسي إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا، وقال المجلس في تقرير أعدَّدته لجنة تُعنَى بالشئون المالية في المجلس: إن النظام المصرفي الذي يعتمد على قواعد مستمدة من الشريعة الإسلامية مريح للجميع؛ سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وأكد التقرير الصادر عن اللجنة المالية لمراقبة الميزانية والحسابات الاقتصادية للدولة بالمجلس أن هذا النظام المصرفي الإسلامي الذي يعيش ازدهارًا واضحًا قابل للتطبيق في فرنسا.

4. وفي استجابة لهذه النداءات: أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية ـ وهي أعلى هيئة رسمية تُعنى بمراقبة نشاطات البنوك ـ في وقت سابق قرارًا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميَّز بها النظام الرأسمالي، واشتراط التقابض في أجل محدَّد بثلاثة أيام لا أكثر من إبرام العقد، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي.

5. كما أصدرت الهيئةنفسها قرارًا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامية في السوق المنظمة الفرنسية، والصكوك الإسلامية هي عبارة عن سندات إسلامية مرتبطة بأصول ضامنة بطرق متنوعة تتلاءم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية.

6. وتتوالى شهادات عقلاء الغرب ورجالات الاقتصاد للتنبيه على خطورة الأوضاع التي يقود إليها النظام الرأسمالي الليبرالي على صعيد واسع، وضرورة البحث عن خيارات بديلة تصبُّ في مجملها في خانة البديل الإسلامي؛ ففي كتاب صدر مؤخرًا للباحثة الإيطالية "لوريتا نابليوني" بعنوان "اقتصاد ابن آوى" أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي، واعتبرت نابليوني أن مسئولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي ـ والذي نعيشه اليوم ـ ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكَّم بالسوق، والتي أدَّت إلى مضاعفة الآثار الاقتصادية، وأضافت قائلة: إن التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصُّل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يشبِّه الاقتصاد الإسلامي بالإرهاب، ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني.

وأوضحت أن المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولايات المتحدة؛ فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدُّعًا ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة.

7. "موريس آلي": الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، منذ عقدين من الزمان تطرَّق إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة الليبرالية المتوحِّشة، معتبرًا أن الوضع على حافة بركان، ومهددًا بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة). واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%، وهو ما يتطابق تمامًا مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي([1]).

وقد كشفت الأزمة المالية العالمية عن تصدُّع النظام الرأسمالي، وعن انتقاص لهيمنة أمريكا، وانتهاء لسيادة القطب الواحد في المستقبل القريب والبعيد، وهذا ما يقبله العقل.

فالعقل يؤكد أنه ليس بعيدًا أن يتصدع الاقتصاد الأمريكي وتنتهي الإمبراطورية العظمى ذات القطب الواحد كما حدث لبريطانيا من قبل، وهذا ما شهد به الغربيون أنفسهم.

وقد ذكر المؤرخ الكندي المشهور "بول كنيدي" ـ منذ عشرين عامًا ـ أن الولايات المتحدة ستبدأ في الانهيار الإمبراطوري في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما أشار تقرير حديث للمخابرات الأمريكية إلى أن نفوذ الولايات المتحدة الاقتصادي والسياسي سينتهي خلال عقدين من الزمان.

وألقت ألمانيا باللوم على الولايات المتحدة في حدوث الأزمة المالية العالمية باندفاعها الأعمى وراء أرباح أكبر، وقالت: إنه سيتعين على واشنطن قبول قدر أكبر من القواعد المنظِّمة لعمل السوق وخسارة مكانتها كقوة مالية عظمى.

وصرح وزير المالية الألماني "بير شتاينبروك" أن الولايات المتحدة ستفقد مكانتها كقوة عظمى في النظام المالي العالمي، وسيصبح النظام المالي العالمي متعدِّد القطبية بشكل أكبر.

وطالب الرئيس الروسي "ديمتري ميدفيديف" بإقامة نظام اقتصادي مالي جديد أكثر عدلًا يقوم على عدد الأقطاب، وسيادة القانون والأخذ بالمصالح المتبادلة, معتبرًا أن ما سمَّاه "عهد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية" قد ولَّى، وقال: "عهد هيمنة اقتصاد واحد وعملة واحدة ولَّى دون رجعة". وتوقع الرئيس الأمريكي الأسبق "بل كلينتون" أن يتجه العالم نحو نظام متعدِّد القطبية في الاقتصاد. ووجَّه الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" انتقادات حادة إلى النظام الرأسمالي العالمي، وطالب بإعادة بناء النظام المالي والنقدي العالمي من جذوره.

وقد حذَّر من قبل "موريس آلي" من مخاطر النظام الرأسمالي، فقال: إن النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره إذا لم تعالج وتُصوَّب تصويبًا عاجلًا، ووجَّه انتقادات حادة إلى أسلوب عمل الأسواق المالية والنظام المالي الرأسمالي، وتنبأ فيه بحدوث أزمات حادة، وشبَّه البورصات وما يتم فيها بـ  "كازينوهات للمراهقين والمقامرين".

وفي تقرير صحفي بعنوان: "نجاح البنوك الإسلامية في مواجهة الأزمة المالية العالمية": ذكرت صحيفة "آر بي ديلي" الروسية أن أعداد غير المسلمين الذين يرون أن البنوك الإسلامية وعاء آمن لأموالهم يحميها من خطر أزمة السيولة التي تضرب بنوك العالم الآن في تزايد، وأضاف التقرير أن أسباب نجاح تجربة البنوك الإسلامية في تحجيم الخسائر في ظل هذه الأزمة هو احتكامها إلى الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا، بالإضافة إلى اعتمادها على الودائع المصرفية بدلًا من القروض المصرفية .

وقد دعا مجلس الشيوخ الفرنسي إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا، وقال المجلس في تقرير أعدَّته لجنة تُعنَى بالشئون المالية في المجلس: إن النظام المصرفي الذي يعتمد على قواعد مستمدَّة من الشريعة الإسلامية مريح للجميع؛ مسلمين وغير مسلمين.

وأكَّد التقرير الصادر عن لجنة المالية ومراقبة الميزانية والحسابات الاقتصادية للدولة بالمجلس أن هذا النظام المصرفي الذي يعيش ازدهارًا واضحًا قابل للتطبيق في فرنسا.

وكانت اللجنة قد نظَّمت في مايو 2008م ندوتين خُصِّصتا للبحث في النظام المصرفي الإسلامي، وتقييم الفرص والوسائل التي تسمح لفرنسا بتطبيق هذا النظام، واستعرضت الندوة الأولى أنشطة الصناعة المالية الإسلامية المتمركزة حتى الآن في المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا.

وجاء في سياق التقرير الذي أُعدَّ بناء على ما تناولته الندوتان أن النظام المصرفي الإسلامي الذي تأسَّس عام 1970م يستهدف تطوير الأنشطة المصرفية والموارد المالية مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، وحثَّ التقرير فرنسا بالاعتناء بهذه المعاملات وبحث سبل تطبيقها فوق التراب الفرنسي، وقد جُمعت أعمال الندوتين في تقرير واحد يحاول أن يعرف رهانات دمج النظام المصرفي الإسلامي في النظام المالي العام بفرنسا من جهة، وتحديد الاحتكاكات التشريعية والضريبية الممكنة التي من شأنها أن تعطِّل تطوير هذا النظام على التراب الفرنسي من جهة أخرى.

وركَّزت الندوة الثانية على العوائق التشريعية والضريبية المحتمل أن تحول دون تطوير هذا النظام في فرنسا، ومن ذلك مثلًا فتح مصارف إسلامية بفرنسا أو إقامة نظم تشريعية وضريبية على التراب الفرنسي تراعي قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي أو إصدار صكوك، واطَّلع المشاركون في هذه الندوة على التجربة البريطانية الرائدة بين الدول الأوربية في مجال المعاملات الإسلامية، وكانت بريطانيا قد أصدرت نصوصًا تشريعية وضريبية من شأنها أن تشجِّع النظام الإسلامي المالي، وفُتح بها أول مصرف إسلامي عام 2004م.

وفي ألمانيا اتخذت إجراءات من أجل السماح بنظام تداول الصكوك ونظام التكافل (التأمين)، وأكد التقرير تناقض الموقف الفرنسي من النظام المصرفي الإسلامي، فهناك اهتمام بهذا النظام وفي الوقت نفسه يوجد جمود في التعاطي معه، فأغلب المجموعات المصرفية الفرنسية فتحت لها فروعًا في الشرق الأوسط، وهي تتعاطى مع النظام الإسلامي المالي في حين ما زال موقف الفروع الرئيسة بفرنسا مُحجمًا عن التعاطي معه.

ويؤكد التقرير أنه لا معوِّقات تشريعية أو ضريبية من شأنها أن تفسخ بيوعًا ذات صبغة إسلامية، بل إن بعض النصوص التشريعية الفرنسية في مجال الضرائب غير بعيدة عن النصوص الإسلامية.

هذا؛ وقد أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية ـ وهي أعلى هيئة رسمية تُعنَى بمراقبة أنشطة البنوك ـ قرارًا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية.

كما تدرس وزارة الخزانة الأمريكية أبرز ملامح أعمال الصيرفة الإسلامية، ومدى الاستفادة منها في علاج الأزمة المالية العالمية([2]).

وهذه دراسة تحليلية لتأثير سعر الفائدة (الربا) على الاقتصاد المعاصر:

أثَّر الربا أو نظام سعر الفائدة تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا على البشرية منذ عهد الحضارة الإنسانية، ولكن في الواقع حمل العصر الحديث كثيرًا من ويلات وسوءات هذا النظام بما نعتقد أنه لم يسبق حدوثه على مرِّ الأحقاب السابقة، وهو ما سيتضح من الدراسة المعاصرة لتأثير نظام الفائدة على نموذجي الدراسة: مصر والولايات المتحدة كما يلي:

الحالة الأولى: دراسة أثر الربا على مصر في العصر الحديث:

لعب الربا أو سعر الفائدة دورًا محوريًّا سالبًا في مستقبل مصر في العصر الحديث، بدءًا من سنة 1860م حتى عصرنا الحاضر، واختيار مصر في الدراسة معني؛ لأنها أكبر بلد عربي إسلامي سكاني من ناحية، ولأنها كانت مهد الخير والعطاء عندما كانت ظروفها الاقتصادية والمالية تسمح بذلك من ناحية ثانية، ولأنها كانت القوة العسكرية والسياسية التي تتصدَّى لأعداء الأمة من ناحية ثالثة، وذلك من خلال التقسيم التاريخي إلى جزأين كما يلي:

الجزء الأول: أثر النظام الربوي على مصر من سنة 1860م حتى سنة 1942م:

استعرضت الدراسة بالأرقام ما آل إليه وضع مصر في هذه الحقبة وتطوُّر الديون، وبإيجاز شديد تم استعراض ما يلي:

·  قروض الخديوي سعيد: بدأت بمبلغ 3,5 مليون جنيه مصري، وقيمته الحقيقية 2,4 مليون جنيه مصري نظرًا لإصداره بخصم إصدار حتى تكون قيمته الاسمية أعلى من قيمته الحقيقية، وهو ما طُبِّق في كل القروض التي عقدتها الجهات الأجنبية الدائنة.

·  قروض الخديوي إسماعيل: عقد الخديوي إسماعيل قروضًا شخصية، حوَّلها الدائنون إلى قروض على الدولة، وقروض أخرى لتمويل مشروعات عامة، وقد أسهمت كل تلك القروض وفوائدها في تفاقم مديونية مصر وأدَّت إلى ما يلي:

1.سداد مصر فوائد في الفترة من (1876م ـ 1942م) أكثر من 245 مليونًا لمبلغ 76 مليونًا، صدرت هذه الفوائد للبلاد الأوربية؛ الأمر الذي تسبَّب في نزيف دائم للاقتصاد المصري، مع أن إيرادات مصر كانت 8,5 مليون جنيه مصري سنة 1880م، والفوائد 3,9 مليون جنيه مصري؛ أي: بلغت نسبة الفائدة 46% من الإيرادات، وفي سنة 1900م كانت مصروفات مصر 9,7 مليون جنيه مصري، منها 3,8 مليون جنيه مصري فوائد؛ أي: إنها بنسبة 39%، مع أن تكلفة إنشاء سدِّ أسوان بلغت (2) مليوني جنيه مصري، وبذلك كانت الفوائد تكفي لإنشاء أكثر من 122 مشروعًا بهذا الحجم الضخم.

2.إنشاء صندوق الدَّيْن سنة 1876م؛ لتحصيل حقوق الدائنين الذي سحب اختصاصات وزارة المالية، وأُطلِقت يده في جمع الإيرادات، وحُرِمت الحكومة المصرية من عقد معاهدات دون موافقة إدارته الأجنبية، ورفضه كثير من مصالح مصر مثل إنشاء سد أسوان.

3.إنشاء المحاكم المختلطة التي عملت على نهب الأجانب لأموال المصريين والحكومة المصرية بأحكام قضائية صارخة ابتزَّت أموال مصر، كما ساندت هذه المحاكم صندوق الدين بغير حقٍّ، حتى إن بعض أحكامها استفزَّ اللورد كرومر الذي هاجمها سنة 1884م.

4.أدَّى تدخل القوى الأجنبية نتيجة للديون وضعف الدولة إلى احتلال بريطانيا لمصر سنة 1882م؛ الأمر الذي أدى إلى إنشاء الامتيازات الأجنبية التي حملت مزيدًا من الظلم، ونهب موارد الدولة، والتدخل السافر في مصالحها، وأسفرت مديونية مصر عن تكالب كل من بريطانيا وفرنسا على الاحتلال المالي والاقتصادي والثقافي إلى جانب الاحتلال السياسي.

5.أثر النظام الربوي على الدولة العثمانية: اتجهت الدولة العثمانية أيضًا إلى أوربا للاقتراض بضمان الإيرادات التي كانت تحصِّلها من ولاياتها، فعقدت ثلاثة قروض بفوائد تحمَّلتها الحكومة، وهي، الأول: 1855م بمبلغ 5 ملايين جنيه إسترليني، الثاني: قرض الدفاع العثماني سنة 1891م، الثالث: 189 مليون إسترليني، وقد أدَّت هذه القروض لزيادة ضعف الدولة العثمانية، ووضعت ـ للأسف ـ النهاية الحزينة للخلافة الإسلامية ربما لأجل غير مسمًّى، وأصبحت وثيقة تخلُّف الأمة الإسلامية وانتهاء دورها.

الآثار السلبية التي جنتها مصر من الديون الربوية على الجوانب الاقتصادية والسياسية:

1. أسفرت الديون بالربا التي عقدتها مصر مع الدائنين الأجانب عن ضياع استقلال البلاد سياسيًّا وعسكريًّا لمدة تزيد على نصف القرن.

2. أدَّت هذه الديون لنهب موارد البلاد، وتراكم الفوائد المركَّبة حتى تضاعف حجم الدين عدة مرات، وحُرِمت البلاد من الاستفادة من مواردها التي سُخِّرت للوفاء بديون الدائنين دون أبنائها.

3. أثقلت الديون ميزانية مصر حتى أصبحت غير قادرة على الإنفاق على الصحة والتعليم والمشروعات العامة، وإحداث أي تنمية اقتصادية، ومنها حرمان مصر من الاحتياطي النقدي لدى صندوق الدين؛ لإقامة سد أسوان مثالًا على ذلك.

4. سادت مشاعر الإحباط والكراهية لدى المصريين للحكام والرأسمالية الوطنية؛ الأمر الذي أشاع أحاسيس اليأس واحتقار ما هو مصري، حتى قال الزعيم مصطفى كامل قولته الشهيرة لرفع معنويات الشباب المصري: "لو لم أكن مصريًّا لوددت أن أكون مصريًّا"، وهو ما انتهى بالبلاد إلى ثورة يوليو 1952م.

5. كما لا يخفى على أحد أن القروض بالربا المحرم كانت أيضًا سببًا رئيسيًّا من أسباب تدهور الدولة العثمانية، وانتهاء دولة الخلافة الإسلامية، نهاية لا يتصور قيام لها، الأمر الذي نتج عنه ضياع الاستقلال السياسي والاقتصادي لباقي الدول العربية والإسلامية، وهو ما انتهى ببلاد الأمة إلى تقطيعها لمستعمرات تخضع للحكم الغربي طبقًا لاتفاقية "سايكس بيكو" التي وزَّعت الدول العربية إلى إقطاعيات تحت الحكم الإنجليزي والفرنسي والإيطالي، وأيضًا تم إنشاء وعد بلفور بإقامة دولة إسرائيل في فلسطين العربية، وبالتالي أصبحت سببًا مباشرًا للنزف المستمر لشباب الأمة، ومواردها المالية، وتهديدًا مروِّعًا لمستقبلها.

ولا يتصوَّر المعاصرون أن شعوب الأمة الإسلامية قد تحررت في العصر الحاضر من الاستعمار الغربي، فما زالت مجتمعاتنا مبهورة بالفكر والثقافة الغربية، وتعدُّه النموذج الأمثل الذي يستطيع أن يوفر لأبنائه ما يتطلع إليه من الحياة الكريمة والتشريعات المتكاملة رغم بعدها عما ورد بكتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

الجزء الثاني: تأثير الاقتراض بالربا في الفترة المعاصرة من سنة 1960م حتى تاريخه، ويتمثَّل في التمويل بالعجز عن طريق القروض:

أولًا: الاقتراض بالفائدة من القطاع المصرفي:

1. قدَّم القطاع المصرفي المصري من خلال ودائع المجتمع قروضًا ميسَّرة لمنشآت القطاع العام وقطاع الأعمال العام التي فشل كثيرٌ منها في الالتزام بسداد مديونياته، وكان لتراكم هذه المديونية تأثيره السلبي على ربحية هذه الشركات، وحقَّق الكثير منها خسائر متوالية؛ الأمر الذي كان له تأثيره في الإسراع بخصخصة هذه الشركات وتقييمها بأقل كثيرًا من قيمتها، تأثُّرًا بالقروض والفوائد التي تعرقل نموَّها وربحيتها، وهو ما سبَّب ضياع ممتلكات الدولة لأهم عناصر الإنتاج بها، نظرًا للمآخذ التي ارتبطت بعدم الرشد الاقتصادي في استخدام الموارد المالية المتاحة.

2. امتدَّ الإسراف في استخدام القروض المصرفية إلى كثير من رجال السلطة، مثل نوَّاب القروض، وكثير من كبار المسئولين الذين استثمروا مراكزهم في الحصول على قروض بضمانات ضعيفة أو شخصية، ولا يزال بعضها حتى الآن.

ثانيًا. التمويل بالعجز عن طريق إصدار الأذون والسندات:

بلغت الديون نتيجة للتمويل بالعجز مبلغًا يؤثر سلبًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وينقسم دين الدولة إلى دين داخلي ودين خارجي كما يلي:

·  الدين الداخلي: ويتكون الدين الداخلي من عناصر شتَّى (تم الاستعانة بالبيانات المنشورة للبنك المركزي المصري)، فتطور بدءًا من 434846 مليون جم سنة 2004م حتى بلغ 863297 سنة 2010م.

·  موارد بنك الاستثمار القومي: (موارد البنك كلُّها ديون على الدولة لصالح أصحاب الأموال)، وقد تطوَّرت بدءًا من 29455 مليون جم سنة 2004م حتى بلغت 211294 مليون جم سنة 2010م.

وبذلك يكون متوسط نصيب الفرد من الدين الداخلي سنة 2010م (على أساس عدد السكان 80 مليون نسمة) = 13432,388 جم.

·      الدين الخارجي: تطوَّر من 29872 مليون سنة 2004م حتى بلغ 32277,1 مليون سنة 2010م.

وبذلك يكون نصيب الفرد من إجمالي الديون = 15752,3 جم.

·      خدمة الدين المحلي والخارجي سنة 2009م-2010م:

إجمالي المصروفات: 391050 جم، إجمالي الإيرادات 297639 مليون جم.

بلغت الفوائد المحلية: 59804 مليون جم، والفوائد الخارجية: 2839 مليون، وهي تساوي 16324,25 مليون جم (بسعر 5,75 جم للدولار) الإجمالي 76128250000 جم.

فتكون نسبة الفوائد إلى إجمالي المصروفات = 19,5%.

نسبة الفوائد إلى إجمالي الإيرادات = 25,57%.

نتائج الديون على اقتصاد مصر:

1. أثقلت الديون كاهل الميزانية بعبء الفوائد المركَّبة المتراكمة من سنة لأخرى حتى بلغت حصة الفرد منها مبلغ 15752,3 جم.

2.   تشير هذه الديون وتزايدها عامًا بعد عام إلى عدم الرشد الاقتصادي في الإنفاق العام.

3. كما تؤكد نتائج استغلال هذه الديون ضعف قدرة الدولة على استثمار الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة بما يحقق أعلى جدوى اقتصادية ومالية منها.

4. تؤثر هذه الديون وفوائدها على خطط التنمية الاقتصادية، والإنفاق على الخدمات العامة، وخاصة الصحة والتعليم وتطوير الزراعة والبحث العلمي؛ الأمر الذي أدَّى إلى معاناة المجتمع المصري خلال الحقبة الأخيرة من أمراض صحية واجتماعية لم تكن موجودة من قبل، وهي تهدِّد أمن المجتمع المصري وسلامته.

5. يتدخل البنك الدولي بكثير من التوصيات الآمرة للحكومة لحفظ حقوق الدائنين، التي تؤثر سلبًا على كثير من مصالح المجتمع على غرار صندوق الدين فترة الخديوي إسماعيل.

6. تلقي هذه الديون أعباءها الثقيلة على الأجيال القادمة، التي قطعًا ستعاني الكثير حتى يتم سدادها وفوائدها، بالإضافة إلى التدخل الأجنبي السافر من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في كثير من أمور الدولة سياسيًّا واقتصاديًّا على غرار ما كان يحدث في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر.

الحالة الثانية: دراسة أثر الربا على الولايات المتحدة الأمريكية:

اختيار الولايات المتحدة في الدراسة مقصودًا باعتبار ما يلي:

1. تعتبر الولايات المتحدة أكبر وأغنى دول العالم اقتصاديًّا وعسكريًّا؛ فهي أكثر دول العالم تأثيرًا في النظام الاقتصادي والمالي العالميين.

2. أن نظامها المالي قد أثَّر تأثيرًا مدمِّرًا في الحقبة الأخيرة على النظام المالي العالمي، من خلال سعر الفائدة بحدوث الأزمة المالية العالمية التي بدأت من قطاعها المصرفي، لتمتدَّ منه إلى معظم أنحاء العالم.

وقد تناول البحث تأثير سعر الفائدة ودورها من خلال الجوانب الآتية:

1.   خصائص النظام المصرفي الأمريكي وقوة تأثيره على العالم.

2.   دور نظام سعر الفائدة في تمويل النظام المالي في الولايات المتحدة.

3.   تأثير سعر الفائدة على صنع الأزمات المالية في الولايات المتحدة، وكثير من دول العالم.

وسيتم استعراض النتائج التي توصَّل إليها البحث في كل منها باختصار كما يلي:

الجانب الأول: خصائص النظام المصرفي الأمريكي القائم على سعر الفائدة:

1. يختص النظام المصرفي الأمريكي بخصائص معينة؛ حيث تمتعت عملته النقدية ـ الدولار الأمريكي ـ بقبول واسع طيلة الأحقاب السابقة، وهو ما شجَّع النظام على رفع غطاء العملة الذهبي، وفقًا لاتفاقية "بريتون وودز" في القرن الماضي، وأصبح له الحق في الإصدار النقدي وقتما شاءت أجهزة الدولة.

2. نتج عن ذلك إيداع مدخرات ضخمة من قِبَل كثير من المؤسسات الاقتصادية والأفراد، من كبار الرأسماليين في العالم، وكبار رجال الدول النامية، والأثرياء من الساسة، وحكومات بعض الدول المتعاملة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ الأمر الذي ضخَّم قدر الهيمنة النقدية والمصرفية للقطاع المصرفي الأمريكي على العالم.

3. ربطت بعض الدول العربية قيمة عملاتها بالدولار الأمريكي بعلاقة ثابتة، وهو ما يؤثر على قيمة عملاتها في حالة انخفاض قيمة الدولار، ويؤثر على قيمة ودائعها في البنوك الأمريكية من ناحية، ويؤثر على مستحقات هذه الدول التي تستحق وتدفع بالدولار من ناحية أخرى.

4. كان نتيجة كل ما سبق أن تؤثر فائدة رأس مال البنوك الأمريكية، ليس على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل يمتد تأثيرها حتمًا إلى باقي دول العالم، كلٌّ بحسب مدى معاملاته معها وقدر ارتباط عملته بها.

الجانب الثاني: دور نظام سعر الفائدة في تمويل النظام المالي في الولايات المتحدة:

أولًا: تمويل النفقات العامة عن طريق الاقتراض:

عندما تصبح إيرادات الدولة قاصرة عن الوفاء بتمويل البرامج الحكومية الأمريكية، يعتمد الكونجرس بشدة على خزانة الدولة، وقدرتها على الاقتراض، وعلى أسواق المال لتمويل هذه البرامج، وهو ما يحدث بشكل مستمر، ويُسمَّى بـ "السياسة المالية" (policyfiscal)، حتى لقد بلغ الدين القومي 8819278857652  في مايو 2007م بإصدار السندات وأذون الخزانة.

ثانيًا: تحكُّم الدولة في سعر الفائدة عن طريق فوائد أذون الخزانة والسندات الحكومية المصدرة من الدولة:

تتحكم الدولة في سعر الفائدة عند إصدار أذون الخزانة، أو السندات الحكومية لمدد سنوية بأسعار فائدة معينة، وهي من أهم دعائم الفائدة؛ حيث تعتبر استثمارات خالية من المخاطر؛ لأنها مضمونة من قِبَل الدولة، ويعدُّ مستوى سعر الفائدة أداة منظِّمة للتحكم والسيطرة في التدفق النقدي بين الطرفين، كما تضع السلطة النقدية الفيدرالية القواعد الملائمة للسيطرة في حالة الضرورة لرفع سعر الفائدة أو خفضه؛ للتحكم في التضخم أو الانكماش.

ثالثًا: التدخُّل المباشر لحكومة الولايات المتحدة في تنظيم القطاع المصرفي:

يعدُّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي ـ المصرف المركزي الأمريكي ـ (federalreserveboard) أحد أهم عناصر السيطرة على القطاع المصرفي الأمريكي، وتضع الدولة السياسات العامة للقطاع المصرفي في كل من:

1.   تحديد سقف الائتمان: مثلما تدخَّلت سنة 2003م برفع سقف الائتمان في التمويل العقاري.

2. وضع الحد الأقصى أو الأدنى للفائدة المصرفية، مثلما فعلت من سنة 2001م وما بعدها بتخفيض سعر الفائدة على القروض العقارية، ثم رفعها؛ الأمر الذي ضاعف الفوائد المستحقة، ومن ثم بدأ تعثُّر المدينين... إلخ.

3. تتدخل الدولة في تغيير سعر الفائدة في ظروف معينة، كما تدخلت مثلًا الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمة المالية.

وتوضِّح الدراسة دور الإقراض بالفائدة عن طريق السندات والبنوك بما يشير لأهميتها القصوى في تمويل النشاط؛ إذ يزيد مجموعهما على 90% من مصادر التمويل وتشغل الأسهم 10% فقط في السوق الأمريكي.

رابعًا: تأثير التدخل غير المباشر في التحكم في سياسة الائتمان:

1. تؤدي زيادة الإنفاق الحكومي أو خفضه لزيادة الأعمال أو خفضها ودخول الأفراد؛ بما يؤثر على طلب مجتمع الأعمال على الائتمان.

2. عندما يتم تمويل زيادة الإنفاق الحكومي عن طريق العجز (بالاقتراض) وعن طريق السندات الحكومية تتأثر أسعار الفائدة.

3. قد تتخذ قرارات برفع الضرائب وخفض الإنفاق، تؤدي إلى تخفيض الاقتراض الحكومي، وتدفع أسعار الفائدة للانخفاض؛ الأمر الذي يؤثر على إيرادات البنوك من القروض وسائر الخدمات المصرفية الأخرى تأثُّرًا بحركة أسعار الفائدة.

4.   يستخدم كل من سعر الفائدة وسعر الخصم كأداة لتحريك الائتمان في السوق النقدية .

5. وبالتالي يؤثر سعر الفائدة المطروح من كل من الدولة والمؤسسات المصرفية، وغير المصرفية، على حجم التمويل المطروح للاقتراض، والمطلوب من المقترضين والمستثمرين.

6.   السماح بممارسة الأنشطة المالية عالية المخاطر، مثل التوريق والمشتقات.

الجزء الثالث: أثر سعر الفائدة في صنع الأزمات المالية في أمريكا وتأثيرها على باقي دول العالم:

1. تسبَّب سعر الفائدة في صنع الأزمات المالية خلال القرنين الماضيين في الولايات المتحدة الأمريكية، كما تسبَّب في حدوث أزمات مالية مرَّت بدول العالم الأخرى، مثل: أزمة المكسيك سنة 1994م، وأزمة دول شرق آسيا بدأت في يوليو 1997م (تايلاند ـ ماليزيا ـ إندونسيا ـ الفلبين ـ كوريا الشمالية)، وأزمة الأرجنتين 2001م.

2. أثبتت الدراسة دور سعر الفائدة في صنع الأزمة المالية العالمية سنة 2007م عن طريق الفوائد المصرفية في القروض والتوريق والمشتقات من خلال:

·      دراسة أسباب انهيار القطاع المصرفي الأمريكي.

·  تم إجراء دراسة تطبيقية على بعض البنوك الأمريكية: تناول البحث بدراسة تطبيقية لتقارير مكتب المفتش العام (officeofinspectorgeneral)، وتمثل عينة من البنوك الأمريكية المنهارة؛ لتوضيح مسئولية نظام سعر الفائدة عن انهيار هذه البنوك.

3. حصر الآثار السلبية للأزمة من 2007م إلى2010م على كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، دول أوربا الغربية، دول جنوب شرق آسيا، الدول العربية، وذلك بالنسبة لمجالات: البورصات، أسواق الطاقة والمواد الأولية، السياحة والاقتصاد.

4.   فشل الضوابط المالية والمحاسبية في حفظ النظام المصرفي الأمريكي؛ نتيجة للفساد المالي والإداري:

خلال العشرين سنة السابقة على الأزمة انشغل كثير من  المجالس العلمية المرموقة، والسلطات ذات المكانة المالية والاقتصادية الرفيعة ـ بوضع ضوابط قانونية وعرفية وأخلاقية؛ لتنظيم وحماية الاقتصاد الأمريكي والدولي في نشاط الأعمال والمصارف، ومن أمثلة هذه الضوابط: تطوير أدوات النظام المحاسبي الداخلي، تطوير دور ومسئولية مراقب الحسابات، "مقررات بازل II "، قواعد الحوكمة، قانون "سيربانس أوكسلي" (sarbanesoxley)، المعايير المحاسبية الدولية (i a s)، وكالات التصنيف الائتماني، التقييم باستخدام القيمة العادلة (fairvalue)... إلخ.

وبذلك فقد أثبت البحث أن كل هذه الضوابط لم تفلح في منع حدوث كارثة مالية، بدأت من أعظم الدول اهتمامًا بهذه الضوابط؛ بل إن معظمها نابع من البيئة العلمية والمهنية الأمريكية؛ لتصنع كارثة دولية يحصد نتائجها الجميع، حتى الأبرياء من العاملين الذين فقدوا وظائفهم نتيجة لهذه الأزمة، ومن المستثمرين في أقاصي الدنيا في البورصات المحلية التي تأثرت، والكثير جدًّا مما لا يمكن حصره وقياسه حتى تاريخه، وصدق الله العظيم في قوله تعالى: ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة((الأنفال/25).

فقد كانت هذه الضوابط تُطبَّق شكلًا دون مضمون، بما يؤكد سوء النية المبيَّتة من كثير من المسئولين عن تطبيقها، واللافت للانتباه أنه على عِظم نتائج الأزمة المالية على جميع الأصعدة، إلا أنه لم يتم محاسبة مراقبي حسابات البنوك المنهارة الذين قدَّموا تقاريرهم المالية السنوية باعتبارها تقارير نظيفة قبل انهيار البنوك الأمريكية مباشرة؛ أي: إنه لم يتم التحفظ فيها على نتائج هذه التقارير، وتحريم القانون الأمريكي لها، وهو ما سبق حدوثه لواحدة من أكبر شركات المحاسبة في العالم وهي شركة "آرثر أندرسون"  (ArthurAnderson)، التي كانت تراجع حسابات شركة "إنرون" للطاقة، وانهارت سنة 2001م، وقضى بعض مسئوليها سنوات في السجون الأمريكية جزاءً  لهم على تقصيرهم أو تواطؤهم مع الإدارة على إخفاء حقائق عن أعمال الشركة كانت يمكن أن تفيد المساهمين والجهات الإشرافية لو نُشرت في الوقت المناسب.

فهل كان انهيار شركة إنرون أسوأ أثرًا من نتائج الأزمة المالية؟ ولماذا لم نسمع منذ 2007م حتى تاريخه عن مساءلة شركات المحاسبة والتدقيق التي كانت مسئولة عن البنوك المنهارة؟

وبذلك يثبت البحث عدم جدوى الضوابط التي وضعتها أعلى المجالس العلمية والسلطات العليا، وهو ما نفسِّره بسببين:

1.   أن مفهوم سعر الفائدة يعمِّق هدف تعظيم المال بما يدفع النفوس الضعيفة للتجاوز عن كثير من القيم الأخلاقية.

2. أن ضوابط التشريع الوضعي الأمريكي لم تصل إلى عمق الضمير الإنساني المرتبط بخشية الله سبحانه وتعالى في السرِّ والعلن، وهو ما أدَّى لحدوث الأزمة.

وهذا على خلاف المنظومة التشريعية الإسلامية التي وضعت الضوابط التربوية للمجتمع الإسلامي بالنسبة لاكتساب المال وتنظيم تداوله بما يربي الفطرة الإنسانية السلمية على الخيرية والتعاون والتراحم؛ حيث شرعت ضوابط متكاملة من  الحل والتحريم والمندوب، وترتبط بالعقيدة التي تكون سياجًا مانعًا للنفس من الانحراف ومحفِّزًا لها على العمل الصالح.

وبذلك يكون البحث قد أثبت الفرضية السادسة والأخيرة، وهي:

أن نظام سعر الفائدة هو السبب الرئيس في الفساد المالي والإداري والسياسي في كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية، الذي امتد منها لسائر دول العالم، وتم إثباته من خلال استعراض نظام الربا في النظم المالية في العصر الحديث في مصر، ونهاية القرن العشرين والقرن الحالي في أمريكا، وامتد تأثير النظام لصنع الأزمات المالية التي أطاحت بثروات عظيمة ومصالح ضخمة لملايين البشر على كل من المستوى المحلي والدولي.

ويكون البحث قد حقَّق الهدف الرابع وهو الأخير، وهو: إثبات الأضرار الجسيمة التي يسببها التعامل بالربا لكافة المجتمعات البشرية.

وبذلك يكون تحريم الربا معجزًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وبرهانًا لا جدال فيه على أن هذا التشريع المحكم من لدن حكيم عليم، ويكون البحث قد قدَّم دليلًا جديدًا على آيات الله المعجزة؛ تصديقًا لكتابه الكريم وقوله تعالى:)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق((فصلت/53).

فها هي الدراسات الاقتصادية الحديثة، وها هي الأنظمة جميعها تذوق الأمرَّين وتتجرع مرارة التعامل بالربا بعدما فشلت كل هذه الأنظمة، واتجهت إلى التعامل بالنظام الاقتصادي الإسلامي، ووجدوا فيه الملاذ الآمن من هذا الانهيار الاقتصادي الكبير، وذلك الفشل الذريع.

إن الربا كان في نظر الاقتصاديين منذ القديم خطأ، وسبب في ركود الاقتصاد؛ فنجد أرسطو يعدُّ الفائدة ضدَّ الطبيعة: "فإن تحصَّل من النقود على نقود جديدة يكون هذا مخالفًا للطبيعة؛ لأن النقود قد جُعلت بطبيعتها لكي تتم مبادلة السلع عن طريقها، وكل استخدام للنقود؛ لكي يحصل أصحابها من ورائها على ثروة نظير إقراضها بفائدة خروجًا بالنقود عن طبيعتها؛ لأنه لا يكون قد تم استخدام النقود لمبادلة السلع، وإنما للحصول منها مباشرة على سلعة".

وكذلك فقد حرَّم القديس"توماس الإكويني" الفائدة، بحجة أن النقود لا تلد، مستندًا في ذلك إلى أقوال أرسطو، وتعاليم الكنيسة.

أما التجاريون فقد هاجموا الفائدة، وإطلاق أرباح المرابين، واستندوا في ذلك حتى إلى النظريات الدينية التي حرَّمت الربا، مع أن مهاجمة التجاريين للربا كان مبعثه مصلحة رأس المال التجاري.

وكان "آدم سميث" من أبلغ من دعا إلى الحرية الاقتصادية، ولكنه بالرغم من ذلك طالب بوضع حدٍّ أعلى لسعر الفائدة على القروض؛ فكل المذاهب الاقتصادية ـ قديمها وحديثها ـ تنظر إلى الربا على أنه خطأ، وإذا قبلوا به فقد طالبوا بتدخُّل الدولة في هذا المجال، وعدم تركه لتحكُّم المرابين وأصحاب الأموال([3]).

ثانيًا. سياسة الاقتصاد في الإسلام:

ليس الإسلام دينًا يتعلق بالآخرة فقط، إنما هو دين اختص بالدنيا والآخرة معًا؛ بل جعل الدنيا هي سبيل الآخرة، قال تعالى:) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين(83)( (القصص)، وقال تعالى: )وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين(77)( (القصص).

ولقد حضَّ الإسلام على السعي والبذل والعمل، ورغَّب الإنسان بما أحلَّ الله له، مع المحافظة على الحدود التي وضعها الشرع، ولم يهتمّ الإسلام بالجانب الأخلاقي ومسألة الثواب والعقاب فقط، إنما دعَّم هذا الجانب بجانب آخر فيه تشريعات وقوانين تلزم المسلم باتباعها.

فالإسلام لم يقتصر "على النصائح الأخلاقية في المجال الاقتصادي؛ بل دعَّم ذلك وأكمله؛ فأيَّده بقواعد تشريعية، تنظِّم العلاقات المالية، وتحدِّد الحقوق، وتفرض الواجبات، كما أنه تميَّز من الأنظمة الاقتصادية الوضعية بعدم الاقتصار على الإلزام الخارجي؛ فإنه دعَّم قواعده الإلزامية بأسس ودوافع اعتقادية ونفسية"([4]).

فإذا أردنا أن نبيِّن الجانب الاعتقادي في الاقتصاد، سنجد ثوابت كثيرة قرَّرها الإسلام، وأهم هذه الثوابت:

1.الملك لله، والإنسان مُستخلَف فيه، يقول تعالى: )وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه((الحديد/7)، وفي هذا تذكير للإنسان بأنه لا يملك شيئًا، وإنما كل ما يملك هو لله، فترسَّخ في ذهنه هذه القاعدة، فلا يمتنع عن تنفيذ أمر الله سبحانه؛ فهو موكَّل من عند الله في ماله، والموكَّل ينفذ أمر من وكَّله، وهو يعرف في النهاية أن هذا المال الذي يجري بين يديه ليس له، حتى وإن استطاع أن يتصرَّف فيه كله كما يشاء.ولم يختص هذا الاستخلاف بشخص دون آخر، إنما هو لجميع الناس، قال تعالى:)وهو الذي جعلكم خلائف الأرض((الأنعام/165).

2.الكون كله مُسخَّر للإنسان، يقول تعالى: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة( (لقمان/20)، فتسخير الكون يعني أن كل ما فيه للإنسان، ليسعى ويعمل ويحصل على رزقه، يقول تعالى:)هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (15)(

 (الملك)؛ فكل ما في الدنيا بين يدي هذا الإنسان، وما عليه إلا أن يجدَّ في سبيل رزقه، وتسخير الكون للإنسان يعطي معنيين كبيرين:

·  الكون وما فيه مهيَّأ ومبذول للإنسان، فإن هو أحسن سُبُل استخدامه، وأعمل فكره فيه فإنه لا يستعصي عليه شيء في هذا الكون.

·  الإنسان هو أفضل المخلوقات، ولولا ذلك لما كان كل شيء مسخَّر له؛ لذلك لا يليق به أن يعبد شيئًا مما سُخِّر له؛ بل هو سيد هذا الكون، وجدير به ألا يَعبُد إلا رب هذا الكون وخالقه، الذي سخر هذا الكون له.

3.جعل الله تفاوتًا بين الناس في الرزق؛ فهناك غني وفقير، وما ذلك إلا لحكمة أرادها الله، فلو تساوى الناس في الرزق لما استمرت الحياة؛ فالغني يُعطي المال لينظر ماذا يفعل به، وكيف ينفقه، والفقير يُحرم منه، ويبقى عنده طموحه الذي يدفعه إلى العمل والجد من أجل كسب المال، يقول تعالى: )أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون(32)( (الزخرف).

وقد جاء في تفسير قوله تعالى: )ليتخذ بعضهم بعضا((الزخرف:32)؛ يعني لو أنَّنا سوَّينا بينهم في كلِّ الأحوال لم يخدم أحد أحدًا, ولم يصر أحد منهم مسخَّرًا لغيره, وحينئذٍ يفضي ذلك إلى خراب العالم وفساد حال الدُّنيا، ولكنَّنا فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضًا, فيسخِّر الأغنياء بأموالهم الأُجَراء والفقراء بالعمل, فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش, فهذا بماله, وهذا بعمله, فيلتئم قوام العالم، وكما قال الشَّاعر:

وَالناسُ للنَّاسِ مِن بدوٍ وحاضرةٍ

 

بَعضٌ لِبَعضٍ وَإِن لَم يَشعُروا خَدَمُ
 

ولكنَّ هذا التفاوت لا يعني أنَّ الغني مفضَّل على الفقير, أو أنَّ الغني محبوب من قِبَل الله بينما الفقير مكروه, يقول تعالى:)وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين(35) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون(36) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون(37)( (سبأ).

4.المال في الإسلام وسيلة لا غاية: فهو وسيلة للعيش الكريم, ولتلبية الحاجات, ومساعدة الناس؛ لذلك ذمَّ الإسلام حبَّ المال الشديد والتعلُّق به, قال تعالى: (وتحبون المال حبا جما (20)( (الفجر)، ولكنه لم يمنع من التمتُّع به, وإنفاقه بما يرضي الله, يقول تعالى:)قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق( (الأعراف/٣٢). فالإسلام لم يرد أن يصبح الإنسان عبدًا للمال, وبيَّن له أن هذا المال لن ينفعه يوم القيامة, يقول تعالى: )يوم لا ينفع مال ولا بنون(88) إلا من أتى الله بقلب سليم (89)((الشعراء), وبالتالي أمر بالعمل لتحصيل المال الذي ينتفع به في هذه الحياة الدنيا, يقول تعالى:)فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون(10) ((الجمعة).

وبما أنَّ المال وسيلة, فقد حرَّم الإسلام ـ كما قلنا ـ أن تصبح هذه الوسيلة غاية, وأراد من المال أن يكون وسيلة للعيش, وأراد أن يُستخدم, فمنع الإسلام كَنْز المال, وأمر بإنفاقه, قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم(34) ( (التوبة)؛ فالإسلام يريد أن يبقى المال داخلًا ضمن النشاط الاقتصادي ومستخدمًا فيه, لا أن يُحبس ويُكنز؛ الأمر الذي يؤدي إلى خروجه عن خلقته التي خلقه الله بها.

ووجَّه الإسلام إلى استخدام المال كما يليق, دون إسراف أو تقتير؛ ففي الإسراف احتقار للبذل الذي جاء به المال, وفي التَّقتير حبٌّ للمال وضنٌّ به, يقول تعالى: )والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما(67) ( (الفرقان). فالمال في ذاته ليس شرًّا وليس خيرًا, بل هو أداة خاضعة لمشيئة الإنسان, إن شاء كان نعمة وفضلًا, وكان رزقًا تُنال به الطَّيبات, ويرى فيه حقَّ نفسه وولده, ويؤدي منه حقَّ الله وحقَّ العباد, مثل هذا المال نعمة يباركها الله ويبارك أهلها, وإن شاء حوَّل النعمة التي في يديه إلى نار تحرقه وتحرق من حوله, حين يذهب به مذاهب السَّرف والسَّفه, ويرد به موارد الإثم والفساد.

5.الإنسان مسئول عن نشاطه الاقتصادي أمام الله، فإذا سعى بالشكل الذي ينال معه رضى الله يكون له الأجر والثواب, وإذا استعمل طُرقًا محرَّمة أو مؤذية تنمُّ عن أنانية أو قصور فكري فيكون عليه الوزر والعقاب من الله تعالى.

وليست هذه المسئولية فقط أمام الله؛ بل هي مسئولية دنيوية تحدِّدها أحكام الشريعة،يقول تعالى:)وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون(105)( (التوبة). وفي الإسلام أحكام تشريعية تحاسب الفرد على نشاطه الاقتصادي, فتمنعه من القيام بأيِّ نشاط يضرُّ الجماعة, أو يؤدي إلى إفسادها, مثل بيع الخمر أو إنتاجها, أو زراعة المخدرات وغير ذلك من أمثال هذه التجارات, ومنعه أيضًا من الغشِّ والتزوير, فكان المسلم مسئولًا عن بضاعته وجودتها, وهناك أحكام كثيرة في هذا الشَّأن موزَّعة في كتب الفقه.

وحمَّل الإسلام المسلمين مسئوليَّة القيام بالنشاطات المختلفة التي تؤدي إلى خير المجتمع, فإذا قام بعضهم بها سقط الإثم عن الباقين, وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع, يقول تعالى:)وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون(122)((التوبة).

والمسلم أيضًا مسئول عن ماله, كيف يستثمره؟ وكيف ينفقه؟ ومن أين اكتسبه؟ وسوف يُسأل يوم القيامة عن كلِّ ذلك, يقول تعالى:) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم(8) ( (التكاثر).

هذه أهم النقاط الاعتقادية التي وضعها الإسلام وطالب المسلمين بالعمل بها, وكانت الأساس لنشاطهم الاقتصادي. أمَّا في الجانب التشريعي في الاقتصاد فقد وضع الإسلام قواعد تشريعيَّة مُلزِمة للمسلمين, وأهم هذه القواعد:

1.أقرَّ الإسلام الملكية بأشكالها المختلفة: الخاصة, والعامة، وخصَّص لكل من هذه الأشكال حقلًاخاصًّا تعمل من خلاله:

فالملكية الفردية: هي حقٌّ للفرد ينالها بجهده وكسبه, وهي حقٌّ خصَّصه الله له؛ فبكسب الإنسان وعمله, من زراعة وصناعة وتجارة, أو مما يحصل عليه من إرث أو هبة, يستطيع الإنسان في الإسلام التملُّك، وتكون هذه الملكية ليست نوعًا من التوكيل عن الجماعة, فالملكية الفردية لا تعني أن يكون المسلم موظَّفًا على ملكه من قبل الجماعة, بل هو المالك الحقيقي, والله هو الذي خصَّص له هذه الملكية, يقول تعالى:)قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء( (آل عمران/26), ولكن هذه الملكية مقيَّدة بقيود:

·      أن تحصل عن طريق مشروع, فالسرقة والنصب والربا هي طرق غير مشروعة.

·  ألا يكون في التصرُّف بها أو حيازتها ضرر يلحق الجماعة أو الأفراد, فيجب أن يتصرَّفالمسلم في ملكه بعيدًا عن ضرر مجتمعه وغيره من الأفراد؛ فمثلًا يُمنع المسلم من بيع السِّلاح للعدو, لأنَّ فيه ضررًا للجماعة، وكذلك لا يستطيع أن يستعمل بيته بشكل يضرُّ بجاره مثلًا.

·  يجب مراعاة المصلحة العامة, فإذا اقتضت المصلحة العامةسحب هذه الملكية الفردية من الشخص تُسحب، ولكن ذلك يكون ضمن ضوابط بحيث تُطبَّق القاعدة "لا ضرر ولا ضرار".

·  يجب أن يستخدم المسلم ملكيته بشكل حسن, وأن يقوم بأمرها على أكمل وجه, فيُحجر على السَّفيه الذي يبدِّد ملكيته, ويمنع من التصرف بها.

أما الملكية العامة: فهي الملكية التي يشترك فيها جميع المسلمين، ويمكن أن يكونوا جماعة من المسلمين مشتركين في بستان مثلًا, فتكون ملكية البستان لهذه الجماعة فقط، أما الملكية التي يشترك فيها جميع المسلمين, مثل ما يرد لبيت المال من خراج, وسائر الأموال التي تدخل إلى بيت مال المسلمين, فتُصرف لما فيه صالح الجماعة دون تخصيص فئة دون أخرى.

2.الإسلام يعطي المسلم حرية وفرصة يستطيع بها أن يمارس نشاطه الاقتصادي؛ فالإسلام يضع النظام الاقتصادي للمجتمع على أساس طبيعي غير متكلَّف, تكون فيه فرص الكفاح في متناول الجميع، ولكن هذه الحرية مقيَّدة بقيود, وهذه القيود تكون من جانبين:

أ ـ  منع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بأي شكل من الأشكال؛ فالإسلام يمقت الربا والاحتكار, وأكل أموال الناس بالباطل, يقول تعالى: )ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( (البقرة/١٨٨). إنَّ الإسلام لا يبغي مجرد قيام السباق الاقتصادي في الحياة الاجتماعية على أساس تكافؤ الفرص وعدم التمييز فحسب, ولكنه يريد ألا يكون المتسابقون متظالمين متقاطعين؛ بل عليهم أن يكونوا متعاطفين متعاونين.

ب ـ  إشراف الدولة على النشاط العام, وتدخُّل الدولة لحماية المصالح العامة, وحراستها ضمن دائرة الشريعة السَّمحة، وفيما عدا ذلك فالباب مفتوح أمام كل مسلم يعمل بحريته, وفي المجال الذي يريد.

3.يكره الإسلام البطالة, ويحثُّ على العمل الشريف المنتج, الذي يغني المسلم عن ذلِّ السؤال, مهما كان هذا العمل بسيطًا.

ولم يميِّز الإسلام بين الأعمال؛ فقد اعتبر كل جهد مشروع ـ عضليًّا كان أو عقليًّا ـ هو عمل؛ فجميع الأعمال النافعة من أقلها شأنًا ـ كحفر الأرض ـ إلى أعظمها ـ كرئاسة الدولة ـ داخلة كلها تحت عنوان العمل؛ فكل أفراد المجتمع هم عمال, يجب عليهم أن يسعوا حتى يحصلوا على قوتهم، أما العاجزون فيجب على القادرين مساعدتهم, فالإسلام يطالب بقيام نظام دائم واجب في أي مجتمع, يضمن مساعدة العاجزين, الذين تُعوزهم الوسائل اللازمة للوصول إلى القوت الضروري.

فالإسلام يريد أن يعمَّ العمل في كل أنحاء البلاد الإسلامية, ولا يجب أن يوجد من يمدُّ يده لسؤال الناس, ولا من يجلس دون عمل إلا لعُذْرٍ من عجز.

4.يمقت الإسلام كَنْز المال, ويريد من هذا المال أن يبقى دائمًا دائرًا ضمن النشاط الاقتصادي؛ وذلك إما بالإنفاق, أو العمل والاستثمار، ولا يجوز أبدًا أن يصبح الإنسان حارسًا لهذا المال, بل يجب أن يكون المال خادمًا للإنسان, ووسيلة لتلبية حاجاته.

ولقد حث الإسلام على الإنفاق والبذل, مهما كانت حالة الإنسان الاقتصادية، يقول تعالى: )لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا(7)( (الطلاق), وما ذلك إلا ليبقى المال في حركة دائمة, هذه الحركة التي تؤمن تكاثره واستعماله.

ولم تكن أوامر الإسلام بالإنفاق عامة وغير محدَّدة؛ بل فرض الله الزكاة, ذلك الركن الأساسي من أركان الإسلام, الذي يؤدي إلى تعميم المال, وعدم تركُّزه في أيدي قليلة.

وهكذا؛ فقد رأينا أنَّ الإسلام لم يترك النشاط الاقتصادي دون تنظيم أو تخطيط؛ بل لقد وضع الإسلام قواعد وأُسسًا تصلح لكلِّ زمان ومكان؛ لأنها عامة لا تتبدل, ويندرج تحتها كثير من المتغيرات التي تسير ضمن دائرة هذه القواعد العامة, بما يضمن خير الإنسان في الدنيا والآخرة([5]).

ثالثًا. أضرار الربا على الفرد والمجتمع:

لقد حرَّم الإسلام الربا، ولكنه أوجد البدائل، مثل القرض الحسن، وفيه أنك تقوم بعمل المعروف في الناس بإقراضهم من أموالك، فيذهبوا منطلقين فيشتروا ما يسدُّ رمقهم؛ فيبدو الرَّواج الاقتصادي ويزيد الطلب على السلع، ويصبح صاحب المصنع مضطرًّا إلى زيادة الإنتاج ليزيد العرض أو المعروض من السلع والمنتجات التي يُقبل الناس عليها، فيحتاج صاحب العمل إلى زيادة الإنتاج في مصانعه وتدور عجلة الإنتاج وتدور العملية الاقتصادية؛ بل قد يحتاج صاحب رأس المال المعطي هذا إلى تشغيل الأيدي العاملة لكي تلاحق التزايد المستمر على بضائعه وسلعه، كل ذلك يدور في حلقة يمكن تسميتها حلقة الخير والبركة، وهي تتشكل من الضمير البشري التقي، ويدور في فلكها الأخلاق السوية ومراعاة الله في كل عمل وإن كان صغيرًا؛ فهو عند الله كبير.

وكذلك من البدائل الإسلامية المرابحة الإسلامية، وهي ببساطة أن تشتري ـ مثلًا ـ من أحد الأشخاص شيئًا بقيمة عشرة جنيهات فتبيعها وتكسب منها، على أن تعيد له ثمنها بعد مدَّة زمنية محددة بالاتفاق المشترك، ويتم اقتسام الربح فيما بين الطرفين، هذه هي المرابحة ببساطة شديدة؛ ومن هنا لا يقوم الطرفان بالمرابحة إلا إذا كان الطرف الأول الذي أخذ جزءًا من المال على دراية ووعي اقتصادي وخبرة في تنمية المال قد لا تكون موجودة في الطرف الثاني وهو الذي أعطى المال.

ومن هنا سوف يعمل الطرف الأول على استثمار المال المأخوذ في وقته بطريقة فيها المكسب لا الخسارة؛ فالمرابحة تدعو إلى العمل في السوق بروح أخلاقية صحيحة حتى لا يخسر فيعجز عن السداد. ومن ثم؛ فإن المعاملات المالية الواضحة الشفافة تؤدي دائمًا إلى الربح والبركة فيها.

ومن بين البدائل كذلك المضاربة؛ وهي من أساسيات المعاملات الإسلامية المالية، وتعني أن تكون لديك خبرة اقتصادية وليس عندك رأس المال المطلوب, فإذا أخذت من صاحب المال جزءًا من ماله، وقمت بتشغيله في مشروع استثماري ناجح, فما يحصل عليه من أرباح يكون لصاحب المال 80% من الربح ولصاحب الخبرة 20% من ذلك الربح, أو العكس حسب الاتفاق.

و المضاربة تعني أنه إذا عملت وخسرت أصبحت الخسارة مقسومة بين الشريكين؛ إذ يخسر صاحب المال من ماله، وصاحب الخبرة من جهده ووقته([6]).

ومن هذا نجد أن الإسلام يشجِّع النهج العالمي الذي يعتبر أن جميع بني البشر إخوة؛ فهو يشجع السلام والطمأنينة والرخاء للجميع، إن مجرد إلقاء نظرة سريعة على القيم الإسلامية نجد أن هذه القيم هي نفسها قيم السلوك الإنساني التي تحظى بالإعزاز والتقدير، وأنه ليس هناك من تناقض أو اختلاف بين القيم الإسلامية والقيم اللازم توافرها للتنمية.

إن الإسلام يدعو إلى العدل والإنصاف في جميع المعاملات التي تتم بين بني البشر، كما أنه يقدِّر الحرية الشخصية والكرامة الإنسانية ويوليهما بالغ الاحترام، ويحمي حق الملكية الشخصية، ولكنه - في الوقت نفسه - يحاول أن يحتوي الغريزة البشرية المالية إلى الفضول والبحث ضمن حدود مقبولة، إن الإسلام يحث على اكتساب العلم والمعرفة والفهم، ويطالب بسلوك منهج عقلاني تجاه جميع القضايا والمسائل التي تتعلق بشئون الإنسان؛ فهو يشجِّع تدفق البضائع والخدمات في التجارة المحلية والدولية حتى لا يدخل الناس في حرج ومشقة، ويدعم هذا الرأي حقيقة أن الإسلام يحرِّم الاحتكار تحريمًا مطلقًا([7]).

إن آثار الرِّبا وأضراره ومفاسده ـ التي اكتشفها الناس اليوم نتيجة تطور العمليات الاقتصادية وتعقُّدها ـ تؤكد أن تشريع الله في الربا معجز، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، الأمر الذي يدلُّ دلالة قاطعة على أن هذا التشريع من عند الله العليم الخبير، وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا صحابته؛ لعدم مقدرتهم على معرفة وإدراك كثير من حِكَم وأسرار هذا التشريع، وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم وهو الإعجاز التشريعي في باب الربا.

إن التَّعامل بالربا فيه مفاسد كثيرة، وإن مَنْع التعامل به فيه مصالح كثيرة للفرد والمجتمع، وهذا يثبت ويبيِّن حقيقة الإعجاز الذي جاء به، ومن هذه المفاسد: سوء توزيع الثروة، هدر الموارد الاقتصادية، ضعف التنمية الاقتصادية والاستثمار، والتضخم، والبطالة، وغير ذلك من الأضرار الكثير.

1.   سوء توزيع الثروة:

تتركز عملية الإقراض بفائدة ضمانات تسديد القروض وفوائدها، وهو ما يؤدي إلى تركز ثروة البلاد في أيدي عدد قليل من الأشخاص.

وتأييدًا لهذا المعنى يقول الدكتور "شاخت" ـ الألماني الجنسية ومدير بنك الرايخ الألماني سابقًا ـ: إنه بعملية غير متناهية يتضح أن جميع مال الأرض صائر إلى عدد قليل جدًّا من المرابين؛ ذلك لأن المرابي يربح دائمًا في كل عملية، بينما المدين معرَّض للربح والخسارة. ومن ثم؛ فإن المال كله في النهاية لا بد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائمًا.

ومن مظاهر سوء توزيع الثروة تسخير العمل لحساب رأس المال؛ حيث يقوم الإنتاج على عنصرين: العمل والمال، والعمل هو الأساس الأول؛ لأنه هو الذي يُوجِد المال في الأصل، وموجب ذلك أن يتحمَّل كل من العنصرين نصيبه من الربح والخسارة، فإذا أشركنا صاحب المال في الربح وجب أن يشترك في الخسارة، غير أن الفائدة تهدم هذا البنيان الطبيعي، وتسخِّر العمل لحساب رأس المال؛ لأن المنتج وهو المدين دائمًا يضمن للمرابي رأس ماله ونصيبه من الربح، دون أن يشارك هذا الأخير في الخسارة.

وبناء على ما سبق؛ فإن الذين يتركز عندهم المال فئتان:

الفئة الأولى: المرابون الذين يقرضون المال ويربحون دائمًا.

الفئة الثانية: الأشخاص الأغنياء المقترضون القادرون على تقديم ضمانات تسديد قروضهم، وهذا يؤدي إلى تداول المال بين المرابين والأغنياء القادرين على تقديم ضمانات؛ الأمر الذي يجعل المال متداولًا بين هؤلاء وهو مخالف لمنهج الإسلام.

إن منهج الإسلام يقوم على توزيع المال بين الناس، وتداوله وحركته بينهم؛ ولذلك جعل علَّة توزيع الفيء ـ كأحد مصادر المال في الإسلام ـ على المستحقين منع تركيز المال في أيدي الأغنياء فقط، بل يتدوال بين الناس؛ لقوله تعالى: )ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب(7)( (الحشر).

إن الطريقة الإسلامية يهمُّها أن يكون الأشخاص القائمون على المشاريع من أهل الأمانة والخبرة والالتزام، وهذا يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والدخل بين الناس، إن ربَّ المال ـ في نظام المشاركة الإسلامي ـ لا يطلب ضمانات؛ لأنه هو الضامن للمال، بحيث يتحمَّل خسارته إذا وقع مقابل تحمُّل العامل ضياع عمله.  

2.   تعطيل الطاقات البشرية:

الربا يعمل على تعطيل الطاقات البشرية المنتجة، ويُرَغِّب في الكسل وإهمال العمل، والحياة الإنسانية تتقدم ببذل الطاقات في التنمية والإعمار، أما المرابي فيجد المجال رحبًا لإنماء ماله بسهولة، فيألف الكسل ويمقت العمل ولا يشتغل بشيء من الحِرف والصناعات الشاقة؛ الأمر الذي يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارب والحِرف والعمارات.

3.   تعطيل المال:

وكما يعطِّل الربا جزءًا من الطاقات البشرية العاملة فإنه يعطل الأموال كذلك عن الدوران والعمل، والمال للمجتمع يُعدُّ بمثابة الدم الذي يجري في عروق الإنسان،
وتوقُّف المال عن الدوران يصيب المجتمعات بأضرار فادحة، مثله كمثل انسداد الشرايين، أو الحواجز التي تقف في مجرى الماء، وقد رهَّب الله سبحانه وتعالى الذين يكنزون المال وتهدَّدهم:
)والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم(34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون(35)((التوبة).

وقد شرع الله من الأحكام ما يكفل استمرار تدفق المال إلى كل أفراد المجتمع؛ بحيث لا يصبح المال دُولة بين الأغنياء دون غيرهم.

4.   التضخُّم:

التضخم يُقصد به وجود اتجاه صعودي في الأثمان بسبب وجود طلب زائد أو فائض بالنسبة إلى إمكانية التوسع في العروض، والتضخم له أسباب طبيعية وأسباب غير طبيعية، ومن الأسباب غير الطبيعية الربا؛ فالمرابي بما يفرضه من فائدة مرتفعة يجبر أصحاب السلع والخدمات على رفع أثمان هذه السلع والخدمات، ولا شك أن التضخم يُسيء إلى الناس كثيرًا خاصة أصحاب الدخول النقدية الثابتة كالموظفين والعمال. ومن ثَمَّ؛ تنخفض دخولهم الحقيقية.

5.   الكساد والبطالة:

إذا ارتفعت أثمان الأشياء ارتفاعًا عاليًا؛ فإن الناس يكفُّون عن الإقبال على السلع والخدمات المرتفعة الأثمان، إما لعدم قدرتهم على دفع أثمانها، أو لأنها ترهق ميزانيتهم، وإذا امتنع الناس عن الشراء كسدت البضائع في المخازن والمتاجر، وبسبب ذلك تقلِّل المصانع من الإنتاج، وقد تتوقَّف عنه، ولا بد في هذه الحالة من أن تستغني عن جميع عمالها وموظفيها إذا توقفت عن الإنتاج.

6.   توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة:

ومن بلايا الربا أنه يوجِّه الاقتصاد وجهة منحرفة، فالمرابي يدفع لمن يعطيه ربحًا أكثر، والمرابي لا يوظِّف المال الذي اقترضه إلا في مجالات تعود عليه بربح أكثر مما فرضه عليه الذي أرباه؛ إذًا القضية تكالب على تحصيل المال، وفي سبيل ذلك تُتجاوز المشروعات النافعة التي تعود بالخير على المجتمع ويُوظَّف المال في المشروعات الأكثر إدرارًا للربح.

7.   تشجيع المرابي على المغامرة والإسراف:

إن الحصول على المال بالربا سهل ميسور، ما دام المرابي يضمن عودة المال إليه. ولذا؛ فإن الذين ليست لديهم تجربة، وليست عندهم خبرة يغويهم الطمع، فيأخذون القروض بالربا، ثم يشرعون في أعمال ومشروعات قد يكون محكوم عليها بالفشل، أو يدخلون في أعمال هي أقرب إلى المقامرة منها إلى الأعمال الصالحة، ومتى كثر هذا النوع من الأعمال فإنه يضرُّ باقتصاد الأمة، والمرابي لا يمتنع من إمداد هؤلاء بالمال؛ لأنه لا يشغل ذهنه وفكره بالطريقة التي يوظَّف المال بها، وكل ما يشغله عودة المال برباه، وقد أوجب علينا الإسلام منع السفيه من التصرف في ماله؛ حفاظا على ثروة الأمة من الضياع، قال تعالى:)ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما( (النساء/5).

ذكرت مجلة التايمز الأمريكية في الدراسة التي قامت عن ديون العالم الثالث أن دولة ليبيريا انغمست في الدين الربوي من أجل استضافة اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية. كما ذكرت أن جمهورية أفريقيا الوسطى قامت بإنفاق خمسين مليون دولارًا أمريكيًّا (نصف الميزانية السنوية لتلك الدولة تقريبًا)، وذلك عام 1977م، على حفل تتويج الإمبراطور (بوكاسا).

يقول المراغي: يسهل على المقترضين أخذ المال من غير بدل حاضر، ويزيِّن الشيطان لهم إنفاقه في وجوه الكماليات التي كان يمكن الاستغناء عنها، ويغريهم بالمزيد من الاستدانة، ولا يزال يزداد ثقل الدين على كواهلهم حتى يستغرق أموالهم، فإذا جاء الأجل لم يستطيعوا الوفاء، وطالبوا تأجيل الدين، ولا يزالون يماطلون ويؤجلون، ويزداد دينهم يومًا بعد يوم حتى يستولي الدائنون قسرًا على كل ما يملكون، فيصبحوا فقراء معدمين، وصدق الله حيث قال:) يمحق الله الربا ويربي الصدقات((البقرة/276). 

8.   وضع مال المسلمين بين أيدي خصوم الإسلام:

من أخطر ما أُصيب به المسلمون أنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية، وهذا الإيداع يجرِّد المسلمين من أدوات النشاط الاقتصادي ومن القوة القاهرة في المبادلات، ثم يضعها في أيدي أباطرة المال اليهودي، الذين أحكموا سيطرتهم على أسواق المال، وهذه الفوائد الخبيثة التي يدفعها لنا المرابون هي ثمن التحكُّم في السيولة الدولية([8]).

·      من آثار الربا:

الربا واحد من الأعمال التي تخلق في الإنسان روح الانحراف عن المنهج السوي؛ وذلك أن المرابي يستعبده المال، ويعمي ناظريه ببريقه، فهو يسعى للحصول عليه بكل السبل، وفي سبيل ذلك يدوس على كل القيم، ويتجاوز الحدود، ويتعدَّى على الحرمات، إن الربا ينبت في النفس الإنسانية الجشع، كما ينبت الحرص والبخل، وهما مرضان ما أصابا نفسًا إلا أفسدا صاحبها.

ومع الجشع والبخل تجد الجبن والكسل، فالمرابي جبان يكره الإقدام. لذلك؛ فإن شعار المرابين: إن الانتظار هو صنعة المرابين، فهو يعطي ماله لمن يستثمره، ثم يجلس ينتظر إنتاجه لينال حظًّا معلومًا بدل انتظاره، وهو كسول لا يقوم بعمل منتج نافع، بل تراه يريد من الآخرين أن يعملوا ثم يحصل هو على ثمرة جهودهم، ولقد أشارت الآية القرآنية إلى هذا المعنى، قال تعالى:)وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون(39)((الروم)، فالآية تشير إلى أن المرابي يعطي ماله للآخرين كي ينمو من خلالهم.

كما أنه لا يمكن أن تقوم المجتمعات الإنسانية ما لم يترابط الناس فيما بينهم بروابط الود والمحبة القائمة على التعاون والتراحم والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة، والأفراد في المجتمعات أو القطاع من الأمة الذين لا تؤرقهم آلام إخوانهم وأوجاعهم ومصائبهم كالعضو المشلول الذي انعدم فيه الإحساس، وانقطعت روابطه بباقي الجسد، ومثله كمثل الحمار الذي يدور حول الرَّحى؛ وذلك لأن اهتماماته وتطلعاته وغاياته تدور حول أمر واحد وهو مصالحه الذاتية، فلا تراه متأثرًا بدموع الثكالى، ولا بأنات الحزانى، ولا بأوجاع اليتامى، يرى البؤساء والفقراء فلا يعرف من حالهم إلا أنهم صيد يجب أن يمتص البقية الباقية من دمائهم. استعبدوا أولئك المعسرين الذين لم يستطيعوا أن يفوا بديونهم وما ترتَّب عليها من ربًا خبيث، ألم يُخْرِجْ أبو لهب العاصي بن هشام إلى بدر؛ لأن العاصي مدين لأبي لهب، ففرض عليه الخروج إلى المعركة بدلًا عنه.

وكيف ينعم مجتمع إذا انبثَّ في جنباته أكلة الربا الذين يقيمون المصائد والحبائل لاستلاب المال بطريق الربا وغيره من الطرق غير المشروعة؟! وكيف يتآلف مجتمع يسود فيه النظام الربوي الذي يسحق القوي فيه الضعيف؟، وكيف نتوقَّع أن يحب الذين نهبت أموالهم، وسلبت خيراتهم ناهبيهم وسالبيهم؟! إن الذي يسود في هذه المجتمعات هو الحقد والكراهية والبغضاء.

يقول المراغي رحمه الله : الربا يؤدي إلى العداوة والبغضاء والمشاحنات والخصومات؛ إذ هو ينزع عاطفة التراحم عن القلوب، ويضع المروءة، ويُذْهِب المعروف بين الناس، ويحل القسوة محل الرحمة، حتى إن الفقير ليموت جوعًا، ولا يجد من يجود عليه ليسدَّ رمقه، ومن جرَّاء هذا مُنيت البلاد ذات الحضارة التي تعاملت بالربا بمشاكل اجتماعية.

وقد بلغت خسة الطبع، وفساد الخلق بالمرابين اليهود إلى أن يتآمروا على المجتمعات التي فتحت أبوابها لهم؛ بل على العالم بأسره، ويوقدوا نار الحروب، ويسعوا في الأرض الفساد، وقد نبَّأنا القرآن من خبرهم، وكشف لنا جُرمهم عندما قال:)وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين(64)( (المائدة). وقد نبَّه كثير من الكُتَّاب المحققين إلى أن أباطرة المال اليهود هم الذين كانوا وراء إشعال نيران الحروب في القرن الماضي.

إن المال إذا أصبح دُولة بين الأغنياء، شقي أغنياء ذلك المجتمع وفقراؤه، والربا يركِّز المال في أيدي فئة قليلة من أفراد المجتمع الواحد، ويحرم منه الجموع الكثيرة، وهذا خلل بيِّنٌ في توزيع المال.

وقد اعترف رجال الاقتصاد الكبار في العالم الغربي، ومن هؤلاء "شارل رست" -اعترف بعجزه التام عن حل المشكلات في العالم الذي يعيش فيه بعد أن بلغ قمة النضج، يقول: إنني وقد قاربت سن التقاعد أريد أن أوصي الجيل الأصغر مني سنًّا، في هذه القضية، لقد أصبحنا الآن بعد هذه الجهود الطويلة في بلبلة مستمرة، فكلنا يشقى بسبب توزيع الثروة، وتوزيع الدخل، سواء منها ما كان جزئيًّا، مثل قضية الفائدة والربا، أو ما كان مثل تفاوت الطبقات، تعبنا ولم نصل إلى شيء([9]).

الخلاصة:

·  لقد علم الغرب بعدما ذاق ويلات الانهيار الاقتصادي، أن التعامل الربوي لا يصلح لريادة العالم إلى تحقيق التقدم؛ لذا فقد انطلقت أصوات في الغرب تنادي بتطبيق أسس الاقتصاد الإسلامي.

·  وهذا هو "بوفين فانون" يقول: أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمنة إلى قراءة القرآن بدلًا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبَّقوها ما حلَّ بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود.

·  كما أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية قرارات تتفق مع الشريعة الإسلامية، وتوالت شهادات عقلاء الغرب ورجالات الاقتصاد للتنبيه إلى خطورة الأوضاع التي يقود إليها النظام الرأسمالي الليبرالي على صعيد واسع، وضرورة البحث عن خيارات بديلة تصبُّ في مجملها في خانة البديل الإسلامي.

·  كشفت الأزمة المالية العالمية عن تصدُّع النظام الرأسمالي، البعيد عن التعاليم الإسلامية، المعتمد على التعامل الربوي، وفي تقرير صحفي بعنوان: "نجاح البنوك الإسلامية في مواجهة الأزمة العالمية" ذكرت صحيفة "آربي دبلي" الروسية أن أعداد غير المسلمين الذين يرون أن البنوك الإسلامية وعاء آمن لأموالهم يحميها من خطر أزمة السيولة التي تضرب بنوك العالم الآن في تزايد.

·  إن للربا ونظام سعر الفائدة أثرًا سيئًا على الحضارة الإنسانية جمعاء، ولقد كان العصر الحديث أكبر شاهد على ذلك؛ ففي دراسة تمت على نموذجي مصر والولايات المتحدة أثبتت كم فشل هذا النظام!، وكم كانت ويلاته كبيرة!، فإذا ما نظرنا إلى أثر النظام الربوي على مصر من سنة 1860م حتى سنة 1942م؛ إذ بدأت قروض الخديوي سعيد بمبلغ 3,5 مليون جنيه، في حين كان الأصل 2,4 مليون جنيه، وسدَّدت مصر فوائد في الفترة من 1876م ـ 1942م أكثر من 245 مليونًا لمبلغ 76 مليونًا.

·  وفي عام 1900م كانت مصروفات مصر 9,7 مليون جنيه مصري، منها 3,8 مليون جنيه مصري فوائد؛ أي: إنها  بنسبة 39 %، مع أن تكلفة إنشاء سد أسوان بلغت (2) مليوني جنيه مصري، وبذلك كانت الفوائد تكفي لإنشاء أكثر من 122 مشروعًا بهذا  الحجم الضخم.

·  ولم ينته الأمر عند هذا الحد؛ بل إن التمويل بالعجز عن طريق القرض من سنة 1960م حتى الآن، ليبين مدى تأثير الربا تأثيرًا بالغًا على الاقتصاد المصري؛ إذ أثقلت الديون كاهل الميزانية بعبء الفوائد المركَّبة المتراكمة من سنة لأخرى حتى بلغت حصة الفرد منها مبلغ 15752,3 جم، ولا شك أن كل هذه الديون تؤثر حتمًا على خطط الدولة في الاستثمار.

·  وإذا ما نظرنا أيضًا إلى أثر الربا على الولايات المتحدة الأمريكية ـ وهي أكبر
وأغنى دول العالم اقتصاديًّا وعسكريًّا ـ لوجدنا أن الدَّين القومي قد بلغ   7719278857652 دولارًا في مايو 2007م بإصدار السندات وأذون الخزانة.

·  وهذا كله يؤكد ما ذهب إليه علماء الاقتصاد القدامى والمحدَثين؛ إذ إن الربا في نظرهم خطأ، وتسبَّب في ركود الاقتصاد، فنجد أرسطو يعدُّ الفائدة ضد الطبيعة، فإن تحصَّل من النقود على نقود جديدة يكون هذا مخالفًا للطبيعة؛ لأن الطبيعة قد جُعلت بطبيعتها لكي تتم مبادلة السلع عن طريقها، وكل استخدام للنقود؛ لكي يحصل أصحابها من ورائها على ثروة نظير إقراضها بفائدة، وهذا خروج بالنقود عن طبيعتها.

·  ثم إننا إذا ما نظرنا إلى سياسة الاقتصاد في الإسلام نجد أن الإسلام قد راعى مصلحة صاحب المال، ونظم العلاقات المالية، وحدَّد الحقوق وفرض الواجبات، وبيَّن أن المال وسيلة وليس غاية، فهو وسيلة للعيش الكريم.

·  وأقرَّ الإسلام الملكية بأشكالها المختلفة من ملكية فردية أو عامة، كما حثَّ الإسلام على العمل ونبذ البطالة، وحثَّ على البذل والكرم والجود والعطاء، لكي يسود المجتمعَ الخيرُ والرحمة والبركة.

·  كما أوجد الإسلام البدائل؛ إذ حرَّم الربا، فأوجد القرض الحسن، وكذلك المرابحة الإسلامية والمضاربة والتجارة والشَّراكة، وهو هنا يشجِّع النهج العالمي الذي يعدُّ جميع بني البشر إخوة.

·      إن آثار الربا التي اكتشفها الناس اليوم شنيعة، ومن هذه الآثار:

1.    سوء توزيع الثروة.

2.    تعطيل الطاقات البشرية.

3.    تعطيل المال.

4.    التضخُّم.

5.    الكساد والبطالة.

6.    توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة.

7.    تشجيع المرابي على المغامرة والإسراف.

         وثمة تساؤل يثور: كيف ينعم مجتمع إذا انبثَّ في جنباته أكلة الربا الذين يقيمون المصائد والحبائل؛ لاستلاب المال بطريق الربا وغيره من الطرق غير المشروعة؟!


(*) القرآن إعجاز تشريعي متجدِّد، د. محمود أحمد الزين، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، الإمارات، ط1، 1425هـ/ 2006م.

[1]. في الأزمة المالية العالمية المعاصرة الغرب يرى الإسلام منقذًا، مصطفى الشيمي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (31)، ذو القعدة 1429هـ، ص26، 27.

[2].الأزمة المالية العالمية بين التحديات والفرص، د. أشرف محمد دوابة، مقال منشور بموقع: مركز بدر للدراسات المستقبلية والاستشارات bedercenter.net.www.

[3]. الربا وبدائله في الإسلام، رغداء محمد أديب زيدان، بحث منشور بموقع: مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية www.kantakji.com.

[4]. بحوث في نظام الإسلام، مصطفى البغا، مطبعة جامعة دمشق، دمشق، ط3، 1409هـ/ 1989م، ص351.

[5]. الربا وبدائله في الإسلام، رغداء محمد أديب زيدان، بحث منشور بموقع: مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية www.kantakji.com.

[6].المعاملات المالية في الإسلام، هاني سويلم، مقال منشور بموقع: الركن الأخضرwww.grenc.com.

[7]. التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي: عَوْد على بدء، أوصاف أحمد، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، العدد (1)، ج17.

[8].الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص490- 492.

[9]. المرجع السابق، ص488- 489.

open my husband cheated black women white men
open my husband cheated black women white men
my husband cheated my husband almost cheated on me open
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
why wife cheat percentage of women who cheat why women cheat in relationships
dating a married woman cheat on my wife i cheated on my husband
read all wife cheat click here
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  897
إجمالي عدد الزوار
  36747966

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع