مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

 الطعن في تشريع الإسلام عدة المطلقة والمتوفَّى عنها زوجها  (*)

مضمون الشبهة:

ينفي المغرضون وجود إعجاز علمي في آيات عدة المطلقة والمتوفَّى عنها زوجها, ويزعمون أن بها أخطاءً علمية كثيرة, ومن هذه الآيات قوله تعالى:)والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر( (البقرة/ ٢٢٨), وقوله تعالى: )والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير(234)((البقرة)، وقوله تعالى: )واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن( (الطلاق/ ٤).

قائلين: إذا كان الهدف من العدَّة التأكد من استبراء الأرحام، وعدم اختلاط الأنساب؛ فإنه لا فائدة من العدة للمرأة الحامل؛ لأنه أثناء حمل المرأة لا يمكن أن يوجد اختلاط في الأنساب؛ لأن المرأة يستحيل أن تحمل على حملها, والذي دفع الإسلام إلى تشريع هذه العدة أن القدماء كانوا يعتقدون أن الجنين يُروى بماء الرجل، وهذا مخالف للحقائق العلمية التي تقول بأن الجنين يتكوَّن من ماء واحد للرجل.

ويتساءلون: إذا كان القرآن قد نزل لكل الناس وكل العصور، فلماذا لم يضع اعتبارًا لتقدم العلم في عصرنا هذا؟ فنحن الآن نستطيع أن نؤكد وجود الحمل من عدمه بعد أسبوعين من تأخُّر الدورة الشهرية, فهل ما زلنا بحاجة إلى هذه العدة التي تمتد إلى ثلاث حيضات أو أربعة أشهر وعشرة أيام؟! وماذا عن المرأة التي أُجريت لها عملية لاستئصال الرحم, فهل تجب عليها العدة إذا طُلقت أو مات عنها زوجها؟!

وكذلك لماذا تختلف عدة المرأة التي مات عنها زوجها عن عدة المطلقة؟ وهل حمل المرأة التي مات عنها زوجها يتطلَّب وقتًا أطول من المطلقة ليظهر؟!

وجه إبطال الشبهة:

لقد أثبت العلم الحديث أن العدة للمطلقة أو المتوفَّى عنها زوجها ضرورة مُلِحَّة حتى تتأكد من خلو رحمها من الحمل؛ فلا يحدث بذلك اختلاط في الأنساب، وقد جعل الله عدة المطلقة ثلاث حيضات؛ لأن المرأة الحامل قد تحيض مرة أو مرتين بعد الحمل؛ وذلك لأن الجنين في فترة العلقة يحفر لنفسه مكانًا في رحم الأم، فيتسبَّب في خروج الدم من رحمها في مدة الحيضتين الأوليين, لكنها لا تستطيع أن تحيض الثالثة أبدًا. بالإضافة إلى أن مني الرجل له بصمة خاصة تختلف من شخص لآخر, وأن جسم المرأة به كمبيوتر يتعرَّف على سائل الرجل ويبرمج نفسه عليه. فإذا دخل سائل منوي آخر إلى جسم المرأة؛ فإنه يحدث به ارتباكًا وخللًا يسبب لها أمراضًا خطيرة, ولايتطهر تطهرًا كاملًا من أثر مائه إلا بعد ثلاث حيضات.

أما عدة المتوفَّى عنها زوجها فتزيد على عدة المطلقة لأنها تعيش في حزن وأسًى لا يساعدان على نسيان شفرة الزوج؛ الأمر الذي يستدعي وقتًا أطول لذلك، إلى جانب أنها تحتاج إلى زيادة التثبُّت من وجود حمل أو عدمه حتى لا ينكر أقارب الميت بنوَّة طفلها لصالح حصتهم في الإرث, والأشهر الأربعة والأيام العشرة هي المدة التي تحس فيها الأم بحركة الجنين في بطنها فتتيقَّن من وجود الحمل.

وأما دعواهم أننا لسنا في حاجة إليها لاستطاعة الطب معرفة وجود الحمل من عدمه بعد عشرين يومًا من التخصيب ـ فمردود عليه بأن هذا التشريع مناسب لكل زمان ومكان، مَنْ توافرت له الأجهزة ومَنْ لم تتوافر له، وأن هذه النتائج قد تكون غير يقينية أما العدة فنتيجتها قطعية.

التفصيل:

1)  الحقائق العلمية:

·      الحيضات الثلاث دليل أكيد على استبراء الرحم:

لقد أثبت العلم الحديث أن الحيضات الثلاث ضرورية للتأكد من وجود حملٍ أو عدمه؛ وذلك لأن المرأة قد تحمل ومع ذلك تحيض مرة أولى (أي: يسيل من رحمها دم لا أن تحيض بمعنى أن يسقط غشاء الرحم بأكمله), ثم تحيض مرة ثانية, ولكن لا تستطيع أن تحيض مرة ثالثة, وبعدم وجود الحيض في المرة الثالثة يثبت الحمل بيقين, فالحيضتان ليستا بدليل قاطع على أن المرأة غير حامل.

وهذه الظاهرة، وهي سيلان الدم من الرحم مع وجود الحمل في المرتين الأوليين، ترجع إلى أن الرحم في الأسبوع الثاني تزداد دمويته بشكل ملحوظ. ومن ثم؛ فإن الرحم عُرضة لأن ينزف نتيجة لزيادة الدورة الدموية عند أي مداخلات خارجية. أما ما يحصل عند المرأة مما يسبب حيضتها الأولى والثانية, فينقل لنا الدكتور كريم نجيب الأغر تفسير الدكتور "جولي سمبسون" ـ أستاذ أمراض النساء والولادة في جامعة نورث وستون بأمريكا ـ لهذه الظاهرة، فيقول:

1. عن الجنين في مرحلة العلقة: "لكي يُحاط الجنين بالأغشية فمن البدهي أنه يجب على الجنين أن يحفر لنفسه مكانًا في رحم الأم, وهذه الظاهرة تحدث في الحالة المثالية بعد ستة أو سبعة أيام من يوم الجماع, وهذا الحدث قد يكون واحدًا من التفاسير للنزيف في المدَّة المبكرة للحمل".

فالحاصل أن العروق الدموية تنقطع عند قضمها من الخلايا الآكلة للكرة الجرثومية، ويحدث نزيف حاد مكان الحفر.

2. عن الجنين في الأسبوع الثامن: "يُفْرَز هرمون البروجسترون (Progesterone) الذي يحافظ على الحمل من المبيض خلال مدّة الحمل إلى الأسبوع السابع أو الأسبوع الثامن، ومن ثم يفرز من الغشاء المشيمي.

وفي الوقت الذي ينتقل فيه هذا الإفراز الهرموني من المبيض إلى الغشاء المشيمي من الممكن أن يحصل انخفاض في معدلات هرمون البروجسترون. ومن ثم؛ فإن تفسيرًا ثانيًا لهذا النزيف خلال مدّة الحمل هو انتقال الإفراز الهرموني من المبيض إلى الغشاء المشيمي الذي يحصل خلال مدّة الأشهر الثلاث".

ثم يعلِّق الأغر على هذا الرأي قائلًا: "ومما ذكرناه يتبين أن هناك أسبابًا علمية لكي تتربَّص المطلقة مدة ثلاث حيضات؛ ذلك أن خروج الدم من رحم الـمُعْتدَّة في هذه المدّة لايعني أبدًا أنها غير حامل، بيد أن توقفه في نهايتها يدل على العكس (أي إنها حامل). وهكذا عندما يتيقن زوج هذه المرأة من حملها، فمن الممكن أن يراجع نفسه ويسترجعها بغية عدم تدمير عائلة ناشئة, أو لكي ينعم الطفل الآتي برعاية الأمومة والأبوة في آن واحد"([1]).

وقد ذكر الدكتور أحمد مصطفى متولي أن التأكد من خلو الرحم من الحمل يحصل بمرور ثلاثة قروء؛ لأنه قد يحدث نزف في الشهر الأول, وتختلف أسبابه؛ فقد يكون بسبب تعشيش البُيَيْضة؛ فيحدث نزف في موضع التعشيش, وقد يكون بسبب حدوث التلقيح قبل الطمث المبكر بأيام قليلة, وقد يكون بسبب وجود رحم مضاعف, فيحصل الحمل في أحد الرحمين والطمث في الآخر، وهذا نادر الوجود، وقد يكون بأسباب مرضية يجب اكتشافها من قِبَل المختص ومكافحتها، وقد يحدث نزف في الشهر الثاني، ثم يتكرَّر بسبب الإصابة بالرحى العدارية([2]) التي تصيب الزغابات الكوريونية (المشيمة) في أشهر الحمل الأولى, فتشتد أعراض الوحام ولا تثبت أن تظهر الأعراض الرئيسة, وهي ثلاثة:

1.   النزيف الذي يظهر منذ الشهر الثاني، وقد يظهر في الشهر الأول.

2.   كبر حجم الرحم, فيبدو هذا غير متناسب مع سن الحمل.

3.   انقذاف بعض الحويصلات مع الدم النازف([3]).

·      الحيضات الثلاث تطهير لرحم المرأة من بصمة ماء زوجها:

لقد أثبت العلم أن ماء الرجل به 62 نوعًا من البروتين، وتركيب هذه الماء يختلف من رجل لآخر كاختلاف بصمة الأصبع؛ أي إن لكل رجلٍ شفرة خاصة تميِّزه عن غيره، والمرأة تحمل في جسدها كمبيوتر يختزن شفرة من يعاشرها, فعندما تقترن المرأة برجل وتبدأ بينهما علاقة جنسية يتعرَّف جسم المرأة على شفرة السائل المنوي للرجل ويبرمج نفسه على أساسها، ويلزم وقت معين حتى يمكن برمجة جسم المرأة على شفرة سائل منوي آخر.

وإذا دخل سائل منوي آخر إلى جسم المرأة؛ فإن الأخير يُحْدِث به ارتباكًا يؤدي إلى
خلل, فتصير الكائنات المنوية التي لم يبرمج الجسم نفسه عليها كأنها أجسام غريبة أو فيروسات تصيب الجسم بالخلل والأمراض الخبيثة, ولذلك تصاب ممارِسات الدعارة والزانيات بالأمراض الفتاكة؛ كسرطان الرحم، والإيدز، والزهري، والتقرحات، وغيرها من جرَّاء اختلاط السوائل المنوية في الرحم.

وقد ثبت علميًّا أن هذا السائل يطهِّره ويمحو أثره حيضُ المرأة؛ فالحيضة الأولى تزيل من 32% إلى 35% منه, والحيضة الثانية تزيل من 67% إلى 72% من بصمة ماء الرجل, والحيضة الثالثة تزيل 99,9% من هذه البصمة، ويصبح الرحم بذلك مستعدًّا لبرمجة نفسه مع شفرة سائل منوي جديد([4]).

ومن خلال هذا العرض يتضح أن جسم المرأة في حاجة شديدة إلى مدة زمنية تفصل بين الزوجين، تمرُّ فيها المرأة بثلاث حيضات تستطيع بها أن تكون مهيَّئة لقبول مني رجل آخر, بالإضافة إلى ما ذكرناه من أن مرور حيضات ثلاث بعد طلاق المرأة علامة أكيدة على براءة رحم الزوجة من الحمل, أو دليل على حملها إذا لم تحض في المرة الثالثة.

·      إحساس الأم بحركة الجنين بعد أربعة أشهر وعشرة أيام :

إن أقلَّ مدة تحس فيها المرأة ـ في الغالب ـ بحركات جنينها هي أربعة أشهر وعشرة أيام, فالعلماء قد حدَّدوا مدة الحمل بـ 38 أسبوعًا من بداية وقت تخصيب البويضة إلى الولادة؛ أي: 266 يومًا.

وعيَّن العلماء متوسط مدة مرحلة إحساس الأم بحركة جنينها إلى وقت الولادة بـ 147 يومًا مع احتمال انحراف قياسي خمسة عشر يومًا.

فمتوسط مدة المرحلة التي بين تخصيب البويضة وإحساس الأم بحركة الجنين تحسب باختزال متوسط مدة مرحلة إحساس الأم  بحركة الجنين إلى وقت الولادة، وهي 174يومًا من مدة الحمل وهي 266 يومًا, فيصبح متوسط المدة التي بين التخصيب وإحساس الأم بحركة الجنين 119يومًا، وبما أن النساء يتفاوتن من ناحية الإحساس بحركة الجنين لعدة أسباب، فهناك احتمالات بأن تحس المرأة بحركة الجنين قبل هذه المدة أو بعدها, وكلما تباعدت الفترة عن الوقت المتوسط قلَّت الاحتمالات بإحساس المرأة بجنينها, وكلما اقتربت الفترة من الوقت المتوسط زاد هذا الاحتمال.

وهكذا؛ فإن احتمال إحساس المرأة بحركات الجنين يتبع نظامًا حسابيًّا للتوزيع مع متوسط مقداره 119يومًا من بداية تخصيب البويضة, وانحراف قياسي مقداره 15يومًا.

وأقل عدد نستطيع أن نعتمده للإشارة إلى أغلب الحالات التي تشعر المرأة بجنينها هو 75%, فهذا العدد يمثل ثلاثة أرباع الحالات التي يمكن أن تحدث, وهو ليس بقريب من العدد المتوسط لإحساس المرأة بجنينها 50%، بحيث لا نعدُّه العدد الغالب.

فإذا اعتبرنا أن الأيام العشرة هي انحراف عن المتوسط وهو 119 يومًا, أصبح احتمال إحساس المرأة بجنينها 75% حسب النظام الذي ذكرناه آنفًا؛ أي حسب النظام التوزيعي الذي متوسط مقداره 119يومًا, وانحراف قياسي مقداره 15يومًا, وحسب الجداول الحسابية التي وضعها العلماء, وهو العدد نفسه الذي اعتمدناه، والذي يمثل أقل عدد لحدوث أغلب حالات إحساس المرأة بجنينها, وهو بذلك يطابق المعطيات الحسابية العلمية بدقة بالغة([5]).

ويؤكد ذلك الدكتور أحمد مصطفى متولي قائلًا: "والتأكُّد من الحمل يحصل أيضًا في الشهر الثالث من حدوثه, ويصبح شبه يقيني بعد مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، فما كل انقطاع في الطمث يدل حتمًا على حصول الحمل؛ لأنه ينقطع أيضًا في ظروف عديدة, منها:

1.   حالة الرضاع, فكثير من المرضعات ينقطع طمثهن مدة الإرضاع, ولايحملن معه مطلقًا.

2.   اضطرابات سن اليأس.

3.   التشوُّش في نمو الجهاز التناسلي, كما في الرحم الطفلية.

4.   انحباس دم الطمث لعدم انثقاب غشاء البكارة الخلفي.

5.   بسبب آفة عامة، كالسل وفقر الدم"([6]).

 

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآيات الكريمات:

لقد أشار القرآن إلى ضرورة العدة للمطلقة والمتوفَّى عنها زوجها في آيات كريمات, وجعل بينهما فرقًا واضحًا؛ فقال سبحانه وتعالى في المطلقة: )والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخروبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم(228)( (البقرة).

وقال تعالى في المتوفَّى عنها زوجها:)والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير(234)((البقرة)، وقال سبحانه وتعالى في النساء اللاتي لا تحيض وأولات الأحمال: )واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا (4)( (الطلاق).

وقال في المطلقة التي لم يُدخل بها: )يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتمالمؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها( (الأحزاب/49).

فما الفائدة من هذه العدة؟ ولماذا تختلف عدة المطلقة عن عدة المتوفَّى عنها زوجها؟ وهل تتطابق هذه العدة التي أشار إليها القرآن مع الحقائق العلمية؟

للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من التعرف على بعض الدلالات اللغوية لألفاظ الآيات وأقوال المفسرين فيها:

·      من الدلالات اللغوية في الآيات:

التربُّص: الانتظار.

القروء: جمع قَرْءٌ, والقرء هو الوقت, وفي الآية: هو الطهر، وقيل: الحيض، قال الشافعي رضي الله عنه: القرء: اسم للوقت, فلما كان الحيض يجيء لوقت, والطهر يجيء لوقت جاز أن يكون الأقراء حيضًا وأطهارًا، ودلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل أراد بقوله:)والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ((البقرة:228): الأطهار([7]).

العِدَّة: مأخوذة من العد والإحصاء؛ أي: ما تحصيه المرأة وتعدُّه من الأيام والأقراء, وهي اسم لمدة تتربَّص بها المرأة عن التزوُّج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها (إما بالولادة أو بالأقراء أو بالأشهر).

·      أقوال المفسرين:

يقول الإمام ابن كثير في قوله تعالى:)والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء((البقرة:228): "هذا أمر من الله سبحانه وتعالى للمطلقات المدخول بهن من ذوات الأقراء بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء؛ أي: بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت"([8]).

ويقول صاحب الظلال في هذه الآية: "لقد وقفت أمام هذا التعبير اللطيف التصوير لحالة نفسية دقيقة، إن المعنى الذهني المقصود هو أن ينتظرن دون زواج جديد حتى تنقضي ثلاث حيضات, أو حتى يطهرن منها, ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالًا أخرى بجانب ذلك المعنى الذهني، إنه يلقي ظلال الرغبة الدافعة إلى استئناف حياة زوجية جديدة، رغبة الأنفس التي يدعوهن إلى التربص بها, والإمساك بزمامها مع التحفُّز والتوفز الذي يصاحب صورة التربص.

وهي حالة طبيعية تدفع إليها رغبة المرأة في أن تثبت لنفسها ولغيرها أن إخفاقها في حياة الزوجية لم يكن لعجز فيها أو نقص, وأنها  قادرة على أن تجتذب رجلًا آخر, وأن تنشئ حياة جديدة، هذا الدافع لا يوجد بطبيعته في نفس الرجل؛ لأنه هو الذي طلق بينما يوجد بعنف في نفس المرأة؛ لأنها هي التي وقع عليها الطلاق, وهكذا يصوِّر القرآن الحالة النفسية من خلال التعبير, كما يلحظ هذه الحالة ويحسب لها حسابًا, ويتربصن بأنفسهم هذه الفترة؛ كي يتبين براءة أرحامهن من آثار الزوجية السابقة قبل أن يصرن إلى زيجات جديدة"([9]).

ويضيف حكمة أخرى من حكم عدة المطلقة في تفسيره فيقول: "... فإنه لا بد من فترة معقولة يختبر فيها الزوجان عواطفهما بعد الفرقة؛ فقد يكون في قلوبهما رمقٌ من ودٍّ يستعاد, وعواطف تستجاش, ومعانٍ غلبت عليها نزوة أو غلطة أو كبرياء, وهدأت الشرة, واطمأنت النفس, واستصغرت تلك الأسباب التي دفعت إلى الفراق, وبرزت معانٍ أخرى واعتبارات جديدة، وعاودها الحنين إلى استئناف الحياة, أو عاودها التجمل رعاية لواجب من الواجبات"([10]).

ويقول ابن كثير في آية عدة المتوفَّى عنها زوجها: "هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفَّى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليالٍ, وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع"([11]).

وأما قوله تعالى:)واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن  ((الطلاق:4) فقد اشتمل على ثلاثة أنواع من النساء: اللائي يئسن من المحيض؛ أي: كبرن وانقطع دم حيضهن, والصغيرات اللاتي لم ينزل عليهن الدم, وهذان النوعان عدتهن ثلاثة أشهر, "وإنما كانت عدتها بالأشهر لعدم الأقراء فيها عادة, والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات, فهي تعتدُّ بالأشهر, فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم لوجود الأصل, وإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكمًا, كما أن المسِنَّة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر، وهذا إجماع"([12]).

والنوع الثالث هن ذوات الحمل, وعدتهن وضع الحمل، سواء في المطلقة أو المتوفَّى عنها زوجها, يقول القرطبي: "وإن كان ظاهرًا في المطلقة ـ وضع الحمل ـ لأنه عليها عُطف وإليها رجع عقب الكلام؛ فإنه في المتوفَّى عنها زوجها كذلك لعموم الآية وحديث سُبَيْعَة"([13])، ومن خلال ما ذكرناه من الآيات وتفسيرها يتضح أن المرأة إذا طلقها زوجها أو مات عنها، فهي نوع من خمسة أنواع:

الأول: امرأة طلقها زوجها قبل أن يدخل بها, وهذه ليس لها عدة, ويصح زواجها منذ وقوع طلاقها.

الثاني: امرأة صغيرة لم تحض, وامرأة بلغت سن اليأس فانقطع حيضها, وهاتان المرأتان عدتهما ثلاثة أشهر, وكان حساب العدة بالأيام؛ لعدم وجود الحيض.

الثالث: امرأة حامل، وهذه عدتها وضع حملها، سواء أكانت مطلقة أو متوفًّى عنها زوجها.

الرابع: امرأة مطلقة قد دخل بها زوجها, وهي ممن تحيض, وهذه عدتها ثلاث حيضات.

الخامس: امرأة توفَّي عنها زوجها، سواء دخل بها أم لم يدخل فعدتها أربعة أشهر وعشر ليالٍ.

في البداية نريد أن نُنبِّه على أمر شديد الأهمية، وهو تفصيل القرآن لهذه القضية على أنواع خمسة, فهذا التقسيم بهذه الدقة إن دلَّ؛ فإنما يدل على أن هذا التشريع من عند رب عليمٍ حكيم, أعلم بكل نفس وما يصلحها؛ لذلك جاء في غاية الدقة وإلا لكان الحكم حكمًا واحدًا يشمل كل الأنواع دون تخصيص كل حالة بحكم خاص, وقد جاء العلم الحديث وأثبت بتجاربه العديدة أن العدة للمرأة المطلقة أو المتوفَّى عنها زوجها ضرورة مُلحَّة حتى تتأكد من خلو رحمها من الحمل، فلا يحدث بذلك اختلاط في الأنساب أو غيره.

فجعل عز وجل العدة للمطلقة ثلاث حيضات؛ حتى تتيقَّن أنها حامل أو غير حامل.

وقد يقول قائل: إن حيضة واحدة تكفي لمعرفة هل يوجد حمل أو لا يوجد, فلماذا تنتظر ثلاث حيضات دون فائدة؟

والإجابة أن المرأة قد تحيض مرة أو مرتين وهي حامل؛ وذلك يرجع إلى ما سبق أن ذكرناه من تفسير الدكتور "جولي سمبسون".

وإلى جانب هذا الإعجاز العلمي الذي يدل على أن هذا التشريع من عند الله عز وجل تضيف الأبحاث العلمية أن للعدة حكمة أخرى غير استبراء الرحم، وهي ـ كما ذكرنا في الحقائق العلمية ـ أن جسد المرأة به حاسة ذكية للسائل المنوي للرجل, وهذا السائل له بصمة خاصة تختلف من رجل لآخر، فعندما تقترن المرأة بالرجل، وتبدأ بينهما علاقة جنسية يتعرَّف جسم المرأة على شفرة السائل المنوي للرجل ويبرمج نفسه عليها، فإذا دخل سائل منوي آخر إلى جسم المرأة فإنه يُحدث به ارتباكًا يؤدي إلى خلل في الجسم.

ومن هنا كانت أهمية مرور الحيضات الثلاث بعد الطلاق؛ لأن هذه الحيضات الثلاث قادرة على تطهير جسد المرأة من أثر مني الزوج الأول, ويصبح بذلك مستعدًّا لقبول ماء آخر.

وقد ربط القرآن الكريم عدة المطلقة بالناحية البيولوجية الصرفة، وهو الحيض أو الطهر (القروء) ولم يربطها بالأشهر لسببين؛ أولهما: لكي لا تطول مدَّة العدة على المرأة؛ ومن ثم إمكانية أن تتزوَّج في أقرب وقت ممكن؛ لأنه يمكن أن تحدث ثلاث حيضات كحدٍّ أدنى خلال شهرين أو شهر ونصف الشهر, أما السبب الثاني فهو لإلغاء فكرة الإجهاض المخفي، أو التأكد من إظهار علامات الحمل، أو استحالة الإخصاب والتلقيح, أما المرأة الكبيرة اليائسة أو الصغيرة التي لا تحيض فقد ربط القرآن الكريم عدتهما بمدة زمنية (ثلاثة شهور)؛ ليتأكد للكبيرة غير مستقرة الدورة الرحمية (الشهرية) بيولوجيًّا ـ عدم نزول بويضات يمكن أن تُخصَّب، وأما المتوفَّى عنها زوجها (غير الحامل) فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام, فكانت بالأشهر والأيام؛ تحسُّبًا لحالتها النفسية التي تعيشها، وتأثيرها على النواحي الفسيولوجية والهرمونية، الأمر الذي قد ينتج عنه تأخير للحيض عندها، أو وقوعها في اضطراب في دورتها الشهرية([14]).

أما عن عدة المتوفَّى عنها زوجها, فلماذا تزيد على عدة المطلقة؟ ولماذا هي أربعة أشهر وعشر ليالٍ بينما عدة المطلقة ثلاثة قروء؟!

الإجابة تكمن في الحالة النفسية للمرأة, فالمطلقة تكون قد فارقت زوجها غالبًا بعد خلافات ومشاكل تجعلها نفسيًّا متقبِّلة لفكرة الفراق, وهذا يعين الجسم على سرعة نسيان شفرة ماء الرجل. ومن ثم؛ سرعة تقبُّله لماء غيره، أما عن المتوفَّى عنها زوجها فقد أثبتت التحاليل أن الأرملة تحتاج وقتًا أطول من المطلقة لنسيان هذه الشفرة, وذلك يرجع إلى حالتها النفسية؛ حيث تكون حزينة لفراق زوجها الحبيب, والحزن لا يساعد الجسم على نسيان شفرة الرجل, ويحتاج ذلك إلى مدة أطول حتى تكون مستعدة لتقبل شفرة رجل آخر([15]).

إن المتوفَّى عنها زوجها تكون في حزن وأسى لفقد شريك حياتها ومعيلها ورب أسرتها, فناسب ذلك أن تكون عدتها أطول من عدة المطلقة التي قد تكون على نزاع مع مطلقها, بالإضافة إلى أن ذلك واجب اجتماعي عليها حتى لا تُحرج أهل الزوج المتوفَّى في عواطفهم بخروجها من بيتها([16]).

وذلك تكريمًا من الله عز وجل للزوج؛ حيث من حق الزوج على زوجته أن تحزن لفراقه لها، وتقديرًا لهذا الزوج لما كان من العِشرة بينهما، وهذه العدة معقولة ومناسبة بالنسبة للمرأة؛ حيث إنها تكون منشغلة في حزنها, وأيضًا تكون قد استبرأت رحمها ولديها الاستعداد لخوض حياة أخرى مع رجل آخر, بعد مضي هذه الفترة التي تكون قد عبَّرت فيها عن حزنها.

وإذا قال قائل: إنه قد لا تحزن بعض النساء اللائي توفى عنهن أزواجهن، بل إن هناك من النساء من يتمنَّى ذلك، قلنا: إن أحكام الشرع تُبنى على الأعم الأغلب وليس القليل النادر، فمثل هؤلاء حالات شاذة واستثنائية، وكما هو معلوم أن الاستثناء لا يقاس عليه.

ويضيف العلماء حكمة أخرى لزيادة عدة المتوفَّى عنها زوجها عن عدة المطلقة، وهو زيادة التثبُّت من وجود حمل أو عدم وجوده, فتربُّص المعتدة مدة أطول من حدادها على زوجها يبعد عنها أقاويل سيِّئي الظن واللاهين بقصص الناس وغيبتهم، ومروِّجي الشائعات الباطلة وأصحاب البهتان من السفهاء ومرضى النفوس.

ومثل هذه الأمور تقل غالبًا تجاه المطلقات, فشرف المطلقة وسمعتها كان مرتبطًا بشرف الزوج وسمعته, وغالبًا ما تدفع عاطفة الأبوة إلى اعتراف الأب بابنه, بينما ذوو الميت قد ينكرون بنوَّة جنينها لمورِّثهم لصالح حصتهم في الإرث, فبإطالة عدة المتوفَّى عنها زوجها إلى أربعة أشهر وعشرة أيام يصبح التأكد من وجود الطفل أو عدمه جازمًا([17]).

والمدة التي ذكرها القرآن أربعة أشهر وعشرة أيام, تُنبئ عن إعجاز معرفي لمراحل تخلُّق الجنين, فهي تحدِّد أقل مدة تحس فيها المرأة ـ غالبًا ـ بحركات جنينها, فكيف لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر هذه المدة الدقيقة ولم يستطع أحد في زمانه أن يأتي بمدة كلية عامة لكل نساء العالمين؟!

وبهذا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد سبق أهل زمانه وأهل الاختصاص في عصرنا, وهذا يدل دلالة واضحة على أن الذي أعطاه هذا العلم ليس فكرًا بشريًّا وإنما هو وحي إلهي. والأدلُّ من ذلك على نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم هو تحديد القرآن الكريم المدة برقم معين، وهو أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لأن أي أحد يستطيع أن ينقض نبوته ورسالته من خلال هذه المدة إن كانت خطأً.

وانظر أيها القارئ الكريم إلى ما توصَّل إليه العلم اليوم من خلال الأبحاث الدقيقة التي تعتمد على الاستقراء والتتبُّع وكشف الحقائق.

فالعلماء حدَّدوا مدة احتمال إحساس المرأة بحركات الجنين بـ 119يومًا من بداية تخصيب البويضة مع احتمال انحراف قياسي مقداره 15يومًا؛ وذلك لتفاوت النساء من ناحية الإحساس بحركة الجنين.

أما القرآن الكريم فيحدد عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام, وأربعة أشهر توازي 118يومًا ونصف (29,6×4=118,4)([18]), وهي المدة نفسها تقريبًا لمتوسط الوقت لإحساس المرأة بجنينها تقريبًا من وقت إخصاب البويضة وهو 119يومًا.

وهذا التحديد لعدة المرأة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ قد أطلقه القرآن الكريم احتياطًا؛ تمديدًا لمدة براءة الرحم وللتيقن من الحمل على وجه التأكيد, وبذلك يعدُّ هو أقل عدد لأغلب الحالات التي تحس فيها المرأة بجنينها، وهذه الحقيقة أُشِير إليها في البحر المحيط؛ حيث يقول صاحبه: "وزاد الله العشر؛ لأنها مظنة لظهور حركة الجنين"، وجاء في تفسير الألوسي: "وزيد عليه العشرة استظهارًا؛ إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا يحس بها".

فالحكمة في عدة المتوفَّى عنها زوجها هو أن الأم الحامل في نهاية الأسبوع التاسع عشر تحسُّ بحركات الجنين الإرادية, وأما قبل ذلك فحركات الجنين محدودة لا تشعر الأم بها ولا تحس بأن الجنين حي.

وإذا مرَّت الأشهر الأربعة والأيام العشرة, ولم تشعر المرأة بحركة الجنين, تتيقن ساعتئذٍ بأن الجنين مات في أحشائها, فتباشر في إزالته بالطرق الطبية.

وإذا شعرت الأم بالحركة فعدَّتها وضع حملها؛ لقوله تعالى:)وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن  ( (الطلاق/٤).

وفي بعض الحالات قد يطرأ على المرأة حمل كاذب لسبب ما، وهذا معروف في مجال الطب؛ فإن لم تشعر المرأة بحركة الجنين عند انتهاء العدة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، تتيقن أن حالتها غير طبيعية, فتسارع إلى الطبيب للكشف عن وضعها, فيظهر من خلال الوسائل الطبية أنها غير حامل، فيثبت بذلك براءة رحمها بانتهاء عدة الوفاة.

وإن لم تذهب إلى الطبيب بزعمها أنها حامل فتعتد المدة العادية وقدرها تسعة أشهر, وهنا يتبين لها أنها غير حامل بيقين([19]), وفي هذا يقول الدكتور أحمد مصطفى متولي: "والتأكد من الحمل يحصل أيضًا في الشهر الثالث من حدوثه, ويصبح شبه يقيني بعد مضي أربعة أشهر وعشرة أيام"([20]).

يتبقى لنا طعنهم في عدة الحامل بحجة أنه مادامت المرأة قد حملت وتأكد الحمل فلا حاجة للعدة؛ لأن المرأة لا تحمل على حملها, ولا يؤثِّر ماء الرجل الثاني في الجنين.

لكن هذا قد يكون صحيحًا لو أن الحكمة من العدة متوقفة على استبراء الأرحام وعدم اختلاط الأنساب فقط, وإنما من الحكم المهمة هو إعطاء فرصة للزوجين في حالة الطلاق الرجوع إلى عشِّ الزوجية مرة أخرى؛ خاصة عندما يرى الزوج ولده؛ فإن ذلك دافع قوي لمراجعة الزوجة حفاظًا على مستقبل أسرة ناشئة, بالإضافة إلى أن النفوس السليمة والفطر السوية تأبى أن تتزوج الزوجة من رجل وهي تحمل في بطنها جنينًا من رجل آخر, فمن يرضى أن تفعل زوجته ذلك؟ ومن يرضى لنفسه الدخول على امرأة حامل من رجل آخر؟!

وما الحل إذا تزوجت المرأة الحامل بعد طلاقها وأنجبت طفلًا، ثم أنكر الزوج الأول نسب هذا الولد إليه، بحجة أن حملها كان من الزوج الثاني وليس منه؟ وماذا لو فعل الزوج الثاني الأمر نفسه؟ فما يكون مصير هذا الطفل؟

وقد يحتج أحد الطاعنين على السؤال الذي طرحناه ومؤدَّاه: من يرضى لنفسه الدخول على امرأة حامل من رجل آخر؟ قائلًا: هناك من يرضى ذلك؛ فنقول ـ كما ذكرنا سابقًا ـ نحن نتحدث عن قاعدة عامة، ولكل قاعدة شواذّ، والشاذ لا يُقاس عليه.

وقد يقول قائل: إذا كانت الحكمة من عدة الحامل على هذا النحو من إعطاء فرصة للزوجين للمراجعة، فماذا لو تزوج الزوج من امرأة أخرى أثناء مدة العدة، هل يكون للعدة في هذه الحالة من مسوِّغ؟ والإجابة عن هذا التساؤل جدُّ بسيطة؛ إذ إن زواج الزوج لا يمنعه من مراجعة زوجته إذا رأى ولده.

يقول الطاهر ابن عاشور: "وجُعلت عدة المطلقة الحامل منهاة بوضع الحمل؛ لأنه لا أدل على براءة الرحم منه؛ إذ الغرض الأول من العدة تحقق براءة الرحم من ولدٍ للمطلق أو ظهور اشتغال الرحم بجنين له, وضم إلى ذلك غرض آخر هو ترقُّب ندم المطلق وتمكينه من تدارك أمره للمراجعة, فلما حصل الأهم أُلغي ما عداه؛ رعيًا لحق المرأة في الانطلاق من حرج الانتظار, على أن وضع الحمل قد يحصل بالقرب من الطلاق فأُلغي قصد الانتظار تعليلًا بالغالب دون النادر"([21]).

وليس بمستبعد أن يكشف لنا العلم في المستقبل القريب عن حِكَم أخرى من تشريع العدة كما كشف لنا عن هذه الحكم الجليلة.

أما زعمهم أنه لا فائدة من العدة بعد تقدم العلم الحديث في عصرنا هذا؛ حيث تستطيع المخترعات الحديثة أن تؤكد وجود الحمل أو عدمه بعد أسبوعين من تأخُّر الدورة الشهرية ـ فهو زعم باطل يدلُّ على قصور فهمهم ونقصان عقلهم وأخذهم من الأمور ما يتماشى مع أهوائهم وترك مايخالفها؛ إذ إن الحكمة من العدة لا تتوقَّف على استبراء الأرحام فقط وعدم اختلاط الأنساب بعد التأكد من وجود الحمل أو عدمه, وإنما هناك حكم أخرى عديدة, وإن كانت هذه أهمها, منها حاجة المرأة إلى وقت ليبرأ رحمها من أثر زوجها الأول ويكون مستعدًّا لقبول ماء رجل آخر دون أن يسبب لها أمراضًا أو خللًا واضطرابًا, كما ذكرنا منذ قليل.

ومنها أيضًا إيجاد فرصة أخيرة للمحافظة على بناء أسرة مهدَّدة بالانهدام بسبب الطلاق؛ ولذلك يُسنُّ ألا يتسرع بإيقاعه في لحظة غضب, وألا ينطق به إلا إذا كان قاصدًا إلى تحقيقه بعد التأكد من استيفاء كل محاولات الإصلاح, فإذا وصل الاقتناع بضرورة تحقيقه يسن له أن يوقعه رجعيًّا  في طهر لم يقرب زوجته فيه, لعل الله تعالى أن يهيِّئ لهما فرصة لمراجعة كل واحد منهما نفسه فيتراجعا عن قرار الطلاق في مدَّة العدة؛ ولذلك حرَّم الإسلام خطبة المعتدة أو العقد عليها وعدَّه باطلًا, وأعطى للزوج المطلِّق الحق في مراجعة طليقته في خلال مدة العدة دون حاجة إلى إجراء عقد جديد (بإيجاب وقبول أمام شاهدَيْن) أو بعقد جديد في حالة الطلاق البائن بينونة صغرى([22]).

ومن حكم العدة أيضًا إعلان الزوجة الحزن على انفراط عقد أسرتها بالطلاق أو بموت الزوج؛ احترامًا للعِشْرة السابقة وتقديرًا لها, وتذكيرًا للفضل الذي كان بينهما, وعدم التنكر له انطلاقًا من القيم الإسلامية الكريمة.

يقول الدكتور محمود ناظم النسيمي: قد يقول سائل: إن التفاعلات الحيوية المخبرية لكشف الحمل المستحدثة في هذا القرن, تثبت وجوده بعد مرور عشرين يومًا من تناميه، فإذا أجريت هذه التفاعلات بعد عشرين يومًا من الفراق عن الطلاق أو موتٍ ونَفَت الحمل, فهل تبقى العدة في مدتها كما نص القرآن الكريم؟

الجواب عن هذا السؤال من وجوه ثلاثة:

الأول: أن الشارع الحكيم عندما وضع أحكامه جعلها بشكل يحقق مصالح الناس بصورة عامة في كل العصور؛ فهي ملائمة لإنسان المدينة وإنسان الريف وإنسان البداوة, وموافقة لأبناء البلاد النامية وأبناء البلاد المتقدمة, وممكنة التطبيق في كل المستويات الحضارية ومع ما يَجِدُّ من علوم ومعارف.

لقد بُدئ باكتشاف التفاعلات الحيوية المجراة ببول المرأة لتشخيص حملها اعتبارًا من سنة 1927م؛ أي بعد ثلاثة عشر قرنًا من عهد الوحي والنبوة الخاتمة, فهل نجعل العدة في هذا القرن مختلفة عند النساء بحسب الظروف المختلفة التي ذكرتها والتي يسهل فيها اللجوء إلى تلك التفاعلات على فريق من أبناء المجتمعات الإسلامية دون فريق؟!

الثاني: هناك ظروف تجعل اختبار الحمل الحيوي غير دقيق؛ أي: غير قطعي في دلالته, فمثلًا إذا مات محصول الحمل وبقي منسجمًا مع ملحقاته في جوف الرحم, فإن نتيجة التفاعلات تختلف بحسب حالة المشيمة؛ إذ لا تموت المشيمة فور موت الجنين بل بعده بمدة قصيرة أو طويلة, ولهذا فإن التفاعلات تبقى إيجابية ما بقيت المشيمة ملتصقة بأحد جدر الرحم ونشيطة. أما إذا ماتت المشيمة أيضًا؛ فإن التفاعلات تكون سلبية؛ أي تنفي وجود الحمل, لا تعني نفي الحمل الميت نفيًا قطعيًّا, وإن تأخر إسقاطه أو وضعه قليلًا أو كثيرًا, فلا يجوز التسرع نتيجة لتلك التفاعلات السلبية في نفي الحمل وإنهاء العدة.

وأما التفاعلات الإيجابية في الحمول المرضية كما في الرحى العدارية, فإنها لا تخلُّ بالعدة؛ إذ تتربص المعتدة حتى وضع حملها أو إفراغ رحمها في الرحى العدارية.

الثالث: هو ما تحدثنا عنه من فتح المجال في حادثة الطلاق للعودة إلى بناء الأسرة المتهدِّمة, ومن تقدير للحياة الزوجية السابقة؛ لأن العدة جزء من الحزن والحداد عليها([23]).

3)  وجه الإعجاز:

·  أثبت العلم حديثًا أن المرأة قد تكون حاملًا ومع ذلك تحيض مرتين، لكنها لا تستطيع أن تحيض الثالثة؛ وذلك لأن الجنين في طور العلقة يحفر لنفسه مكانًا في رحم الأم فيسبب خروج الدم من رحمها في مدة الحيضتين الأوليين؛ ولذلك جعل الله العدة للمطلقة ثلاث حيضات حتى تتأكد من براءة رحمها فلا تختلط الأنساب.

·  ثبت علميًّا أن لمني الرجل شفرة خاصة تختلف من رجل لآخر, وأن جسم المرأة به كمبيوتر يتعرف على سائل الرجل ويبرمج نفسه على تركيبه الخاص, فإذا دخل سائل منوي آخر إلى جسم المرأة؛ فإنه يُحدث به ارتباكًا وخللًا يسبِّب لها العديد من الأمراض؛ كالتي تصيب الزانيات وممارِسات الدعارة, وهذه الشفرة لا يتطهر منها رحم المرأة إلا بعد ثلاث حيضات, ثم تكون مهيَّئة لقبول زوج آخر.

·  إن المتوفَّى عنها زوجها تحتاج إلى وقت أطول من المطلقة لنسيان شفرة ماء الزوج؛ وذلك للحالة النفسية الحزينة التي تنتاب الزوجة بعد فقْد شريك حياتها ومُعيل أسرتها على عكس المطلقة التي فارقت زوجها بعد خلاف ومشاكل, كذلك أثبتت التحاليل الطبية أن الأم تحسُّ بحركة الجنين في بطنها بعد 119يومًا + 15يومًا انحراف قياسي, وهذه ضرورة مُلحَّة للمتوفَّى عنها زوجها حتى تتثبَّت يقينًا من حملها، فلا يستطيع أقارب الميت إنكار بنوة جنينها لصالح حصتهم من الميراث.

لكل ذلك جعل الله عدة المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليالٍ؛ أي أكثر من عدة المطلقة


 

(*) عدة الحامل، مقال منشور بموقع: شبكة الملحدين العرب www.el7ad.com.

[1]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام, كريم نجيب الأغر, دار المعرفة، بيروت، ط1، 1425هـ/ 1986م، ص 373-374.

[2]. الرحى العدارية: حمل غير طبيعي تتحول فيه الزغبات المشيمية إلى زغبات رحوية تملأ جوف الرحم, ويُعرف هذا الحمل بـ "الحمل العنقودي".

[3]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية, د. أحمد مصطفى متولي, مرجع سابق، ص991 .

[4]. مرئيات قناة بداية التلفزيونية، لقاء مع الدكتور عبد الباسط السيد, حول الإعجاز العلمي في تحديد مدة العدة للمرأة، بتاريخ 18 مايو 2008م . الحكمة من عدة النساء, مقال منشور بمنتديات: أمل الإسلام www.amalislam.com.

[5]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام, كريم نجيب الأغر, مرجع سابق, ص 379 - 386.

[6]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية, د. أحمد مصطفى متولي, مرجع سابق, ص 991.

[7]. لسان العرب, مادة: قرأ.

[8]. تفسير القرآن العظيم, ابن كثير, دار المعرفة, بيروت, 1400هـ/ 1980م, ج 1, ص 269.

[9]. في ظلال القرآن, سيد قطب, دار الشروق, القاهرة، ط13, 1407هـ/ 1987م، ج1, ص 245- 246.

[10]. المرجع السابق, ج1, ص246.

[11]. تفسير القرآن العظيم, ابن كثير, مرجع سابق, ج 1, ص 284.

[12]. الجامع لأحكام القرآن, القرطبي, مرجع سابق، ج18, ص 165.

[13]. المرجع السابق, ج 18, ص 165. وحديث سُبَيْعَة رواه البخاري في صحيحه من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: «أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سُبَيْعَة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها، وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته، فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ـ وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرًا ـ فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل, فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته, فلما تَعَلَّت من نفاسها تجمَّلت للخُطَّاب, فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ـ من بني عبد الدار ـ فقال لها: مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر, قالت سبيعة, فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول اللهصلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي, وأمرني بالتزويج إن بدا لي». [صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: المغازي, باب: فضل من شهد بدرًا, (7/ 360), رقم (3991).

[14]. عدة المرأة بيولوجيًّا، د. صالح عبد العزيز الكريم, مقال منشور بموقع: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الطائف www.comqt.org.

[15]. الحكمة من اختلاف مدة عدة المطلقة عن المتوفَّى عنها زوجها, مقال منشور بموقع: مركز الأبحاث العقائدية www.aqaed.info.

[16]. بعض الحكم العلمية عن العدة الشرعية للمرأة، د. محمود ناظم النسيمي, بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنةwww.quran-m.com.

[17]. بعض الحكم العلمية من العدة الشرعية للمرأة, د. محمود ناظم النسيمي, بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.

[18]. ومن الجدير بالذكر أن التعداد بالأيام يجب أن يكون حسب التوقيت القمري, وليس حسب التوقيت الشمسي الذي اعتدنا عليه عملًا بالآية: )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ( (البقرة/١٨٩). وبذلك فإن الشهر القمري يوازي 29,6 من الشهر الشمسي تقريبًا.

[19]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام, كريم نجيب الأغر, مرجع سابق، ص374-380 بتصرف.

[20]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية, د. أحمد مصطفى متولي, مرجع سابق, ص 991.

[21]. التحرير والتنوير, الطاهر ابن عاشور, مرجع سابق, مج13، ج28, ص 320.

[22]. البينونة الصغرى: هي عبارة عن حالة المرأة التي طلقت قبل البناء, أو طلقت طلاقًا رجعيًّا؛ أي في الطلقة الأولى والثانية, ولم ترجع حتى انتهت عدتها, أو المرأة اختلعت من زوجها, أو طلقها القاضي عليه, وسواء كانت مطلقة طلقة واحدة أو طلقتين, وهذه يحل لزوجها أن يتزوجها بعقد زواج جديد مستوفٍ للشروط والأركان من الولي والشاهدين إذا رضيت.

[23]. بعض الحكم العلمية من العدة الشرعية للمرأة, د. محمود ناظم النسيمي, بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.

read women who cheat on husband want my wife to cheat
click website dating site for married people
open my husband cheated black women white men
go using viagra on females how long for viagra to work
viagra vison loss viagra uk buy online read
why do wife cheat on husband wife cheaters reasons why married men cheat
dating a married woman all wife cheat i cheated on my husband
read here my husband cheated on me why women cheat on men
My girlfriend cheated on me my wife cheated on me with my father signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  969
إجمالي عدد الزوار
  36748038

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع