مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

الزعم أن تحريم الزواج بسبب الرضاعة لا مبرَّر له(*)

مضمون الشبهة:

يزعم الطاعنون أن تحريم الزواج بسبب الرضاعة في الإسلام لا مبرر له؛ لأن لبن المرضعة يكون كأي غذاء يتغذَّى به جسم الطفل، ويرون أن سبب تحريم الإسلام لذلك كان اتباعًا للعرف الجاهلي؛ حيث كان استئجار المرضعات منتشرًا، وكان الطفل يظل مع مرضعته سنوات فتكون له بمثابة الأم من الناحية الاجتماعية فقط، فتحرم عليه هي وأقاربها من هذه الجهة.

لذلك فهم يرون أن تحريم الزواج بسبب خمس رضعات الآن من الأمور التي لم يعد هناك حاجة إليها؛ لأن المرضعة تقوم مقام الأم كما كان قديمًا.

وجه إبطال الشبهة:

انفردت الشريعة الإسلامية من بين الشرائع السماوية القائمة الآن بجعل الرضاع سببًا من أسباب تحريم الزواج، وجعلت أُخوَّة الرضاعة كأُخوَّة النسب؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُم من الرضاعة ما يَحْرُم من النسب»، وجاء العلم الحديث وتطابق تمام المطابقة مع ما أخبرت به الشريعة؛ حيث ثبت أن لبن المرضعة به أجسام مناعية يترتَّب على تعاطيه تكوين أجسام مناعية في جسم الرضيع بعد جرعات تتراوح من ثلاث إلى خمس، فإذا رضع الطفل يكتسب بعض الصفات الوراثية الخاصة بالمناعة من اللبن الذي رضعه. ومن ثَم؛ يكون مشابهًا لأخيه أو أخته من الرضاع في هذه الصفات الوراثية، وهذه الجسيمات تؤدي إلى أعراض مرضية عند الإخوة في حالة الزواج كما يحدث في حالة الزواج من الإخوة في النسب.

التفصيل:

1)  الحقائق العلمية:

ظهرت مؤخرًا بعض الأبحاث الطبية التي تؤكد أن حليب الأم يؤثِّر على الجهاز المناعي للطفل؛ فهو يحوي مضادات حيوية تقي الطفل شرَّ الأمراض وبخاصة أمراض الجهاز الهضمي.

وقد قدَّم الدكتور "مارك سيرغان" (markcregan) ـ عالم البيولوجيا الجزئية بجامعة غرب أستراليا ـ بحثًا بعنوان (breastmilkcontainsstemcells) عُرض لأول مرة في فبراير 2008م، أثبت من خلاله أن حليب الأم يؤثر على الطفل الذي رضع منها بشكل مذهل لم يكن معروفًا من قبل، يقول الدكتور "سيرغان" في بحثه: إننا وللمرة الأولى ندرك أن حليب الأم يحوي خلايا جذعية جنينية، وهذه الخلايا معقَّدة لدرجة كبيرة لا نزال نجهلها، وهي تؤثر على الطفل الذي يرضع حليب أمه بشكل كبير.

إن الخلايا الجذعية الموجودة في حليب الأم تشبه، بل تطابق تمامًا خلايا الجنين الذي تحمله في بطنها؛ أي: إن الطفل الذي يرضع من ثدي امرأة غير أمه يكتسب خصائص تشبه خصائص إخوته.

إن الخلايا الجنينية الموجودة في حليب الأم تحوي برنامجًا يؤثر على من يتناول هذا الحليب، وتسهم في بناء الأنسجة في جسده، بل وتؤثر على سلوك هذا الطفل في المستقبل، ويستمر تأثيرها إلى ما بعد مرحلة البلوغ.

ويحاول الدكتور "سيرغان" استغلال هذه الخلايا في علاج الأمراض المستعصية، مثل السكري وغيره، ويؤكد بثقة تامة أن حليب الأم مجرد غذاء، بل يؤثر على الطفل الذي يتناوله؛ لأنه يستهلك كمية من خلال مرضعته لتصبح مثل أمه، ويقول: إن اكتشافه هذا سيكون بداية لسلسلة من المفاجآت.

وتتميَّز الخلايا الجنينية أو الجذعية بأنها قادرة على التطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا، مثل: خلايا الجلد وخلايا الأنسجة وغير ذلك. ومن ثم؛ فإن الطفل الذي يرضع من امرأة ما تدخل خلايا هذه المرأة إلى جسده وتتطور إلى أنواع أخرى من الخلايا؛ أي: إنه يكتسب صفات من أمه؛ لأنه يحمل في جسده خلايا منها تمامًا مثل أبنائها الذين سيصبحون مثل إخوته.

ولا ننسى أن حليب الأم يحوي خلايا مناعية، وهذه الخلايا تدخل إلى جوف الطفل وتسهم في بناء نظامه المناعي، وإعادة برمجة هذا النظام، ويؤكِّد الباحثون أن هناك خلايا أكثر تعقيدًا لا تزال مجهولة في حليب الأم، ويمكن أن يكون لها أثر كبير على الطفل.

ويؤكد هذا العالم بقوة: أن حليب الأم يختلف عن الحليب البقري أو المجفَّف، بل لا يوجد أي تشابه بينهما، وأن حليب البقر أو المجفَّف هو مجرد غذاء، وأن حليب الأم أكثر من ذلك بكثير؛ حيث يحوي أعقد أنواع الخلايا، التي لا توجد في أي حليب آخر([1]).

وقد قامت إحدى الطالبات بقسم التحاليل الطبية بكلية العلوم بالجامعة الإسلامية، وتُدْعَى "سلوان نهاد جودة"، بأبحاث لمعرفة السبب العلمي لحرمة زواج الإخوة من خلال الرضاعة، فقالت: إن رضاعة الطفل من غير الأم التي ولدته تكسبه أخوَّة من خلال الرضاعة، هذه الأُخوة ليست بالمعنى السطحي للكلمة، وإنما بالمعنى العلمي لها، وقد ثبت علميًّا أن اللبن الذي يرضعه الجنين من صدر أمه يحتوي على خلايا جذعية، هذه الخلايا هي المسئولة عن إكسابهم صفة الأُخوة من خلال الرضاعة.

وتوضِّح ذلك قائلة: إن الخلايا الجذعية الموجودة في حليب الرضاعة تجعل هناك صفات مشتركة بين الإخوة؛ لأنها تساعد في انتقال العوامل الوراثية والمناعية من حليب الأم أو المرضعة إلى الطفل الرضيع من خلال اختراقها لخلاياه واندماجها مع جيناته.

وكما هو معلوم؛ فإن الجهاز المناعي للطفل الرضيع المولود حديثًا لا يكون مكتمل النضوج، وهذا يساعده في ألَّا يتعرف على حليب الأم بوصفه جسمًا غريبًا. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الجهاز الهضمي عنده يساعد على اختراق الخلايا الجذعية، حالها حال الأجهزة الأخرى في الجسم التي لا يكتمل نضوجها إلا بعد أشهر وسنوات من الولادة.

وعن أثر هذا البحث في الطب فقد أكَّدت الباحثة "سلوان" أن هناك ارتباطًا ما بين الرضاعة المحرمة والطب في حل بعض الأمور المستعصية مثل: زراعة الأعضاء، وعلى سبيل المثال زراعة الكلية؛ حيث يُفضَّل أن يكون المتبرع للمريض المصاب بالفشل الكلوي النهائي من القرابة الأصليين، وخاصة من الدرجة الأولى كالوالدين وأولادهم مثلًا؛ حيث تكون نسبة التطابق النسيجي بينهما (HL-Asystem) بنسبة50% وبين الإخوة هي 25%، وبين أبناء العمومة من الدرجة الأولى هي بنسبة 12,5%، وفي حال تعذُّر ذلك يفضل اختيار الإخوة من خلال الرضاعة قبل اللجوء إلى المتبرع الغريب؛ وذلك لأن نسبة التطابق النسيجي بينه وبين الغريب هي صفر بالمئة.

وتضيف أن العوامل المناعية بين أخوة الرضاعة قد تتشابه مع أخوة النسب، فكلما كان التطابق النسيجي والمناعي بينهما أكثر كانت نسبة نجاح العملية أكبر، وتقبُّل نقل العضو المزروع أفضل، واحتياجه للأدوية المثبِّطة للجهاز المناعي تكون بشكل أقل، وقد لا يحتاج لها نهائيًّا.

ويفيد البحث في علاج بعض الأمراض الوراثية أيضًا؛ حيث إن لأغلب الأمراض الوراثية توزيعًا جغرافيًّا وعرقيًّا معينًا، ومنها ما تكون ذات صفات متنحية، فلا تستطيع الكروموسومات التعبير عن نفسها وإظهار المرض إلا بوجود كروموسوم مماثل له يقابله عند كلا الوالدين فيتفقان على إظهار المرض، وبهذه الحالة يجب أن يكون كلا الوالدين إما حاملًا للمرض أو مصابًا به.

ومن أمثلة هذه الأمراض: مرض أنيميا الخلايا المنجلية، ومرض التكيُّس الليفي في بريطانيا، وبعض الحالات تكون الكروموسومات سائدة، وإن كان المرض موجودًا في أحد الوالدين، وفي هذه الحالة يكون حدوث المرض غالبًا بغض النظر عن الموروثة المقابلة
لها، فإذا كان أحد الوالدين مصابًا فمن المحتمل أن يُصاب أبناؤه بالمرض نفسه، ومن
أمثلة ذلك مرض الأكياس المتعددة لدى البالغين (
Adulttypeof polycysticdiseaseof kidneys).

وتقول الباحثة: إن مثل هذه الكروموسومات يمكن أن تكون مرتبطة بالصبغيات الجسمية أو الجنسية كمرض الناعور الذي يؤدي إلى حدوث النزيف الناتج عن نقص العامل السابع في الدم المسئول عن إحداث تخثُّر، ويمكن علاج مثل هذه الأمراض من خلال تشخيصها قبل الولادة أو بعدها، وذلك بتوفير بنية سليمة أجنبية خلال إرضاع الطفل المصاب من مرضعة أخرى خالية من الأمراض الوراثية من غير أقاربه ـ مباشرة بعد ولادته، بدلًا من أمه التي تحمل الصفات الممرضة، ولمدة لا تقل عن ستة أشهر؛ حيث إن الفرضية تقوم على أن الحليب من المرضعة السليمة ينحِّي أو يتغلَّب على الصفة الوراثية التي اكتسبها من والديه، وذلك من خلال اختراق بعض مكوناته للجهاز المناعي والوراثي للرضيع.

وتؤكِّد الباحثة أن هذه الطريقة من العلاج مأمونة النتائج بدلًا من العلاج بنقل الجينات (genetherapy)، أو زرع نخاع العظم، أو بإجراء عملية الإجهاض للتخلص من الجنين المصاب، التي تسبِّب مضاعفات طبية بالإضافة إلى حرمتها الشرعية([2]).

  تقبُّل الجهاز الوراثي الجيني والمناعي للجينات الغريبة:

من الأمور الثابتة طبيًّا أن الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان ـ أو بعضها على الأقل ـ غير متطور أو غير ناضج في الطفل عند ولادته، ويتكامل نضجها تدريجيًّا خلال عدة أشهر أو سنوات ، ونذكر على سبيل المثال أربعة أمثلة معروفة:

1ـ  الجهاز العصبي المركزي ونضجه البطيء خصوصًا الفعاليات العقلية، وبعض الفعاليات العصبية تنضج خلال أشهر، وأخرى خلال سنوات.

2ـ  الجهاز المناعي للجسم: فإن فعالياته عند الولادة تختلف كثيرًا عن فعالياته عند الكبار، يتضح هذا الاختلاف (أو عدم النضج) من دراسة الخلايا الليمفاوية، وكذلك الجسيمات المضادة التي يمكن للرضيع تكوينها.

وهذه الحقيقة هي أحد الأسباب التي تقتضي تأخير تلقيح الطفل ضد الأمراض المعدية إلى أشهر بعد ولادته، وأهم من ذلك أن الجهاز المناعي قبل نضجه يمكن اختراقه أو تغيُّر بعض عمله؛ فقد ثبت في علم المناعة ـ خصوصًا في التجارب على الحيوانات ـ أن تعرُّض الجهاز المناعي إلى مواد غريبة قبل نضجه يمكن أن يؤدي إلى تحمُّل تلك المواد وقبولها بدلًا من رفضها.

3ـ  الجهاز الهضمي والنمو التدريجي في قدراته الهضمية وقدرة الطفل على الاعتماد على الغذاء الطبيعي للكبار، وتشير المراجع الحديثة إلى أن الإنزيمات، والغشاء المبطِّن للجهاز الهضمي، وحركية هذا الجهاز، وديناميكية الهضم والامتصاص ـ لا يكتمل عملها بصورة طبيعية في الأشهر الأولى بعد الولادة، وتكتمل تدريجيًّا حتى نهاية العام الثاني.

4ـ  الجهاز التناسلي وتأخر نضج خلاياه إلى سنِّ البلوغ: ونُذكِّر هنا بأن الإنسان الغريب يصير قريبًا بالرضاعة.

فلو فرضنا أن الجهاز الوراثي ليس محميًّا من التغيير عند الرضيع؛ ولذلك يمكن اختراقه والتأثير فيه إما بإظهار بعض العوامل المكنونة فيه، أو بإخفاء عوامل أخرى يمكن أن تظهر، وقد تضاف عوامل ليست موجودة أصلًا.

وقضية اختراق الجهاز الوراثي ليست بالأمر البعيد خصوصًا بعد التجارب العلمية الحديثة في علم الجينات وهندستها، فيحتمل على هذا الافتراض أن حليب المرضع ـ المرضعة الأجنبية ـ يحتوي على بعض المواد الغريبة التي يمكن أن تخترق الجهاز الوراثي للرضيع وتؤثر فيه، خصوصًا أن حليب الأم فيه أنواع البروتينات الفعَّالة "أجسام مناعية طبيعية خاصة في مادة اللبن"، ومنها على سبيل المثال: الجسيمات المضادة، كما أن عدم نضج الجهاز الهضمي عند الرضيع يساعد على عبور كثير من هذه المواد إلى الدم وغيره من أجهزة الجسم([3]).

وقد أكَّد الدكتور "مجتهد أبو النصر" ـ عضو هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وطبيب الباطنية ـ أن أحدث الأبحاث العلمية تؤكد أن لبن الأم ليس لبنًا عاديًّا، وليس للتغذية فقط، وإنما يدخل داخل خلايا الإنسان، ويؤثِّر على الجهاز الجيني والصفات الوراثية للخلية، وهذه الصفات قد تتأثر وتتشابه في الاثنين ويصبحان فعلًا مثل الإخوة، و قد سبق أن أثبت العلم أن زواج الإشقاء من الرضاعة يأتي بأطفال ضعفاء ومشوَّهين([4]).

وهو الأمر الذي أشار إليه الأستاذ محمد كامل عبد الصمد حين قال: أثبتت الأبحاث العلمية التي أُجريت حديثًا وجود أجسام في لبن الأم المرضعة، الذي يترتب على تعاطيه تكوين أجسام مناعية في جسم الرضيع بعد جرعات تتراوح من ثلاث إلى خمس جرعات، وهذه هي الجرعات المطلوبة لتكوين الأجسام المناعية في جسم الإنسان, حتى في حيوانات التجارب المولودة حديثًا، التي لم يكتمل نمو الجهاز المناعي عندها، فعندما ترضع اللبن تكتسب بعض الصفات الوراثية الخاصة بالمناعة من اللبن الذي ترضعه, وبالتالي تكون مشابهة لأخيها أو لأختها من الرضاع في هذه الصفات الوراثية([5]).

ولقد وُجد أن تكَوُّن هذه الأجسام المناعية يمكن أن يؤدي إلى أعراض مرضية عند الإخوة في حالة الزواج.

ويقول صاحبا كتاب "العلوم في القرآن" الدكتور محمد جميل الحبَّال والدكتور مقداد مرعي الجواري: إن القرابة من الرضاعة تثبت وتنتقل في النسل، والسبب: الوراثة، ونقل الجينات؛ أي: إن قرابة الرضاعة سببها انتقال جينات ـ عوامل وراثية ـ من حليب الأم، واختراقها لخلايا الرضيع، واندماجها مع سلسلة الجينات عند الرضيع. يساعد على هذه النظرية أن حليب الأم يحتوي على أكثر من نوع من الخلايا، ومعلوم أن المصدر الطبيعي للجينات البشرية هو نواة الخلايا (DNA)، كما يحتمل أن الجهاز الوراثي عند الرضيع يتقبل الجينات الغريبة؛ لأنه غير ناضج, حاله حال عدة أجهزة في الجسم, لا يتم نضجها إلا بعد أشهر وسنوات من الولادة، وإذا صحَّ تفسير قرابة الرضاعة بهذه النظرية؛ فإن لها تطبيقات في غاية الأهمية والخطورة([6]).

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما جاء به التشريع الإسلامي:

لقد نصَّت الشريعة الإسلامية على أن الإخوة في الرضاعة كالإخوة في النسب، ومن ثَمَّ جعلت الزواج من إخوة الرضاعة مُحَرَّمًا كما هو الحال في إخوة النسب، ومن الآيات القرآنية التي حَرَّمَتْ زواج الإخوة من الرضاعة قوله تعالى:)حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورًا رحيمًا(23) ((النساء).

ومن السُّنَّة ما رُوي عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما : أنها أخبرته أن عمَّها من الرضاعة ـ يُسمَّى "أفلح" ـ استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: «لا تحتجبي منه؛ فإنه يَحرُم من الرضاعة ما يَحرُم من النسب»([7]).

·      من أقوال المفسرين:

لقد صرَّحت الآية الكريمة بحرمة الزواج من الأم المرضعة، واعتبرتها كالأم الحقيقية فتأخذ أحكامها جميعًا، يقول القرطبي في تفسيره: "فإذا أرضعت المرأة طفلًا حُرِّمَتْ عليه لأنها أمه، وبنتها لأنها أخته، وأختها لأنها خالته، وأمها لأنها جدته، وبنت زوجها صاحب اللبن لأنها أخته، وأخته لأنها عمته، وأمه لأنها جدته، وبنات بنيها وبناتها لأنهن بنات إخوته وأخواته"([8]).

واعتبر الشافعي في الإرضاع شرطين، أحدهما: خمس رضعات؛ لحديث عائشة قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يُحرِّمن، ثم نُسِخْنَ بخمس معلوماتٍ، فتُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن"([9]).

الشرط الثاني: أن يكون الرضاع في الحولين، فإن كان خارجًا عنهما لم يحرِّم؛ لقولهتعالى:)والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة((البقرة/٢٣٣)، وليس بعد التمام والكمال شيء، واعتبر أبو حنيفة بعد الحولين ستة أشهر، ومالك الشهر ونحوه([10]).

يقول صاحب التحرير والتنوير: "وقوله تعالى:)وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ((النساء/٢٣)  سَمَّى المراضع أمهات جريًا على لغة العرب، وما هن بأمهات حقيقة، ولكنهن تنزَّلن منزلة الأمهات؛ لأن بلبانهن تَغَذَّتْ الأطفال، ولما في فطرة الأطفال من محبة لمرضعاتهم محبة أمهاتهم الوالدات، ولزيادة تقرير هذا الإطلاق الذي اعتبره العرب، ثم ألحقذلك بقوله: )اللاتي أرضعنكم ( (النساء/٢٣)  دفعًا لتوهُّم أن المراد الأمهات؛  إذ لو قصد إرادة المرضعات لما كان لهذا الوصف جدوى.

وقد أُجملت هنا صفةُ الإرضاع ومدتُه وعددُه إيكالًا للناس إلى متعارفهم، وملاك القول في ذلك: أن الرضاع إنما اعتبرت له هذه الحرمة لمعنى فيه، وهو أنه الغذاء الذي لا غذاء غيره للطفل يعيش به، فكان له من الأثر في دوام حياة الطفل ما يماثل أثر الأم في أصل حياة طفلها، فلا يعدُّ الرضاع سببًا في حرمة المرضع على رضيعها إلا ما استوفى هذا المعنى من حصول تغذية الطفل، وهو ما كان في مدة عدم استغناء الطفل عنه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الرضاعة من المجاعة»"([11]) ([12]).

وقال الإمام الشعراوي: "ولماذا يحرِّم الحق)وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ((النساء/٢٣)  لأنها بالإرضاع أسهمت في تكوين خلايا فيمن أرضعته؟ ففيه بَضْعَة منها، ولهذه البَضْعَة حُرمة الأمومة. ولذلك؛ قال العلماء: يحرم زواج الرجل بامرأة جَمَعَه معها رضاعة يغلب على الظن أنها تُنشئ خلايا، وأفتى المحققون وقالوا: لا تحرم المرأة إلا أن تكون قد أرضعت الرجل، أو رضع الرجل معها خمس رضعات مشبعات، أو يرضع منالمرأة يومًا وليلة ويكتفي بها، وأن يكون ذلك في مدة الرضاع، وهي بنص القرآن سنتان،)والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ((البقرة/٢٣٣)"([13]).

ولهذا نصَّ جميع الفقهاء على تحريم الزواج من الإخوة من الرضاعة، وإذا حدث الزواج يُفرَّق بينهما فور معرفة ذلك.

وتحريم الشريعة الإسلامية الزواج بسبب الرضاع يتطابق مع ما أثبته العلم الحديث تمام المطابقة؛ حيث أثبتت الأبحاث الطبية أن المرضع التي ترضع الولد إنما تُغذِّيه بجزء من جسمها، فتتدخل أجزاؤها في تكوينه، ويكون جزءًا منها، والحس والطب يثبتان ذلك؛ فإن لبنها درَّ من دمها، وهو ينبت لحم الطفل وينشز عظمه، وإذا كان جسمها ملوَّثًا بمرض مستكين فيه سرت عدواه إلى الطفل، وإن كانت بقية الجسم سليمة قوية استفاد منها الطفل قوة ونماءً.

وإذا كان الطفل جزءًا منها فهي كالأم النسبية، بَيْد أن هذه غذَّته بدمها في بطنها، وتلك غذته بلبنها بعد وضعه، فإذا كانت الأم النسبية محرَّمة على التأبيد، وبعض من يتصل بها من المحرمات عليه، فكذلك الأم الرضاعية، وهذا أمر بدهي مشتق من الحس وكلام أهل الخبرة.

ومن هنا ندرك الحكمة العلمية من تحريم الزواج من إخوة الرضاعة، ولماذا اعتبر القرآن أن المرأة التي ترضع طفلًا تصبح أُمًّا له في الرضاعة، وأبناؤها يصبحون إخوة له في الرضاعة، فالقرآن حريص على سلامتنا؛ لأن زواج الإخوة يؤدي إلى احتمال كبير أن يأتي الجنين مُشوَّهًا.

ومن الحكم الإلهية الأخرى في مسألة تحريم زواج الإخوة من الرضاعة أن المرضع تندمج مع الأسرة التي ترضع أحد أولادها فتكون من آحادها، كما يكون الطفل في بيت مرضعته مندمجًا في أسرتها، فيكون ذلك التشابك الذي يجعل أسرته أسرتها، وأسرتها أسرته أيضًا، وإذا كانت العلاقة التي تكون من هذا النوع في النسب موجِبة التحريم في كثير من الأحوال فينبغي أن تكون كذلك في كل الأحوال.

وهناك فائدة أخرى للتحريم بالرضاعة، وهي التشجيع على الإرضاع إحياءً للأطفال الذين ليس لهم أمهات يرضعنهم؛ فإن المرضع إذا علمت أنها في الشريعة أمٌّ، ولها ما للأمِّ من إجلال وتقديس ـ ولذا تحرُم على الولد كما تحرم عليه أمه ـ فإنها تُقْدِم على الإرضاع من غير غضاضة، وقد يكثر بذلك النسل([14])

ومن هنا يتبين أن التحريم كان بسبب أن الإخوة من الرضاعة اكتسبوا صفات الأم المرضعة وأصبحوا كالأم الحقيقية، وليس بسبب حضانة الطفل وتربيته كما يزعم الزاعمون.

ومن عظمة التشريع الإسلامي أن جعل عدد الرضعات المحرمات ثلاث رضعات فأكثر، أما أقل من ذلك فلا يحرِّم، وقد أثبت العلم ـ كما ذكرنا ـ أن الرضعات التي تكوِّن أجسامًا مناعية في الرضيع ـ والتي تجعله يتشابه مع إخوته من الرضاعة ـ ثلاث رضعات فأكثر، فسبحان من علَّم النبي الكريم هذا العلم العظيم.

3)  وجه الإعجاز:

أثبت العلم الحديث أن لبن الأم المرضعة به أجسام مناعية، ويترتَّب على تعاطيه تكوين أجسام مناعية في جسم الرضيع بعد جرعات تتراوح من ثلاث إلى خمس، وهذه هي الجرعات المطلوبة لتكوين الأجسام المناعية في جسم الإنسان، وهذه الأجسام تؤثر على الجهاز الجيني والصفات الوراثية للخلية، وهذه الصفات قد تتأثر وتتشابه في الاثنين ويصبحان فعلًا مثل الإخوة، والعلم قد أثبت أن زواج الأشقاء يأتي بأطفال ضعفاء ومشوَّهين، وهذا يتطابق تمامًا مع تحريم الشريعة الإسلامية زواج الإخوة من الرضاعة، قال الله تعالى:)حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة((النساء/23)، وجعلت أُخوَّة الرضاعة كأُخوَّة النسب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يـَحْرُم من الرضاعة ما يحرُم من النسب».


(*) تحريم الرضاع بين العقل والنقل، مقال منشور بموقع: الحوار المتمدن www.ahewar.org. رد علماء الغرب على كذب وافتراء الملحدين، مقال منشور بموقع: صوت الفضيلةwww.alfadilasound.com.

[1]. الرد على الملحدين في شبهتهم: إخوة الرضاعة بالإسلام، مقال منشور بمنتدى: التوحيد www.eltwhed.com.

[2]. طالبة تكتشف سبب تحريم زواج الإخوة بالرضاعة، مقال منشور بموقع: أنصار الدعوة السلفية www.4salaf.com.

[3]. الرضاعة المحرِّمة علاج لبعض الأمراض، مقال منشور بموقع: شبكة كافور www.kafoor.net.

[4]. الحكمة من عدة المرأة وتحريم زواج الأشقاء من الرضاعة، مقال منشور بموقع: مركز التأصيل للدراسات والبحوث www.taseal.com.

[5]. الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ص109.

[6]. الحكمة من عدَّة المرأة وتحريم زواج الأشقاء من الرضاعة، مقال منشور بموقع: مركز التأصيل للدراسات والبحوث www.taseal.com.

[7]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم الرضاعة من ماء الفحل، (5/ 2248)، رقم (3515).

[8]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج5، ص109.

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الرضاع، باب: التحريم بخمس رضعات، (5/ 2254)، رقم (3533).

[10]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج5، ص109 بتصرف.

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض، (5/ 300)، رقم (2647).

[12]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج3، ج4، ص296.

[13]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج4، ص2096.

[14]. المحرمات بسبب الرضاع، مقال منشور بموقع: www.abbodshrad.blogspot.com.

read women who cheat on husband want my wife to cheat
wives that cheat redirect read here
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
my husband cheated my husband almost cheated on me open
my husband cheated click here open
generic viagra softabs po box delivery buy generic viagra buy viagra generic
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
website why some women cheat redirect
dating a married woman all wife cheat i cheated on my husband
read cheat husband click here
read here my husband cheated on me why women cheat on men
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  3761
إجمالي عدد الزوار
  36750748

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع