مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

دعوى مشروعية الاستنساخ البشري(*)

مضمون الشبهة:

في محاولة يائسة لتبرير الاستنساخ البشري وإثبات مشروعيته يدعي بعض المغرضين أن استنساخ البشر هبة من الرب، وأن الأديان السماوية كلها لا تمنعه؛ بل العكس هو الصحيح، فهي تحثُّ على إعمار الأرض، وتكثير الحرث والنسل دون أن تحدِّد وسائل معينة، بل تركت الأمر مفتوحًا. كما يدعون أن إجراء التجارب الاستنساخية على الأجنة البشرية أمر طبيعي غير مقلق؛ فهي ليست كائنات بشرية يجب احترامها.

ويتساءلون: إذا كانت هناك بنوك للمني مفتوحة للمرأة الآن، أفليس من الأولى لأيٍّ من الزوجين الاستعانة بإحدى خلاياه لاستنساخ بشر؟! ولماذا لا ترضون بهذا الاستنساخ وسيلة للإنجاب مع أنه إذا استخدم أو طُبِّق فسيكون مقبولًا تمامًا كأطفال الأنابيب؟!

كما يدعون أيضًا أن استنساخ البشر تجسيد لمبدأ الحرية الإنسانية، ولا ينبغي تقييد حرية الآخرين في التكاثر بالطريقة التي تعجبهم. ويستدلون على كل ما سبق بأن الاستنساخ البشري سيكون علاجًا للعقم، كما أنه سيتيح التخلص من الأغبياء وعديمي النفع للبشرية وإنتاج بشر أفضل؛ ومن ثم تتحوَّل البشرية إلى عباقرة ومبدعين، فضلًا عن أنه سيحلُّ مشاكل كثيرة في المجتمع.

وهم بذلك يستضيئون بقول "إيان ويلموت" ـ نبي الاستنساخ على حدِّ قولهم ـ : لا يوجد سبب نظري يمنع استنساخ الإنسان.

وجوه إبطال الشبهة:

1.   إن تباين موقف الشريعة الإسلامية من الاستنساخ البشري كان حسب أنواعه وصوره؛ فهناك الاستنساخ الكلي، والجزئي. فأما الكلي فينقسم إلى قسمين: جسدي (خلوي)، وجنيني (جنسي). فأما الأول منهما فمحرَّم قطعًا، إلا في حالة استنساخ لقيحة جنينية (عمر 14 يومًا) لمن أُصيب بعطب أحد أعضائه المهمة؛ كالكلى، والكبد، والقلب. وأما الآخر فجائز إذا كان بين الزوجين، وبشروط معينة، وأما الاستنساخ الجزئي (الأعضاء البشرية) فجائز، بل مندوب إليه؛ لما له من منفعة عظيمة للمرضى.

2.   كان الموقف الغربي ـ غالبًا ـ من الاستنساخ البشري وما زال هو الحظر والمنع ـ مطلقًا دون استثناء ـ دينيًّا وسياسيًّا وعلميًّا وقانونيًّا وشعبيًّا، وهذا الموقف وإن كان يتَّفق مع موقف الإسلام نوعًا ما إلا أن فيه غُلوًّا وتفريطًا غير مقبولين.

3.   لقد اعتنى الإسلام بالجنين البشري أيَّما اعتناء، فكفل له جميع الحقوق؛ كحقه في أن تكون له أم صالحة وأب صالح، وكذا حق إثبات النسب والأهلية؛ حتى يتمكَّن من الحصول على بعض الحقوق المادية قبل خروجه من رحم أمه؛ كالإرث والوصية والهبة والوقف. ليس هذا فحسب؛ بل صان حرمته من أن يُعتدى عليها بإجهاض وغيره. ومن ثم؛ فلا يجوز إجراء التجارب العلمية عليه، إلا في حالات محدودة وبشروط مُحدَّدة.

4.   إن وجود بنوك للمني في العديد من الدول ليس تبريرًا لاستنساخ البشر (الاستنساخ الجسدي)؛ فهي بنوك محرَّم إنشاؤها والتعامل معها لأسباب كثيرة، أهمها: اختلاط الأنساب، كما أنه لا علاقة للاستنساخ الجسدي بأطفال الأنابيب؛ إذ إنها عملية إخصاب طبيعية تتم وفق تقنيات علمية وطبية خارج الرحم، ثم تعاد إليه مرة أخرى بعد يومين أو ثلاثة لتنمو بداخله نموًّا طبيعيًّا. أما الاستنساخ الجسدي؛ فيتم عن طريق أخذ خلية جسدية من الزوج أو الزوجة، أو من أي رجل أو امرأة، بتقنية طبية معينة، ثم تغرز في الرحم، فلم الخلط إذًا؟!

5.   كيف يكون الاستنساخ البشري الكلي (الجسدي) مباحًا، وقد كثرت مفاسده ومضاره من جميع النواحي، حتى أصبحت هي السمة الغالبة عليه، وإن كان ثمة منافع له فإنها يسيرة أو نادرة، بل لا يساوي نفعها الضرر المصاحب لها، ناهيك عن أن هناك وسائل أخرى جائزة، يمكن الاعتماد عليها لمن يعانون من مرض العقم مثلًا؛ كأطفال الأنابيب، والاستنساخ الجزئي (الأعضاء البشرية)، والاستنساخ الجنيني، وغير ذلك. أما أن يكون الهدف من هذا الاستنساخ هو تحويل البشرية إلى عباقرة ومبدعين، فهذا وهم وخيال؛ لأن التطابق بين المستنسخ والمستنسخ منه لن يكون إلا شكليًّا، أما التطابق الكلي بينهما فمحال، كما أنه يخالف سنة الله في كونه؛ إذ جعل سبحانه وتعالى الناس بعضهم في خدمة بعض دون مفاضلة؛ كما قال سبحانه وتعالى: ) ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا( (الزخرف: ٣٢).

التفصيل:

أولا. الاستنساخ البشري من منظور إسلامي:

تُعدُّ قضية الاستنساخ من أحدث قضايا علم البيولوجيا والهندسة الوراثية التي تزايد الاهتمام بها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ للغاية، وقد شغلت حيِّزًا مهمًّا من المناقشات والمجادلات من قبل اختصاصيِّ الطب والبيولوجيا والوراثة، وعلماء الأديان، والأخلاق، والفلسفة، والقانون، ورجال الفكر والأدب وغيرهم.

وكان السبب المباشر الذي أثار ذلك الحيِّز المعتبر من المناقشات هو حساسية أمر الاستنساخ؛ إذ يتصل اتصالًا مباشرًا بالكائن الحي، وبالإنسان الذي قد يكون في وقت من الأوقات عرضة للتجربة والاختبار، وتطبيق تكنولوجيا الوراثة وتقنيات الاستنساخ عليه، الأمر الذي قد يسلبه حقوقه المشروعة، وحرمته المعتبرة، ومكانته المعهودة، المتعارف عليها منذ وجوده([1]).

موقف الإسلام من الاستنساخ البشري (الحكم الشرعي):

في البداية، وقبل بيان موقف الإسلام من الاستنساخ البشري نودُّ أن نشير إلى أنواع هذا الاستنساخ، وهي كالآتي:

1.   الاستنساخ البشري الكلي.

2.   الاستنساخ البشري الجزئي.

الأول: الاستنساخ البشري الكلي، وهو نوعان:

·الاستنساخ الجسدي.

·الاستنساخ الجنيني.

أما الاستنساخ الجسدي (الخلوي): فهو أخذ خلية جسدية حية من المراد استنساخه، ودمجها ببييضة منزوعة النواة (حامض DNA)؛ للحصول على صورة مطابقة للأصل شكلًا([2]). وحكم الإسلام فيه المنع والتحريم والحظر؛ إذ يعدُّ هذا النوع من الاستنساخ كبيرة عظمى، وجناية في حق الحياة، وضربًا من ضروب الإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل([3]).

وقد نصَّ على هذا مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418هـ (الموافق 28 يونيو إلى 4 يوليو 1997م) في القرار رقم: 100/2/ د 10، ومما جاء فيه: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأيَّة طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري. وفي السياق نفسه جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي الصادر عن الدورة الخامسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة، التي بدأت السبت 11 رجب 1419 هـ (الموافق 31 أكتوبر  1998م) بشأن موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية.

وقد جاء في أول بنوده: تأكيد القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الاستنساخ، برقم (100/2/د 10) في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة... وهو الذي سبق ذكره.

هذا؛ وقد قام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بإعداد مشروع بيان حول الاستنساخ البشري، ذُكر فيه رأي المؤيدين له وحججهم، والمانعين وحججهم، ثم ذكر المجمع أخيرًا حكم الدين في الاستنساخ البشري قائلًا: ذكرنا أن الإسلام لا يعارض العلم النافع؛ بل يشجعه ويحثُّ عليه ويكرِّم أهله، أما العلم الضار الذي لا نفع فيه فإن الإسلام يحرمه؛ ليحمي البشر من أضراره، والقاعدة الفقهية في الإسلام تقول: "إن درء المفسدة مُقدَّم على جلب المصلحة".

وبناءً على هذا؛ فإنه يجب التفريق في استخدام الهندسة الوراثية في النبات والحيوان، فإن كانت لإنتاج سلالات قوية ونافعة، وكذلك في علاج الأمراض، ومحاصرة توارث المرض، والارتقاء بالطب، ومعالجة الإنسان ـ فإن ذلك نافع ومفيد، مادام ليس فيه مخالفة للمنهج الذي اختاره الله للخلق، ولا مانع من مزاولته بإجراء التجارب فيه للوصول إلى نتائج إيجابية نافعة.

أما استنساخ البشر الذي تحيط به المخاطر من كل جانب، فإنه يُعرِّض الإنسان ـ الذي كرَّمه الله عز وجل ـ لأن يكون مجالًا للعبث والتجربة، وإيجاد أشكال مُشوَّهة وممسوخة، فذلك حرام ويجب التصدي له، ومنعه بكل الوسائل.

وهذا أيضًا ما أوصت به الندوة التي عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة، في الفترة من 13- 15 شباط (فبراير) 1999م، تحت عنوان (الانعكاسات الأخلاقية للأبحاث المتقدمة في علم الوراثة)، وكان ذلك بتنظيم من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، بالاشتراك مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وبالتعاون مع كلية العلوم جامعة قطر، وقد شارك فيها نخبة من العلماء والخبراء في مجال الفقه، وعلم الوراثة، من عدة دول عربية وإسلامية([4]).

أما عن الفتاوى الفردية؛ فقد صدرت فتاوى في مسألة الاستنساخ لكثير من العلماء المعاصرين، وقد تضافرت معظم الفتاوى على منع الاستنساخ البشري الكلي بنوعيه وتحريمه.

من ذلك ما استهلَّ به الدكتور محمد سيد طنطاوي ـ رحمه الله ـ شيخ الأزهر جوابه عن سؤال وُجِّه إليه حول الموقف الشرعي من الاستنساخ البشري، بادئًا حديثه بالاستشهاد بالآيتين الكريمتين:) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء((آل عمران: ٦)، )وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تمنى (46)( (النجم)، ثم أضاف قائلًا: "أما غير ذلك فهو حرام".

كذلك أفتى الشيخ جواد التبريزي ـ من كبار فقهاء الجمهورية الإسلامية في إيران ـ بعدم جواز الاستنساخ البشري قائلًا: "لا يجوز الاستنساخ البشري؛ لأن التمايز بين أبناء البشر ضرورة للمجتمعات الإنسانية اقتضتها حكمة الله سبحانه، قال تعالى:)ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم(  (الروم: ٢٢)، وقال جل وعلا: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا(   (الحجرات: ١3)، وذلك لتوقُّف النظام العام عليه، بينما الاستنساخ البشري ـ إضافة إلى استلزامه محرمات أخرى كمباشرة غير المماثل والنظر إلى العورة ـ يوجب اختلال النظام العام".

كما أصدر الدكتور نصر فريد واصل ـ مفتي الديار المصرية سابقًا ـ فتوى بتحريم الاستنساخ البشري، وطالب بإصدار تشريعات وقوانين تمنع المراكز البحثية التي يمكن أن تعمل في هذا المجال من إجراء مثل هذه التجارب التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب. وهناك فقهاء آخرون قالوا بحرمة الاستنساخ البشري الكلي؛ منهم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ـ رئيس قسم العقائد والأديان في كلية الشريعة بجامعة دمشق، والشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين، من كبار فقهاء لبنان ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وغير هؤلاء الفقهاء كثير([5]).

والملاحظ على ما سبق أن المنع والتحريم موجهان إلى الاستنساخ الكلي بنوعيه: الجسدي والجنيني، ولكن الصواب والراجح في ذلك هو تحريم النوع الأول فحسب، أما النوع الثاني فله حكم خاص سنعرض له بعد قليل.

وهنا نتساءل: هل الاستنساخ الجسدي محرم مطلقًا، أم أن هناك حالات استثنائية أخرى له؟

والجواب: هناك حالاتان استثنائيتان لهما حكم خاص، وهما:

1.   استنساخ اللقائح الجنينية([6]) (عمر 14 يومًا): أي إذا كان المستنسخ منه مصابًا بعطب أحد أعضائه المهمة، كالكلى أو الكبد أو القلب وأراد أن يستنسخ هذا الجزء أو العضو من خلال تنميته لخلية استنساخية في المختبر؛ لتنتج خلايا مستقلة لهذا العضو أو ذاك.

وقد رجَّح الدكتور سعيد موفعة جواز هذا الأمر، انطلاقًا مما نصَّ عليه علماء الشريعة، وقرَّرته بعض المجامع الفقهية من جواز الاستفادة من الأجنة في القضايا الطبية، إذا كانت هذه الأجنة لا تزال في طور اللقائح المجمَّدة، أو حتى إلى ما قبل نفخ الروح إذا اقتضى الأمر ذلك، كإجراء التجارب العلمية عليها، وتعليم الطلاب، ونقل الأعضاء، وغير ذلك من المصالح.

وعليه؛ فإن المسألة هنا وإن كانت تبدو مختلفة عما ذكره العلماء، وناقشته المجامع الفقهية، إلا أن هذا الاختلاف لا يكاد يوجد له أثر حقيقي أو فقهي في اختلاف الحكم، وإن اختلفت التسمية أو صفة تكوُّن الجنين، فالذي تكلَّموا عنه هو الجنين المتكوِّن من الزواج الشرعي، وبطرائق التلقيح الصناعي المعتادة، وما يحصل هنا في عملية الاستنساخ هو من هذا القبيل، مع اختلاف يسير في صفة التكوين فقط.

فالجنين الطبيعي مُكوَّن من خلية جنسية، وبواسطة التلقيح الصناعي، والجنين الاستنساخي ناتج عن خلية جسدية، وعن طريق التلقيح الصناعي كذلك، مع أن الجميع جنين إنساني، وناتج عن عقد زواج شرعي صحيح، ولأن الغرض من الاستفادة منها في التلقيح الصناعي أو الاستنساخ البشري ـ مشروع.

هذا بالإضافة إلى أن استنساخ لقائح جنينية من الشخص المصاب بمرض معين ـ والذي يستدعي استنساخ لقيحة منه ـ أمر مفيد له، ويخفِّف من آلامه ومعاناته المرضية، وربما يكون ذلك سببًا في الإبقاء على مهجة هذا المستنسخ منه لهذا الغرض العلاجي.

2.   طلب الولد عن طريق الاستنساخ:

ولبيان هذه الحالة وتصويرها التصوير العلمي الفقهي نقول: لقد وجدت حالات لا بأس بها من حالات العقم الكلي لدى بعض الرجال في أنحاء العالم، وثبت عدم إمكانية معالجتهم عن طريق التلقيح الصناعي؛ وذلك نظرًا لعدم توافر أيَّة كمية مناسبة من الهرمونات التي يتم التعامل معها في المعمل، مع شدة رغبة هؤلاء الأزواج في الذرية وطلب الولد ومسيس حاجتهم لذلك.

فإذا كان الحال كما ذُكِر، وتبيَّن طبيًّا بالدليل القطعي عدم جدوى المعالجة لهؤلاء المصابين بالعقم الكلي عن طريق التلقيح الصناعي بشقيه ـ فإن آخر محاولة يمكن تصوُّرها هي: الاستنساخ الجسدي (كما أن آخر الدواء الكي).

ويتم ذلك عن طريق الآتي:

·      أخذ خلية جسدية من الزوج الشرعي بدلًا من الخلية الهرمونية؛ نظرًا لعدم توافر الأخيرة فيه.

·      نزع نواة بييضة الزوجة الشرعية.

·      دمج الخلية الجسدية من الزوج في البييضة المفرَّغة للزوجة.

·      إعادة البييضة المخصَّبة بخلية الزوج إلى رحم الزوجة الشرعية نفسها، وملاحظة سيْر نمو هذا الجنين. وبهذا نكون قد حصلنا على جنين لهذا الزوج عن طريق خلية جسدية تحمل كامل الصبغيات؛ أي 46 من الزوج وحده، بدلًا من الجنين الذي يأتي عن طريق الخلية الجنسية 23 صبغيًّا من الزوج، ومثلها من الزوجة.

فما حكم الشريعة الإسلامية في هذه القضية؟

يقول الدكتور عبد الكريم زيدان([7]): والقول الواجب الاتباع عندي في مسألة الاستنساخ الجسدي لمعالجة العقم الذي لم يعثر له على دواء ـ القول الواجب الاتباع في هذه الحالة: تحريم هذا الاستعمال، وهو ما قرَّره مجمع الفقه، ولا ترتفع حرمة هذا الاستنساخ بحجة اعتبار استعماله من باب الضرورة؛ لأن للضرورة المبيحة لارتكاب المحرَّم شروطًا معروفة، وهي غير موجودة في مسألتنا (مسألة العقم)؛ لأن من شروط الضرورة أن يكون المسلم في حالةٍ إذا لم يرتكب الضرورة يهلك، والمصاب بالعقم لا يهلك إذا لم يستعمل هذا النوع من الاستنساخ.

كما لا يمكن القول بجواز هذا الاستنساخ لأنه من قبيل التداوي؛ لأن ماهية هذا الاستنساخ تختلف عن ماهية التداوي؛ فالتداوي يزيل العلة ـ علة المرض ـ وهنا هذا الاستنساخ له علاقة بالعلة ـ علة العقم ـ وليس هو ـ أي الاستنساخ ـ علاج لها، وإنما يُستعمل وسيلة مُحرَّمة للوصول إلى ما كان يمكن الوصول إليه، وليس هذا من مفهوم التداوي.

وقد ذهب إلى قريب من هذا الدكتور سعيد موفعة فقال: من خلال دراستي للموضوع فإن ما يترجَّح عندي في مسألة طلب الولد عن طريق الاستنساخ بصورته الحالية والموجودة هو القول بالمنع وعدم الدخول في مثل هذه المسائل الدينية الحرجة قبل الوقوف على حقيقتها، هذا بالنسبة للاستنساخ بصوره المعروفة الآن، أما بالنسبة لما يستجدُّ في هذا الموضوع فإني أميل إلى القول بالتوقُّف فيما يستجد؛ حتى تتبدَّى لنا تطورات وكشوفات علمية أخرى قد تؤثِّر على حقيقة وصف هذه الجزئية سلبًا أو إيجابًا.

ومن ثم؛ يدور الحكم حِلًّا وحُرْمَة تبعًا لاختلاف طرائق الاستنساخ وأساليبه المستجدة، فيكون القول بهذا التفصيل هو من قبيل التريُّث، وإعطاء مهلة للنظر في مثل هذه القضايا المعاصرة والشائكة؛ حتى تتضح حقائق هذه المسائل ـ كما أسلفنا ـ فتعطى الحكم المناسب لها عند استقرارها على وضع جليٍّ وبيِّن؛ فيكون الحكم قاطعًا لا تردد فيه، خاصة وهذه القضية تعدُّ خارج دائرة النصوص الشرعية من القرآن والسنة الصريحة الدلالة على المطلوب، فلا ضير من اتخاذ هذا المسلك التَّحفُّظي في نظري([8]). وأما الاستنساخ الجيني([9]) فهو فصل الخلايا الجنينية قبل تمايزها وتخصُّصها للحصول على نسخ متطابقة([10]).

حكمه الشرعي:التحريم؛ فقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار بحرمة الاستنساخ البشري الكلي بنوعيه ـ وقد سبق ذكره ـ وذلك لما يأتي:

هذه الطريقة تفضي إلى توفير أجنة فائضة ليس أمامها إلا الموت، أو الاستزراع في أرحام نساء أجنبيات، وكلا الأمرين محرَّم شرعًا، بل من الكبائر، ومن المعلوم أن ما أدَّى إلى الحرام فهو حرام؛ وذلك لأن هذه الطريقة تحتاج إلى استنساخ عدد من الأجنة؛ حتى يضمن الطبيب نجاح الزرع لمحاولة ثانية أو ثالثة أو رابعة في حالة فشل المحاولة السابقة.

وفي هذه الحالة ماذا نفعل بهذه الأجنة، فإذا تركت كان مصيرها إلى الموت، يقول الأستاذ الدكتور حسان حتحتوت: "وهل من الجائز أن تنشأ حياة، ثم تهدر من أجل إنقاذ حياة أخرى"؟! ويقول الأستاذ الدكتور حسن الشاذلي: "إن حياة الإنسان مصونة ومعصومة... وليس من الحق شرعًا أن نأخذ من جنين عضوًا أو نسيجًا، أو غيرهما لينتفع به شخص آخر ولو كان المنتفع أبًا له، أو أمًّا، أو ابنًا، أو أخًا، أو أختًا، أو غير ذلك من القرابات؛ لأن عصمة النفس الإنسانية معناها أن هذه النفس يمنع الاعتداء عليها، ويرتب الشرع على كل اعتداء عليها عقوبة أو ضمانًا؛ إذ هي بنيان الرب وملعون من هدم بنيانه".

أما إذا استعملنا هذه الأجنة فليس أمامنا إلا زرعها في أرحام نساء أخريات، وهذا محرم أيضًا؛ لأنها أجنبية عنها، مُكوَّنة من مني رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية، وهذا مثل الربا في الحرمة من حيث المآل والنتائج.

الرأي الواضح:

إن القول بحرمة جميع حالات هذا النوع ـ الاستنساخ الجيني ـ قول يحتاج إلى المزيد من النظر والتعمُّق، وهو بلا شك قول له أدلته ووجهاته، وبالأخص فيما يتعلق بفقه المآلات، وأن حرمته في جميع الحالات ـ سوى حالة واحدة ـ ليست محل خلاف، بل لا ينبغي أن تكون محل خلاف؛ لأنها تتعلَّق بنقل حيوان منوي لرجل أجنبي، وبييضة أجنبية إلى رحم امرأة أجنبية ليست صاحبة هذه البييضة، فهذا حرام بالاتفاق.

والحالة التي يمكن القول بجوازها هي حالة ما إذا كان الحيوان المنوي من الزوج والبييضة من الزوجة، ثم يعاد الجنين الملقَّح بطريق الاستنساخ الجيني إلى رحم الزوجة نفسها، وذلك لما يأتي:

أولًا: أن الاستنساخ الجيني البشري يختلف عن الاستنساخ العادي التقليدي الذي تـمَّت به النعجة دُولِّي؛ وذلك لأن الاستنساخ الجيني يتم حسب المنهج الطبيعي للتناسل بين الزوجين ـ كما سبق ـ وأن عملية فصل الخلية عن أختها التي تتم بالأسلوب العلمي ليس فيها من حيث المبدأ ـ مخالفة لشرع الله تعالى، ثم إن غرس إحدى هذه الخلايا في الرحم لتواصل مسيرتها الطبيعية بإذن الله تعالى ليس فيه مخالفة لشرع الله أيضًا.

والإشكالية الوحيدة تكون في مسألة استنساخ أكثر من جنين احتياطًا لحالات فشل زرع جنين، ليكون هناك البديل الفوري، وهذا كما رأينا يترتَّب عليه إما موت الأجنة أو زرعها في رحم امرأة أخرى، وكلاهما محرَّم.

والجواب عن ذلك هو مثل الجواب الذي أجاب به مجمع الفقه الإسلامي الدولي في إباحته أطفال الأنابيب (القرار 16 ـ 4/3) حينما تُلقَّح أكثر من بييضة بالحيوان المنوي للزوج، فكانت الفتوى من المجمع الموقَّر (القرار 55 ـ 6/6) حيث نصَّ على أنه: "أولًا: في ضوء ما تحقَّق علميًّا من إمكان حفظ البييضات غير الملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البييضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة؛ تفاديًا لوجود فائض من البييضات الملقحة. ثانيًا: إذا حصل فائض من البييضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي. ثالثًا: يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى، ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البييضة الملقحة في حمل غير مشروع".

ولذلك نستطيع القول بجواز الحالة الخاصة بزوجين من الاستنساخ الجيني وبالضوابط نفسها التي ذكرتها قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي الخاصة بطفل الأنابيب (قرار 16/ ـ 4/3)، وبالبييضات الملقحة الزائدة على الحاجة (قرار 55 ـ 6/6)، وبشرط ألا يترتب على ذلك ضرر أكبر.

ثانيًا: أن ما ذُكر من مضار لا يخلو من تهويل، كما أنه يمكن درؤها ومنعها، وقد قام العالمان "جبري ها وروبرت ستلمان" بالرد على ذلك فقالا: عن الاستخدام الذي اقترحناه لهذه التقنية الجديدة لا يدخل في باب ما أثاره النقاد من مخاوف وتهاويل، وإنما قصدا به تحديدًا أن يكون إسهامًا في حالات العقم التي تحتاج إلى تقنية أطفال الأنابيب.

فالمتَّبع في هذه الحالات أن تُعطى المرأة دواءً منشطًا للتبويض، ثم تسحب من مبيضها البييضات الناضجة، ثم يضاف إليها المني بغية تلقيح عدد منها، ثم تؤخذ هذه البييضات الملقحة بغية أن توضع في رحم المرأة فتنمو إلى جنين، ووجد أن أنسب عدد يوضع في الرحم ثلاث أو أربع بييضات، إن انغرست منها واحدة فخير، وإن انغرس أكثر من واحدة فزيادة خير، ولكن ماذا عن السيدة التي يعاني مبيضها نوعًا من الفقر المبيضي؟

أليس من الأفضل أن نفصل بييضتها في بواكير انقسامها إلى أكثر من جنين بالاستنساخ الجيني، ونفصل كلًّا منهما إلى اثنين وهكذا؛ حتى توفر عددًا كافيًا من الأجنة، يودع رحمها منها أربعة ويحفظ ما زاد من الأجنة (أي النسخ) في التبريد العميق؛ ليكون رصيدًا احتياطيًّا يستعمل في مرة قادمة ـ أو مرات ـ إذا لم تسفر الزرعة الأولى عن حمل؟!

كما أن لهذه الطريقة فائدة أخرى لأولئك النساء في مجال تشخيص مرض جنيني محتمل قبل أن يودع الجنين الباكر المكوَّن من عدد صغير من الخلايا إلى الرحم لينغرس؛ فقد جرى الأمر على فصل خلية من هذا الجنين لإجراء التشخيص عليها، فإذا كان الجنين مُعافًى غرس وإلا أُهْدر، لكن أخذ خلية من جنين باكر ذي عدد محدود من الخلايا فيه خطر على الجنين، بينما لو فصلنا هذا الجنين إلى توأمين بطريقة الاستنساخ الجيني تلك؛ فإننا نستعمل نسيجًا للتشخيص والآخر للزرع كاملًا غير منقوص([11]).

وبعدُ فنتساءل: هل هناك شروط لهذه الطريقة؟

والجواب: نعم، لقد وضع العلماء شروطًا يجب توافرها في هذه الطريقة؛ حتى تكون جائزة، وهي:

1.   تعذُّر إمكانية الحمل من الزوجة لأكثر من بطن؛ لموانع طبية قطعية، وبتقارير معتمدة.

2. عدم تجاوز عملية انشطار البييضة لأكثر من قسمين (توأمين)، وذلك قياسًا، وتمشِّيًا مع طبيعة التوائم الربانية الطبيعية المعروفة.

3.   عدم القدرة على الزواج من أخرى أو عدم الرغبة في الزواج أصلًا.

4.   أن تكون هذه الوسيلة مأمونة العواقب طبيًّا بنسبة لا تقل عن 80 %.

5.   ألا يتكرَّر استخدام هذه الوسيلة أكثر من مرة من الشخص الواحد.

6. ألا يخطر في ذهن المتعاطي لهذه الوسيلة، أو يرد على باله أن ما وصل إليه من تعدُّد البنين بهذه الوسيلة هو بقدرته، وفطنته، وعلمه، وإلا فيُمنع ذلك لما فيه من الخلل العقدي([12]). هذا بالنسبة للنوع الأول من نوعي الاستنساخ البشري، وهو الاستنساخ الكلي.


الثاني: الاستنساخ البشري الجزئي (الأعضاء البشرية):

إن إمكانية نجاح الاستنساخ البشري الجزئي سيبدِّد كثيرًا من آلام المرضى ومعاناتهم، وسيعيد الأمل إلى نفوس آلاف من اليائسين، والمنتظرين لساعات الموت المحقق، الذي يرتسم في مخيلتهم ويلاحقهم في كل مكان.

فإذا أمكن استنساخ بعض الأعضاء البشرية كالكبد، أو الطحال، أو الكُلَى، أو القرنية، أو الأذن، أو القلب... فإن هذا سيكون إنجازًا علميًّا عظيمًا، وخدمة إنسانية لا تساويها منفعة أخرى من منافع الدنيا المختلفة؛ وذلك لما يترتَّب على هذه المصلحة من إعادة الأمل إلى ملايين اليائسين من الحياة، ولما فيها من إحياء المنهج، وتخفيف المعاناة والآلام عن جنس البشرية، مع سلامة الوسيلة، وصحة المقصد، ذلك أن استنساخ هذه الأعضاء الجزئية من بعضها بعضًا، عن طريق استنبات أنسجتها المكوِّنة لها ـ ليس فيه ما يمنع من الناحية الشرعية أو الصحية.

ولأن أخذ هذا النسيج، أو تلك الخلية المعنية، ومحاولة استنساخها، وإعادة تشكيلها؛ ليستفيد منها صاحب هذا العضو التالف، أو المصاب ـ أمر محمود، ومسلك غاية في السُّمو والخيرية لجنس الإنسان.

فليس هناك من مانع شرعي أو عقلي أو عرفي يمنع أخذ نسيج معين، أو خلية محددة، لغرض إعادة زراعتها واستنساخها مرة أخرى، فهذا القصد أو الفعل لا اعتراض عليه في الشريعة الإسلامية، والأوْلى ببقية الشرائع ألا تمنعه أو تحظر فعله؛ ذلك لما فيه من المصلحة الظاهرة لحياة الإنسان الذي سُخِّر له هذا الكون بما فيه، وفُضِّل على جميع مخلوقاته، خاصة إذا كان مثل هذا الفعل لا يترتب عليه حدوث مخاطر جانبية، أو مضاعفات مرضية، تربو على ما فيه من المصلحة الظاهرة والمحقَّقة.

وهذا النوع من الاستنساخ ـ كما يقول الدكتور سعيد موفعة ـ أكثر إفادة للمريض من استنساخ لقيحة جنينية ( عمر 14 يومًا) ـ الذي سبق الحديث عنه؛ وذلك لأن مصلحة استنساخ العضو تربو في تقديري على مفسدة استنساخ جنين في عمر اليوم الرابع عشر، ثم تركه بعد ذلك ليموت تقليديًّا، وذلك من باب ارتكاب أخف الضررين، وأهون الشرَّين، وأقل البليتين.

كما أن القيام بمثل هذا العمل لغرض تخفيف المعاناة والآلام عن المستنسخ منه باستبدال ذلك العضو المريض منه عن طريق الاستنساخ المذكور ـ أمر كذلك سائغ وجائز؛ لظهور المصلحة فيه ورجحانها على المفسدة الحاصلة من ترك هذه اللقيحة حتى تنتهي منها الحياة، أو يتركها حتى الموت، هذا إذا لم يتأتَّ استنساخ الأعضاء من أعضاء المريض نفسه، دون الحاجة إلى استنساخ جنين كامل، فإذا استطاع الطب استنساخ هذه الأعضاء من أعضاء المصاب نفسه، ودون الحاجة لتكوين جنين كامل، فإن مثل هذا الفعل سيكون في دائرة المندوب والجائز مطلقًا([13]).

وفي هذا السياق يقول الدكتور القرضاوي: إذا أمكن استنساخ أعضاء معينة من الجسم، مثل: القلب أو الكبد أو الكلية أو غيرها؛ ليُستفاد منها في علاج آخرين محتاجين إليها ـ فهذا ما يُرحِّب به الدين، ويثيب عليه الله تبارك وتعالى؛ لما له من منفعة للناس، دون إضرار  بأحد أو اعتداء على حرمة أحد.

فكل استخدام من هذا القبيل فهو مشروع، بل مطلوب طلب استحباب، وربما طلب إيجاب في بعض الأحيان بقدر الحاجة إليه، والقدرة عليه([14]).

ونخلص من كل ما سبق إلى أن موقف الإسلام من الاستنساخ البشري ليس واحدًا؛ بل يختلف حسب صوره وأنواعه؛ فهناك الاستنساخ الكلي والجزئي، فأما الكلي فينقسم إلى قسمين: جسدي وجنيني. فأما الأول منهما فمحرَّم قطعًا، إلا في حالة استنساخ لقيحة جنينية (عمر 14 يومًا) لمن أصيب بعطب أحد أعضائه المهمة، وأما الآخر فجائز، لكن بشروط معينة. وأما الاستنساخ الجزئي فجائز، بل مندوب إليه؛ لما له من منفعة عظيمة للمرضى.

ثانيًا. موقف غير المسلمين من الاستنساخ البشري:

كما أثار موضوع الاستنساخ البشري زلزالًا مُدوِّيًا في الأوساط العلمية؛ فقد كانت آثاره أكثر دويًّا وقوة في الأوساط الدينية، في مختلف العقائد والأديان السماوية، وكذا في الأوساط السياسية على مستوى العالم. وقد تحدَّثنا عن موقف الإسلام من هذا النوع من الاستنساخ في الوجه الأول، فماذا عن موقف الديانات السماوية الأخرى؟!

·      موقف الديانة اليهودية:

حرَّم رجال الدين اليهودي الاستنساخ البشري؛ فقد قال الحاخام الكبير "مئير لادو": إن الاستنساخ البشري ينافي الشريعة اليهودية([15])، وكذلك كبار الحاخامات اليهود يدينون عملية الاستنساخ البشري في إسرائيل([16]).

·      موقف الديانة المسيحية:

أصدر البابا "يوحنا بولس الثاني" ـ وهو أعلى مرجعية مسيحية في العالم ـ بيانًا ندَّد فيه بالاستنساخ البشري فقال: لقد أصبحت الحياة الإنسانية في يد العلم، وأكَّد ضرورة حق الحياة. وقد عبَّر عن رفض الكنيسة للاستنساخ أكثر من شخصية مسيحية، فهذا الأب الدكتور "رءوف نجار" يقول: إننا لم نجد نصوصًا في الكتاب المقدس تجيز استنساخ البشر، فالكتاب المقدس فيه النصوص الأدبية والأخلاقية التي تمنع الاستنساخ. وقال: إن الدين لا يلغي العلم، فليس كل ما هو ممكن علميًّا يكون مقبولًا أدبيًّا، والاستنساخ خروج عما وضعه الله تعالى في طبيعة الإنسان؛ لأن مثل هذه العمليات تطيح بالأسرة والإنسان والقوانين الوضعية بشأن الإرث. ويقول: إن الدين المسيحي يندِّد بعمليات الاستنساخ البشري ويجبُّها من أساسها؛ لأنها عمليات مخالفة للمبادئ المسيحية، وللقيم السامية والأخلاق القويمة، ولأنها عمليات خارجة عن المخطَّط الذي وضعه الله تعالى للخلق والإبداع، لذلك على الناس أن يحترموا كل كائن بشري حتى وهو مضغة وعلقة؛ لأنه كائن حي. واختتم حديثه بقوله: إن الدين المسيحي يدافع بشدة عن الكرامة البشرية، وعن حق الحياة لكل مخلوق بشري منذ أول لحظة لحياته([17]).

فكيف بعد هذا يدعون أن الأديان السماوية كلها لا تمنع الاستنساخ البشري ولا تحرِّمه؟! وحجتهم في هذا ـ كما يقولون ـ هي حثُّ الأديان السماوية على إعمار الأرض والإكثار من الحرث والنسل، دون أن تحدد وسائل معينة، بل تركت الأمر مفتوحًا.

وهذا الكلام لا دليل عليه، كما أنه كلام عام غير منضبط؛ فالحث على إعمار الأرض والإكثار من الحرث والنسل مقيَّد بنظام التكاثر والإنجاب الطبيعي، إلا أنه في النبات والحيوان قد أبيح التكاثر الصناعي من استنساخ وغيره بشروط وضوابط محددة([18])؛وذلك لما له من منافع وفوائد للبشرية، أما تطبيق هذا الاستنساخ ـ بصفة خاصة ـ على الإنسان فإنه محرم وممنوع من كل الجوانب، إلا في حالات خاصة ونادرة ـ كما ذكرنا آنفًا ـ وذلك لأسباب؛ منها مخالفته لنظام الإنجاب الطبيعي الذي وصفه الخالق جل وعلا في الإنسان وغيره من المخلوقات هداية منه، ولم يترك الأمر مفتوحًا، كما يدِّعي مثيرو الشبهة. وهذه الأسباب سنفصِّل الأمر فيها ـ إن شاء الله ـ في الوجه الأخير من هذه الشبهة.

·      موقف الهيئات التشريعية والمنظمات العالمية والوزارات المختصة من الاستنساخ البشري:

لقد لاقَى الاستنساخ البشري هجومًا كبيرًا وعنيفًا من قِبَل المنظمات الأخلاقية والعالمية وبعض الدول؛ حيث قامت أربع وعشرون (24) دولة بحظر هذا الاستنساخ، وسنِّ قوانين تعاقب العاملين به، منها: ألمانيا، وفرنسا، واليابان، والهند، والأرجنتين، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، وبريطانيا. كذلك صادق المجلس الأوربي عام 1998م على قانون حظر استنساخ البشر، ومن بعده إيطاليا وبوليفيا، ثم ماليزيا ومنظمة الصحة العالمية.

فتراوحت الآراء بين الحظر والملاحقة القانونية (القضائية) لكل من تُسوِّل له نفسه العمل به، ومنهم من دعاها بالتجارب المرعبة التي لا يمكن القبول بها أو تطبيقها على الإنسان، وأخيرًا وفي عام 2003م صادق الكونجرس الأمريكي على قانون حظر الاستنساخ البشري([19]).

وقد أعرب الرئيس الأمريكي "جورج بوش" عن انزعاجه من جهود استنساخ البشر، وقال متحدث باسم البيت الأبيض: إن الرئيس الأمريكي يشعر بانزعاج وقلق، وأنه يؤيِّد تبنِّي تشريع يحظر جميع أبحاث استنساخ البشر، وأكَّد حاجة الكونجرس الشديدة للعمل على وضع تشريع يتفق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي لمنع استنساخ آدميين([20]).

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" قد أعلن أن المؤسسات الاتحادية الأمريكية لن تسهم في تمويل البحوث التي تتجه لاستنساخ البشر، وطلب من الأسرة العلمية الأمريكية أن تمتنع عن إجراء البحوث في هذا المجال، وقال الرئيس الأمريكي: تقع على عاتقنا مسئولية التقدُّم في حذر وعناية، والصمود أمام إغراء نسخ أنفسنا([21]).

ودعا "ليون كاس" (رئيس المجلس الأمريكي للأخلاق الحيوية) إلى حظر الاستنساخ البشري، وقال: إنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون متشدِّدة جدًّا مع الأشخاص الذين يريدون تجاوز الحدود بين الخلق والصناعة.. مضيفًا أن الاستنساخ البشري عمل غير أخلاقي ويجب أن يحرَّم دوليًّا.

وفي سويسرا أكَّد رئيس الجمعية السويسرية الوطنية للأخلاق والدواء الآدمي أن استنساخ البشر يُعدُّ عملًا إجراميًّا([22]).

ويقول تقرير "دارموك" الذي صدر في بريطانيا عام 1984م حول استخدام الأجنة البشرية في التجارب، وورد فيه: إن استنساخ البشر ممكن، ولكن لماذا نستنسخ البشر أصلًا؟ كما أن استنساخ البشر محرم قانونًا في بريطانيا أيضًا حسبما ورد في قانون التلقيح والأجنة الصادر عام 1991م.

وطالب الرئيس الفرنسي السابق "جاك شيراك" اللجنة الاستشارية الوطنية المختصة بأخلاقيات المهن بدراسة اللوائح لمنع تجارب الاستنساخ البشري، والتعجيل بذلك، وعدم الانتظار إلى عام 1999م، وهو الموعد الذي كان مقرَّرًا أن تجتمع فيه اللجنة، وقال وزير الدولة الفرنسي لشئون البحوث العلمية: الاستنساخ البشري لا مجال للتفكير فيه.

هذا؛ وقد أصدرت اليابان حظرًا على كل أنواع البحث في مجال استنساخ البشر. كما أعلنت ألمانيا أن استنساخ الأجنة جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن خمس سنوات. وأكَّد وزير البحث العلمي والتكنولوجيا في ألمانيا عدم السماح بممارسة هذه التقنية، وأنه لن يكون هناك استنساخ بشري مطلقًا، كما أكد أن 80% من الشعب الألماني يرفض تطبيقها على المستوى البشري.

وقد بدأت البرتغال بإعداد قوانين تحرِّم عمليات الاستنساخ البشري. وقد طالب علماء الصين الحكومة بضرورة سنِّ قوانين تحرِّم تطبيق هذه التقنية الوراثية على البشر، ومراقبة ممارستها في المجالات الأخرى. وقالت منظمة الصحة العالمية: إن أية محاولة لاستخدام تكنولوجيا الاستنساخ الجديدة في عمل نسخ متطابقة من البشر غير مقبولة، ولن تؤيِّد المنظمة هذه التجارب؛ لأنها تخالف المبادئ الأساسية للولادة، وأكدت احترام كرامة الإنسان وحماية الموروثات البشرية. هذا؛ وقد أدان الدكتور "هيروشي ناكجيما" المدير العام للمنظمة استنساخَ البشر.

وقد أصدر البرلمان الأوربي عام 1987م توصيات بمنع تكوين الأجنة البشرية بهدف إجراء دراسات معملية عليها، كما حظر التجارب على الأجنة الحية وعمليات استنساخ البشر لأيَّة غاية من الغايات، وذلك بالإضافة إلى حظر عمليات دمج الأجنة. وها هو "فيدريكو ماريو" المدير العام لليونيسكو يعلن أن البشر لا يجب استنساخهم تحت أي ظروف([23]).

وبالإضافة إلى ما سبق، كتب الدكتور سعيد موفعة تحت عنوان: "الاستنساخ والاستطلاعات الشعبية" يقول: "قد كان هناك استفتاء أُجري لصالح (CNN,Time)، في عددها الصادر في 10/3/1997م في أمريكا، وكان السؤال الأول: "إذا أتيحت لك فرصة لاستنساخ نفسك فهل تقبل؟

الإجابة: 91% لا، و7% نعم"([24]).

وبناءً على ما سبق؛ فإن الاستنساخ البشري محرم ومحظور ـ مطلقًا دون استثناء ـ من قبل الديانات السماوية (اليهودية والنصرانية)، والهيئات التشريعية والمنظمات العالمية والوزارات المختصة على مستوى العالم. وهذا الموقف وإن كان يتَّفق مع موقف الإسلام نوعًا ما، إلا أن فيه غُلوًّا وتفريطًا غير مقبولين.

يقول الدكتور سعيد موفعة بعدما عرض لحكم استنساخ اللقائح الجنينية (عمر 14 يومًا) في الشريعة الإسلامية:

هذا هو الرأي الذي يتفق مع روح الشريعة الإسلامية، والبناء الصحيح للأحكام الشرعية المستندة إلى مقاصد التشريع الكلية، وقواعده الممهدة، ودون التأثُّر بالشرائع الأخرى من اليهودية، والنصرانية، والوثنية، أو القوانين الوضعية المزعومة، أو الورع الكاذب، كما تضجُّ بذلك دول الشرق والغرب، وتدعو إلى منع الاستنساخ بكل أطواره وصوره، وبدعوى الأخلاقيات المزعومة التي تتمسَّح بها هذه المجتمعات، فهي تدعو إلى منع استنساخ اللقائح الجنينية (عمر 14 يومًا)، وتجيز الإباحية والإجهاض بمختلف أشكاله وصوره. وهذا إن دلَّ على شيء؛ فإنما يدل على المستوى الذي وصلت إليه نظرتهم المنكوسة، وظهر به منطقهم المعكوس، فهم بهذا يستحسنون القبيح ويقبِّحون الجميل، ويحلِّون الحرام، ويحرِّمون الحلال، فيجيزون إبادة شعوب حية، ويحرمون استنساخ خلايا لا توجد فيها الحياة الإنسانية الحقيقية، تحت ذريعة الحفاظ على كرامة الإنسان وحياته. فيصحُّ فيهم قوله تعالى:  )يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق( (النساء: ١٧١).

والقول بمنع الاستنساخ لغرض العلاج، وفي مراحله الأولى هو نوع من الغلو، والإفراط المنهي عنه، وهو كذلك خروج عن دائرة الوسطية والاعتدال، ومجافاة للعقل والمصلحة، فأيُّ أخلاقيات لهؤلاء القوم؟!

قال الشاعر:

وَضْعُ النَّدَى في مَوْضِعِ السَّيفِ بِالعُلَا

 

مُـضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيفِ في مَوْضِعِ النَّدَى([25])

وبالرغم من هذا؛ فإن هذا الموقف يتفق جملةً مع موقف الإسلام من تحريم الاستنساخ الجسدي، الذي يدَّعي مثيرو هذه الشبهة إباحته ومشروعيته.

ثالثًا. حرمة الأجنة البشرية ومكانتها في الشريعة الإسلامية:

لقد اعتنى الإسلام بالجنين البشري اعتناءً كبيرًا، لم يسبق له مثيل، لا في الديانات السماوية الأخرى، ولا في أيَّة شرائع أخرى، تمثَّل ذلك في حفظ حقوقه، كحقه في أن تكون له أم صالحة وأب صالح؛ مصداقًا لما رَوَته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخيَّروا لنُطَفِكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم»([26])، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة.

وصلاح الأبوين لا يعني صلاح الخلق والدين فحسب، وإنما يشمل أيضًا عدم وجود الأمراض الوراثية، أو حتى المعدية، التي يمكن أن تنتقل إلى الزوجة، ومنها إلى الذرية في هذا الزمان الذي انتشرت فيه الرذائل، فلا يوجد مانع شرعي من إجراء الفحوصات الطبية اللازمة للراغبين في الزواج عند أطباء موثوقين؛ حتى يثبت خلوّهما من الأمراض المعدية، والعيوب الوراثية الظاهرة، أو الموجودة في الأسرة، ولا يمنع ترك ذلك وجود موانع اجتماعية تحول دون تحقيق ذلك؛ خاصة إذا كان الأزواج في مجتمع لا يقبل مثل هذا الإجراء، أو كانت ستؤدي إلى إحجام الكثيرين عن الزواج، أو تكون عائقًا أمام الراغبين فيه.

وزيادة على ما تقدَّم في رعاية الإسلام للجنين؛ فإن هناك رعاية للحامل نفسها وجنينها فلا بد أن تستجيب لتعليمات الأطباء الثقات في المحافظة على غذائها بالنِّسَب التي يحدِّدها أهل الاختصاص، ومن الأطعمة المناسبة لصحتها وصحة جنينها، وأن تمتثل لكثير من الإرشادات والتوجيهات الطبية التي من أهمها ما يأتي:

1.   ينبغي ألا تتعرَّض الحامل إلى صور الأشعة؛ بل لقد أصبح الأطباء يحذِّرون المرأة التي في سن الحمل من التعرض للأشعة ولو لم تكن حاملًا، وخاصة الأشعة التي بها كميات كبيرة من الإشعاعات الضارة إلا لضرورة، مع أخذ الاحتياطات اللازمة.

2.   في 24/6/2000م عقدت الهيئة العليا للطاقة الذرية والأشعة الخطيرة مؤتمرها السنوي في صنعاء برئاسة رئيس الوزراء، وأصدرت بيانًا ختاميًّا دعت فيه الأمهات إلى عدم تعريض أنفسهن للأشعة؛ لما في ذلك من الضرر والخطورة على أجنتهن.

3.   أن تأخذ الفتيات قبل سن الزواج المصل الوقائي ضد الحصبة الألمانية التي إذا أصيبت بها الحامل أدَّت إلى تشوُّه الجنين.

4.   أن تمتنع عن تعاطي التبغ (الدخان) بكافة صوره وأشكاله، وقد ظل كثير من الأطباء والعلماء يحرِّمه على الرجال لضرره، فكيف إذا ثبت أن التبغ يؤدي إلى تشوُّه الجنين، وصغر حجمه، وإلى زيادة احتمال الإجهاض إذا تناولته المرأة الحامل، فإن الحرمة بالنسبة لها أشدُّ وأوجب.

ولقد بلغ من رعاية الإسلام بهذه الأم وهذا الجنين أن منع من تخويفها بما يؤدي إلى إسقاط جنينها، وهذا مما لم تعهده المدنية اليوم، ولن تعرفه غدًا في تشريعاتها المشلولة والناقصة؛ فعن الحسن رضي الله عنه قال: «أرسل عمر بن الخطاب إلى امرأة مغيِّبة كان يُدخل عليها([27])، فأرسل إليها، فقيل: أجيبي عمر، فقالت: يا ويلها، ما لها ولعمر، قال: فبينا هي في الطريق فزعت، فضربها الطَّلْق([28])، فدخلت دارًا فألقت ولدها، فصاح صيحتين ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار عليه بعضهم: أن ليس عليك شيء، إنما أنت والٍ ومؤدِّب، قال: وصَمَت علي، فأقبل عليه فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، أرى أن دِيَته عليك؛ فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سببك، قال: فأمر عليًّا أن يقسم عقله([29]) على قريش؛ يعني: يأخذ عقله من قريش؛ لأنه أخطأ»([30]) ([31]).

وليس هذا فحسب؛ بل إن من الحقوق التي أثبتها الإسلام للجنين المستكن في بطن أمه حق إثبات النسب لهذا الجنين من أبيه وانتمائه إليه، وكذا حق إثبات الأهلية له؛ حتى يتمكَّن من الحصول على بعض الحقوق المادية قبل خروجه من رحم أمِّه؛ كإرثه من موروثيه، والوصية له، والهبة له، والوقف عليه([32]).

وبعد؛ فهل بعد هذه العناية والرعاية من الإسلام للجنين البشري وهو في بطن أمه يحق لهؤلاء المدَّعين أن يقولوا: إن الأجنة البشرية ليست كالكائنات البشرية التي يجب احترامها؟!

وهم بذلك يريدون مُسوِّغًا لهم على أن إجراء تجارب الاستنساخ على الأجنة البشرية أمر طبيعي غير مقلق. فما وجه الصحة في ذلك؟

بداية نقول: إن كان المقصد من وراء ذلك هو الاستنساخ الجسدي فهذا لا يجوز بحال، إلا في  حالة استنساخ لقيحة جنينية (عمر 14 يومًا) كما ذكرنا سابقًا.

وأما إن كان المقصد هو الاستنساخ الجزئي (الأعضاء البشرية)، أو الاستنساخ الجنيني، فهذا جائز كما أوضحنا في الوجه الأول، ولكن الأمر يحتاج هنا إلى شيء من التفصيل؛ وذلك لأن الأجنة التي يمكن الاستفادة منها متفاوتة من حيث الأطوار ومراحل النمو؛ فمنها ما لم ينفخ فيه الروح، ومنها ما نُفخ فيه، كما أن منها الحي والميت، ومنها ما لا يزال في بطن الأم، ومنها الساقط، ومنها المخرج من بطن أمه، ومنها ما له دماغ، ومنها ما ليس لديه إلا جذع الدماغ... إلخ.

وبناءً على هذا التفصيل؛ فإن طبيعة الحديث عن هذه القضية تقتضي النظر فيها من عدة جوانب:

1.   حكم إجراء التجارب العلمية على الأجنة الفائضة:

لقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قرارًا برقم (57/6/6)، وذلك بشأن البييضات الملقَّحة الزائدة على الحاجة، جاء فيه ما نصُّه:

·      في ضوء ما تحقَّق علميًّا من إمكان حفظ البييضات غير الملقحة للسحب منها؛ فإنه يجب عند تلقيح البييضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة؛ تفاديًا لوجود فائض من البييضات الملقحة.

·      إذا حصل فائض من البييضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي.

·      يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى، ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البييضة الملحقة في حمل غير مشروع.

وبناءً على هذا القرار فلن تبقى لدينا مشكلة فقهية في حكم التعامل مع الأجنة المجمَّدة، ومدى الاستفادة منها في أي مجال كان، ابتداءً من إعادة غرزها في رحم المرأة الملقحة، أو إجراء التجارب العلمية عليها، أو أخذ بعض الأنسجة والأعضاء منها، مادمنا قد أقفلنا الباب رأسًا، وسدًّا للذريعة فيه بالاقتصار على أخذ البييضات المعتاد تلقيحها من 1 ـ 3 في المتوسط المعتاد.

2.   حكم إجراء التجارب العلمية على الأجنة عديمة الدماغ([33]):

إن هذه الأجنة محكوم عليها بالموت عاجلًا أو آجلًا، وقد كان وجود مثل هذه الأجنة نوعًا من التيسير والفرج العظيم في مجال نقل الأنسجة والأعضاء، وإجراء التجارب عليها. وبما أن هذه الأجنة قد جاءت بهذه الصورة ابتداءً، ولم يتسبَّب أحد في تشويهها فإنها ستكون الخيار المناسب، والباب الواسع بدلًا عن استخدام البييضات المجمدة التي رأينا منع تجميدها ـ كما ذكرنا في الوجه الأول ـ وكذلك عن الأجنة السليمة الأخرى.

وعليه؛ فليس هناك مانع شرعي من الاستفادة من هذه الأجنة المحكوم عليها بالموت في مختلف القضايا الطبية المتنوعة، وفي المجالات المتعددة، ولكن بشرطين:

الشرط الأول: ألا تكون قد استقبلت مرحلة الروح (120 يومًا).

الشرط الثاني: أن يكون الحكم بمآلها إلى الموت متيقنًا، وليس من قبيل الظن والتخمين.

3.   حكم إجراء التجارب العلمية على الجنين الحي في بطن أمه قبل نفخ الروح فيه:

إن الحكم على هذه الصورة مرتبط ـ أولًا ـ ببيان حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه، وهو كالآتي:

لقد ذهب أكثر الفقهاء إلى تحريم الإجهاض منذ لحظة التلقيح الأولى وفي أية مرحلة من مراحل خلق الجنين؛ لما فيه من اعتداء على حق الجنين في الحياة، وعلى حق المجتمع، إلا في حالة وجود عذر صالح يعتدُّ به أهل الخبرة من الأطباء الحذَّاق المشهورين بالفطنة، والعدالة والاستقامة([34])، وهذا هو الراجح ، كما قال الدكتور سعيد بن منصور موفعة، الذي قام بعمل موازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على مثل هذا الفعل فكانت النتيجة كما يأتي:

"فالذي يظهر أن مصالح هذا التصرف تتفوَّق على مفاسده من حيث الجملة، وأما من حيث التفصيل فينبغي أن يُنظر لكل حالة بخصوصها.

ولذا نرى أن الحكم الشرعي لهذا التصرف ينبغي أن يأخذ ذلك المنْحَى، فيقال بجواز استخدام الأجنة التي لم تستقبل الروح بعد في زراعة الأعضاء، والتجارب العلمية عليها، وجواز إسقاطها لهذا الغرض، من حيث الجملة مع ضرورة النظر إلى كل حالة على حدة؛ ليستبعد من هذا الجواز الحالات التي تقتصر على مصالح تحسينية"([35]).

فالأمر إذًا يرتبط بالمصالح الضرورية([36]) والحاجية([37]) فحسب. وقد وضع العلماء شروطًا موضوعية وقيودًا تنفيذية لجواز استخدام هذه الأجنة المجهضة في التجارب العلمية، وهي كما يأتي:

الشرط الأول: أن يغلب على الظن تحقيق مصالح معتبرة للآدمي الذي ينقل إليه نسيج الجنين، أو خليته، أو عضوه، كما أنه ينبغي أن يغلب على الظن حصول المنفعة العامة للمجتمع من إجراء التجارب العلمية عليه، وأن يكون فوات هذه المصالح أخطر من مفسدة إتلاف هذه الأنواع من الأجنة، شريطة أن تحقق هذه المصلحة يقينًا وبقناعة أهل الاختصاص.

الشرط الثاني: هو ألا توجد طريقة أخرى لتحقيق هذه المصالح المبتغاة، وأن تكون أيضًا خالية من المفاسد، أو ذات ضرر أقل مما ذكر، فإذا أمكن العلاج بغير إتلاف الجنين الحيِّ بقي العمل غير مشروع.

وكذلك إذا كان من الممكن تحقيق النتائج العلمية المرجو تحقيقها باستخدام غير جنين الآدمي، كالأجنة الحيوانية ونحوها، فلا يلجأ إلى جنين الإنسان.

كما أنه لا يجوز استخدام الأجنة الحية في مراحل متقدمة من تطوُّرها، إذا أمكن تحقيق المطلوب باستخدام أجنة في مراحل أدنى عمرًا، فلا يصح استخدام جنين في مرحلة المضغة، إذا أمكن واقعيًّا وعمليًّا تحقيق المقصود باستخدام جنين في مرحلة العلقة أو النطفة، ولا يجوز استخدام جنين في مرحلة العلقة إذا أمكن استخدام جنين في مرحلة النطفة، ولا استخدام جنين في مرحلة النطفة إذا تعلق بجدار الرحم، إذا أمكن استخدام جنين لم يَعْلَق بعدُ بجدار الرحم... إلخ.

وهكذا؛ فإن إباحة استخدام الأجنة مشروط بهذا التدرُّج، وأصل هذا الشرط ما اتفق عليه العلماء من أن قاعدة الأخذ بأعظم المصلحتين مشروط بعدم إمكانية تحقيقهما جميعًا، وما اتفقوا عليه أيضًا من أن الضرورات والحاجيات تُقدَّر بقدرها إذا اقتضت مراعاتها ارتكاب فعل محرم في أصله.

الشرط الثالث: أن يكون استخدام الجنين بإذن أبويه ورضاهما كليهما؛ وذلك لأن الجنين إذا كان في بطن أمه استلزم من القول بجواز استعماله الإضرار بها، فلا بد من إذنها، وكذا إذن والد الجنين؛ لأن في ذلك تفويت فرصة على الوالد.

ويذهب الدكتور محمد نعيم ياسين إلى عدم اشتراط الإذن إذا امتنع الناس جميعهم عن السماح بإجراء التجارب العلمية على لقائح لا فائدة منها لذويها؛ لأن تحقيق المصالح التي يذكرها الأطباء لهذه التجارب من باب فروض الكفاية بالنسبة للمجتمع، فيجب العمل لتحقيقها، فيُلغى اعتبار الإذن لتحقيق المزيد من المعارف النافعة؛ فإن تحققت الكفاية عاد الأمر إلى اعتبار الإذن، وإلا بقي الحال على عدم اشتراطه حتى تتحقق الكفاية.

الشرط الرابع: أن يكون الجزء الذي يؤخذ من الجنين لزراعته مما لا يؤدي إلى مفسدة خلط الأنساب، وهذا الشرط يقتضيه الاحتياط للأنساب، وبناء على هذا الشرط يحرم أخذ خصية الجنين، أو مبيضه لزراعة ذلك لشخص آخر، كما يقرِّره أهل الاختصاص من أن الحيوانات المنوية، والبييضات تتكوَّن من خلايا الخصية ذاتها، والمبيض ذاته، وأن تكون الحيوانات المنوية من خلايا تلك الخصية المنقولة ستكون نسبتها إلى الجنين صاحب الخصية، وكذلك الحال في المبيض.

الشرط الخامس: ألا تستعمل هذه الأجنة في بحوث غير جادة ولا هادفة، وهذا الشرط كذلك يقتضيه الاحتياط لـمَّا كان الجنين ـ وإن لم تنفخ فيه الروح ـ أصلًا للآدمي، وكذلك التصرُّف فيه بالزراعة والتجارب قد يتخذ ذريعة لأعمال تتنافى مع مقاصد الشرع، كأن تستعمل أجزاء الجنين للتجارة، وهذا مما يتنافى مع كرامة الآدمي بامتهان أصله ومادته، ولما كانت هذه التصرفات وغيرها مما يتنافى مع مقاصد الشرع ممكنة الوقوع؛ فإن إباحة استخدام الأجنة في مجال زراعة الأعضاء والتجارب العلمية ينبغي أن تحاط بجملة من القيود التنفيذية، فلا يسمع بذلك إلا لمراكز محدودة ومتخصصة، ومراقبة من هيئات رسمية صارمة، بحيث لا يدخلها شيء من الأجنة، أو يخرج منها إلا تحت مراقبة هذه الجهات الرسمية.

4.   حكم إجراء التجارب العلمية على الجنين الميت قبل النفخ فيه:

إن المقصود بموت هذا الجنين هو صيرورة خلايا جسده عاجزة عن النمو والاغتذاء والانقسام، ومثل هذا الجنين لا يمكن أن يستفاد منه في زراعة الأعضاء؛ لاشتراط الحياة في العضو عند نقله للغير، كما أن أغلب الظن أنه غير مُجدٍ للأبحاث أيضًا؛ لأن زراعة الأعضاء والأجزاء تستلزم أن تكون أنسجة الجنين حية، كما يرى أهل الاختصاص.

وعلى أية حال؛ فإنه إذا احتيج إلى مثل هذا الجنين في بعض الأبحاث، فإنه لا يوجد شرعًا ما يمنع الاستفادة منه، ولا يشترط لذلك إلا أن يُرجى النفع من البحث في خلاياه وألا يكون عبثًا.

وهناك صورة أخرى تلحق بالصورة آنفة الذكر، غير أن مجال الانتفاع بالجنين بها أوسع، وخاصة في التجارب العلمية، وهي أن تكون خلايا الجنين حيَّة، ولو غرس في الرحم لنمَى وتطوَّر، إلا أن هناك مانعًا واقعيًّا أو شرعيًّا يمنع من غرسه في رحم امرأة، كما في الأجنة المجمدة أو اللقائح الفائضة في مشاريع أطفال الأنابيب، وكذلك الجنين الذي سقط من بطن أمه وعجز الطب عن إعادته إليه بالرغم من بقاء الحياة في خلايا جسده، والمصير المحتوم لهذا الجنين هو التوقُّف عن النمو.

وحكم استخدام الجنين في هذه الصورة لزراعة الأنسجة والخلايا، وإجراء التجارب العلمية عليه ـ لا يُعدُّ إتلافًا له، وحكمه كحكم استخدام الجنين في الصورة السابقة؛ لأنه يعدُّ ميتًا حكمًا، وإن كانت خلايا جسده حيَّة في الحقيقة.

5.   حكم إجراء التجارب العلمية على الجنين بعد نفخ الروح فيه:

إن إجراء التجارب العلمية على الجنين الذي استقبل الروح بانصرام مئة وعشرين يومًا على تكوينه، ولم تفارقه هذه الروح ـ حرام لا يجوز؛ فهو آدمي يحيا بحياة الروح، وإن إخضاعه لمثل هذا مما قد يتسبَّب في مفارقة روحه لجسده، ويكون قتلًا له بالمعنى الاصطلاحي الدقيق للقتل؛ فإن نجا الجنين من ذلك كان هذا التصرف اعتداءً على جسد آدمي حي على أقل تقدير، وهو من الأفعال المحرمة شرعًا كما هو معلوم.

وهذا الحكم لا يختلف سواء كان الجنين في بطن أمه أو سقط منه، أو أُسقط بفعل فاعل، فإن الحكم لا يختلف ما دام الجنين حيًّا بروحه التي بين جنبيه، ويُعرف ذلك بصدور أية حركة إرادية عن الجنين، أو بتبيَّن صلاحية دماغه وعدم موته وسريان النَّفَس فيه وعدم انقطاعه؛ لأن الروح إنما تسيطر على الجسد بواسطة الدماغ.

وكل ذلك لأن قتل الإنسان لا يحلُّ إلا أن يكون عقوبة على معاصٍ حدَّها الشرع، ولا يوجد مسوِّغ له غير ذلك، ولا يجوز إزهاق روح آدمي لكونه سببًا في إحياء روح آدمي آخر؛ لأن الآدمية في ميزان الإسلام سواء، ما دام أصحابها لم يرتكبوا من المعاصي ما يستوجبوا إهدار أرواحهم.

فلا يحلُّ في شرع الله تعالى أن يُمسَّ بأيِّ أذى، وإن كان ذلك بإذن الأبوين، أو بناءً على تبرعهما، نيابة عن الجنين؛ لأن النيابة مُقرَّرة لمصلحة المنوب عنه، لا لمصلحة النائب، بأن يتصرف بما يسبب الضرر بالمنوب عنه. وأما إذا كان ميتًا بأن فارقته الروح بعد نفخها فيه، فحاله كحال الآدمي المولود الذي فارقته الروح، وحقُّه في الشرع أن يكرم بغسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، وعدم التمثيل بجثته، والأصل أنه لا يحلُّ أن يؤخذ شيء من جسد الميت، أو يجرى عليه من التجارب العلمية ما يغيِّر خلقته، إلا بإذن صدر من الميت قبل وفاته.

وأما إذا فارقت الروح جسد الجنين بوفاة دماغه، سواء أكان في بطن أمه أم خارجه، فإنه يصبح آدميًّا ميتًا، ويكون أخذ عضو منه، أو إجراء التجارب عليه تصرُّفًا بجسد آدمي، ولا يكون ذلك قتلًا له.

ولكن يحتمل القول بجواز الأخذ من جسد الجنين في حالة الضرورة بمعناها الاصطلاحي الدقيق، بأن يترتب على ذلك إنقاذ آدمي أشرف على الموت، أو إنقاذ طرف من أطراف إنسان آخر، أو حاسة من حواسه، ويمكن قياس ذلك على ما ذهب إليه فريق من الفقهاء المسلمين من جواز أكل المضطر من جثة آدمي ميت، وإذا كانت الضرورة هي مستند هذا الاتجاه فلا بد عندئذٍ من مراعاة شروطها بألا يكون هنالك سبيل آخر لدفعها، وأن تكون حالة، بأن يكون الضرر واقعًا، أو على وشك الوقوع، وأن يكون الأخذ من الجنين الميت والزرع في المريض المشرف على الهلاك الكلي أو الجزئي ـ موصلًا إلى النجاة أو الشفاء في غالب الظن، وبغير هذه الشروط الثلاثة لا يجوز الأخذ من الجنين الميت.

ومقتضى قاعدة الضرورة ألا يشترط استئذان الوالدين في ذلك، ولا شك في أن أخذ إذنهما وتطييب خاطرهما أمر مستحسن([38]).

وخلاصة القول فيما سبق أن للأجنة البشرية حرمتها المصونة في الشريعة الإسلامية، فلا يحق لأحد الاعتداء عليها أو إجهاضها إلا لعذر طبي مقبول. ومن ثم؛ فلا يجوز إجراء التجارب العلمية عليها إلا في حالات معينة، وبشروط محددة، فإن كان ـ مثيرو الشبهة ـ يريدون بكلامهم الاستنساخ الجزئي (الأعضاء البشرية)، أو الاستنساخ الجنيني، بالضوابط الشرعية، فبها ونعمت، أما إن كانوا يريدون الاستنساخ الجسدي الكلي فهذا لا يجوز بحال، إلا في حالة استنساخ لقيحة جنينية (عمر 14 يومًا)، كما أوضحنا في الوجه الأول.

رابعًا. بنوك المني وأطفال الأنابيب ليسا تبريرًا للاستنساخ البشري الكلي (الجسدي):

ما أكثر الحجج الواهية التي يختلقها دعاة الاستنساخ البشري لتبريره، من ذلك وجود بنوك المني مفتوحة ومتاحة ـ على حدِّ قولهم ـ للمرأة في العصر الحديث، زاعمين أنه من باب أولى أن يستعين أيٌّ من الزوجين بإحدى خلاياه لاستنساخ بشر مثله.

والجواب عن هذا أن هذه المصارف والبنوك المنوية تهتم باستقبال مني البائعين والمتبرعين وبيعه، وتذكر الوثائق أن أول حالة تُلقَّح فيها المرأة بمني رجل آخر غير زوجها جرت في فرنسا عام 1918م، وقد تم إنشاء أول بنك للمني في العالم عام 1980م في أمريكا، ولدى هذا البنك كتالوج يتضمَّن قائمة بأسماء الرجال أصحاب النطاف، وعلى من ترغب في شراء عينة مني محددة أن ترسل إلى هذا البنك مبلغًا قدره 1000 دولار فقط لتحصل على طلبها، ولقد حملت أكثر من أربعين سيدة باختيارهن لمني بعض العباقرة، والنابغين من ذلك البنك، وولدن وكبر أطفالهن، وقطعوا أشواطًا كبيرة من العمر، دون أن يظهر على أحدهم نبوغ أو عبقرية!

كما أن هذه البنوك قد انتشرت في عام 1985م في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا وأخيرًا في اليابان، وتفيد الإحصائيات أن هناك أكثر من مليون طفل ـ حتى أوائل التسعينات ـ ولدوا من مني متبرعين وبييضات متبرعات، أو بائعين لهذه المادة من جسمهم، وتجتهد هذه البنوك والشركات والوكالات في الدعاية لبضاعتها، وتدَّعي أن لديها منيَّ العباقرة والمشاهير والحسناوات، مع أن الحقيقة غير ذلك، فقد يكون هذا المني لديهم من مني المتسوِّلين، أو المجانين، أو المرضى المعتوهين، أو أناس عاديين([39]).

أما حكم إنشاء هذه البنوك والتعامل معها فحرام شرعًا؛ وذلك للأسباب الآتية:

1)         أن هذه البنوك تقوم مقام نكاح الاستبضاع الذي كان في الجاهلية، وجاء الإسلام بتحريمه، ومعناه: أن الرجل كان يرسل امرأته ـ إذا طهرت وقبل أن يجامعها ـ إلى أحد المشهورين بالرأي والقوة والشرف ليجامعها فتحمل منه، بدلًا من زوجها الذي لا يمسَّها حتى يتبيَّن حملها، يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد([40])([41]).

2)         أن فكرة البيع والشراء للمني يرفضها الإسلام أصلًا؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفَحْل»([42])؛ أي: منيه. فإذا جاء النهي بتحريم ذلك في الحيوان الذي لا يُنظر لنسبه، فكيف بالإنسان المكرَّم الذي ينبني على نسبه أحكام مهمة([43])؟!

3)         أن أساس هذه البنوك يتعارض مع أصول الشرع ومبادئ الفطرة؛ حيث يولد أبناء بلا آباء، مع العبث بماء الرجل وماء المرأة وإحداث مسائل معقَّدة، كما لو حملت الزوجة بلقاح زوجها بعد ربع قرن من الزمان، فكيف تنضبط قضية الميراث والحقوق الأخرى، علمًا بأن هذه البنوك تعيش فوضى عارمة في تضييع نسب الإنسان، الذي يُعدُّ من الضرورات التي عظَّمتها الشريعة الإسلامية؟!

يؤكد هذا ما ذكرته المصادر الغربية أن بنوك المني تستخدم منيَّ رجل واحد لتلقيح مئة امرأة؛ بل ذكر مركز "هاستنجس" (Hastings) حالات تكون فيها أم الطفل جدته وأخته في وقت واحد([44]).

وها هي بعض فضائح هذه البنوك:

1.   شهد القضاء الأمريكي قضية رفعتها زوجة أمريكية ضد الأطباء الذين قاموا بتلقيح بييضة لها بمني غير مني زوجها؛ حيث حملت هذه الزوجة وولدت طفلة سوداء، في حين أنها وزوجها أبيضا اللون، وبعد إجراء الفحوص الطبية للطفلة تبيَّن أنها ليست من نسل هذا الزوج.

2.   لقد ولد التوأمان الهولنديان "تيون" أبيض البشرة، و"كون" أسود البشرة، وذلك في ديسمبر 1993م، وهما لزوجين أبيضين، وبالبحث والتحري عرف الوالدان أن الخطأ وقع من فني المعمل حين وضع عينة من مني الزوج في أنبوب سبق أن استعمله لتلقي مني رجل أسود، وهذا يعني أن الأنبوبة كان بها بقايا من مني هذا الرجل الأسود، فتم إخصاب بييضتين للزوجة إحداهما بمني زوجها والثانية بمني الرجل الأسود عن طريق الخطأ([45]).

ومما سبق يتبيَّن عدم مشروعية هذه البنوك التي تتلاعب بحيامن ونُطف البشر؛ من أجل تحقيق أرباح مادية كثيرة. ولو سلمنا جدلًا بأن هذه البنوك تراعي الأمانة في عملها، فإنها تحرُّم أيضًا؛ سدًّا لذريعة اختلاط الأنساب؛ إذ إن الخطأ وارد فيها ولو كان قليلًا، فكيف يُتخذ عمل غير مشروع كهذا لتبرير عمل غير مشروع أيضًا، وهو الاستنساخ الجسدي للبشر؟!

وهذا يدفعنا إلى الحديث عن أطفال الأنابيب (التلقيح الصناعي الخارجي) ـ وهو أحد مبررات هؤلاء لإنشاء بنوك المني ـ إذ إنهم يدَّعون أن الاستنساخ البشري إذا استخدم فسيكون مقبولًا تمامًا كأطفال الأنابيب.

ونحن نتساءل: لماذا يُقحم موضوع أطفال الأنابيب عند ذكر كلمة الاستنساخ؟!

بمجرد ذكر كلمة الاستنساخ البشري يربط كثير من الناس بينها وبين أطفال الأنابيب، والحقيقة أنه ليس هناك علاقة لأطفال الأنابيب بهذا الاستنساخ؛ إذ إن أطفال الأنابيب عملية إخصاب طبيعي للبييضة بواسطة الحيوان المنوي، ولكنها تتم خارج الرحم في معمل، وفق تقنيات علمية وطبية لزوجين غير قادرَيْن على إحداث هذا الإخصاب بالطريقة التناسلية الطبيعية. ومن ثم؛ فالجنين الذي يتكوَّن من هذه العملية هو مثل الجنين الذي يتم الحمل به بالطريقة المعهودة في الإنجاب([46]).

والتعريف العلمي لعملية أطفال الأنابيب، كما تذكر كتب الطب أنها عملية تلقيح البييضة بحيوان منوي خارج جسم المرأة، عن طريق أخذ البييضة من المبيض، بشفطها بواسطة مسبار البطن، وهي القسطرة (أنبوب من المطاط)، تدخل في مجرى البول؛ لتتفرَّع في المثانة، ثم تلقيحها في طبق أو أنبوب بواسطة حيوانات منوية من الزوج، وتركها تنمو في المحضن لمدة يومين أو ثلاثة، ثم إعادتها إلى الرحم، حيث تنمو فيه نموًّا طبيعيًّا([47]).

وتأكيدًا لما سبق فقد أشار الدكتور أحمد مستجير إلى أن هناك فرقًا واضحًا بين طفل الأنابيب الذي ينتج من تلقيح حيوان منوي للبييضة ليتم الإنجاب بصورة طبيعية، وبين الاستنساخ الذي يحدِّد التركيب الوراثي لكائن حيٍّ مبكرًا([48]).

وإضافة إلى ما سبق؛ فإن السبب الرئيسي الذي أدَّى إلى هذا الالتباس بين أطفال الأنابيب والاستنساخ البشري هو أن التكنولوجيا والأجهزة المستخدمة لنقل النواة في عملية الاستنساخ بصفة عامة ـ هي نفسها الموجودة في معامل أطفال الأنابيب لإجراء ما يُسمَّى بعملية الحقن المجهري السيتوبلازمي، ولولا التقدم التكنولوجي والخبرة المعملية في معامل أطفال الأنابيب لإجراء الحقن المجهري السيتوبلازمي ما كان لتكنولوجيا الاستنساخ أن تحدث أصلًا([49]).

وجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أن لأطفال الأنابيب صورًا متعددة، كلها محرَّمة شرعًا إلا صورة واحدة، وهي: أن يتم تلقيح بييضة الزوجة بمني زوجها في طبق أو أنبوب ـ كما سبق ذكره ـ ثم تعاد هذه اللقيحة إلى الزوجة نفسها، وذلك حال قيام الزوجية. هذه الصورة مباحة، كما أفتى بذلك كثير من الفقهاء، والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وقراره رقم (4) دم /70/89، وذلك عام 1407هـ/ 1986م، ولكن ذلك بشروط:

1.   أن يقوم بهذا الإجراء أطباء مسلمون يُوثق في دينهم وفي أمانتهم وفي مهارتهم؛ فإن لم يتيسَّر ذلك فلا بد من وجود رقابة تضمن سلامة هذا الإجراء من العبث.

2.   أن تقوم ضمانات كافية بعدم وجود أي خطأ في نسبة المني إلى شخص آخر أو نسبة البييضات إلى امرأة أخرى.

3.   أن يكون ذلك حال قيام الزوجية ولا يجوز أن يتم التلقيح بعد وفاة الزوج، أو انفصام عقد الزوجية بموت أو طلاق؛ فإن التناسل بين الزوجين يعدُّ باطلًا ومُلْغًى لفقد هذا الشرط.

أما الصور الأخرى فمحرَّمة شرعًا ـ كما ذكرنا آنفًا ـ لأنها إقحام لطرف ثالث في هذه العملية، وهو لا يخلو من أربعة أمور:

1)   استخدام نطفة ذكرية من غير الزوج.

2)   استخدام بييضات من غير الزوجة.

3)   استخدام لقيحة جاهزة من نطفة رجل غريب، أو امرأة غريبة، ويطلق عليها اصطلاحًا: جنينًا.

4)   استخدام رحم امرأة لحمل اللقيحة المكوَّنة من نطفة الزوج ونطفة الزوجة، أو من اشتراك نطفة رجل، أو نطفة امرأة أخرى غريبة، ويُطلق عليها الرحم المستأجر أو الرحم الظئر([50]).

وهذا كله زنا، ولكن أكثرهم لا يفقهون!

ونخلص من كل ما سبق إلى أن وجود بنوك للمني ـ خاصة في دول الغرب ـ ليس تبريرًا لإجراء الاستنساخ الجسدي للبشر؛ فهي بنوك محرم إنشاؤها والتعامل معها لأسباب عديدة، أهمها: اختلاط الأنساب ، كما أنه لا علاقة لهذا الاستنساخ بأطفال الأنابيب؛ فهي عملية إخصاب طبيعية تتم وفق تقنيات علمية وطبية خارج الرحم، ثم تعاد إليه مرة أخرى بعد يومين أو ثلاثة لتنمو بداخله نموًّا طبيعيًّا، أما الاستنساخ الجسدي فعلى خلاف هذا، كما سبق أن تحدَّثنا عنه.

خامسًا. مضار الاستنساخ الجسدي للبشر:

لا شك أن للاستنساخ الكلي (الجسدي) مفاسد ومضار كثيرة؛ منها ما يتعلق بالناحية الدينية، ومنها ما يتعلق بالناحية القانونية إلى غير ذلك. وإليك هذه المفاسد؛ حتى تعلم الحكمة من تحريمه:

1) منافاته سنة الزوجية:

إن الاستنساخ الجسدي للبشر يناقض سنة الله في خلقه القائمة على مبدأ الزوجية والتزاوج. يقول الدكتور القرضاوي: "الناس خلقهم الله أزواجًا من ذكر وأنثى، وكذلك الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات؛ بل كذلك النباتات كلها، بل كشف لنا العلم الحديث أن التزاوج قائم في عالم الجمادات، كما نرى في الكهرباء ظاهرة الموجب والسالب، بل إن الذرة ـ وهي وحدة البناء الكوني كله ـ تقوم على إلكترون وبروتون؛ أي شحنة كهربائية موجبة وأخرى سالبة، ثم النواة"([51]).

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه السنة الكونية المعهودة في آيات كثيرة؛ فقال تعالى:)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)( (الروم)، وقال سبحانه وتعالى:)سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون (36) ((يس)، وقال جل وعلا: )ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (49) ((الذاريات)، وقال عز وجل: )وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تمنى (46) ((النجم)، وقال سبحانه وتعالى:)وخلقناكم أزواجا (8) ( (النبأ).

يقول الدكتور إياد أحمد إبراهيم: "إن هذا التأكيد الإلهي على مبدأ الزوجية وكيفية خلق الإنسان يدلُّ على وجوب احترامها وعدم تنكُّبها، وإلا لَـحِقَ البشريةَ الويلُ والخراب، والاستنساخ هادم لهذه السنة الإلهية ومناقض لها"([52]).

وعليه؛ فلا يحق لهؤلاء، إذا قلنا إن الاستنساخ البشري ـ الجسدي ـ يخالف السنة الإلهية في الخلق؛ لأنه لم يكن بالطريقة المعهودة للإنجاب ـ لا يحق لهم إذا قلنا ذلك أن يقولوا: فكذلك أطفال الأنابيب تخالف الطريقة المعهودة في الإنجاب، فكيف نجيزها ونمنع غيرها؟ لأن هذا قياس مع الفارق؛ ففي أطفال الأنابيب يشارك الأبوان في صفات وليدهما؛ لأنها عملية طبيعية ـ كما أوضحنا في الوجه السابق ـ أما في هذا الاستنساخ فلا تكون ثمة مشاركة؛ لأن الوليد يأخذ كل الصفات الوراثية (46 كروموزومًا) من صاحب الخلية، سواء أكان الزوج أو الزوجة، فامتنع القياس([53]).

2)   تغييره خلق الله:

إن نزع محتويات البييضة والتدخُّل في الخلية الإنسانية يُعدُّ تغييرًا لخلق الله تعالى؛ فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات([54])، والنامصات والمتنمِّصات([55])، والمتفلِّجات([56]) للحسن المغيِّرات خَلْق الله...»([57]).

فإذا كان الإسلام حرَّم النَّمْص والوَشْم والتفلُّج لما في هذه الأفعال من تغيير لخلق الله ظاهريًّا، فمن باب أولى يحرم التدخُّل في محتويات البييضة ونزع ما فيها من المادة الوراثية التي تعبِّر عن الصفات الشكلية وغيرها([58]).

والقرآن الكريم قد أشار إلى عموم تغيير الخلق؛ فقال عز وجل حاكيًا عن إبليس قوله:)ولآمرنهم فليغيرن خلق الله((النساء: ١١٩). وهذا يُعدُّ إعجازًا تنبئيًّا سبق به القرآن الكريم أحداث هذا الزمن بأكثر من أربعة عشر قرنًا([59]).

فإن قال قائل: إن نزع البييضة من محتوياتها ليس تغييرًا للخلق، وإنما هو علاج يندرج تحت باب التداوي لعلاج العقم عند أحد الزوجين، كما هو الحال في عمليات العلاج الجيني للأمراض الوراثية ـ قلنا: إن قياس هذا الاستنساخ على عملية العلاج الجيني قياس مع الفارق؛ لأننا في العلاج الجيني نعالج خللًا ومرضًا وراثيًّا على المورِّثات؛ فنقوم بعملية التغيير لإعادة الخلقة إلى أصلها التي خلقها الله عليها، وهي السلامة من الآفات والأمراض، وهذه ضرورة شرعية معتبرة. أما في عملية الاستنساخ الجسدي للبشر فلا يوجد أي خلل في البييضة أو مادتها الوراثية؛ فهي سليمة ولكن الخلل واقع في أمر خارج عنها وهو وجود حالة العقم عند الزوجين أو أحدهما، فلا يُعالج هذا الخلل والمرض بإحداث خلل آخر في البييضة بنزع مادتها الوراثية السليمة منها([60])؛ خاصة أن هناك علاجًا لهذا المرض ـ العقم ـ من خلال طرق مشروعة، كالتلقيح الصناعي بنوعيه الداخلي والخارجي (أطفال الأنابيب)، وهي عملية أقل خطورة من عملية الاستنساخ؛ فيجب اختيار أخف الضررين كما تقول القاعدة الفقهية([61]). فإن وجدت حالات عقم لم ينجح التلقيح الصناعي بنوعيه في علاجها، فهناك الاستنساخ الجنيني (الجنسي)، لكن بالضوابط الشرعية ـ كما أوضحنا في الوجه الأول ـ وإن وجدت حالات عقم بعد ذلك فليس هذا بمسوِّغ للجوء إلى الاستنساخ الجسدي من باب الضرورة، فهذه ليست بضرورة شرعية معتبرة؛ لأن للضرورة المبيحة لارتكاب المحرم شروطًا معروفة، وهي غير موجودة هنا، من أهمها أن يكون المسلم في حالةٍ إذا لم يرتكب الضرورة فيها يهلك، والمصاب بالعقم لا يهلك إذا لم يستعمل هذا النوع من الاستنساخ([62]). ناهيك عن أن هناك حقيقة مهمة يغفل عنها هؤلاء، وهي أن المولود المستنسخ سيكون نسخة طبق الأصل ـ من ناحية الشكل ـ من والده؛ أي سيكون عقيمًا مثله، وبذلك ستتفاقم مشكلة الأسرة وستزداد عقمًا على عقم([63])، ومن ثم امتنع القياس.

كما لا يحق لأحد أن يقول: لو كان الاستنساخ البشري للبشر من تغيير خلق الله تعالى لوجب أيضًا منع هذا الاستنساخ في النبات والحيوان؛ وذلك لأن النبات والحيوان مُسخَّر من قِبَل الخالق عز وجل لخدمة الإنسان، فلا يصح مساواته بهما، كما أن الاستنساخ في النبات والحيوان جائز، لكن بضوابط شرعية محددة([64])؛ فامتنع القياس.

3)   تسبُّبه في تشويه الأجنة وقتلها:

يقرِّر علماء الأجنة والوراثة أن الاستنساخ الجسدي يؤدي إلى حدوث تشوُّهات في صبغيات الخلية الجسدية التي خضعت لعملية إعادة الخلايا الجسدية إلى خلايا جنينية؛ حيث سجَّل العلماء نقصًا في قدرة الصبغيات على تكوين الأحماض الأمينية اللازمة لنمو الكائن الجديد، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور التشوهات في أعضاء الجنين الداخلية والخارجية، فالمورِّثات على درجة عالية من التأثرُّ بالعوامل الخارجية([65]).

كما أن الأجنة المستنسخة تموت بنسبة تزيد على 95% من حالات الحمل في مراحله المتعددة، ونسبة نجاح استكمال الحمل والولادة لا تتعدَّى 1%، كما أن معظم الأجنة تهلك بعد أيام قليلة من الولادة؛ نتيجة تشوهات خطيرة تحدث في الكبد والقلب والجهاز المناعي، كما يحدث خلل جسمي متعدِّد يهدِّد حياة الجنين بكثير من الأمراض، وغالبًا ينتهي الأمر بهلاكه بعد ولادته([66]).

وقد أرجع العلماء هذا إلى أسباب عدة، أهمها ما يأتي:

                أ‌-أن حدوث أي خلل في الكروموزومات سيؤدي إلى ما لا يقلُّ عن خمسة آلاف مرض، ومعلوم أن الجينات تتَّسم بالدقة البالغة، وأن الخلية الواحدة تحتوي على نحو 100 ألف جين وراثي، البعض منها فقط يعمل والباقي في حالة كُمُون ـ أي مستقرٍّ لا يعمل ـ ويمكن أن تُورَّث للأجيال القادمة.

             ب‌-    أن الخلية المأخوذة لا يُقطع بسلامتها من الأمراض الموروثة، وتعرُّضها لأخطار بعض أنواع الأشعة أو الأشعة فوق البنفسجية، أو نتيجة لتعاطي الأدوية والتدخين.

             ت‌-    أنه كلما زاد عمر الخلية المأخوذة زاد احتمال الإصابة بالسرطان؛ بسبب الطفرات الجينية، ومن هنا نسأل: كيف تبدأ الحياة في الكائن الجديد المنسوخ بخلية فقدت الكثير من مقومات حياتها هي نفسها، وكم سيعيش هذا الكائن المنسوخ، هل سيعيش عمره أم العمر الباقي في حياة الخلية الأصلية، وخاصة أن هناك بعض الشكاوى التي بدأت تظهر على الكائنات المستنسخة بهذه الطريقة، مثل زيادة وزنهم عند الولادة، وظهور أمراض الشيخوخة مبكرًا عندهم([67]).

وليس أدلُّ على صحة ما سبق ذكره ممَّا حدث في تجربة النعجة دُولِّي؛ حيث كانت نسبة النجاح أقل من واحد في الألف؛ فإنه قد فشلت قبلها (277) محاولة([68])!

ويؤكِّد ذلك الدكتور زغلول النجار فيقول: "كان أبلغ مثال على ذلك النعجة دُولِّي ذاتها التي تم إعدامها بعد نحو ست سنوات من ميلادها؛ لاكتشاف إصابتها بسرطان الرئة، وبمرض روماتيزم المفاصل الذي أصابها بالشلل الكامل وغير ذلك من الأمراض التي جعلتها تبدو أكبر سنًّا بكثير؛ ولذلك اتخذ المسئولون في معهد روزلين القرار بإعدامها بعد إنجابها ستة من الحملان، وتم ذلك في 14 من فبراير سنة 2003م"([69]).

 

 

 

صورة للنعجة  دولِّي التي ماتت بعد حقنها بمادة قاتلة بسبب إصابتها بمرض رئوي مستفحل

وليس الأمر مقصورًا على تشويه الأجنة وقتلها؛ بل يتعدَّى ذلك إلى الأم؛ ففي أحيان كثيرة يكبر الجنين داخل بطن أمه، ويعرِّض الرحم للانفجار والنزيف والالتهابات، وقد تنتهي بوفاة الأم، وأحيانًا تكبر المشيمة لتبلغ حجمًا يسبب خنق الجنين، ويلحق أضرارًا بالأم، وقد ينتج عن ذلك إجهاض أو نزيف رحمي، وقُلْ مثل ذلك في السائل الأمنيوني النخطي([70])، فغالبًا ما تكون كميته عظيمة، ويتسبب في موت الأم أو الجنين أو كليهما([71]).

4)   إخلاله بحقوق نَسَب الوليد المستنسخ:

إن الاستنساخ الجسدي ـ إن حدث ـ سيوقع الناس في إشكاليات بخصوص نسب الوليد المستنسخ، فلا يعرفون ابن مَنْ هو؟ هل هو ابن الزوج أم شقيقه؟ ومن هي أمه، هل التي حملته أم والدة صاحب الخلية الجسدية؟ هل نعدُّه ولدًا للزوج باعتباره وُلد على فراشه، أم نعدُّه أخًا للزوج على اعتبار أنه توأم متطابق معه؛ حيث يحملان الصفات الوراثية نفسها التي ورثها الزوج عن والديه؟([72]).

يقول الدكتور القرضاوي: إن علاقة الشخص المستنسخ بالشخص المستنسخ منه قضية مُربكة، فلا شك أن هذا الشخص غير الآخر، فهو ـ وإن كان يحمل كل صفاته الجسدية ـ ليس هو الآخر، فهو بعده بزمن قطعًا، وقد يحمل كل صفاته الأساسية، ولكن تؤثر فيه البيئة والتربية والثقافة، فتجعل منه شخصًا آخر في عقيدته وسلوكه ومعارفه، فهذه أمور تُكتسب، ولا تكفي فيها العوامل الوراثية وحدها. وإذًا يكون شخصًا غير الشخص المستنسخ منه، ولكن ما صلته به؟ أهو ابن أم أخ؟ أم غريب عنه؟ هذه مشكلة حقًّا.

قد يقول البعض ببنوته؛ لأنه جزء منه، وهذا مقبول إذا وُضع في رحم المرأة وحملته وولدته، كما قال تعالى:  )إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم(  (المجادلة: ٢)، ومعنى هذا أن يكون له أم ولا أب له! وقد يقول آخر: إنه أخ توأم للمستنسخ منه، بمثابة التوأمين المخلوقين من بييضة واحدة، ولكن الأخوة فرع عن الأبوة والأمومة، فكيف يثبت الفرع ولم يثبت الأصل([73])؟

ومن ثم؛ "فالجهالة في نسب الوليد مُخلَّة بحفظ النسل المقصود شرعًا، الواقع في رتبة الضروريات"([74]).

5)   هدمه لبناء الأسرة:

لا شك أن حدوث الاستنساخ الجسدي سيؤدي إلى هدم الأسرة التي مبناها الزوجان، وما بينهما من ترابط ومودة ورحمة، وحسن عِشرة، فهو يوجد ذرية دون تزاوج بين طرفين، الأمر الذي يُؤذن بانتهاء عصر الرجال، حتى قالت إحدى النساء الأمريكيات: سيكون هذا الكوكب بعد ذلك للنساء وحدهن.

كذلك يؤذن بانتهاء زمن الزواج، وفتح أسواق بيع الأجنة والأرحام المؤجرة، وإمكانية ولادة المرأة العذراء، وأن تلد المرأة من نفسها أو من صديقتها، مع ما في هذا من هدمٍ للمعاني السامية والقيم الأخلاقية للأبوة والأمومة والأسرة بوصفها لبنة من لبنات المجتمع([75]).

يقول الدكتور سعيد موفعة: "إن ما سيحدثه الاستنساخ من هدم لهذا البناء وإخلال بهذا التكوين الأسري العظيم ـ لن يقتصر على نظام الأسرة المسلمة فحسب، وإنما سيعمُّ جميع الديانات السماوية، والعادات العرفية، والقوانين الوضعية، والقواعد الأخلاقية، على تفاوت في درجة إخلاله بهذه الأنظمة الاجتماعية، ومدى قربها أو بعدها عن الشريعة الإسلامية، والفطر السوية؛ حتى إن الأمم التي لا تنتمي إلى دين، ولا تسير وفق كتاب مقدس، أو قانون مرعيٍّ ـ ستتأثر بطريقة الاستنساخ في أنظمتها التشريعية والاجتماعية؛ لأن هناك قدرًا مشتركًا من الخلل التشريعي تلتقي فيه معظم أنظمة الأسرة في العالم"([76]).

6)   امتهان كرامة الإنسان ومكانته:

مما لا شك فيه أن الشرائع جميعها قد حفظت كرامة هذا الإنسان، أيًّا كان، وإن من مقاصدها الخمسة: حفظ النسل، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وهذه كما قيل: مرعيَّة في كل ملة وأمة.

وعليه؛ فلا يجوز الاعتداء على هذا النسل، وهذه النفس، بأي نوع من أنواع الاعتداءات، جسمية كانت أو نفسية، كلية كانت أو جزئية، إلا بما أباحه الشارع من تنفيذ الحدود، واستيفاء الحقوق، كالقصاص ونحوهما من التعزيرات الشرعية المستحقة، سواء في العرض أو المال، وما عدا ما ذكر فإنه يعدُّ اعتداءً على هذه الكرامة الإنسانية، وذلك بتغيير نظام نسلها، أو الحطِّ من قدرها بأي نوع من الأنواع المتنافية مع هذا التكريم الذي أثبته الله عز وجل  بقوله: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء).

وإن في قيام الإنسان باستنساخ غيره اعتداء على حق هذا الغير، ومساسًا لعرضه وكرامته، وإنزاله من مرتبة الكرامة الإنسانية إلى مرتبة دنيا، ربما تقرب من مرتبة غير الإنسان من العوالم الأخرى، كالحيوان والنبات وغيرهما، ولأن المستنسخ سيصبح شيئًا ثانويًّا، أشبه بسَقَط المتاع، وهذا نوع من خدش الكرامة وإلغاء الإرادة، وجعل هذا المستنسخ مسخًا غريبًا، لا نسب له صحيح، ولا كرامة له كاملة، ولا حرية مستقلة.

وإيجاد مثل هذا النسل أو النسخ النشاز، سيكون بمثابة السلعة التجارية، لا نقول يباع في أسواق النخاسة، ولكن في معامل التجارب، ولا نقول دفعة واحدة، ولكن بالتجزئة، حتى يتسنَّى لمن فقدوا بعض أعضائهم الاستعاضة عنها من هؤلاء المستنسخين الجدد المجهولي الهوية، المقطوعي النسب، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى؛ فإن تنسيل مثل هذه النُّسخ التي لا تنتمي إلى آباء حقيقيين ستقضي ما قُدِّر لها من الحياة والعمر في جحيم لا يطاق، وعُقَد نفسية مريرة، وآلام لا نهاية لها، مادامت هذه النسخ تشعر بالنظرة الدُّونية إليها، وأنها قد أصبحت مثالًا للتندُّر والسخرية والاشمئزاز.

هذا مع ما يحسُّ به المستنسخ من الضياع الأسري، الذي قد يمثِّل حالة نشاز، ونمطًا غريبًا في التركيب الأسري المألوف، وفي هذا كله إهدار لكرامة الإنسانية وسلب للحقوق المشروعة، وعبث بسنن الحياة، ومقاصد التشريع، فلا يستقيم بعد ذلك العالم على حال، ولا تسير الحياة على وئام.

وبهذا العبث البشري يفقد الإنسان عمومًا، والمسلم خصوصًا كثيرًا من المزايا والخصائص التي اختصَّه الله بها، دون غيره من العوالم الأخرى، التي لم ينلها إلا بما تحمَّله من مسئولية عظيمة في عمارة هذا الكون وعبادة الله تعالى فيه كما أراد الله ذلك([77]).

يقول الدكتور نور الدين الخادمي: "وقد جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي مؤكِّدًا لذلك فيما يأتي: لا بد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله عز وجل من أجلها، فلا يُتخذ حقلًا للتجارب، ولا يُعتدى على ذاتية الفرد وخصوصيته وتمييزه"([78]).

7)   قضاؤه على تمايز الناس واختلافهم:

إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون على أساس قاعدة التنوُّع والاختلاف؛ ولهذا نجد هذه العبارة: )مختلفا ألوانها((فاطر:27) ترد في القرآن كثيرًا بعد خلق الأشياء والامتنان بها على العباد؛ فاختلاف الألوان تعبير عن ظاهرة التنوع. وحسبنا في ذلك قوله تعالى:)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود (27)( (فاطر).

والاستنساخ البشري (الجسدي) يناقض هذا التنوع والاختلاف؛ لأنه يقوم على تخليق نسخة مكررة شكلًا من الشخص الواحد. وهذا يترتب عليه مفاسد كثيرة في الحياة البشرية والاجتماعية، بعضها ندركه، وبعضها قد لا ندركه إلا بعد حين.

تصوَّر فصلًا من التلاميذ المستنسخين، كيف يميز المدرس بينهم؟! كيف يعرف زيدًا من عمرو من بكر؟!

وكيف يعرف المحقِّق من ارتكب جُرْمًا من غيره، والوجوه واحدة، والقامات واحدة، والبصمات واحدة؟!([79]) فهذا لا شك يساعد على ارتكاب الجرائم وانعدام الأمن في المجتمع([80]).

وبالإضافة إلى ما سبق من مفاسد ومضار؛ فإن الاستنساخ الجسدي ـ أيضًا ـ مدعاة لفتح أبواب شائكة وقضايا مُعقَّدة وأمور تتنافى مع الشرع؛ حيث ينجم عنه اختلال التوازن السكاني؛ بسبب الاستغناء عن أحد الزوجين، وهذا التنوع هو أساس المجتمع، إلى غير ذلك من الأمور والقضايا([81]).

فكيف بعد هذا كله يدَّعون أن الاستنساخ الجسدي تجسيد لمبدأ الحرية الإنسانية، ولا ينبغي تقييد حرية الآخرين في التكاثر بالطريقة التي تعجبهم؟! تلك هي مفاسد الاستنساخ الجسدي للبشر، فهل من منافع له؟

لقد زعم مثيرو الشبهة ـ إضافة إلى أن الاستنساخ البشري (الجسدي) سيكون علاجًا للعقم، وقد بيَّنَّا عدم جواز هذا الأمر بالأدلة في هذا الوجه ـ أن الاستنساخ سيتيح التخلُّص من الأغبياء وعديمي النفع؛ وإنتاج بشر أفضل من العباقرة والمبدعين!

وهذا وهم وخيال؛ فإن الله تعالى خلق بني آدم مختلفين في قدراتهم اختلافًا بيِّنًا، وأن هذا الاختلاف أمر أراد الله تعالى إيجاده في الخلق، ولم يقع صدفة؛ وذلك لأنه أنفع لسير الحضارات وتقدُّمها، ولصلاح الشعوب والمجتمعات؛ ليقوم كل منهم بالأعمال التي تناسبه ويقدر عليها، ولتختلف آراؤهم وأفكارهم فلا يكونون نسخًا مكررة لشيء واحد، وذلك أنفع لعمران الأرض؛ قال سبحانه وتعالى:)أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون (32)((الزخرف)، وقال تعالى:)ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118)((هود)([82]).

ويؤكِّد هذا المعنى "فرانسو أبو مخ"([83]) فيقول: إن المجتمع منذ البدء مبنيٌّ على الطبقية؛ ففيه الغني وفيه الفقير، وفيه المريض وفيه السليم، وفيه الذكي وفيه الغبي، ولم يستطع أحد أن يلغي هذه الفروق، منذ جمهورية أفلاطون إلى الشيوعية التي وعدت أتباعها أن توصلهم إلى الفردوس الأرضي، ولكن ماذا حصل بعد ثمانين عامًا؟ لقد تبدَّدت الشيوعية([84])، وانخفض مستوى أتباعها، حتى فقدوا حريتهم الشخصية، ولم ير أحد باب الفردوس الأرضي.

إن المجتمع هو صورة للإنسان الفرد، فكما أن الإنسان يحتاج إلى كل عضو من أعضائه، ليحقِّق أهدافه، وإذا انقضى عضو منها ـ مهما كان ضعيفًا أو صغيرًا ـ فإن الجسم كله يتأثر بهذا النقص، ويفقد اتزانه، وكذلك المجتمع يحتاج إلى كل أعضائه بمختلف تخصصاتهم وقدراتهم؛ فيحتاج إلى العالم والفيلسوف والسياسي والنجار والبنَّاء...إلخ، فإذا قام كل عضو بوظيفته الأساسية تحقِّق المجتمع المثالي([85]).

ومن ناحية أخرى؛ "فإن الاستنساخ قد يكون حقيقيًّا شكلًا ومضمونًا في عالمي النبات والحيوان تقريبًا، أما في عالم الإنسان فهو لا يعدو عن كونه شبيهًا صوريًّا للأصل المستنسخ منه، من حيث الجسد والصفات المختصة به. أما من حيث السلوك والتربية؛ فإن كلًّا منهما سيتأثر بطبيعة التربية التي يخضع لها"([86]).

هذا؛ وقد قام الدكتور نور الدين الخادمي بعمل بحث ضمن كتاب، أثبت فيه استحالة التطابق بين المستنسخ والمستنسخ منه، جاء فيه: "إن الإجماع والاتفاق منعقدان على أن التطابق الكلي والتشابه التام بين الأصل المستنسخ منه والفرع المستنسخ أمر موهوم ودعوى لا أساس لها من الناحية العلمية البيولوجية، ومن الناحية النفسية والاجتماعية والبيئية.

فمن الناحية العلمية والبيولوجية يؤكِّد علماء البيولوجيا والهندسة الوراثية أن المادة الوراثية الموجودة في نواة الخلية الجسدية التي وضعت في البييضة بعد نزع نواتها ـ أن تلك المادة ليست الوحيدة الناقلة للخصائص والموروثات والجينات من الشخص المستنسخ منه إلى المستنسخ.

على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق الأصل؛ لأن بييضة الأم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نواته في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة، ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحرير الصفات التي وُرثت من الخلية الجسدية، ولم يبلغ أيضًا عن حدوث ذلك في الإنسان.

وقد أكَّدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن وجود عدد ضئيل من الجينات في سيتوبلازم البييضة المنزوعة النواة يمنع التماثل.

ومن الناحية النفسية والاجتماعية؛ فإن ظروف الأسرة والمجتمع والبيئة التي يعيش فيها الإنسان لها أثر ملحوظ في صياغة شخصيته وفطرته وطبائعه وثقافته.

فشخصية المستنسخ لا تُكوَّن من شخصية المستنسخ منه فقط، بل أيضًا من انفعالات وقيم وتقاليد لا يُكوِّنها سوى المجتمع والأسرة.

ثم إن الجينات نفسها ليست على درجة واحدة من حيث الوظائف والأدوار؛ فهناك جينات حاملة للأشكال والهيئات، كاللون والطول، وهناك جينات مرنة مسئولة عن السلوكيات والانفعالات النفسية والاجتماعية، وتدخُّل البيئة والمحيط العائلي والمجتمعي في تحديدها وتكييفها وتشكيلها أمر ملحوظ.

وكذلك الأمر بالنسبة للجينات الثابتة المسئولة عن الأمراض العضوية، كالجين الذي تبيَّن أن له علاقة بسرطان الثدي؛ فقد أظهرت الأبحاث أن الإصابة بالسرطان تحدث في 85 بالمئة، وأن هناك 15بالمئة من النساء يحملن هذا الجين ولا يُصبن بمرضه، الأمر الذي يرجِّح القول بأن هناك أسبابًا بيئية تزيد في قدرة جهاز المناعة وتجعله يتغلب على هذه الخلايا الخبيثة في مهدها وبداية تكوينها، وبالتالي لا يتكوَّن الورم الخبيث...

وكذلك؛ فإنه إذا كان التوأمان يختلفان حسيًّا ونفسيًّا، فإنه من باب أولى أن يكون الاختلاف بين المستنسخ والمستنسخ منه أمرًا ملحوظًا وظاهرًا.

ثم إن إجراء التجربة نفسها قد يعطِّل إدراك التطابق بين المستنسخ والمستنسخ منه؛ ذلك أن عملية نزع النواة من الخلية الجسدية ووضعها في البييضة، وما يستدعي ذلك من طاقات كهربائية وبعض أنواع الأشعة، أو الأشعة فوق البنفسجية، أو نتيجة التعرُّض إلى الأدوية أو التدخين أو غير ذلك مما لا يعرف أمره إلى الآن ـ فإن تلك العملية يمكن أن تُحدث تغييرًا غير محسوس في طبيعة المستنسخ وصوره وملامحه ومواصفاته.

وعلى أيِّ حال؛ فإن التطابق هذا ـ وفضلًا عن كونه أمرًا عبثيًّا لا طائل ولا فائدة منه بسبب فساد الاستنساخ نفسه ـ فإنه أمر وهمي وادعاء مزعوم علميًّا وبيولوجيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا؛ فقد دلَّت الدراسات والأبحاث في علوم البيولوجيا والهندسة الوراثية، وفي علوم النفس والاجتماع ـ أن الإنسان يتجاذبه مُكوِّنان اثنان: المكوَّن الموروث والمكون البيئي، وهناك من الملامح والصفات التي يكون محلها الموروث فقط، وهناك ممن يتجاذبه المكون الموروثي والبيئي معًا، فلا تكاد تعرف تأثير كلٍّ منهما.

وهناك على الجملة تقريبًا نسبة 65 بالمئة من الموروثات و53 بالمئة من المكتسبات، كما تؤكِّد ذلك الدراسات في هذا الصدد.

وهكذا تلحظ معي كيف أن التشابه المنشود بين المستنسخ والمستنسخ منه أمر موهوم ليس له ما يؤيده من المعطيات العلمية والبيولوجية، ومن المعطيات المقررة في علم النفس والمجتمع.

والافتراض الوحيد لقيام التشابه يكمن في توخِّي مبدأ الحتمية العلمية (الظروف والأسباب نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها)، وفي أن يتَّحد عصر المستنسخ بالمستنسخ منه، وأن تتفق الموروثات والظروف البيئية، ويتفق أمر جريانها وانطباقها على تكوين الشخصين، وهذا محال وخيال"([87]).

وبهذا فالاستنساخ البشري لن ينتج لنا ـ مثلًا ـ هتلر النازي، أو ألبرت إينشتاين عالم الفيزياء([88])!

وأما قولهم باستنساخ إنسان لا يمرض، فقول مردود من جوانب متعددة، إذ الأمراض نفسها غير محدودة ولا محددة الأسباب والأنواع؛ فقد يُصاب شاب معافى بأمراض نفسية تتحوَّل إلى بدنية بمجرد أن يفقد أحد أبويه أو كلاهما، أو بتعذُّر زواجه ممن يحب.. فكيف سيكون حال الإنسان المستنسخ من غير أم ولا أب.. ثم هو يدرك أنه إنسان مُصنَّع من عشرات أو مئات الجينات.. إنسان جرى تخليقه وفق هندسة بشرية، ومن خلال أنابيب ومختبرات وخلطات وأنسجة؟!

وقد يستجيب للشفاء إنسان يعاني من اليُتْم إذا التحق بعائلة حانية وجد لديها الراحة والاطمئنان، أو عثر على رفيقة الدرب (الزوجة) إذا نظر إليها سرته، وإذاغاب عنها حفظته، وإذا مرض رعته.

ثم إن الصحة والمرض، والضحك والبكاء، وكل تضاد، آية كونية من سنة التنوع والتغيير،بدونها تفقد الحياة قيمتها، والألوان جمالها، والنعمة شكرها؛ إذيتساوى كل شيء.. )ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين (22)((الروم).

ومثيرو الشبهة يهدفون من وراء ذلك إلى أهداف وغايات محددة، منها الوصول إلى الخلد وعدم الموت، وكأن الحياة والموت، والصحة والمرض إنما تأتي نتيجة التحكم في الخلايا والجينات والكروموزومات! وكأن الروح لا علاقة لها في هذا الخلق والتخلق على الإطلاق، قال عز وجل: )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)((الإسراء).

والخطاب القرآني يؤكد باستمرار على حتمية النهاية لكل بداية:)وأن إلى ربك المنتهى (42) وأنه هو أضحك وأبكى (43) وأنه هو أمات وأحيا (44) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45)( (النجم).

بل إن الخطاب الرباني المعجز ليشير إلى أمثال هذه التجارب العبثية للهروب من الأجل المحتوم؛ فيقول عز وجل: )أتبنون بكل ريع آية تعبثون (128) وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون (129)( (الشعراء)([89]).

وعليه؛ فإن القيام بإجراء عمليات الاستنساخ الجسدي ـ بصورته الحالية ـ تحت هذه الذرائع الباطلة والفاسدة والقبيحة، التي لا تمتُّ إلى المصلحة بصلة ـ حرام لا يجوز، ولا يصح إدخالها تحت اسم المصالح لغةً، ولا عرفًا؛ بل هي من قبيل المفاسد المتمحِّضة والعامة، التي يجب إزالتها ومنعها ودرؤها عن جميع أبناء الجنس البشري، من مسلمين وغير مسلمين؛ لأن هذا المسلك ترفضه الفطرة البشرية السوية، وتمقته الشرائع السماوية، وتأباه الأخلاق الكريمة، ويتضافر على منعه دليل الشرع والعقل، وأن الخروج عن كل هذه الأسس المتفق عليها يُعدُّ ضربًا من القياس المعكوس والمنطق المنكوس([90]).

هذا؛ وقد قام الدكتور سعيد موفعة بعمل موازنة دقيقة بين مفاسد الاستنساخ البشري الكلي (الجسدي) ومصالحه، توصَّل من خلالها إلى أن الاستنساخ الجسدي ـ بوضعه الحالي ـ يغلب عليه جانب المفسدة، وإن وجود بعض المنافع التي يمكن تحقيقها من هذا الاستنساخ لا يخرجه عن هذا الوصف ـ غلبة المفسدة عليه ـ الذي لا يكاد ينفك عنه بحال من الأحوال، فهو ضربة لازب بالنسبة له، ناهيك عن أن هذه المنافع يسيرة ـ وربما كانت نادرة ـ بل لا يساوي نفعها تحمُّل الضرر المصاحب لها([91]).

فهل بعد كل هذا يمكن لعاقل أن يشكَّ في حرمة الاستنساخ الجسدي للبشر؟!

الخلاصة:

·      إن الاستنساخ الجسدي للبشر محرَّم تحريمًا قاطعًا كما نصَّت على ذلك المجامع والمؤتمرات الفقهية العالمية، وهو ما عليه أكثر الفقهاء، لكن يُستثنى منه استنساخ لقيحة جنينية (عمر 14 يومًا) لمن أصيب بعطب أحد أعضائه المهمة، كالكلى والكبد والقلب.

·      إن طلب الولد عن طريق الاستنساخ الجسدي لمن أصيب بالعقم ـ أمر محرم، كما قرَّر مجمع الفقه الدولي والمحققون من أهل العلم، ولا ترتفع هذه الحرمة بحجة اعتبار استعماله من باب الضرورة؛ لأن للضرورة المبيحة لارتكاب المحرم شروطًا معينة، وهي غير متوفرة هنا ـ أي في هذه المسألة ـ ومن هذه الشروط أن يكون الإنسان في حالةٍ إذا لم يرتكب الضرورة فيها يهلك، والمصاب بالعقم لا يهلك إذا لم يستعمل هذا النوع من الاستنساخ.

·      لقد أجاز كثير من الفقهاء الاستنساخ الجنيني (الجنسي) إذا كان فقط بين الزوجين، وبشروط محددة. كما أجازوا كذلك الاستنساخ الجزئي (الأعضاء البشرية)، بل ندبوا إليه؛ لما له من منفعة عظيمة وجليلة للمرضى.

·      لقد أجمع رجال الديانتين: اليهودية والنصرانية على رفض الاستنساخ البشري وتحريمه مطلقًا دون استثناء؛ لمخالفته سنة الزوجية ونظام الأسرة، وغير ذلك من المفاسد، فكيف يدَّعون أن الديانات السماوية حثَّت عليه ولم تمنعه؟!

·      لقد لاقى الاستنساخ البشري ـ مطلقًا دون استثناء ـ اعتراضًا وحظرًا ـ بعد نجاح تجربة استنساخ النعجة دُولِّي ـ من قبل الهيئات التشريعية والمنظمات العالمية والوزارات المختصة والشعوب على مستوى العالم؛ خاصة دول الغرب. وهذا الموقف من الاستنساخ البشري وإن كان يتفق مع موقف الإسلام نوعًا ما إلا أن فيه غُلُوًّا وتفريطًا غير مقبولين.

·      لا شك أن الإسلام قد اعتنى بالجنين البشري اعتناءً لم يسبق له مثيل؛ حتى في ظل المدنية الحديثة، تمثَّل ذلك في أنه كفل له جميع الحقوق، كحقه في أن تكون له أم صالحة وأب صالح، وكذا حق إثبات النسب والأهلية له؛ حتى يتمكَّن من الحصول على بعض الحقوق المادية قبل خروجه من رحم أمه؛ كالإرث، والوصية، والهبة، والوقف.

·      لقد صان الإسلام حرمة الجنين البشري من أن يُعتدى عليه بإجهاض وغيره. ومن ثم؛ فلا يجوز إجراء التجارب العلمية عليه إلا في حالات معينة، وبشروط محددة.

·      إن وجود بنوك للمني في العديد من الدول ليس بمسوِّغ لتبرير الاستنساخ الجسدي للبشر، فهي بنوك تتلاعب بحيامن البشر ونُطفهم ـ كما هو الحال في دول الغرب ـ من أجل تحقيق أرباح مادية كثيرة، ولو سلَّمنا جدلًا بأنها تراعي الأمانة في عملها، فإنها تحرم أيضًا، سدًّا لذريعة اختلاط الأنساب؛ إذ إن الخطأ وارد فيها ولو كان قليلًا.

·      قولهم بأن الاستنساخ الجسدي إذا طُبِّق على البشر فسيكون مقبولًا تمامًا كأطفال الأنابيب ـ قول باطل؛ إذ لا علاقة بين هذا وذاك، فأطفال الأنابيب عملية إخصاب طبيعية تتم وفق تقنيات علمية وطبية خارج الرحم، ثم تُعاد إليه مرة أخرى بعد يومين أو ثلاثة لتنمو بداخله نموًّا طبيعيًّا. أما الاستنساخ الجسدي فيتم عن طريق أخذ خلية جسدية من الزوج أو الزوجة، أو من أي رجل أو امرأة، بتقنية طبية معينة، ثم تُغرز في الرحم.

·      لم يأتِ تحريم الاستنساخ الجسدي من فراغ؛ فقد كثرت مفاسده ومضاره من جميع النواحي، الدينية والاجتماعية والطبية والقانونية، وغير ذلك، حتى أصبحت هي السمة الغالبة عليه، التي لا تنفك عنه؛ وإن كان ثمَّة منافع له، فإنها لا تعدو أن تكون يسيرة أو نادرة؛ بل لا يساوي نفعها الضرر المصاحب لها، وقد تم التوصُّل إلى هذه النتيجة من خلال عمل موازنة دقيقة بين المفاسد والمنافع المترتبة على هذا النوع من الاستنساخ.

·      هناك وسائل طبية بديلة عن الاستنساخ الجسدي ـ وهي جائرة ـ  لمن يعانون ـ مثلًا ـ من مرض العقم؛ كأطفال الأنابيب، والاستنساخ الجزئي (الأعضاء البشرية)، والاستنساخ الجنيني بالضوابط الشرعية والطبية المقرَّرة، وغير ذلك، فلمَ لا يعتمد عليها خاصة أن هذا الاستنساخ الجسدي يجعل المولود المستنسخ نسخة طبق الأصل ـ شكليًّا ـ من والده؛ أي سيكون عقيمًا مثله؟!

·      قولهم بإمكانية تحويل البشرية إلى عباقرة ومبدعين من خلال الاستنساخ الجسدي ـ وَهْم وخيال؛ فالتطابق بين المستنسخ والمستنسخ منه لن يكون إلا شكليًّا، أما التطابق الكلي بينهما فمحال، كما أنه يخالف سنة الله في كونه؛ إذ جعل الناس بعضهم في خدمة بعض دون مفاضلة؛ كما قال سبحانه وتعالى:   )ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ( (الزخرف: ٣٢).

 


 

(*) إعجاز القرآن في بيان استنساخ الإنسان، محمد الشنواتي، مرجع سابق. استنساخ الإنسان: الحقائق والأوهام، مارتاسي. نسبوم وكاس ر. سانشتين، ترجمة: د. مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين، القاهرة، ط2، 2002م. الاستنساخ البشري والطائفة الرائيلية، مقال منشور بموقع: www.biochemistry4all.com. الاستنساخ ثورة التقنية التناسلية، د. عصام السبع، مقال منشور بموقع: الضمير العربي www.aldameeralaraby.com.

[1]. الاستنساخ بدعة العصر في ضوء الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، دار وحي القلم، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص7 بتصرف.

[2]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص261، ص322 بتصرف.

[3]. الاستنساخ بدعة العصر في ضوء الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، مرجع سابق، ص50 بتصرف.

[4]. انظر: الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشريمن الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص410- 417.

[5]. الاستنساخ البشري بين الحرمة والإباحة، د. عبد الهادي الحكيم، مقال منشور بموقع: الشرق الأوسط www.aawsat.com.

[6]. اللقائح: جمع لقيحة، وهي: تخصيب الحيوان المنوي للبييضة، فيما يُسمَّى بـ "النطفة الأمشاج"؛ أي: المختلطة.

[7]. أحد العلماء المحققين والمجتهدين في هذا العصر، وأستاذ الفقه بكلية الآداب، قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء، وحاصل على جائزة الملك فيصل العالمية لعام 1977م، له العديد من الكتب التي تدرس في العديد من الجامعات في العالم الإسلامي.

[8]. انظر: الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص452 - 464.

[9]. له تسميات أخرى كثيرة، مثل: الاستنساخ الجنيني أو الجنسي، الاستتآم، استنساخ الأجنة، تجزئة الأجنة، توأمة الأجنة.

[10]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص262 بتصرف.

[11]. الاستنساخ من منظور الفقه الإسلامي، د. علي محي الدين القرة داغي، مقال منشور بموقع: www.qaradaghi.com.

[12]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشريمن الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص470 بتصرف.

[13]. المرجع السابق، 405- 407 بتصرف.

[14]. استنساخ البشر ورأي القرضاوي فيه، مقال منشور بموقع: القرضاويwww.qaradawi.net.

[15]. الاستنساخ البشري: قراءة لبعض الآراء العلمية والدينية، نجود السيد، مقال منشور بموقع: معهد السيدة الزهراء العالي للشريعة والدراسات الإسلامية www.azzahralb.org.

[16]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ص361 بتصرف.

[17]. المرجع السابق، ص365 بتصرف.

[18]. المرجع السابق، ص546- 559.

[19]. الاستنساخ البشري: قراءة لبعض الآراء العلمية والدينية، نجود السيد، مقال منشور بموقع: معهد السيدة الزهراء العالي للشريعة والدراسات الإسلامية www.azzahralb.org.

[20]. تتابع الاستفسار العالمي ضد تجربة الرائيليين، مقال منشور بموقع: العالم الإسلامي www.muslimworldleague.

[21]. المادة الوراثية: الجينوم قضايا فقهية، د. محمد رأفت عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1430هـ/ 2009م، ص188.

[22]. الاستنساخ البشري: قراءة لبعض الآراء العلمية والدينية، نجود السيد، مقال منشور بموقع: معهد السيدة الزهراء العالي للشريعة والدراسات الإسلامية www.azzahralb.org.

[23]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشريمن الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ص367- 371 بتصرف.

[24]. المرجع السابق، 390.

[25]. المرجع السابق، ص454- 455 بتصرف.

[26]. حسن: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: النكاح، باب: الأكفاء، (1/633)، رقم (1968). وحسَّنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (1968).

[27]. يعني: كانت تتحدث مع الرجال ويدخلون عليها، ولا مَـحْرَم لها.

[28]. أي: وجع الولادة.

[29]. أي: دِيَته.

[30]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب: العقول، باب: من أفزعه السلطان، (9/458)، رقم (18010).

[31]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج1، ص262- 273.

[32]. المرجع السابق، ص555: 645.

[33]. هي الأجنة التي ليس لـمُخِّها غطاء ولا قباء؛ أي تولد ناقصة الخلقة، ولديها جزء يسير من المخ، وهذا يكون ما بين الأسبوع الثاني إلى الثامن.

[34]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص73: 78.

[35]. المصالح التحسينية: هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنَّسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق.

[36]. المصالح الضرورية: هي المرتبطة بحفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

[37]. المصالح الحاجية: هي التي يحتاجها الناس في حياتهم، ولولاها لوقع الناس في مشقة وعنت، كالتمتع بالطيبات مأكلًا ومشربًا وملبسًا ومسكنًا وما أشبه ذلك.

[38]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج1، ص838: 867.

[39]. المرجع السابق، ج1، ص807 بتصرف.

[40]. انظر: صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: من قال: لا نكاح إلا بولي، (9/ 88، 89)، رقم (5127).

[41]. انظر: قضايا فقهية معاصرة، لجنة من أساتذة قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، طبعة خاصة، ج1، هامش ص245.

[42]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإجارة، باب: عسب الفحل، (4/539)، رقم (2284).

[43]. هل تعرف بنوك المني وحكمها الشرعي؟ مقال منشور بموقع: إقلاع سوفت www.vip600.com. انظر: قضايا فقهية معاصرة، لجنة من أساتذة الفقه المقارن، مرجع سابق، ص262: 267.

[44]. هل تعرف بنوك المني وحكمها الشرعي؟ مقال منشور بموقع: إقلاع سوفت www.vip600.com.

[45]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج1، ص812.

[46]. الاستنساخ: تعريفه وبداياته، مقال منشور بموقع: النبراس www.alnebras.com. انظر: فكرة الاستنساخ البشري: نظرة مستقبلية لمخاطره المحتملة، محمود محافظي، مقال منشور بموقع: علوم إنسانية www.uluminsania.net.

[47]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج1، ص725.

[48]. الاستنساخ علم خفي، مقال منشور بموقع: العلوم الخفية www.hiddenscience.net.

[49]. الاستنساخ: تعريفه وبداياته، مقال منشور بموقع: النبراس www.alnebras.com.

[50]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج1، ص744: 747 بتصرف. وانظر: أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة، زياد أحمد سلامة، مرجع سابق، ص86: 108.

[51]. استنساخ البشر ورأي القرضاوي فيه، مقال منشور بموقع: القرضاوي www.qaradawi.net.

[52]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، دار الفتح، عمان، 1423هـ/ 2003م، ص155.

[53]. المرجع السابق، ص155، 156.

[54]. الوشْم: هو رسم خطوط أو صور أو كتابات على بعض أنحاء الجسم، وذلك بغرز إبرة في الجلد وذرِّ مواد مُلوَّنة تدخل تحت الجلد، ويبقى أثرها ثابتًا لا يُمْحَى، ويكون الأثر أخضر أو أزرق.

[55]. النمص: هو نتف شعر الحاجبين.

[56]. المتفلجات: هن اللائي يفرقن ما بين الثنايا والرباعيات، أو ترقيق الأسنان بالمبرد؛ رغبةً في الجمال.

[57]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: وما أتاكم الرسول فخذوه، (8/ 498)، رقم (4886). وصحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة... (8/ 3248، 3249)، رقم (5469).

[58]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص156 بتصرف.

[59]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص177.

[60]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص156- 157 بتصرف.

[61]. المرجع السابق، ص163.

[62]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ص463 بتصرف.

[63]. الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان، د. محمد نبيل النشواتي، مرجع سابق، ص143 بتصرف.

[64]. المرجع السابق، ص546: 559.

[65]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص158.

[66]. الاستنساخ البشري محاذيره وفوائده، د. سالم نجم، مقال منشور بموقع: الجلفةwww.djelfa.info.

[67]. الاستنساخ بدعة العصر في ضوء الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، مرجع سابق، ص82 بتصرف.

[68]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص158. وانظر: العصر الجينومي: استراتيجيات المستقبل البشري، د. موسى الخلف، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1424هـ/ 2003م، ص169.

[69]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج1، ص177.

[70]. السائل الأمنيوني النخطي: هو السائل الذي يملأ الغشاء المحيط بالجنين أثناء فترة الحمل (المشيمة).

[71]. الاستنساخ البشري محاذيره وفوائده، د. سالم نجم، مقال منشور بموقع: الجلفة www.djelfa.info.

[72]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص160 بتصرف.

[73]. استنساخ البشر ورأي القرضاوي فيه، مقال منشور بموقع: القرضاوي www.qaradawi.net.

[74]. الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص164.

[75]. المرجع السابق، ص162 بتصرف. وانظر: استنساخ البشر ورأي القرضاوي فيه، مقال منشور بموقع: القرضاوي www.qaradawi.net.

[76]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ص473.

[77]. المرجع السابق، ص403، 404 بتصرف.

[78]. الاستنساخ بدعة العصر في ضوء الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، مرجع سابق، ص88.

[79]. استنساخ البشر ورأي القرضاوي فيه، مقال منشور بموقع: القرضاوي www.qaradawi.net.

[80]. انظر: الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع، د. إياد أحمد إبراهيم، مرجع سابق، ص162.

[81]. الاستنساخ، د. عبد الرشيد قاسم، مقال منشور بموقع: www.ac.ly/vblshowthread.php.

[82]. نحو اجتهاد يضبط قضية الاستنساخ، مقال منشور بموقع: مدارك إسلام أون لاين www.madariik.islamonline.net.

[83]. هو المعاون والبطريركي بدمشق (نصراني).

[84]. الشيوعية: مذهب كارل ماركس، وهو نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي يقوم على الإنتاج الجماعي، وإشاعة الملكية، وإزالة الطبقات الاجتماعية، وأن يعمل الفرد على قدر طاقته، ويأخذ على قدر حاجته.

[85]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ص361- 362 بتصرف.

[86]. المرجع السابق، ص351.

[87]. الاستنساخ بدعة العصر في ضوء الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، مرجع سابق، ص129: 131 بتصرف.

[88]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ج2، ص351 بتصرف.

[89]. الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري من منظور إسلامي، د. فتحي يكن، مقال منشور بموقع: دهشة www.dahsha.com.

[90]. المرجع السابق، ص447: 451.

[91]. الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد منصور موفعة، مرجع سابق، ص447- 448 بتصرف.

 

read why women cheat on men want my wife to cheat
read go want my wife to cheat
wives that cheat women who want to cheat read here
open read here black women white men
generic viagra softabs po box delivery viagra 50 mg buy viagra generic
website why are women unfaithful redirect
read cheat husband click here
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  89
إجمالي عدد الزوار
  36645103

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع