مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

                دعوى خطأ القرآن في وصفه منطقة المصب
             والحواجز بين البحار (
*)

مضمون الشبهة:

أثار الطاعنون حول قوله تعالى:)وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا (53)((الفرقان)، وقوله تعالى:)مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20)((الرحمن) شبهات عدة، وقد جاءت طعونهم مرتكزة إلى المحاور الآتية:

·      لقد أخطأ القرآن حينما استعمل لفظة [البحرين] للدلالة على المياه العذبة والمالحة؛ إذ لا يوجد بحر عذب فرات.

·      ماذا تقصد الآيات بالماء العذب والماء المالح؟ هل مياه الأمطار أو الآبار أو الأنهار أو البحار؟

·      ألفاظ [برزخًا، حجرًا محجورًا، لا يبغيان] تعني عدم الامتزاج بأية حال من الأحوال، وهذا مخالف لما يحدث.

·      عرف محمد ظاهرة مصبات الأنهار في البحار من البحارة أو الصيادين أو الحجاج.

·      ذكرت الآيات أن اللؤلؤ والمرجان يستخرجان من المياه العذبة، وهذا غير صحيح.

·      ما الذي جعل المفسرين يتخبطون عشوائيًّا عند تفسيرهم هذه الآيات؟

ومن ثم فليس في الآيات إلا تدليسات وأقوال كاذبة.

وجها إبطال الشبهة:

1)   لا مسوغ للطاعن فى تخطئة القرآن في استعماله لفظة [البحرين] للدلالة على الماء العذب والماء المالح بحجة أنه لا يوجد بحر عذب؛ ذاك أن لفظة [البحر] في لغة العرب تطلق على كل من البحر المالح والبحر العذب [النهر]، دلت على ذلك الشواهد من القرآن والشعر ومعاجم اللغة؛ قال ابن منظور: "البحر: الماء الكثير ملحًا كان أو عذبًا وهو خلاف البر"، وقال الراغب في المفردات: "أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير".

2)   إذا علمنا أن قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20)((الرحمن) يصف اللقاء بين البحار المالحة وليس بين البحر والنهر ـ بطل ما آثاره الطاعن من شبهات؛ فإذا كان العلماء يقولون إن اللؤلؤ والمرجان يستخرجان من المياه المالحة، فإن هذا ما قالت به الآية. كما أن الحاجز بين البحرين ـ سواء المالحين أو المالح والعذب ـ لايمكن رؤيته بالعين المجردة حتى يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم عرفه من البحارة، فلم يتمكن العلماء من رؤيته إلا باستخدام آلات التصوير الحراري منذ عقود قليلة. أما بخصوص المفسرين فلم يتح لهم في العصور القديمة الإحاطة بالتفاصيل العلمية التي ألمحت إليها الآيات، ومع ذلك فقد ذهب أكثرهم إلى أن الحاجز بين البحرين غير مرئي.

التفصيل:

أولا. لفظة "البحرين" دقيقة جدًّا في موضعها:

1) الحقائق العلمية:

مع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ الإنسان يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية. وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضح للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

·       مياه الأنهار، وهي شديدة العذوبة.

·       مياه البحار، وهي شديدة الملوحة.

·       مياه في منطقة المصب مزيج من الملوحة والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجذره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.

كما اتضح للعلماء ما يأتي:

      يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها، حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.

      عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب على الرغم من

حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج؛ لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.

    يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.

 تختلف الكتل المائية الثلاث [ماء النهر ـ ماء البحر ـ ماء المصب] في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يأتي:

o     معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.

o     وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها؛ لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في الوسط المائي نفسه المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الأسموزي([1]) في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب، وهي في الوقت نفسه منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر؛ لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها([2]).

ويمكن أن يمتد تأثير المياه العذبة على المياه المالحة لمئات الكيلو مترات في البحر. وعلى الرغم من وجود كثير من مصبات الأنهار في العالم، إلا أنه لا يوجد برزخ يشبه الآخر! فكل برزخ يتميز بخصائص محددة عن غيره تتبع الاختلاف في درجة الملوحة، والاختلاف في درجة الحرارة، وهذا يتبع درجة ملوحة ماء البحر وطول النهر، وغير ذلك من العوامل مثل: درجة الحموضة (PH)، وكمية العوالق في ماء النهر، وسرعة تدفقه([3]).

  

صورة بالأقمار الاصطناعية لمصب نهر في الأرجنتين، وتظهر منطقة الحجر المحجور بشكل واضح والتي تفصل بين النهر العذب والبحر المالح

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما أشارت إليه الآية الكريمة:

قال تعالى:  )وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا (53)((الفرقان)، وفي هذا توضيح لامتزاج الماء العذب بماء البحر المالح مع وجود حاجز بينهما، وأن منطقة امتزاجهما محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها، وهذا يتطابق مع ما أثبته العلم الحديث؛ حيث وصف القرآن البحرين (العذب والمالح) بأوصاف لم يكتشفها العلماء إلا في القرون الأخيرة.

يقول العلماء: إن هنالك خلطًا ومزجًا مستمرًّا للماء المالح بالماء العذب، وهذا الخلط لا يتوقف أبدًا؛ إذ إن سطح الماء يرتفع وينخفض باستمرار وبنظام محكم، ويبقى كل ماء منفصل عن الآخر بمنطقة محددة بينهما سماها القرآن بالبرزخ.

 

شكل يوضح البرزخ المائي في مصب نهر فرايزر في مقاطعة كولومبيا البريطانية

نرى في الشكل السابق كيف تتشكل الجبهة المالحة، والتي تعتبر بمثابة حاجز محكم تمر من خلاله المياه العذبة إلى المياه المالحة، ونرى أيضًا كيف يطفو الماء العذب على سطح الماء المالح، وعندما درس العلماء جريان الماء في هذه المنطقة وجدوه جريانًا مضطربًا، مع العلم أن الذي ينظر إلى الماء يظنه ساكنًا، وهذا يتوافق تمامًا مع قوله تعالى: )مرج البحرين( (الرحمن: ١٩)، ولكلمة مرج في اللغة معنيان: الخلط والاضطراب([4]).

وقبل أن نشرع في الرد على ما أثاره الطاعنون حول هذه الآية، لا بد أن نعرض للمعاني اللغوية وأقوال المفسرين في الآية؛ لأننا سنعتمد عليها كثيرًا في ردنا.

·      المعانياللغوية وأقوال المفسرين في الآية:

o     اللفظ "مرج" يأتي بمعنيين بارزين: الأول: الخلط؛ قال تعالى: )بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج (5)( (ق)، وجاء في لسان العرب: "أمر مريج؛ أي: مختلط"([5]). وقال الأصفهاني في المفردات: "أصل المرج: الخلط"([6])، وقال الزبيدي: "ومرج الله البحرين العذب والمالح: خلطهما حتى التقيا"([7]).

وقال ابن جرير الطبري: "والله الذي خلط البحرين فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه. وأصل المرج: الخلط، ومنه قول الله: )في أمر مريج (5)((ق)؛ أي: مختلط. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: )مرج البحرين((الرحمن: ١٩) يعني: خلع أحدهما على الآخر. وعن مجاهد: أفاض أحدهما على الآخر. وعن الضحاك بمثل قول ابن عباس"([8]).

الثاني: مجيء وذهاب واضطراب: قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: "الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب. وقال: مرج الخاتم في الأصبع: قلق. ومنه الحديث «ومرجت أمانات القوم وعهودهم»: اضطربت واختلطت"([9]).

o     والبحر العذب: هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين: عذب، وفرات، ومعناهما: أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، ويدل عليه وصف [فرات]، وبهذا الوصف خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال: إن فيه عذوبة، ولكن لا يمكن أن يوصف بأنه فرات.

وما كان من الماء ملحًا أجاجًا فهو ماء البحار، ووصفه القرآن بوصفين: ملح، وأجاج (شديد الملوحة)، وبهذا خرج ماء المصب لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف ملح أجاج.

وبهذه الأوصاف الأربعة تحددت حدود الكتل المائية الثلاث:

    هذا عذب فرات: ماء النهر.

     وهذا ملح أجاج: ماء البحر.

     وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا، والبرزخ هو الحاجز المائي المحيط بالمصب، فما هو الحجر المحجور؟

o     الحِجْر والحَجْر: المنع والتضييق([10]). ويسمى العقل حجرًا؛ لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي([11]). قال تعالى:(هل في ذلك قسم لذي حجر (5)((الفجر)، والسفيه يحجر عليه القاضي من التصرف في ماله فهو في حجر أو حجر([12])، وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي:"لقد تحجرت واسعًا"؛ أي: ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك([13]).

ونستطيع أن نفهم الحجر هنا: بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.

ووصفت هذه المنطقة أيضا بأنها محجورة؛ أي: ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلًا عن الأول؛ أي: إنها أيضًا ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها، فهي: حجر على الكائنات التي فيها، محجورة على الكائنات الحية بخارجها. ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين النهر والبحر برزخًا مائيًّا هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبسًا على كائناته الحية ممنوعًا على الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.

ونعود الآن إلى الطعون المثارة حول الآية، وأول ما يقابلنا قول الطاعن: لقد أخطأ القرآن الكريم حينما استعمل لفظة "البحرين" للدلالة على المياه العذبة والمالحة، وكان من الأولى أن يقول: "مرج النهر والبحر"؛ فالأنهار هي التي تحوي المياه العذبة فلا يوجد بحر عذب فرات.

وردا على ذلك نقول: البحر يطلق في لغة العرب على الماء الكثير الواسع الممتد ملحًا كان أو عذبًا، وقد استخدمه القرآن بالمعنيين، ووردت الكلمة مفردة 33 مرة، ومثناة 5مرات، وجمعًا على بحار مرتين، وعلى أبحر مرة واحدة، فيكون مجموع ورودها في القرآن الكريم 41 مرة، وسمي "البحر" كذلك لعمقه واتساعه وانبساطه، ومنه قيل للعالم الواسع العلم: بحر([14]).

وقد ورد إطلاق البحر على الماء العذب في أشعار العرب، ثم غلب على الماء المالح وقل إطلاقه على الماء العذب، كما ورد في لسان العرب وتاج العروس وغيرهما من المعاجم، ولا يزال يطلق على بعض روافد النيل اسم البحر، مثل: بحر الجبل، وبحر الزراف، وبحر الغزال، كما سمي أحد فروع النيل المتجه إلى منخفض الفيوم باسم "بحر يوسف".

أما حين وردت كلمة "البحر" مثناة في القرآن فقد أريد بها البحر والنهر أو الماء المالح والعذب على سبيل التغليب، كما في قوله تعالى: )وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج((فاطر: ١٢)، وقوله تعالى:)وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا (53)((الفرقان).

وهناك آيتان تشيران إلى امتزاج الماء المالح من بحر بالماء المالح من بحر آخر ـ كما رجح العلماء ـ وذلك في قوله تعالى: )مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20)((الرحمن).

وهناك آية رابعة تشير إلى الحالتين معا، وهي التقاء الماء العذب بالمالح "نهر مع بحر"، والمالح بالمالح "بحر مع بحر"، وهي قوله تعالى:)أمن جعل الأرض قرارً وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61)( (النمل).

ومن ثم فقد استخدم القرآن كلمة "البحرين" للدلالة على ما نعرفه بالنهر والبحر؛ إذ البحر في اللغة هو الماء الكثير ملحًا كان أو عذبًا.

وكلمة "البحرين" في الآية للتغليب، وهي من قبيل قولنا: "الأولاد" للأبناء من الأولاد والبنات، و "الأبوان" للأب والأم، و "الأسودان" للتمر والماء، قال الراغب في المفردات: أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير... وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب، وقوله تعالى عن البحرين: )هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج( (فاطر:12) إنما سمي العذب بحرًا لكونه مع الملح كما يقال للشمس والقمر: قمران، وقيل للسحاب الذي كثر ماؤه: نبات بحر([15]).

ومن الشواهد في هذا السياق قوله عز وجل: )أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا واتقوا الله الذي إليه تحشرون (96)(  (المائدة)، ومعروف أن السمك يخرج من البحر والنهر كليهما لا من البحر فقط. وقوله تعالى: )قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين (63)((الأنعام)؛ فقد وضع الله تعالى البحر مقابل البر مما يدل على أن المقصود به البحر والنهر معًا.

وفي كتاب "الحيوان" للجاحظ نجد هذه العبارة: "ومررت به وهو جالس في يوم غمق حار ومد، على باب داره في شروع نهر الجوبار بأرديه، وإذا ذلك البحر يبخر في أنفه"، فالمتأمل في العبارة يجد أنه قد ذكر أولا النهر، ثم أطلق عليه بعد ذلك بحرًا.

ويقول القاضي التنوخي في كتابه "الفرج بعد الشدة": "فلا شدة أعظم من أن يبتلى الناس بملك يذبح أبناءهم، حتى ألقت أم موسى ابنها في البحر مع طفوليته، ولا شدة أعظم من حصول طفل في البحر".

ويقول الشابشتي في كتابه "الديارات" واصفًا "دير طمويه": "وطمويه في الغرب بإزاء حلوان، والدير راكب البحر، وحوله الكروم والبساتين والنخل والشجر، فهو نَزِهٌ عامر آهل، وله في النيل منظر حسن، وحين تخضر الأرض فإنه يكون بين بساطين من البحر والزرع"، والمقصود بالبحر في قولي القاضي التنوخي والشباشتي هو نهر النيل كما هو واضح.

وفي الشعر أيضًا كثيرًا ما استُخدم البحر للدلالة على الماء العذب، وثمة أمثلة كثيرة جدًّا، نذكر منها قول الشاعر المصري ظافر الحداد:

 

تأملت بحر النيل طولا وخلفه  ***    من البرك الغناء شكل مدورُ

وقول الشاعر ابن الرومي:

هو بحر من البحور فرات ****    ليس ملحًا وليس حاشاه ضحْلا

وقول البحتري:

بحر متى تقف الظماء بموردٍ     ****     منه بطِيب لهم جداه ويعذبُ([16])

وكان حريًّا بالطاعن أن يتعلم أولا قواعد اللغة العربية وأحكامها، ومدلولات ألفاظها قبل أن ينزلق إلى وصف القرآن الكريم ـ وهو كلام الله المنزه عن كل خطأ ـ بأن به أخطاء وهفوات عظيمة، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن العلماء عندما درسوا البحار وجدوا أن الأنهار ليست هي المصدر الوحيد للمياه العذبة؛ حيث توجد في قاع المحيطات خزانات ضخمة للمياه العذبة تتدفق باستمرار من هذا القاع، وهذه الخزانات يبلغ حجمها أضعاف ما يضخه النهر في البحر.

ومن هنا ندرك لماذا قال الله تعالى: )مرج البحرين((الرحمن: ١٩) ولم يقل: "النهر والبحر"؛ فثمة بحر عذب وخفي لا نراه بأعيننا ولكنه موجود، فالأقمار الاصطناعية التي قامت بتصوير هذه المحيطات والخلجان بالأشعة تحت الحمراء، تظهر وجود هذه الينابيع التي تمتزج بشكل دائم مع المياه المالحة.

 

إذا دققنا في الصورة السابقة لاحظنا أن ماء النبع العذب يتلون بلون آخر يدل على أن هذه المنطقة تحوي مياه عذبة باردة في الغالب([17]).

 ومن ثم فإن كلمة "البحرين" دقيقة جدًّا في موضعها على عكس ما ادعاه الطاعن.

ويضيف الطاعن إلى الاعتراض السابق اعتراضًا آخر قائلا: الآيات واضحة في ذكر نوعين من المياه أحدهما مالح والآخر عذب، لكن الشيء الغامض هو أية مياه؟ أمياه الأمطار أو الآبار أو الأنهار أو البحار؟

ويمكن القول ـ ردا على ذلك ـ : إن عملية امتزاج الماء المالح بالماء العذب لا تقتصر على الأنهار؛ فهنالك مياه مختزنة تحت الأرض أيضًا تتدفق وتمتزج بمياه البحر، وتبلغ كمية الماء العذب المختزن تحت الأرض كمياه جوفية 23.4 مليون كيلو متر مكعب، بينما تبلغ كمية الماء الموجودة في جميع أنهار العالم 2.12 ألف كيلو متر مكعب، ويبلغ حجم الماء في البحيرات العذبة 91 ألف كيلو متر مكعب، ويمكن القول بأن حجم الماء المختزن تحت سطح الأرض أكبر من حجم الماء في الأنهار 250 ضعفًا.

 

 رسم يوضح دورة امتزاج الماء العذب بالماء المالح

 

فالأنهار والينابيع والمياه الجوفية تشارك في هذه العملية مع ماء البحر([18])؛ ومن ثم فإن البيان الإلهي قد جاء معبرًّا تعبيرًا دقيقًا عن المعنى المراد: )مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج( (الفرقان: ٥٣)، قال ابن كثير: "فالحلو كالأنهار والعيون والآبار"([19]).

ثانيا. آية الرحمن تصف اللقاء بين البحار المالحة:

1) الحقائق العلمية:

لقد توصل علماء البحار ـ بعد تقدم في هذا العصر ـ إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين المالحين كما يأتي:

·      هناك بين البحرين برزخ يتحرك بينهما، يسميه علماء البحار (الجبهة)، وبهذا يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسبًا لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.

·      وهناك اختلاط بين البحرين رغم وجود هذا البرزخ لكنه اختلاط بطيء يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه، دون أن يؤثر على تلك الخصائص.

·      اكتشف علماء البحار سر اختلاف تركيب البحار المالحة في عام (1284هـ/ 1873م) على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة (تشالنجر)، فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة، ومقادير الكثافة، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كانت هذه الأسرار ثمرة رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام وهي تجوب في جميع بحار العالم.

·      وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة، فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يفصل مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض، لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام؟

ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام (1361هـ/ 1942م)، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن وجود خواص مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية، والحرارة، وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، ويكون الاختلاط بين ماء البحار عبر هذه الحواجز بطريقة بطيئة، يتحول معها الماء الذي يعبر الحاجز إلى خصائص البحر الذي دخل فيه، وهكذا يحدث الاختلاط بين البحار المالحة، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحددة بوجود تلك الحواجز المائية بين البحار، وأخيرًا تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المالحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الاصطناعية.

وقد جاء في بحث الظواهر البحرية ما يأتي([20]):

إن مياه البحار على الرغم من أنها تبدو متجانسة إلا أن هناك فروقًا كبيرة بين بعض الكتل المائية في بعض مناطق البحار العالمية، وتتحرك هذه الكتل على شكل وحدات متفرقة تفصلها عن بعضها البعض حدود واضحة وتحتفظ بخواصها رغم تحركها إلى مسافات بعيدة دون أن تمتزج مع بعضها.

وهناك نقطة مهمة أخرى، وهي الفرق الدقيق بين نوعي الحاجز كما ظهر بالدراسات العلمية الحديثة ووصف وصفا دقيقا؛ إذ لا توجد بين الكتل المائية في البحار منطقة محدودة كتلك التي توجد في منطقة المصب، ومن المهم جدا أن نجد ذكرًا للؤلؤ والمرجان في هذه المنطقة من البحار، وأن لا نجد مثل ذلك عند بحث (التقاء المياه العذبة مع المياه المالحة)، ويدل ذلك على أن اللؤلؤ والمرجان يتكونان في المناطق البحرية النقية ولا يتكونان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحر، وتؤكد الدراسة البحرية الحديثة أن المرجان يوجد فقط في المناطق المدارية ـ دون الاستوائية ـ غير الممطرة أو قليلة المطر، ولا ينمو في مناطق المياه العذبة.

وللباحث محمد إبراهيم السمرة ـ الأستاذ بكلية العلوم، قسم علوم البحار، جامعة قطر ـ دراسة ميدانية في خليج عمان (الخليج العربي) ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1984/ 1986م)، وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية، والنباتات السائدة في كل منهما، ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار: "منطقة المياه المختلطة" (MixedـWater Area ) (منطقة البرزخ).

وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي، أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليها تأثير عملية الاختلاط (Mixing) بين الخليجين، فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين، وأكدت النتائج أنه على الرغم من هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض، فإن حاجزًا ثابتًا له استقرار الجاذبية وقوتها(Gravitational Stability) يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما؛ حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس (Heterogeneous Mixture)، وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10 إلى 50 مترًا) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسيًّا؛ أي أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين([21]).

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما جاءت به الآية الكريمة:

لقد أشار القرآن الكريم إلى الحقيقة العلمية التي ذكرناها آنفا والتي لم يتوصل إليها العلم إلا في العقود الأخيرة ـ في قوله تعالى: ) مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان(20)((الرحمن)؛ فقد ذكر القرآن أن ثمة حواجز في البحار المالحة نفسها، وهي تشبه الحواجز التي توجد بين البحار ومصبات الأنهار.

·      المعاني اللغوية وأقوالالمفسرين في الآية:

o     البحرين: قال ابن فارس: "قال الخليل: سمي البحر بحرًا لاستبحاره وهو انبساطه وسعته.. ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبة استبحر، وماء بحري؛ أي: ملح"([22]). وقال الراغب الأصفهاني: "وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء الملح دون العذب"([23]). وقال ابن منظور: "وقد غلب على الملح حتى قل في العذب"([24]).

فإذا أطلق البحر دل على البحر الملح، وإذا قيد دل على ما قيد به، والقرآن يستعمل لفظ الأنهار للدلالة على المياه العذبة، ويطلق البحر ليدل على البحر الملح، قال تعالى: )وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار(32)(  (إبراهيم).

o     البرزخ: هو الحاجز: وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنه لا يرى.

o     البغي: قال ابن منظور: "وأصل البغي مجاوزة الحد"([25]).

ولقد آثار الطاعنون عدة شبهات حول قوله تعالى: ) مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20)( (الرحمن)، وقوله تعالى: )وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53)((الفرقان).

فمن ناحية أولى: يقول الطاعن: لو كان المقصود هو مياه الأنهار التي تصب في البحار وتبقى محافظة على عذوبتها لمسافة معينة وسط مياه البحار المالحة، فلماذا استعمل القرآن الكلمات: "لا يبغيان"، و"برزخًا وحجرًا محجورًا"؟ ألا تعني أن المياه لا يمكن أن تلتقي أو تمتزج البتة؟ فالمفهوم من هذه الآيات هو أن هذه المياه لن تمتزج بأية حال من الأحوال؛ فالبرزخ معناه الفاصل والحاجز، والحجر هو المانع والفاصل أيضًا.

لكن من المعلوم أن مياه الأنهار عندما تصب في البحار لا تمتزج بها لأول وهلة، ولكن بعد مدة جد قصيرة تختلط هذه المياه بمياه البحر وتصير ماء واحدًا، فالحاجز الوحيد إذا حاجز زمني، وهذا مخالف للحاجز المادي الذي يذكره القرآن.

وما قاله الطاعن غير صحيح؛ ذاك أن المولى عز وجل  قد ابتدأ الآيات بكلمة "مرج"، ولكن هذا المرج أو الخلط دون امتزاج كامل، ولم يقل القرآن إنه لا يحدث بينهما امتزاج البتة كما بالغ الطاعن.

ومن ناحية ثانية: يقول الطاعن: أليست هذه الحقيقة ظاهرة طبيعية معروفة لدى كل صياد بسيط يصيد في نهر عذب يصب ماؤه في بحر مالح؟ لقد قام محمد برحلات تجارية في خدمة خديجة، وسافر حتى حلب، ولعله في رحلة من هذه ذهب إلى ساحل سوريا أو لبنان، وسمع من بحار عن عدم امتزاج الماءين المالح والعذب.

وإذا صدق الإعجاز في النصف الأول من الآية ـ: ) مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20)((الرحمن) ـ فهل يصدق أيضًا في النصف الثاني منها، والذي يقول: إن اللؤلؤ والمرجان يخرجان منهما (أي العذب والمالح) وهو يخالف الحقائق العلمية؟

وهذا القول مردود مثل سابقه؛ ذاك أنه يستحيل رؤية البرزخ بالعين المجردة؛ فالبعثات البحرية العلمية لم تستطع أن ترى منطقة المصب، ولا الاختلاف في تركيب منطقة البرزخ بين البحرين المالحين إلا بالأقمار الاصطناعية في القرن العشرين، وبعد رحلات وأبحاث ودراسات مضنية استعانوا فيها بألات التصوير الحراري التي لم يكن لها أي وجود قبل العقود الأخيرة في القرن العشرين.

ولقد دل الوصف التاريخي ـ في أول البحث عن تطور علوم البحار ـ على عدم وجود أية معلومات علمية في هذا الموضوع قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وقبل ذلك كان البحر مجهولًا مخيفًا تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم.

وما عرف الإنسان البرزخ إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية، وما عرف أن ماء البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي ومختلطان في الوقت نفسه إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء، وقام بتحليل الكتل المائية.

وكان العلماء يسألون بعض البحارة عند منطقة جبل طارق بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، وعند منطقة باب المندب بين البحر الأحمر والمحيط الهندي: هل رأيتم حاجزا بين البحر والمحيط فيقولون: لا! بينما يقول الطاعن: نعم، ذلك سهل بمجرد الملاحظة!

وبدأت الكتب العلمية تكتب عن احتمال وجود هذا الحاجز ابتداء من 1942م، وفي عام 1962م  عرف دور الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر؛ لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر، فيحدث الاختلاط بين البحرين مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده، ومثال ذلك حدود مياه البحر المتوسط الساخنة والملحة عند دخولها في المحيط الأطلنطي ذي المياه الباردة الأقل ملوحة منها([26]).

 

صورة مأخوذة بالأقمار الاصطناعية لمضيق جبل طارق، حيث تبين حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمالحة عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة الأقل ملوحة

وبعد فترة صورت سفينة فضاء أمريكية نقطة التقاء البحرين عند جبل طارق بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي (وأيضًا عند عدن نقطة التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهندي)، وعندما عادوا بالصور فوجئوا بأن الصورة لا تحمل فقط لوني البحرين، بل هناك لون ثالث بينهما، فأرسلوا هذه الصور إلى الأكاديمية البحرية التي شكلت بعثة يرأسها عالم البحار الأمريكي "كوفو" إلى نقطة الالتقاء عند جبل طارق؛ لإجراء أبحاثها عند تلك النقطة وذلك فيما أسموه مجازًا "البحر الثالث"، ووجدوا الاختلاف واضحًا في كثافة المياه ونسب المعادن ونوعية الحيوانات التي تحيا فيه، وأن هذه الكتل البحرية الثلاث لا تختلط مياهها أو يبغي أحدها على الآخرين، وأمام هذا الإعجاز الإلهي أعلن"كوفو" إسلامه لما علم بآيات التقاء البحرين في القرآن([27]).

وقد أكد ذلك الصور التي تمكن الإنسان من تصويرها لهذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المالحة، عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الاصطناعية في القرن العشرين. ولا نفهم كيف بعد ذلك كله يظن الطاعن أنها مما تراه العين العادية للصيادين أو الغواصين أو البحّارة!

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم الذي عاش في أرض صحراوية ليس فيها نهر ولا مصب لم يتيسر له في زمنه ما تيسر لعلماء عصرنا من آلات وأقمار اصطناعية وتصوير حراري، فقد تيسر له ما هو أكبر من ذلك؛ حيث جاءه النبأ من العليم الخبير.

أما قول الطاعن: إن القرآن قد أخطأ عندما ذكر أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من المياه العذبة، فمردود كذلك؛ فقوله تعالى: )مرج البحرين يلتقيان (19)( (الرحمن) يصف اللقاء بين البحار الملحة وليس بين النهر والبحر، ودليل ذلك:

·      نحن نعلم أن لفظة "البحر" في اللغة العربية يمكن أن تطلق على كل من البحر الملح والبحر العذب، ولكنها إذا أطلقت بغير تقييد فإنها تدل على البحر الملح فقط، وإذا قيدت دلت على ما قيدت به، وإطلاق لفظة "البحرين" هنا دون تقييد يدل على أنهما البحران المالحان، وليس النهر والبحر.

·      بينت الآية أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار الملحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين مالحين.

·      عندما ذكرت منطقة اللقاء بين البحر والنهر في سورة الفرقان بينت الآية أن بينهما شيئين: البرزخ، الحجر المحجور، قال تعالى: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا (53)((الفرقان). أما آية الرحمن فقد بينت أن الفاصل هو البرزخ، فدل ذلك على أن اللقاء بين بحرين لا بين عذب وملح، فلا توجد منطقة "حجرًا محجورًا" على الكائنات الحية؛ لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديدًا ليكون مانعًا من انتقال الأحياء البحرية من بيئة إلى أخرى([28]).

ومن ناحية ثالثة: يذكر الطاعن أن المفسرين قد أشكل عليهم التوفيق بين وجود برزخ حاجز من طغيان بحر على الآخر وبين وجود حالة اختلاط بين البحرين، وهو ما يدل عليه لفظ "مرج"؛ لأن من قرر أن البحرين مختلطان، فقد أهمل دور البرزخ ووظيفته في منع البغي بين البحرين، ومن قرر وجود الحاجز المانع اضطر إلى تأويل لفظ "مرج" إلى معنى غير معناه الأصلي الدال على الاختلاط، وهذا ما جعل المفسرين يتخبطون عشوائيًّا في تفسير الآيات.

نقول: إن المفسرين في كل عصر يختلفون في تفسير الآيات الكونية على حسب المعارف والاكتشافات التي ييسرها الله للبشر من أبناء هذا العصر، وربما يختلف المفسرون ويكون كلا الرأيين ـ أو الآراء ـ على قدر من الصحة؛ لأن الآيات تحمل أكثر من وجه للتفسير. يقول ابن عباس رضي الله عنه: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله".

ولم يتيسر للمفسرين في العصور القديمة الإحاطة بتفاصيل الأسرار العلمية التي ألمحت إليها الآيات ـ والتي شاء الله عز وجل أن يتيسر لنا منها الكثير في عصرنا ـ وهذه الأسرار كانت غائبة عن مشاهداتهم؛ ولذلك تعددت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية، فرجح بعضهم معنى الخلط، ورجح البعض الآخر معنى المنع، وكذلك الحال في تفسير "البرزخ".

فتأمل كيف عجز علم البشر عن إدراك تفاصيل ما قرره القرآن الكريم، وهذا يبين أن العلم الذي أوتيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيه ما هو فوق إدراك العقل البشري في عصره وبعد عصره بقرون؛ ومن ثم فإن اختلاف المفسرين دليل على إعجاز الآيات، وليس دليلًا على نفيه.

3)  وجه الإعجاز:

وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو دلالتها على وجود حواجز بين البحار المالحة يسمح باختلاط بطيء، بحيث تفقد كمية المياه المنطلقة من بحر إلى آخر خصائصها وتكتسب خصائص البحر الذي دخلت فيه. كما دلت على أن البحار والأنهار تلتقي وتتمازج، مع وجود حاجز يمنع الاختلاط الكامل بينهما، وهذا ما كشف عنه علماء البحار في القرن العشرين عن منطقة المصب بين النهر والبحر، والحواجز البحرية بين بحرين مختلفين.



(*) موقع: الكلمة www.alkalema.us.

[1]. هي ظاهرة تتعلق بمقدار نفاذ الأملاح في الأغشية.

[2]. منطقة المصب والحواجز بين البحار، عبد المجيد الزنداني، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنةwww.nooran.org. وانظر: المروج والبرزخ والحاجز المائي، د. مصطفى محمد الجمال، مقال منشور بموقع: نوافذنا www.nawafithna.net.

[3]. أسرار البرزخ المائي بين الماء العذب والماء المالح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[4]. أسرار البرزخ المائي بين الماء العذب والماء المالح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kahel7.com.

[5]. لسان العرب، مادة: مرج.

[6]. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص465.

.[7] تاج العروس، مادة: مرج.

[8]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، مرجع سابق، ج19، ص281.

[9]. مقاييس اللغة، مادة: مرج.

[10]. لسان العرب، مادة: حجر.

[11]. مقاييس اللغة، مادة: حجر.

[12]. لسان العرب، مادة: حجر.

[13]. لسان العرب، مادة: حجر.

[14]. انظر: قراءة إيمانية في كتاب الكون والحياة، د. أحمد فؤاد باشا، بحث منشور بمجلة الأزهر، عدد شوال 1426هـ، ص1798: 1803.

[15]. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص37، 38.

[16]. شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة، د. عبد الرحيم الشريف، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.

[17]. عندما يلتقي النهر العذب بالبحر المالح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[18]. أسرار البرزخ المائي بين الماء العذب والماء المالح، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[19]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص321.

[20]. بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، من الشيخ عبد المجيد الزنداني، د. دركا برسادا راو.

[21]. من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم البحار، عبد المجيد الزنداني و د. محمد إبراهيم السمرة و د. دركا برسادا راو، الإصدار رقم (15) من كتب هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وانظر)مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان(19)ِ((الرحمن)، د. زغلول النجار، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.

[22]. مقاييس اللغة، مادة: بحر.

[23]. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص38.

[24]. لسان العرب، مادة: بحر.

[25]. لسان العرب، مادة: بغي.

[26]. شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة، د. عبد الرحيم الشريف، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.

[27]. البحر الثالث، سنية عباس، مقال منشور بجريدة: الأخبار، عمود: )وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا(114)((طه)، العدد (16926)، تاريخ 24/ 7/ 2006م.

[28]. منطقة المصب والحواجز بين البحار، عبد المجيد الزنداني، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنةwww.noraan.org.

redirect how do i know if my wife cheated unfaithful wives
click here unfaithful spouse women cheat husband
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
husband cheat my husband almost cheated on me online affair
dating a married woman all wife cheat i cheated on my husband
read here my husband cheated on me why women cheat on men
My girlfriend cheated on me my wife cheated on me with my father signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  9464
إجمالي عدد الزوار
  36595683

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع