مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

إنكار خصوصية محمد - صلى الله عليه وسلم - في عموم رسالته(*)

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المغرضين خصوصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في أنه بعث إلى الناس كافة، مدعين أن الأنبياء جميعهم بعثوا إلى جميع الخلق، ويستدلون على ذلك بأن آيات الرسل - كل الرسل - بلغت - لشهرتها وعظمتها - آفاق الأرض. هادفين من وراء ذلك نفي اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بعموم رسالته؛ بغية إنكار واحدة من قرائن نبوته.

وجها إبطال الشبهة:

1)  من سنة الله - سبحانه وتعالى - العامة أنه يفاضل بين خلقه فيرفع بعضهم فوق بعض، وقد فضل - سبحانه وتعالى - بعض رسله على بعض، وخص محمدا - صلى الله عليه وسلم - بختم الرسالات وعموم الدعوة.

2)  كانت رسالات الرسل قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة بأقوامهم لا تجاوزهم إلى غيرهم، حتى إذا بلغت البشرية طورها الأخير جاءتها الرسالة المحمدية الخاتمة العامة.

التفصيل:

أولا. الله - عز وجل - هو الذي أرسل الرسل والأنبياء، وهو الذي فضل بعضهم على بعض، فلا عجب أن يخص محمدا - صلى الله عليه وسلم - بإرساله للناس كافة:

اقتضت حكمة الله - سبحانه وتعالى - ألا يدع الناس هملا، ولا يتركهم سدى، فأرسل إليهم ما بين حين وآخر مبلغين عنه، يهدون خلقه إليه، ويدلونهم عليه، ويرشدونهم إلى ما يرضيه، ويحذرونهم مما يسخطه، فقال سبحانه وتعالى: )رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل( (النساء: ١٦٥).

ولولا هؤلاء الرسل لضل الناس السبيل في تصورهم لحقيقة الألوهية، وطريقهم إليها، وواجبهم نحوها، ولابتدعوا طرائق قددا[1]، وسبلا شتى، ما أنزل الله بها من سلطان، سبلا تفرق ولا تجمع، وتهدم ولا تبني، وتضل ولا تهدي.

وإذا كان الله - عز وجل - قد خلق الخلق وفاضل بينهم: )وربك يخلق ما يشاء ويختار( (القصص: 68)، وقد اختار من أرضه مكة، فجعلها مقر بيته العتيق الذي من دخله كان آمنا، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليه، وأوجب على الناس الحج إليه من استطاع إليه سبيلا، وحرم صيد الحرم، وقطع شجره، وجعل الأعمال الصالحة فيه مضاعفة، وجعل إرادة الظلم فيه مستحقة العذاب الأليم )ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم (25)( (الحج)، وقد اختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الأيام يوم عرفة، ومن أيام الأسبوع يوم الجمعة، وفاضل الله بين الملائكة، فاختار منهم الملائكة الذين يحملون رسالته إلى رسله وأنبيائه، واصطفى الله من بني آدم الأنبياء، فالأنبياء أفضل البشر، وأفضل الأنبياء الرسل: )الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير (75)( (الحج)، وقد أجمعت الأمة على تفضيل الأنبياء على غيرهم من الصديقين والشهداء والصالحين.

إذا كان الأمر كذلك، فإن الحق - سبحانه وتعالى - أخبرنا أنه فضل بعض النبيين على بعض، قال عز وجل: )ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا (55)( (الإسراء).

والرسل أفضل من الأنبياء، والرسل بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم كما قال سبحانه وتعالى: )تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات( (البقرة: ٢٥٣).

وأولو العزم هم أفضل الرسل، فأفضل الرسل والأنبياء خمسة: محمد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل: )فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم( (الأحقاف: ٣٥).

أما كنه هذا التفضيل، فقد يفضل الله واحدا من الرسل بإعطائه ما لم يعط غيره، أو يرفع درجته فوق درجة غيره، أو باجتهاده في عبادة الله والدعوة إليه وقيامه بالأمر الذي وكل إليه.

فداود - عليه السلام - فضله الله بإعطائه الزبور: )وآتينا داوود زبورا (55)( (الإسراء)، وأعطى الله - عز وجل - موسى - عليه السلام - التوراة: )وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53)( (البقرة)، والكتاب هو التوراة، وأعطى عيسى - عليه السلام - الإنجيل: )وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46)( (المائدة).

وقد اختص الله آدم بأنه أبو البشر، وفضل نوحا فجعله أول الرسل، واتخذ الله إبراهيم خليلا، وفضل موسى - عليه السلام - برسالاته وبكلامه، وفضل عيسى - عليه السلام - بأنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكان يكلم الناس في المهد: )إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه( (النساء: ١٧١).

وقد يتفاضل الأنبياء من جهة أخرى، فالنبي قد يكون نبيا لا غير، وقد يكون نبيا ملكا، وقد يكون عبدا رسولا.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوا بين أنبياء الله» [2]؛ فالمقصود بذلك التفضيل بمجرد التشهي، وبغير دليل شرعي، أو التفضيل في النبوة ذاتها، أو التفضيل بغرض تنقيص المفضول[3].

وإذا كنا متفقين على تفضيل الله - سبحانه وتعالى - الأنبياء بعضهم على بعض، كما فضل بعض الأيام، أو الشهور، أو الأماكن، أو غيرها بعضها على بعض، إذا اتفقنا على ذلك، فما العجب في أن يخص الله - عز وجل - نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بإرساله للناس كافة؟ وقد اقتضت حكمته - سبحانه وتعالى - ذلك.

ثانيا. خصوصية إرسال النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة، ماهيتها، وأسبابها:

بادئ ذي بدء، إننا ما دمنا قد سلمنا بحاجة الناس إلى الرسل، وسلمنا كذلك بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك يوجب علينا أن نصدقه في كل ما جاء به، وكل ما قاله، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون»[4].

ولا شك أن هذا نص واضح في أن إرساله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة فيه خصوصية له - صلى الله عليه وسلم - دون غيره، ولا بد من تصديقه فيها، والإذعان لها دون ملاحاة باطلة، ولكننا رغم هذا، وإن كان فيما ذكرنا دليل بين على هذه الخصوصية له - صلى الله عليه وسلم - دون غيره من الأنبياء إلا أن هذا الكلام قد لا يقنع به إلا مسلم؛ فلهذا فإننا نزيد الأمر وضوحا لنضع هؤلاء أمام الحقيقة التي لا محيص عن إثباتها، هذه الحقيقة هي عالمية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، نقول: لقد بدأ الجنس البشري كما يبدأ الطفل، أقرب إلى البدائية والبساطة، ثم نما الجنس البشري، ونمت أفكاره، فوصل إلى ما يمكن أن نسميه مرحلة صبا البشرية، ثم نما مرة أخرى فوصل إلى مرحلة ما يمكن أن تعد مرحلة شباب البشرية، وكانت الرسالات تناسب كل طور من هذه الأطوار، ولا نزاع أن مصدر الرسالات هو الله - عز وجل - ولكنه - عز وجل - كان يعطي الدواء بقدر طاقة المريض، فكان يعطي البشرية من الهدي والتوجيه ما تحتمله، وما يناسب عودها الذي بدأ ضعيفا ثم اشتد شيئا فشيئا حتى اكتمل نموه.

وقد أشار الأستاذ محمد عبده إلى هذه الحقيقة فذكر أن الأديان الأولى خاطبت الحس يوم كانت الإنسانية في طور الطفولة، ولا يعرف الإنسان فيها إلا ما يقع تحت حسه، ولا يتناول بذهنه من المعاني ما بعد عن لمسه.

فلما سار ركب الإنسانية، وجربت وكسبت، وتحالفت واتفقت، وتقلبت في السعادة والشقاء أياما وأياما، ونما بها الوجدان، وبدت العواطف، جاء دين يتحدث عن الزهادة وعن الصفاء، وعن ملكوت الله.

ولكن الإنسانية في صراعها لم تستطع أن تعيش على الإيثار، ولم يطل مقامها في الصفاء، فراحت تتعارك، وحلت القطيعة محل التراحم، والتخاصم مكان المسالمة، فجاء دين ينظم الشئون كلها، ويرعى الحس والعاطفة، ويدرس العقل والقلب، وينظم للناس شئون دنياهم وآخرتهم[5].

وعلى هذا، فإذا كانت الحياة في تغير دائم ورقي مستمر، فالمشاكل تزداد تعقيدا كلما تعقدت الحياة وكثرت مطالبها؛ فإن النظم والشرائع التي جاءت بها الرسل في تغير وتطور، ما يصلح منها لجماعة لا يصلح لأخرى، كما قال سبحانه وتعالى: )لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا( (المائدة: ٤٨) [6].

ولـما كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتما للأنبياء جميعا قبله، ولا نبي بعده، كان لا بد أن تكون شريعته مهيمنة على جميع الشرائع السابقة عليه؛ لذلك كانت شريعته للناس أجمعين، وكان مبعوثا إلى الناس كافة، ذلك أن البشر لما تكاثروا كما قال سبحانه وتعالى: )وبث منهما رجالا كثيرا ونساء( (النساء: ١) تفرقوا في أنحاء الأرض هنا وهناك، والعالم لا يزال في طفولة فطرته، ليس فيها ارتقاءات للقاء بين هذه الجماعات، فكانت جماعات منعزلة، لا اتصال بينها، ولكل بيئة منها أدواؤها؛ فهؤلاء يطففون الكيل والميزان، وهؤلاء يعبدون الأصنام... إلخ، فيأتي الرسول إلى قوم مخصوصين ليعالج داءهم، لا علاقة له بغيرهم.

أما سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان هو الرسول الخاتم المبعوث للناس كافة؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - علم أزلا أنه سيأتي على التقاء مع الدنيا كلها، وعلى اتصال بين الجماعات المتفرقة، وها نحن الآن، نعيش عالم القرية الواحدة، وما يحدث في أقصى بلاد الدنيا نسمعه ونراه في وقته، وما دام العالم التقت مجتمعاته وقاراته، فالأدواء واحدة؛ لذلك جاء رسول واحد ليعالج كل الأدواء في كل المجتمعات، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى: )وما أرسلناك إلا كافة للناس( (سبأ: ٢٨). قال العلماء في كلمة "كافة" يعني: للناس جميعا، ففي موضع آخر يقول سبحانه وتعالى: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: ١٥٨)، يعني: لم تعد هناك خصوصية، لا زمانية، ولا مكانية[7].

وكما أنه - صلى الله عليه وسلم - مرسل إلى الناس عامة، فهو أيضا مرسل إلى الجن، قال سبحانه وتعالى: )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان) إذ يدخل في العالمين عالـم الجن مع الإنس.

والمراد بالعالمين في قوله سبحانه وتعالى: )ليكون للعالمين نذيرا (1)(: الإنس والجن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان رسولا إليهما ونذيرا لهما؛ إذ قال سبحانه وتعالى: )قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2)( (الجن)[8].

مما سبق يتضح لنا ماهية خصوصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بإرساله إلى الناس كافة، في حين بعث كل نبي إلى قومه خاصة، ولا شأن له بغيرهم.

وإذا كنا قد تحدثنا عن ماهية هذه الخصوصية، فقد وجب علينا الآن أن نتحدث عن أسباب هذه الخصوصية، ولكن لا بد أولا أن نثبت أن كل نبي أرسل إلى قومه فقط، وهاكم توضيح ذلك:

لقد مرت الديانات - كما سبق - بمراحل ثلاث ذكرها د. أحمد شلبي، إذ يقول: نقسم مراحل هذه الرسالات ثلاثة أقسام هي:

1. قسم يمثل طفولة الجنس البشري، وذلك يشمل المدة التي عبرتها البشرية من آدم إلى نوح، حتى إبراهيم عليهم جميعا السلام.

2.  قسم يمثل صبا الجنس البشري، إذ وجد أنبياء بني إسرائيل، وبخاصة موسى وعيسى عليهما السلام.

3.  قسم يمثل شباب الجنس البشري، وهو عهد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

وهناك مراحل خاصة لكل قسم من هذه الأقسام:

المرحلة الأولى: وفيها كانت الدعوة بسيطة، ومظاهر ذلك تبدو فيما يأتي:

·       الدعوة محدودة بجماعة صغيرة، هي جماعة الرسول، كجماعة لوط، وجماعة إبراهيم، ولا تتعدى هؤلاء إلى سواهم.

·   الدعوة عبارة عن التوحيد، وترك عبادة الأوثان والأصنام، دون تنظيمات وتفاصيل أخرى، إلا ما يكون من مرض تفشى، فتنهى عنه الدعوة وتحاربه.

والآيات القرآنية التي تتحدث عن هذه الرسالات، توضح هذين الاتجاهين تمام الإيضاح مثل قوله سبحانه وتعالى: )لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (59)( (الأعراف)، وقوله سبحانه وتعالى: )إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم (1) قال يا قوم إني لكم نذير مبين (2) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون (3)( (نوح)، وقوله سبحانه وتعالى: )ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80)( (الأعراف)، وقوله سبحانه وتعالى: )وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم( (الأعراف: ٨٥)، وقوله سبحانه وتعالى: )وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره( (هود: ٦١)، وقوله سبحانه وتعالى: )وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (50)( (هود)، وقوله سبحانه وتعالى: )وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون (26)( (الزخرف).

ومن نتائج بعث الرسول لجماعة خاصة لا يتعداها، وجد رسولان لجماعتين في وقت واحد، كإبراهيم ولوط، وكإسحاق وإسماعيل عليهم السلام[9].

·       ليس للدعوة في ذلك الحين كتب واضحة، وإنما هي بضع نصائح، وقد توجد بعض ألواح أو صحف عامة.

·   ليس هنا تواريخ ولو تقريبية لأديان هذه المرحلة، فمتى كانت ديانة نوح؟ ومتى كانت ديانة هود؟ لا نعرف بوجه التحديد.

المرحلة الثانية: ويقف فيها القسم الثاني - صبا الجنس البشري - بين بين، ففيه من القسم الأول بعض ملامحه، ولكن له ملامح أكثر تعقيدا وشمولا، ومظاهر ذلك تبدو فيما يأتي:

·       اتسع نطاق الدعوة فشملت قبيلة متشعبة ذات فروع كبني إسرائيل (الأسباط).

·       دخلت الدعوة بعض التفاصيل والتشريعات، ففي سفر التثنية ما يأتي:

o                  "لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل". (التثنية 34: 16).

o      "إذا كانت خصومة بين أناس وتقدموا إلى القضاء ليقضي القضاة بينهم، فليبرروا البار، وليحكموا على المذنب". (التثنية 25: 1).

o      "لا يكن لك في كيسك أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة. لا يكن لك في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة. وزن صحيح وحق يكون لك، ومكيال صحيح وحق يكون لك، لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك". (التثنية 25: 13 - 15).

·   أصبح للدعوة كتاب هو التوراة أو الإنجيل، ولكن معانيهما هي الموحى بها وصاغها البشر في عبارات، وقد مسها التحريف والضياع.

·       هناك تواريخ بيد أنها غير دقيقة.

·   لم يستطع بنو إسرائيل في أكثر عصور هذه المرحلة أن يفهموا التوحيد فهما واضحا، فحسب أكثرهم وحدانية الله على أن هناك إلها واحدا لبني إسرائيل، وبجانبه كانت هناك آلهة للشعوب يؤمن الإسرائيليون بوجودها، ولكنهم يحرمون عباداتهم على أبناء جنسهم، وظلوا إلى ما بعد أيام موسى - عليه السلام - ينسبون إلى الإله أعمال الإنسان وحركاته، فذكروا أنه كان يتمشى في الجنة، وأنه كان يصارع ويأكل، ويغشى مركبات الجان[10], تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وبمعرفة حقيقة رسالتي موسى وعيسى عليهما السلام، يتأكد لنا عدم عالمية الأديان الأخرى غير الإسلام:

1.    حدود رسالة موسى عليه السلام:

ولد موسى - عليه السلام - من أبوين إسرائيليين، وتربى في قصر فرعون، ونشأ بين المصريين، وفي هذا يقول سفر أعمال الرسل: "تهذب موسى بكل حكمة المصريين، وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال، ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يتفقد إخوته بني إسرائيل". (أعمال الرسل 7: 22، 23).

لقد اضطرته الظروف أن يهرب إلى أرض مدين - بعد أن قتل مصريا - وهناك تزوج وأنجب ذرية: "وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى! فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه؛ لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب: إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا، إلى مكان الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين. والآن هوذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إلي، ورأيت أيضا الضيقة التي يضايقهم بها المصريون، فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر". (الخروج 3: 2 - 10).

وهكذا كانت رسالة موسى - عليه السلام - إلى بني إسرائيل، وحدهم دون سواهم، وهكذا تختص الديانة اليهودية بالقبيلة الإسرائيلية وحدها دون سواها.

2.    حدود رسالة عيسى عليه السلام:

جاء المسيح - عليه السلام - رسولا إلى بني إسرائيل، وإلى بني إسرائيل وحدهم دون سواهم، فلقد حدد المسيح لنفسه ولتلاميذه مجال عمله ودائرة التبشير التي ينبغي التجول فيها، فبين بكل وضوح أن رسالته تختص بالشعب الإسرائيلي فقط، فقال قولته الشهيرة: "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة". (متى 15: 24).

وكان هذا هو أمره المؤكد إلى تلاميذه: "هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خشراف بيت إسرائيل". (متى 10: 5، 6).

وأما ما ورد خلاف ذلك من نصوص في إنجيل مرقس - الأعداد 9 - 20، والتي تشتمل على العدد 15 الذي يتكلم عن تبشير العالم بالإنجيل - فليست من عمل مرقس كاتب ذلك الإنجيل، ولكنها إضافات أدخلت إليه حوالي 180م، أي بعد أن سطر مرقس إنجليه بنحو 120 عاما.

وبالنسبة لما جاء في خاتمة إنجيل متى (28: 19) من حديث عن التبشير بالإنجيل بين جميع الأمم؛ فإن العلماء يشكون فيها، لأسباب يذكر منها العالم الألماني أدولف هرنك: لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم المسيحية، ما يتكلم عن المسيح، وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات، وأن بولس لا يعلم شيئا عن هذا، إلى جانب مناقضة قوله بحدود رسالة المسيح الذي ذكرناه آنفا. وبالنسبة لما جاء في خاتمة إنجيل لوقا عن تبشير جميع الأمم، فإن ذلك يخالف حقائق قد جاءت في أناجيلهم[11].

وإذا كنا قد أثبتنا ذلك من خلال كتبهم، فإننا نعضد ذلك بالأصل الأصيل، وأكمل الكتب القرآن الكريم حيث قال عز وجل: )وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا (2)( (الإسراء)، وقال في حق عيسى عليه السلام: )وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد( (الصف: ٦). وإذا كان هذا شأن أكبر ديانتين بعد الإسلام، فالأديان الأخرى أولى بعدم العالمية.

المرحة الثالثة: ولا شك أن هذه الرسالات كانت تفي باحتياجات المرحلة التي جاءت فيها، لكنها لا تتعدى حدودها في الزمان ولا المكان؛ فهذه الرسالات كانت مرحلية إقليمية مؤقتة، نعم اتفقت في الأصول، وإن اختلفت في التناول والفروض، وما زالت البشرية في طور النمو حتى بلغ الرضيع طور الرجولة، فجاءت الشريعة الخاتمة لتفي بمتطلبات كافة الأجناس، وتنوع العباد والبلاد، بما يستوعب طموح الإنسان ويواكب وثبات البشرية اللاهثة نحو إرواء غرورها، وإشباع نزواتها طلبا فطريا، حتى يظن أهلها أنهم قادرون عليها...

لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتختصر الزمان والمكان حتى أصبح العالم قرية متساوية في الواجبات والحقوق، فلا تضارب بين المصالح الفردية والحقوق العامة الجماعية، ولا امتيازات ولا استثناءات قال صلى الله عليه وسلم: «الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب»[12]، وقال: «ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» [13] [14].

وهذه المرحلة التي نحن بصددها، والتي هي مرحلة الرجولة هي التي أشار إليها د. أحمد شلبي بالمرحلة الثالثة، إذ يقول: أما القسم الثالث - شباب الجنس البشري - فله ملامح واضحة هي:

1.    اتضحت وحدانية الله، وحطمت الأصنام، وفتح بالإسلام عهد جديد، لا يقبل الشرك في أية صورة من صوره.

2.  أصبحت الدعوة عامة لكل البشرية، وأصبح محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا للعالمين )وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا( (سبأ: ٢٨)، والدليل على عموم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - واضح تمام الوضوح؛ فقد عمت رسالة محمد الخافقين، وشملت الأبيض والأسود والأصفر، ولم يحس أحد من هؤلاء أن الدعوة لا تناسبه، ولا أنها مستوردة إليه من صنف آخر من الناس، بل أحس كل واحد أن الدعوة له، وأنها تنظم كيانه وحياته.

3.  ختمت الرسالات بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك واضح للغاية أيضا، فقد مرت القرون تلو القرون بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يأت رسول بعد أن طلع على العالم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

4.  دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لها كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فقد مرت السنون، وكثر أعداء الإسلام، ولكن الإسلام بقي دون تحريف أو شبهة تحريف، قال سبحانه وتعالى: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر).

5.  يقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه المرحلة ثابت، كالطود الشامخ، لم تزعزعه الأحداث، ولم تخطر له الشكوك والأوهام.

6.  حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - وحياة دعوته كلها وضوح، وضوء ونور؛ تواريخ محددة، وأحداث ثابتة، وتطور مستقيم راسخ.

7.  ديانة شاملة لأمور الدين وأمور الدنيا، ذكرت لنا الله - سبحانه وتعالى - في علاه، وصورت لنا جنته وناره، وأبرزت معالم الخير والشر، وراحت إلى أمور الدنيا تتحدى تفكير العالم بنظم رائعة في الميراث، والسياسة الاقتصادية، والبيع والشراء، والوصية والهبة، والسلم والحرب، وكل حاجات الإنسان[15].

وثمة أمر مهم لا بد من توضيحه قبل إسدال الستار على هذه النقطة، وهو أن الإسلام قد شمل في حناياه جميع هذه الرسالات التي قبله، إذ لم يدر لها ظهره، ولم يعادها، وإنما حض على الإيمان بها قبل تحريفها، وبالرسل كافة، ونبه على وحدة الرسالات الإلهية، واكتمالها بالإسلام[16].

وليس معنى أن الإسلام ذكرها، وأن ذكرها قد بلغ الآفاق، ليس معنى ذلك أن الأنبياء جميعا قد بعثهم الله للخلق أجمعين، إذ قرر الإسلام في مصدريه القرآن والسنة تخصيص ذلك بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة:

·   لما أراد الله - عز وجل - ألا يدع عباده يسيرون في الأرض على غير هدى، وأراد أن يعرف الخلق بذاته ليعبدوه، أرسل إليهم الأنبياء والرسل، وقد فضلهم على الناس، وفضل بعضهم على بعض درجات، وهذا مبدأ عام، فقد فضل الله - عز وجل - كثيرا من الأشياء بعضها على بعض.

·   فضل الله الرسل على الأنبياء، وفضل أولي العزم على باقي الرسل، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وإذا كان الله قد خص بعض الأنبياء بخصوصيات، فلا عجب أن يخص محمدا - صلى الله عليه وسلم - بإرساله للناس كافة، وهذا ثابت بنص القرآن الكريم.

·   ما دام الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه خص بإرساله للناس كافة دون غيره من الرسل، فإنه لا بد لنا من تصديقه، وهذا من مقتضيات إيماننا بالله - عز وجل - القائل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)(.

·   ثبت بالدليل القاطع كون إبراهيم - عليه السلام - أرسل إلى قومه فقط، لوجود لوط في زمنه، وثبت كون نوح - عليه السلام - أرسل إلى قومه فقط، وثبت في الكتب المقدسة محدودية رسالة موسى وعيسى - عليهما السلام - فإذا كان ذلك مع أولي العزم، والديانتين السابقتين على الإسلام، فالأولى أن نقول بأن عالمية الرسالة من الأمور التي اختص بها دين الإسلام دين محمد صلى الله عليه وسلم.

 



(*) تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م.

[1]. القدد: مختلفة الآراء.

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: ) وإن يونس لمن المرسلين (139) ( (الصافات) (3233)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام (6300).

[3]. عقيدة أهل السنة والجماعة، د. أحمد فريد، مكتبة فياض، القاهرة، 2005م، ص162.

[4]. أخرجه مسلم في صحيحه، أوائل كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1195).

[5]. الإسلام، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط12، 1997م، ص27 بتصرف يسير.

[6]. الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه، الشيخ عطية صقر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1427هـ/ 2006م، ص10.

[7]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج20، ص12328.

[8]. خصائص المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين الغلو والجفاء، د. الصادق محمد إبراهيم، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1426هـ، ص32.

[9]. هذه حقيقة ثابتة، وقد وردت قصة إبراهيم ومجيء الملائكة إليه، ثم ذهابهم إلى النبي لوط ـ عليه السلام ـ في الإصحاح الثامن عشر والإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين من الكتاب المقدس، مع ما في القصة عندهم من السب الصريح للأنبياء، ولكننا نستدل بها على وجود نبيين في وقت واحد فقط، كما أن الكتاب المقدس يذكر أن إسحاق وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ كانا في وقت واحد، فأين عالمية كل نبي من هؤلاء الأربعة؟! وقد جاءت القصة في القرآن: ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط (74) إن إبراهيم لحليم أواه منيب (75) يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود (76) ( (هود).

[10]. الإسلام، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط12، 1997م، ص28: 31 بتصرف.

[11]. الإسلام والأديان الأخرى، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1998م، ص78: 82 بتصرف.

[12]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (10791)، والترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب في فضل الشام واليمن (3955)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3100).

[13]. صحيح: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب في حفظ اللسان، فصل ومما يجب حفظ اللسان منه الفخر بالآباء وخصوصا بالجاهلية والتعظيم بهم (5137)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2963).

[14]. محمد والأنبياء في المصادر اليهودية والمسيحية، السيد سلامة غنمي، طبعة خاصة، 2003م، ص66، 67 بتصرف.

[15]. الإسلام، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط12، 1997م، ص31، 32 بتصرف.

[16]. انظر: عالمية الإسلام، رجائي عطية، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص12: 23.

read women who cheat on husband want my wife to cheat
my husband cheated click here open
online why men have affairs read here
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
why do wife cheat on husband wife cheaters reasons why married men cheat
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  3093
إجمالي عدد الزوار
  36627954

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع