مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

دعوى ضرورة التقارب بين المسلمين والغرب ولو على حساب الإسلام(*)

مضمون الشبهة:

يرى أنصار بعض الاتجاهات الفكرية المعاصرة أنه لا بد من التقريب بين مبادئ الإسلام والحضارة الغربية، ولو أدى ذلك إلى التخلي عن كثير من الأسس الإسلامية، كالقضايا المتعلقة بالمرأة والحجاب... إلخ. وهم كثيرا ما يهتفون بهتافات جديدة، مثل: تطوير الإسلام، تجديد الخطاب الديني، تجديد الدين... إلخ. ويهدفون من وراء ذلك إلى تنحية مبادئ الإسلام وتعاليمه، ومن ثم إذابة هويته.

وجوه إبطال الشبهة:

1) الإسلام دين لا يرفض الحوار والتقارب مع الآخر، ولكن الغرب هو من يأبى ذلك، فهو لا يريد سوى الهيمنة على الآخر وتبني فكرة إخضاع الحضارات الأخرى - وبخاصة الحضارة الإسلامية - للنموذج الغربي.

2) إن التجديد المنشود للإسلام هو حماية أصله مما عداه، وتنقيته مما شابه وعكر رونقه، وليس إذابته في الآخر، وطمس معالمه وإخفاء هويته.

3) الحملة الغربية على الإسلام ليست نابعة من عيوب جوهرية فيه ولا الجهل به، وإنما لثرائه الفكري واستعصائه على العلمنة والخضوع للغرب.

4) إن العالم الغربي يحاول السيطرة على ثروات العالم الإسلامي بكل الوسائل، حتى ولو كانت هذه الوسائل اغتيال العقل الإسلامي ومصادرة حرية المسلمين.

التفصيل:

أولا. الإسلام دين لا يرفض الحوار والتقارب مع الآخرين:

إذا أمعن المرء النظر في التاريخ العام للحضارات الإنسانية، فإنه يستطيع أن يتبين بوضوح أن التعددية الحضارية كانت دائما هي القاعدة، على الرغم من الطبيعة الواحدة للإنسان في كل زمان ومكان، والتي يشترك فيها كل الناس.

وإذا كان الله قد خلق كل فرد من أفراد الإنسان بشخصية مستقلة تميزه عن غيره من أبناء جنسه، فإن الأمر كذلك بالنسبة للحضارات التي بناها ويبنيها الإنسان، فكل حضارة لها شخصية معينة تميزها عن غيرها.

وهذا التمايز الحضاري لم يكن في يوم من الأيام يمثل عقبة في سبيل التفاعل والتواصل بين الحضارات، ومن أجل ذلك لا توجد حضارة إنسانية عريقة نمت وتطورت دون أن تتأثر بغيرها من الحضارات، فالتراث الإنساني أخذ وعطاء، ولا توجد أمة عريقة في التاريخ إلا وقد أعطت كما أخذت من هذا التراث، ولم تشذ حضارة من الحضارات الكبيرة عن هذه القاعدة.

ومن هنا نجد أن الحضارة الإسلامية قد شيدها المسلمون شيئا فشيئا في تبادل حي مع الحضارات الأخرى التي التقت بها، ويؤكد الفيلسوف العربي ابن رشد أهمية الالتقاء بين الحضارات مبرزا ضرورة الاطلاع على ما لدى الآخرين من ثقافات، ومبينا أن ذلك يعد واجبا شرعيا، ويضيف قائلا: "فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم" ([1]).

وعليه فالإسلام لا يرفض الحوار والتقارب مع الآخر بحال من الأحوال ما دام هذا الحوار مثمرا، وما دام هذا التقارب يقوم على العقلية الناقدة التي تميز بين ما يفيد وما لا يفيد، ويستطيع المسلم فيه أن يحمي حضارته، وهذه هي الطريقة التي يصبح بها الطريق ممهدا إلى التوصل إلى ما فيه الخير والسلام للجميع([2]).

ولكن هذا الحوار وهذا التقارب الذين يدعو لهما الإسلام، لا يعترف الغرب بهما؛ لأن الحضارة الغربية تتميز بروح الهيمنة التي تحاول السيطرة على الآخر بكل سبيل، يقول د. بو عبد الله غلام الله وزير الشئون الدينية والأوقاف بالجزائر: " الحضارة الغربية تلغي التعددية الكونية التي هي سنة الله في الخلق؛ فلا تعترف بالآخر ثقافيا وإعلاميا واقتصاديا؛ لأن هدفها الوحيد هو تصدير النمط الغربي الليبرالي بقيادة أمريكا. ويكفي أن نرجع إلى مختلف الإعلانات المعاصرة من مثل حقوق الإنسان، حقوق الطفل، حقوق المرأة وما إلى ذلك، كلها إعلانات تريد أن تكون عالمية، وما هي في الواقع إلا تعبير عن النظرة الغربية، ولم تأخذ أبدا في عين الاعتبار نظرة الحضارة الإسلامية في الموضوع.

وهكذا أصبح هذا الفكر الغربي - باسم الرقي الحضاري وحقوق الإنسان - يفرض مفاهيم غربية: اجتماعية واقتصادية وسياسية؛ معتبرا كل مخالف لها - سواء باسم الدين أو الخصوصية الثقافية - انحرافا وشذوذا حضاريا أو إرهابا مدمرا للحضارة الغربية.

ومن ثم فمن العبث الحديث عن مستقبل علاقة حوار حضاري إنساني بين الإسلام والغرب، إذا كان الأساس قائما أصلا على أفكار مسبقة خاطئة لدى الغرب، سواء في التصور والتحليل، أو في معرفة الآخر وتقييمه.

إن الحوار الحضاري من أسسه أن يحدد المتحاور موقفه بموضوعية وصدق؛ مع إضمار حسن التقدير للآخر؛ لا أن يحدد لهذا الآخر موقفه أو أن يمليه عليه.

فعندما يدعي هذا المتحاور امتلاك الحقيقة من دون الآخرين، فستكون لهذا الادعاء امتدادات في واقع الحياة؛ فهو ينصب نفسه مرجعا وحيدا لمعرفة من يحق له مثلا أن يمتلك القوة التكنولوجية أو القوة العسكرية أو التشريعية وما إلى ذلك، باسم الحقيقة والخيرية والريادة، وفي هذه الحال يصبح الغير مجبرا على التبعية والإذعان، من دون نقاش، لأنه الطرف الضعيف في المعادلة، أو القاصر حضاريا([3]).

ونحن في عرضنا لتلك الحقائق لا نتحامل بحال من الأحوال على الغرب والحضارة الغربية، بل يؤكد هذه الحقائق فقد أعلن كثير من علماء المسلمين الذين شاركوا في جلسات ما يسمى بمؤتمرات "الحوار بين الأديان" أو التقريب بينها في بعض الجوانب - أنهم غالبا ما خلصوا بعد طول المشاركة إلى نتيجة مؤداها أن المقصود ليس التقريب، وإنما التغليب، تغليب طرف على آخر، والآخر هذا هو الإسلام - بالطبع - والغرض الانتقاص لا رفع الالتباس، وإن كان لطرف أن يتنازل أو إن لزمه على الأحرى أن يتنازل، فليكن هو الإسلام على الدوام، وهذا ما لا يطالب به الطرف الآخر فقط، وإنما يتبناه بعض المسلمين ممن يحرصون على إظهار استنارتهم الفكرية - كما يزعمون - ومجاراتهم لمقتضيات المدنية الحديثة.

ثانيا. تجديد الإسلام لا يعني طمس هويته وإخفاء معالمه:

والغريب أن مثل هذا لا يحرص أحد عليه مع الأديان الأخرى، وكأن العين على الإسلام وحده، وكأنه هو بعينه المقصود بالأمر لغرض ما في نفس يعقوب، وقد دلس بعض المغرضين فوصف مثل هذا الصنيع بمصطلح "تجديد الإسلام" ليجاري الواقع المعيش، وهذا ما يبينه الشيخ الغزالي - رحمه الله - بقوله: "جرت على الألسنة كلمة تجديد الإسلام، وظن فئة أن المقصود منها ترقيع ثوب لحقه البلى، أو تحريك آلة أدركها العطب، وقد يتطلب ذلك إهمال شعبة من شعب الإيمان، أو التجاوز عن حد من حدود الله، أو إرخاص الماضي غرورا بالحاضر، وتمشيا مع المدنية الحديثة، وهذا كله لا يخطر ببال مسلم، ولا يفكر فيه إلا لصيق بديننا لا يدري عنه شيئا".

ثم يبين الشيخ الغزالي المعنى الحقيقي للتجديد بقوله: "إن التجديد المنشود حماية الأصل مما عراه، وتنقيته مما شابه وعكر رونقه، إنه غسل الثوب حتى يزول عنه القذى، أو إزالة الغبار عن صورة غطى الإهمال ملامحها.. إن حقائق الدين من منابعه الفريدة، ما إن أخذت تسير في مجراها من هذه الحياة حتى علق بها من رواسب البيئات ومخلفات القرون وجهالات العامة، وشهوات الخاصة، ونزوات الحكام - ما ذهب بالكثير من نقائها وصفائها، حتى لتشبه ماء النيل في مجراه الأدنى، لا يصلح للشراب إلا بعد مجهودات متعاقبة من التنقية والتصفية، ترده سماويا كما كان.

هل إمداد الناس بالمياه النقية يضيف شيئا إلى جوهرها الأصلي؟ لا، الأمل كله أن يعود الماء كما نزل من السماء، وأملنا في تجديد الإسلام قريب من عملنا في تنقية مياه الشرب، وقد نبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جلال هذا العمل عندما قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»([4]) ([5]).

شروط النهضة:

ويقارن الشيخ الغزالي بين محاولات العلمانيين القفز فوق الدين وتعاليمه، عند حديثهم عن مشاريع الإصلاح والنهضة عندنا، وبين الإصلاح والتجديد مع الحفاظ على الثوابت والقيم الخاصة وملامح الهوية عند الشعب الياباني مثلا فيقول: "كان رجال التعليم والتربية في اليابان أيقاظا عندما اتصلت بلادهم بأوربا في القرن الماضي، أو قل: كان حراس التقاليد الموروثة صاحين عندما قررت اليابان الاستفادة من التفوق الصناعي الغربي، فقد أعدوا لكل جديد يقتبس مكانه فوق أرضهم ومساحته المادية والأدبية التي لا يعدوها، وهيمنوا ببصر حاد على الآثار المتوقعة حتى لا تفلت من أيديهم، أو تتحرك بعيدا عن خططهم المرموقة.

ومع التزام هذا الخط الصارم بقيت الشخصية اليابانية محفوظة السمات، ثابتة الملامح، فانتقلت الصناعات الغربية إلى اليابان، ولم يتحول اليابانيون إلى أوربيين في عقائدهم، أو لغتهم، أو آدابهم، أو أخلاقهم.

إنهم فعلوا، ولم ينفعلوا، وقادوا ولم ينقادوا، وكانت هناك أديان بينها فجوات: البوذية من ناحية، والشنتوية من ناحية أخرى، والأتباع المخلصون تتقسمهم وجهات نظر شتى، ومذاهب فقهية كثيرة - إن صح التعبير - بيد أن لونا من المعايشة السلمية فرض نفسه على الجميع، فإذا اليابانيون كلهم دون حساسيات دينية، يتعاونون على إنهاض بلدهم ورفع لوائه، وتم لهم ما أرادوا.

إن للنجاح الحقيقي أساسا لا يتغير، هو النفس الإنسانية، فإذا استقر هذا المهاد لم يبق شيء ذو بال، وقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - أعرف إنسان بهذه الحقيقة، فاتجهت جهوده كلها قبل أي شيء إلى داخل الإنسان تصوغه وتضبطه، وتطمئن إلى قراره، وهو يعرف أن هذا الإنسان سوف يفرض نفسه على بيئته يوما عندما تنزاح العوائق من أمامه"([6]).

ثالثا. سر الحملة الغربية على الإسلام:

هل ينطوي الإسلام على عيوب حقيقية وعورات واضحة تتعارض مع الحياة السوية من مثل أحكام المرأة والحدود مثلا في الشرع الإسلامي - كما يزعمون - أم أن في المسألة سرا آخر، وأن لها وجها خفيا لا يراه كثيرون، ويحرص على إخفائه المتسترون؟! بتعبير أوضح: ما سر الحملة الحقيقية على الإسلام وحده دون غيره من قبل الغرب؟!

هذا ما يسهب د. محمد عمارة في إيضاحه والإبانة عن أبعاده فيقول: "... فإننا نقدم شهادة - غربية هي الأخرى - على مقاومة الإسلام للعلمانية واستعصائه على العلمنة، وعلو نجمه في سماء التدين بديانات السماء.

ففي مجلة "شئون دولية".. الصادرة في (كمبردج) يناير سنة 1991م، ملف عن الإسلام، فيه دراستان: عن الإسلام والمسيحية، والإسلام والماركسية، كتبهما اثنان من علماء الاجتماع... وفي هاتين الدراستين تعليل للحملة الغربية على الإسلام، يرجع سبب هذه الحملة - التي تصاعدت عقب سقوط الشيوعية - إلى استعصاء الإسلام على العلمنة، وهو الأمر الذي جعل ثقافته صامدة أمام الثقافة الغربية، التي تعيش مأزق المسيحية والعلمانية، ولاأدرية وتفكيكية وفوضوية وعدمية ما بعد الحداثة، يقول هذان العالمان: لقد شعر الكثيرون بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي، وبالنسبة لهذا الغرض كان الإسلام جاهزا في المتناول.

فالإسلام رافض لأي تميز بين ما لله وما لقيصر، وهو لا يسمح لمعتنقيه بأن يصبحوا مواطنين في دولة علمانية، إنه استثناء مدهش وهام جدا من النظرية التي يعتنقها علماء الاجتماع، والتي تقول: إن المجتمع الصناعي والعلمي الحديث، يحل العلمنة محل الإيمان الديني، فلم تتم أية علمنة في عالم الإسلام، وسيطرة هذا الدين على المؤمنين به هي سيطرة قوية، بل هي أقوى الآن مما كانت عليه من مائة سنة مضت، إنه مقاوم للعلمنة في ظل مختلف النظم السياسية - راديكالية([7]) وتقليدية وبين بين - وعمليات الإصلاح الذاتي التي تتم في العالم الإسلامي باسم الإيمان الديني، وليس على أنقاض هذا الإيمان، وهو الأمر الذي مكن العالم الإسلامي من الإفلات من المعضلة التي جعلت مجتمعات أخرى ضحية للاضطراب والإذلال، بسبب إضفاء الغرب الطابع المثالي على نموذجه في التحديث، الأمر الذي جعلها تقف منه موقف المحاكاة والتقليد.

ذلك هو التفسير الأساسي لمقاومة الإسلام المرموقة للعلمنة؛ ولأن الإسلام هو الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحد حقيقي للثقافة الغربية، ثقافة الشك واللاأدرية، ثقافة المتخصصين الذين لا روح لهم، والعلماء الذين لا قلوب لهم.

كان الإسلام من بين ثقافات الجنوب - الهدف المباشر للحملة الغربية الجديدة على الإسلام. إذن، فهذه الحملة الغربية الشرسة على الإسلام بشهادة هذه الدراسات العلمية الغربية - ليست نابعة من عيوب جوهرية وحقيقية في الإسلام - كما يزعم هؤلاء - ولا هي نابعة من الجهل بحقيقة الإسلام، كما يحسب كثير من المسلمين - وإنما نابعة - بشهادة هؤلاء العلماء الغربيين - من إفلاس المسيحية الغربية، وإفلاس العلمانية الغربية، أي إفلاس "الدين الكنسي" و "الدين الحداثي" في الغرب الحديث والمعاصر، ومن فشل الغرب الاستعماري في إدخال الإسلام وأمته وعالمه إلى النفق العلماني المظلم، الذي دخل فيه الغرب، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يتحدثون - ثقافيا ودينيا وديموجرافيا - عن "موت الغرب" و "صحوة الإسلام".

تلك هي حقيقة الأسباب الموضوعية والجوهرية الكامنة وراء الهجمة الغربية على الإسلام، وهذا هو السبب في شدة الضربات التي يحاول بها الغرب معاجلة صحوة الإسلام، وإلا فلو كان الإسلام هزيلا لما استأهل هذا الضرب الشديد.

وهذه الحقيقة - التي شهد بها العلماء الغربيون - تدعو المسلمين إلى الاعتزاز بإسلامهم، ولكن دون غرور، وتدعوهم إلى مواجهة هذه الهجمة بالكشف عن حقائق الإسلام، ليعلمها الذين لا يعلمون - في الغرب وغير الغرب - ويكشف الدعاوى الكاذبة، التي تستر وتزيف الأسباب الحقيقية لهذه الهجمة الغربية على الإسلام.

كذلك يجب أن نكشف الزيف الذي تمارسه هذه الحملة على الإسلام، عندما يزعم أقطابها أنهم إنما يهاجمون "الأصولية الإسلامية"([8]) ولا يهاجمون الإسلام، فسبر غور كتابات هؤلاء الكتاب الغربيين، إنما يكشف عن أن حديثهم، بل تعريفهم للأصولية الإسلامية، إنما هو التعريف لحقيقة الإسلام، فالأصولية في المصطلح الإسلامي والفكر الإسلامي والتراث الإسلامي - هي الانطلاق من الأصول - أصول الدين وأصول الفقه - وهما علمان من أبرز علوم العقلانية الإسلامية، العقلانية التي تفقه الأحكام وتفقه الواقع المعيش، ثم تعقد القران بين الفقهين والقراءتين، ومن ثم فالأصولية الإسلامية هي على النقيض من الأصولية المسيحية والأصولية اليهودية، اللتين مثلتا وتمثلان الجمود والحرفية والتقليد، ومعاداة العلم والعقل والتجديد، والوقوف - ببلادة - عند ظواهر النصوص.

والكتاب الغربيون الذين يهاجمون الإسلام تحت غطاء مصطلح "الأصولية الإسلامية"يكشفون هم أنفسهم عن هذه الحقيقة - حقيقة أن مقصدهم في الهجوم هو الإسلام - ويشهد بذلك الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" - وهو مفكر استراتيجي - عندما يتحدث عن الأصوليين الإسلاميين، يدعو نيكسون الغرب (أمريكا وأوربا الغربية والشرقية) إلى الاتحاد لمواجهة خطرهم الداهم بسياسة واحدة.

تلك هي الأسباب الحقيقية التي تشهد بها وتعلنها الشهادات الغربية للهجمة على الإسلام، وهي أسباب تدعو المسلمين - وهم يخاطبون الغرب ويقدمون إليه حقائق الإسلام - أن يتحدثوا من موقع العزة والاعتزاز بالإسلام - دونما تكبر أو غرور - وألا يقعوا في خطأ - بل خطيئة - تقديم التنازلات التي تزيف الإسلام، على أمل أن يرضى عنه هؤلاء الذين يعادونه؛ لأنهم يعرفونه، ويعرفون حقيقته، وليس بسبب جهلهم له، كما يحسب بعض السطحيين والجهلاء، وصدق الله العظيم إذ يقول: )الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون (146)( (البقرة).

وحقيقة أخرى من حقائق هذه الهجمة الغربية على الإسلام، هي أن عداء هؤلاء الذين يناصبون الإسلام العداء، ليس لأن المسلمين يغايرون الغرب في الدين، ولا لأنهم يمارسون من الشعائر الدينية الإسلامية ما يخالف شعائر النصرانية الغربية، فالديانات الوضعية هي الأخرى تغاير النصرانية الغربية في الشعائر والاعتقادات، ومع ذلك فإنها لا تحظى بعشر معشار ما يحظى به الإسلام من العداء.

ذلك أن الذي يناصب الإسلام العداء من الغربيين هم أولئك الذين يعرفون أنه ليس مجرد شعائر ومناسك وعبادات، ولا مجرد مالك لأقدم وأعرق المواريث الحضارية العالمية، وإنما هو مع كل هذا وفوقه:

·   توحيد: يجعل المؤمنين به يرفضون الخضوع لكل الطواغيت، وفي مقدمتها طاغوت الهيمنة الغربية وإمبرياليتها.

·   ومشروع نهضوي يعني - عندما يوضع في التطبيق - تحرير ضمائر المسلمين وعقولهم من الهيمنة الثقافية الغربية، وتحرير محيطات العالم الإسلامي وبحاره من الأساطيل العسكرية الغربية، وتحرير سياسات حكومات العالم الإسلامي من التبعية للمركزية الغربية، ومن ثم إعادة الأمة الإسلامية إلى مكانتها الطبعية في مقدمة الأمم والحضارات.

والإسلام، مع ذلك وفوق ذلك، دعوة لتحرير ثروات العالم الإسلامي من استغلال الرأسمالية الغربية المتوحشة.

رابعا. محاولات الغرب في الاستيلاء على ثروات العالم الإسلامي:

إن العالم الإسلامي يمثل في الثروات:

1. العالم الأول في البترول، والغاز، والمنجنيز، والكروم، والقصدير، والبوكسيت. وإذا كان مخزون البترول في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي النرويج - بحر الشمال - لن يزيد عمره - مقارنة بالإنتاج الحالي - على عشر سنوات، وعمره في كندا ثماني سنوات، فإن عمر هذا المخزون في العالم الإسلامي سيجعل هذا العالم هو المصدر الوحيد للطاقة على النطاق العالمي، في المستقبل من الزمان، فعمر المخزون الإيراني 53 عاما، وعمر المخزون السعودي 55 عاما، وعمر المخزون في الإمارات العربية المتحدة 75 عاما، وعمر المخزون في الكويت 116 عاما، أما في العراق فعمر المخزون النفطي 526 عاما.

غير بترول العالم الإسلامي في بحر قزوين، وفي السودان، ووسط إفريقيا، تلك هي كعكة الطاقة التي تعض عليها الإمبريالية([9]) الأمريكية لتتحكم في عالم القرن الواحد والعشرين.

2. كما يمثل العالم الإسلامي - في الثروات الخاضعة لاستغلال الشركات الغربية متعددة الجنسيات - العالم الثاني في النحاس والفوسفات، والعالم الثالث في الحديد، والعالم الخامس في الرصاص، والعالم السابع في الفحم.

3. وفي العالم الإسلامي أطول أنهار الدنيا، وأقدم فلاح علم البشرية فن الزراعة، والأرض الزراعية الصالحة لتكون سلة غذاء تحرر المليار ونصف المليار مستهلك من التبعية الذليلة للاستيراد والاستهلاك من الغرب. كما أن فيه من الشواطئ المترامية للبحار والأنهار والمحيطات ما يجعله مصدرا عظيما للثروة السمكية.

4. وفي العالم الإسلامي من الفوائض النقدية ومن مصادر التمويل للتنمية الاقتصادية، وثروات المسلمين وإراداتهم وحريتهم وكرامتهم لدى مراكز الهيمنة الاقتصادية الغربية.

ويكفي أن الزكاة وحدها، وخاصة زكاة "الركاز" التي تمثل 20% من الثروات المركزة في الأرض - وأغلب ثروات العالم الإسلامي مركوزة في الأرض - يمكن أن تتحول إلى صندوق تنموي يجعل تنميتنا بالحلال، كما يجعلها مصدرا لتحررنا.

5. كذلك يصدر هذا العالم الإسلامي إلى الشمال الأوربي والأمريكي - بأرخص الأسعار - 40% من المعادن، 35% من النفط، 93% من القصدير، 65% من الخشب، 40% من القطن. بينما يحرمه الغرب من التقنيات التي تحقق استقلاله الاقتصادي وتنميته المستقلة.

بل يحرمه الآن - بعد أحداث 11 سبتمبر سنة2001م في أمريكا - من تعلم العلوم الدقيقة وتقنياتها، بل حتى من الدوريات العلمية، كما صنع مع العراق طوال سنوات الحصار.

وذلك لاغتيال العقل العلمي في بلاد الإسلام، والحيلولة دون امتلاك المسلمين استقلالهم الاقتصادي، وامتلاكهم لأسلحة الردع التي تحمي هذا الاستقلال، وفي هذه الميادين - ميادين التحرير لثروات العالم الإسلامي - تكمن المقاصد العظمى للتحرير التي تتغياها الصحوة الإسلامية، التي يسمونها "الأصولية" التي تريد استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة، عن طريق بعث الماضي وتطبيق الشريعة الإسلامية، والمناداة بأن الإسلام دين ودولة، واتخاذ الماضي الإسلامي هداية للمستقبل.

لهذه الأسباب - الفكرية والثقافية والاقتصادية - يتعرض الإسلام لهذه الهجمة الغربية الشرسة والظالمة، وليس بسبب الجهل به، أو لعيوب كامنة فيه"([10]).

نيات المتغربين:

وبكل كلام قوي كاشف زاجر يحمل الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - على المستغربين من أبناء الشرق ممن يمموا شطر الغرب وجوههم وهوى أفئدتهم وعقولهم، وعملوا - كالغواني - على إرضائه بكل سبيل، ولو بالنزول عن ثوابت العقيدة والشريعة، وتمييع الهوية وإضاعة الاستقلالية الفكرية لنيل رضا الأسياد، يقول في مقدمة كتابه "ظلام من الغرب":

"هناك مستشرقون مصريون ولدوا في بلادنا هذه، ولكن عقولهم وقلوبهم تربت في الغرب ونمت أعوادهم مائلة إليه، فهم أبدا تبع لما جاء به، إنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، بيد أنهم خطر على كياننا؛ لأنهم كفار بالعروبة والإسلام، أعوان - عن اقتناع أو مصلحة - للحرب الباردة التي يشنها الاستعمار علينا، بعد الحرب التي مزق بها أمتنا الكبيرة خلال قرن مضى، وهم سفراء فوق العادة لإنجلترا وفرنسا وأمريكا، دول التصريح الثلاثي الذي خلق إسرائيل وحماها، والفرق بينهم وبين السفراء الرسميين أن هؤلاء لهم تقاليد تفرض عليهم الصمت، وتصبغ حركاتهم بالأدب، أما أولئك المستشرقون السفراء فوظيفتهم الأولى أن يثيروا في الصحف وفي المجالس، وأن يختلقوا كل يوم مشكلة موهمة ليسقطوا من بناء الإسلام لبنة، وليذهبوا بجزء من مهابته في النفوس، وبذلك يحققون الغاية الكبرى من الزحف المشترك الذي تكاتفت فيه الصهيونية والصليبية في العصر الحديث...

إن هذا النفر من حملة الأقلام الملوثة أخطر على مستقبلنا من الأعداء السافرين فإن النفاق الذي برعوا فيه يخدع الأغرار بالأخذ عنهم، وقد يقولون كلمات من الحق تمهيدا لألف كلمة من الباطل تجيء عقبها، فلنحذر هذا العدو المقنع، ولنؤمن طريق نهضتنا بتجلية هذا الظلام الوافد من الغرب... قد انفجرت بغتة أحقاد بعض الناس على الإسلام، وبدت سرائرهم مسودة تجاه عقائده وشرائعه، لقد خيل إلى هذا النظر الواهم أن الأوان قد حل للتخلص من وصايا الإيمان وأعباء الفضيلة وأمر الله جملة، ولكن خاب فألهم.

إنهم يكذبون على الحرية حين يجعلونها ترادف الفوضى، ويكذبون على الحضارة حين يحسبونها تقارن الميوعة، ويغدرون بأنفسهم وأمتهم وتاريخهم حين يمكنون لسماسرة الغرب الناقم علينا أن ينالوا مآربهم ويبلغوا ما يشتهون.

التحرير الكامل أن ننظف الجو العام من أولئك الذين فقدوا كل شيء إلا النقل الأعمى عن أوربا دون ميز بين خبيث وطيب، ونافع وضار، إما عن فساد في عقولهم أو فساد في ضمائرهم"([11]).

الخلاصة:

·   من العبث إقامة حوار وتقارب بين الإسلام والغرب، ما دام الغرب يعتقد أنه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة، ويحاول بكل وسيلة فرض إرادته وطمس هوية الإسلام.

·   تهدف جولات وندوات ومؤتمرات الحوار بين الأديان في الغالب إلى تغليب وجهة نظر طرف على الطرف الآخر - الآخر هنا عادة ما يكون الإسلام - لا التقريب بينهما.

·   الحملة الغربية الشرسة على الإسلام ليست نابعة من عيوب جوهرية فيه ولا من الجهل به وإنما لإفلاس مرجعيات الآخرين فكريا.

·   تغري ثروات العالم الإسلامي الآخرين بمحاولة الهيمنة على مقدراته بكل سبيل، ومن ذلك محاولة هز ثوابته وتضييع هويته.

·        المتغربون من أبناء الشرق يسعون لإرضاء الغرب ولو بالنزول عن أسس عقيدتهم وهدم أركانها.

 

 



(*) الإسلام المفترى عليه، محمد الغزالي، نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة، 2006م.

[1]. الإسلام وقضايا الحوار، د. محمود حمدي زقزوق، ترجمة: د. مصطفى ماهر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007م، ص56، 57.

[2]. الإسلام وقضايا الحوار، د. محمود حمدي زقزوق، ترجمة: د. مصطفى ماهر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007م، ص57 بتصرف.

[3]. مستقبل العلاقة بين الحضارات الإسلامية والحضارات المعاصرة، مقال د. بو عبد الله غلام الله، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الرابع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1423هـ/ 2003م، ص960: 970 بتصرف.

[4]. صحيح: أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار، باب بيان مشكل عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله (3269)، والطبراني في مسند الشاميين، مسند عبد الرحمن بن زيد بن جابر، بن جابر عن علي بن مسلم البكري (599)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (248).

[5]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص213.

[6]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص470.

[7]. الراديكالية: اتجاه سياسي يطالب بالإصلاح الجذري التام في إطار المجتمع القائم، ويقوم على إطلاق الحرية في الاقتصاد وعلى التفكير العقلاني غير المتسرع قبل اتخاذ الخطوات المؤدية للإصلاح.

[8]. الأصولية: هي التمسك بكل اتجاه فكري أو ديني قديم.

[9]. الإمبرالية: هي استعمار أو احتلال أو نزعة تسلطية من بعض الدول؛ للاستحواز على بعض الأقاليم المستقلة أو شبه المستقلة بالسيطرة الاقتصادية والسياسية.

[10]. الغرب والإسلام: أين الخطأ وأين الصواب، د. محمد عمارة، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2004م، ص12: 20 بتصرف.

[11]. ظلام من الغرب، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط1، 2003م، ص5، 6.

why do men have affairs why do husband cheat why men cheat on beautiful women
wives that cheat women who want to cheat read here
signs of a cheater why women cheat website
reasons wives cheat on their husbands what is infidelity why do men have affairs
viagra vison loss viagra uk buy online read
viagra vison loss viagra uk buy online read
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
website why some women cheat redirect
dating a married woman cheat on my wife i cheated on my husband
My girlfriend cheated on me my wife cheated on me with my father signs of unfaithful husband
My girlfriend cheated on me my wife cheated on me with my father signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  2272
إجمالي عدد الزوار
  36646411

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع