مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

دعوى جمود الشريعة الإسلامية وتحجرها(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن الشريعة الإسلامية شريعة جامدة؛ لأنها في نظرهم لا تقبل التطور، وأحكامها لا تلين لتغير الزمان والمكان، مما يجعلها سببا لتخلف الإنسان وركوده، مستدلين على ذلك بما انتهى إليه حال المسلمين من تهالك وضعف على جميع المستويات، رامين إلى التشكيك في صلاحيتها للتطبيق في هذا العصر.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  الشريعة الإسلامية تشتمل على ثوابت ومتغيرات، وهذا من أبرز خصائصها.

2) فتح باب الاجتهاد - بوصفه مبدأ إسلاميا - لاستيعاب المستجدات وتأصيلها شرعيا - يدحض دعوى جمود الشريعة الإسلامية.

3) الشريعة الإسلامية لا تنكر التطور بإطلاق ولا تقبله بإطلاق، فليس التطور خيرا محضا ولا شرا محضا؛ لذا وجب النقد والتمحيص.

4)  مراحل الانتصار والانكسار في التاريخ الإسلامي مرتبطة بمدى تمسك المسلمين بدينهم.

التفصيل:

أولا. الشريعة الإسلامية تشتمل على ثوابت ومتغيرات، وهذا من أبرز خصائصها:        

ليس صحيحا أن كل أحكام الشريعة الإسلامية ثابتة دائمة، وغير قابلة للاجتهاد فيها، وطروء التغيير عليها، فمن أحكام الدين ما يتعلق بالعقائد التي تحدد نظرة الدين إلى الله والمبدأ والمصير، والكون والحياة والإنسان، أو ما يسميه علماء العقائد عندنا: الإلهيات والنبوات والسمعيات، وهذه حقائق ثابتة لا تتغير. ومنها: ما يتعلق بشعائر العبادات الرئيسية التي تحدد صلة الإنسان العملية بربه، وهي التي تعتبر أركان الإسلام ومبانيه العظام, وهذه في أساسها العامة ثابتة، وإن كان الاجتهاد يدخل عليها في بعض من التفاصيل.

ومنها: ما يتعلق بالقيم الخلقية، ترغيبا في الفضائل، وترهيبا من الرذائل، وهذه تتميز بالثبات أيضا في مجموعها.

وهذه الثلاثة لا يحتاج الناس إلى تغيرها، بل إلى ثباتها واستقرارها لتستقر معها الحياة، وتطمئن العقول والقلوب.

بقي أمر نظم الحياة المختلفة، مثل نظام الأسرة والمواريث ونحوها، ونظام المعاملات والمبادلات، ونظام الجرائم والعقوبات، والأنظمة الدستورية والإدارية والدولية ونحوها، و هي التي يفصل أحكامها الفقه الإسلامي بمختلف مدارسه ومذاهبه، وهذه ذات مستويين:

·   مستوى يمثل الثبات والدوام: وهو ما يتعلق بالأسس والمبادئ والأحكام التي لها صفة العموم، وهو ما جاءت به النصوص قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، التي لا تختلف فيها الأفهام، ولا تتعدد الاجتهادات، ولا يؤثر فيها تغير الزمان والمكان والحال.

·   ومستوى يمثل المرونة والتغيير: وهو ما يتعلق بتفصيل الأحكام في شئون الحياة المختلفة، وخصوصا ما يتصل بالكيفيات والإجراءات ونحوها، وهذه قلما تأتي فيها نصوص قطعية، بل إما أن ترد فيها نصوص محتملة أو تكون متروكة للاجتهاد، رحمة من الله - عز وجل - بعباده، غير نسيان.

فإن من أبرز خصائص التشريع الإسلامي: أنه يجمع بين الثبات والمرونة معا في تناسق محكم وتوازن فريد.

فالأصول الكلية ثابتة خالدة، شأنها شأن القوانين الكونية، التي تمسك السماوات والأرض أن تزولا، أو تضطربا، أو تصطدم أجرامها.

والفروع الجزئية مرنة متغيرة، فيها قابلية التطور، شأن ما في الكون والحياة من متغيرات جزئية، لازمة لحركة الإنسان وحركة الحياة.

وهكذا كان في الفقه الإسلامي منطقة مغلقة لا يدخلها التغيير أو التطوير، وهي منطقة "الأحكام القطعية"، وهذه هي التي تحفظ على الأمة وحدتها الفكرية والسلوكية.

ومنطقة مفتوحة وهي منطقة "الأحكام الظنية" ثبوتا أو دلالة، وهي معظم أحكام الفقه، وهي مجال الاجتهاد، ومنها ينطلق الفقه إلى الحركة والتطور والتجديد.

ومن هنا وجدت عوامل للسعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، التي نستطيع أن نوضحها فيما يأتي:

1.  أن الشارع الحكيم لم ينص على كل شيء، بل ترك منطقة واسعة خالية من أي نص ملزم، وقد تركها قصدا للتوسعة والتيسير والرحمة بالخلق و هي ما تسمى "منطقة العفو", وفيها جاء الحديث:«ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته؛ فإن الله لم يكن ناسيا»[1]. ثم تلا: )وما كان ربك نسيا (64)( (مريم).

2.  أن معظم النصوص جاءت بمبادئ عامة، وأحكام قليلة، ولم تتعرض للتفصيلات والجزيئات إلا فيما لا يتغير بتغير المكان والزمان، مثل شئون العبادات وشئون الزواج والطلاق والميراث ونحوها، وفيما عدا ذلك اكتفت الشريعة بالتعميم والإجمال مثل قوله عز وجل: )إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( (النساء: ٥٨)، وقوله عز وجل: )وأمرهم شورى بينهم( (الشورى: 38)، والحديث الذي أصبح قاعدة فقهية وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»[2].

3.  أن النصوص التي جاءت في أحكام جزئية قد صيغت صياغة معجزة؛ بحيث تتسع لتعدد الأفهام والتفسيرات، ما بين متشدد ومترخص، وما بين آخذ بحرفية النص، وآخذ بروحه وفحواه، وقلما يوجد نص لم يختلف أهل العلم في تحديد دلالته وما يستنبط منه، وهذا راجع إلى طبيعة اللغة، وطبيعة البشر، وطبيعة التكليف.

4.  أن ملء منطقة الفراغ التشريعي - أو منطقة العفو - يمكن أن يتم بوسائل متعددة، يختلف المجتهدون في اعتمادها وتقدير مدى الأخذ بها ما بين مضيق وموسع، فهنا يأتي دور القياس أو الاستحسان، أو الاستصلاح[3] ومراعاة العرف، أو الاستصحاب أو غيرها في كل ما لا نص فيه.

5.  تقرير مبدأ تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، وهو مبدأ تقرر منذ عهد الصحابة الذين كانوا أكثر الناس رعاية له، وبخاصة عمر - رضي الله عنه - كما في موقفه من المؤلفة قلوبهم، ومن قسمة الأرض المفتوحة، ومن طلاق الثلاث وغيرها، بل بدأ تقرير هذا المبدأ حقيقة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وما روي من ترخيصه لرجل في القبلة وهو صائم ومنع آخر منها؛ حيث كان الأول شيخا، والثاني شابا.

6.  تقرير مبدأ رعاية الضرورات والأعذار والظروف الاستثنائية بإسقاط الحكم أو تخفيفه؛ تسهيلا على البشر ومراعاة لضعفهم أمام الضرورات القاهرة، والظروف الضاغطة؛ ولهذا قرر الفقهاء أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الظروف الضاغطة تنزل منزلة الضرورة مع قيد أن "ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها"[4].

ثانيا. فتح باب الاجتهاد كمبدأ إسلامي يدحض دعوى الجمود:

إن تحريض الإسلام أتباعه على مسايرة التطور والاستفادة من التقنيات الحديثة في كافة المجالات، وفتح باب الاجتهاد فيما يجد من الأمور التي لم تكن من قبل، إن هذا من أكبر الأدلة على فساد مثل هذه الدعوى الباطلة التي تسم الشريعة بالجمود ظلما وزورا، ولا بد هنا أن نناقش تهمة "الجمود" التي يرمى بها الدعاة إلى الحل الإسلامي أو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، كما لا بد أن نناقش فكرة "التطور" التي يتفاخر بها دعاة العلمانية والتبعية الغربية.

ونقول في مناقشة هؤلاء: إننا نطالبكم بتحديد مفاهيم هذه الألفاظ الهلامية المطاطة "الجمود" و"التطور" ماذا تريدون بها؟ حتى نبين بجلاء موقفنا منها.

·       الجمود الذي نرفضه:

إن كنتم تريدون بالجمود الوقوف في وجه التطور العلمي والصناعي، والرقي المادي، وإغلاق باب الاجتهاد في الفقه والتوقف عند أقوال المتأخرين من الفقهاء ممن لم يدركوا ما أدركنا، ولم يروا ما رأينا، فنحن نتبرأ من هذا الجمود، ونحن أول الداعين إلى استخدام العلم بكل أساليبه وإمكاناته في تيسير وسائل الحياة، وتنمية الإنتاج، وترقية العمران، وإعداد القوة العسكرية، وغير ذلك من كل ما تحتاج إليه الأمة وما يرفع شأنها، بل يجب على الأمة شرعا أن تكتفي اكتفاء ذاتيا في كل مجال من المجالات التي يحتاج إلى العلم والتفوق فيه، وهذا ما أطلق عليه في الفقه الإسلامي اسم "فرض الكفاية".

لقد جاءت العلوم الطبيعية والرياضية ونحوها في "زي أوربي "، ولهذا سموها "العلوم الحديثة" مع أن أصولها مأخوذة عن المسلمين في الأندلس وفي صقلية وفي غيرها، وظن بعض الشيوخ أن هذه العلوم تحمل في ثناياها عقائد أصحابها وفلسفتهم ونظرتهم إلى الحياة والوجود، أو على الأقل أفكارا تخالف وجهة الإسلام، وهذا ربما يكون صحيحا بالنظر إلى العلوم الاجتماعية والآداب والفنون، وليس صحيحا - على إطلاقه - بالنظر إلى العلوم المحضة أو العلوم التطبيقية التي ينتفع بآثارها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فعلوم الطب والكيمياء والأحياء والرياضيات ونحوها علوم عالمية لا دين لها ولا جنسية وللعرب المسلمين جهود غير منكورة فيها.

ونحن نريد العودة بالمسلمين إلى أيام حضارتهم الزاهرة؛ حيث جمع أسلافهم بين العلم والإيمان، وأقاموا حضارة دينية دنيوية، ربانية إنسانية علمية أخلاقية، أسست من أول يوم على تقوى من الله ورضوان.

وكان للعلم في هذه الحضارة الربانية مكان مرموق، ومجال رحيب، كما اعترف بذلك الكتاب الغربيون أنفسهم:

قال بريفولت في كتابه "بناة الإنسانية": "لقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية على العالم الحديث، وإن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة، بل يدين هذا العلم للثقافة العربية - يعني الإسلام - بأكثر من هذا؛ إذ يدين لها بوجوده نفسه".

إلى أن يقول: " ليس لـ "روجر بيكون" ولا لتلميذه "فرنسيس بيكون" الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي، فلم يكن "روجر بيكون" إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية"[5].

·       الجمود الذي نصر عليه:

وإن كنتم تريدون بالجمود مجرد الثبات أو الاستمساك بقيم وأهداف وعقائد وأصول، لا يجوز المروق ولا الخروج عليها؛ لأنها ثابتة خالدة لا تزول، باقية ما بقيت الحياة والأحياء، فهذا حق، ونحن نصر على هذا الثبات الذي تسمونه جمودا ولا نحيد عنه قيد شعرة وقد قال الله عز وجل: )فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم (43)( (الزخرف)، وكل أنبياء الله ورسله من لدن آدم أبي البشر إلى خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - من دعاة هذا "الجمود" - بهذا المفهوم ـ؛ لأنهم جميعا يدعون إلى الإيمان بخالق أزلي أبدي لا يفنى ولا يتغير ولا يتطور، قال عز وجل:)هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (3)( (الحديد)، وكلهم على اختلاف أقوالهم وأوطانهم وأزمانهم يدعون بدعوة واحدة لم تتغير ولم تتطور: )ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت( (النحل: 36)، وكلهم يحذر قومه من عذاب يوم عظيم: )يوم يقوم الناس لرب العالمين (6)( (المطففين).

وكلهم يدعون الناس إلى مكارم الأخلاق، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وينذرون قومهم إذا أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وكلهم يدعون إلى اتباع ما أنزل الله من الهدى، ويحذرون من اتباع الهوى، ويأمرون بتقوى الله وطاعة رسله، وينهون عن طاعة المفسدين من شياطين الإنس والجن: )فاتقوا الله وأطيعون (150) ولا تطيعوا أمر المسرفين (151) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون (152)( (الشعراء)، فدعوة الأنبياء - على ما بينهم من فوارق من العصور، وامتداد القرون - لم تتطور ولم تتغير في جوهرها.

إن نوحا - عليه السلام - يقول لقومه: )إني لكم رسول أمين (107) فاتقوا الله وأطيعون (108)( (الشعراء)، ومثل ذلك يقوله هود وصالح ولوط وشعيب - عليهم السلام - وغيرهم من الأنبياء.

الرسل المصطفون الأخيار - بهذا المنطق الخاطئ - كلهم جامدون غير متطورين، وعلى رأس هؤلاء الجامدين محمد - صلى الله عليه وسلم، فقد جاءنا بنفس الأصول القديمة والأهداف والعقائد التي نادى بها نوح والنبيون من بعده منذ قرون سحيقة لا يعلمها إلا الله، جاءنا بكتاب يقول: )شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه( (الشورى: ١٣)، جاءنا بعقيدة جامدة لا تقبل التطور؛ لأنها إيمان بحقائق ثابتة لا يعتريها تغيير؛ فالله هو الله في كل عصر وفي كل زمان، واليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء هو اليوم الآخر، وعالم الغيب هو عالم الغيب، لا تتطور هذه الحقائق ولا تتبدل، سواء أكان الناس يركبون الجمال أم يركبون الطائرات أو الصواريخ ومركبات الفضاء، وسواء أكانوا يسكنون الأكواخ أم ناطحات السحاب، وسواء أكانوا يطهون طعامهم بالوقود من الحطب أم بمواقد الكهرباء، أم لا يطهون طعامهم أصلا.

وجاءنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقيم وأخلاق "جامدة"، لا تلين لمطارق الحضارة وضرباتها العنيفة المتكررة، فالزنا حرام، والتبرج حرام، والربا حرام، والشذوذ حرام، والقتل حرام، والظلم حرام، وغير ذلك من الرذائل التي حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة، كما أن الحياء فضيلة، وخشية الله فضيلة، والتوكل عليه فضيلة، وغير ذلك مما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - به من شعب الإيمان وأخلاق الإسلام، وستظل هذه الفضائل فضائل، كما ستظل هذه المحرمات محرمات، سواء أكان الإنسان في القرن السابع للميلاد، أم في القرن العشرين أو القرن الثلاثين أو المائة[6].

الاجتهاد من مبادئ الإسلام التي تدحض دعوى الجمود وتثبت تفاهتها:

إن باب الاجتهاد في الإسلام مفتوح لكل من هو أهل له، خاصة أهل العلم والورع الذين يتصدون لكل ما يجد من مشكلات وحوادث، ويقومون بتصحيح تصرفات الناس في أي عصر من العصور، ولا يملك أحد إغلاقه؛ لأن الذي فتحه هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله وإقراره، ومن ذا الذي يرفض ما شرعه أو يغلق ما فتحه؟!

وإن في تشريع الإسلام من السعة والمرونة والغنى بالقواعد والمبادئ ما يستطيع به أن يواجه تطورات الحياة وتقلبات الأزمان، من غير حيف على أصوله، أو انتقاص من قيمه الخالدة, فقد رأينا من الفقهاء الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان مثل: عمر بن عبد العزيز وابن المسيب والزهري والحسن، وغيرهم من التابعين.

وهؤلاء الأعلام قد خلفوا لنا سوابق تشريعية تعد مفخرة في تاريخ الاجتهاد والتشريع.

لقد رأينا فقيها كعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يؤخر الزكاة في عام الجدب إلى العام الذي بعده، تخفيفا على الممولين، وتوسعة على من حولهم.

ورأيناه كذلك في المجاعة يوقف حد السرقة لوجود الشبهة بوجود المجاعة.

كما رأيناه يتوقف عن توزيع الأرض المفتوحة على الفاتحين، معتقدا أنه لا يشملها ظاهر العموم في قوله عز وجل: )واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال: ٤١)، ويستشير الصحابة في ذلك فيشير عليه معاذ وغيره من فقهاء الصحابة بعدم توزيعها، وإبقائها في أيدي أصحابها على أن تكون ملكيتها للدولة الإسلامية، ولهم حق الانتفاع بها مقابل خراج يدفعونه للخزانة العامة، أي لبيت مال المسلمين.

ورأينا عمر بن عبد العزيز - خامس الخلفاء الراشدين - يقول: تحدث للناس أقضية - أي أحكام - بقدر ما أحدثوا من الأمور, ورأينا الأئمة بعد ذلك يجعلون القياس، واعتبار المصلحة، ورفع الضرر، والاستحسان من قواعد الشريعة التي يجب رعايتها عند الإفتاء أو القضاء أو التقنين.

ورأينا في الفقه الإسلامي متسعا لمختلف الآراء والنزاعات والاجتهادات في إطار الشريعة السمحة، فوجدناه يتسع لمن قد يبدو متشددا كابن عمر - رضي الله عنهما -، وللميسر كابن عباس - رضي الله عنهما -، وللقياسي كأبي حنيفة، والأثري كابن حنبل، ومعتبر المصلحة كمالك.

ووجدنا فيه مذاهب أقرب إلى اتباع النص، وأخرى أقرب إلى إعمال الرأي، وثالثة تعد وسطا بينهما، ورابعة تتمسك بحرفية النصوص والأخذ بظواهرها.

ورأينا الإمام الواحد من هؤلاء رأى الرأي في القضية، ويفتي فيه فيما يبدو من الأدلة والاعتبارات، فيرى غيره ويفتي به، وقد يرجع عن هذا الثاني ويفتي بغيره، ولهذا قد يروى عن الواحد منهم في المسألة الواحدة روايتان أو أكثر.

وهذا كثير في مذهبي مالك وأحمد، وأما الشافعي فمعروف أن له مذهبا في العراق يسمى " القديم " ومذهبا في مصر يسمى " الجديد ".

وبين هؤلاء الأئمة وأصحابهم خلاف كثير في عديد من المسائل، وأوضح ما يكون مذهب أبي حنيفة، وكل من له إلمام بالفقه يعرف ما امتلأت به كتب الحنفية من خلاف بين الإمام الأعظم وصاحبيه - أبي يوسف ومحمد - أحدهما أو كليهما، وكذلك ما كان بين زفر والحسين بن زياد وغيرهما، وكثيرا ما تقرأ في تعليل الخلاف بين الإمام وصاحبيه هذه العبارة: " هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان", وعبارة كهذي - لو تأملناها - تكفي في الرد على من يدعي أن في الإسلام جمودا أو تحجرا.

ونحن ننادي بوجوب الاستفادة من هذه الثرورة الفقهية كلها على اختلاف مدارسها ونزعاتها، دون تعصب ولا تقليد أعمى، ولا تقيد إلا بأصول الشرع ومقاصده.

ثالثا. الشريعة الإسلامية لا تنكر التطور جملة ولا تقبله جملة:

1.    مفهوم التطور:

ليس معنى ما ذكرناه أن الإسلام يعادي التطور كله، أو يقف في وجهه، أيا كانت غايته ووسائله بل يعادي التطور الذي يجافي الحق، أو يناقض القيم العليا، أو يرفض الدين الصحيح، ولهذا لا بد لنا أن نحدد مفهوم "التطور" حتى نحدد موقفنا منه.

إن التطور الذي قامت عليه الأدلة القطعية، لا يمس جوهر الأشياء وماهيتها، إنما يمس شكلها وإطارها؛ فحقائق الأشياء ثابتة، وسنن الله في الكون وفي الحياة الإنسانية ثابتة كذلك: )فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا (43)( (فاطر)، وثبات هذه السنن وتلك الحقائق هي التي جعلتنا نتعامل مع الكون والإنسان والأشياء بأمان واطمئنان، محللين لظواهرها، رابطين بين المسببات وأسبابها، وصولا إلى قوانين عامة، كونية واجتماعية ينتفع الإنسان باكتشافها، ويتقدم عمرانه وحضارته برعايتها واستخدامها، والذين يحسبون النظر يعني التبدل المطلق تكذبهم حقائق الوجود الماثلة للعيان، فالكون لم يزل - بأرضه وسمائه وبحاره وشموسه وأقماره ونجومه المسخرات - بأمر ربه كما كان، ولا زالت القوانين الكونية تعمل كما وضعها الله، ولولا ثبات هذه القوانين ما تقدمت العلوم إلى الحد الهائل الذي نراه ونلمس أثره في الحياة.

2.    التطور لا يأت دائما بخير:

"التطور" هو الانتقال من طور إلى طور، وليس بالضرورة أن يكون أفضل من الطور الأول، ومجرد حدوث الشيء في زمن تال لا يعطيه أولوية أو أفضلية على سابقه؛ فالأفضلية بين الأشياء والأحداث والمواقف، إنما تحكمها معايير موضوعية، بغض النظر عن الزمن الذي حدثت فيه.

ففي حياة الفرد الإنساني نراه يتنقل من الطفولة إلى الشباب، ومن الشباب إلى الشيخوخة، ويتحول من الصحة إلى السقم، ومن السقم إلى الصحة، وحياة الأمم تمر بمثل هذه الأدوار من ضعف إلى قوة، ومن قوة إلى ضعف، ومن يظن أن التطور لا يكون إلا انتقالا من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن، ومن أحسن إلى الأحسن؛ فقد أخطأ وكذب على الواقع والتاريخ.

والإسلام باعتباره شريعة الفطرة والعدل لم ينكر وجود التطور في الكون والحياة، ولم يعطه أيضا أكبر من حجمه، ولم يفتح الباب كذلك لأي تطور خيرا كان أو شرا. إنه لم يكبل الإنسان بأغلال تشل حركته، ولم يدعه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وكأنه إله لا يسأل عما يفعل، بل وضع له قيما وأحكاما ينطلق في إطارها، ويتصرف بحرية على ضوئها، شاعرا بأنه مكلف مختار مسئول، جامعا بين الثبات والتطور معا، ولكنه ثبات في الغايات والأصول وتطور في الوسائل والفروع.

فهناك عقائد وعبادات وفضائل وأحكام قطعية الثبوت والدلالة، ولا مجال فيها للتطور أو التبديل، وبجوارها أحكام اجتهادية، ودلالات ظنية، وشئون دنيوية، تجد الأمة إزاءها مجالا رحبا لحرية الفكر وحرية الحركة، ومرونة المواجهة، وللأخذ والرد كذلك ولن تجد من القواعد والنصوص إلا منارات تهدي، لا قيودا تعوق.

وعلى ضوء ما ذكرنا، يمكننا أن نعرف حقيقة المجتمع المسلم وموقفه من الثبات والتطور.

فالمجتمع المسلم مجتمع متطور متوازن، ولهذا اجتمعت فيه المتقابلات,وأخذ كل منها مكانه بالعدل,وهذا هو وضعه بين الثبات والتطور، والمجتمع المسلم مجتمع ثابت متحرك في آن واحد، إنه أشبه بالنهر الجاري المتدفق، الذي لا يقف عن الحركة والتجدد والجريان، ولكن في مجرى مرسوم، واتجاه معلوم، ولغاية معروفة.

3.    متى يتعرض مجتمعنا للخطر؟

وإنما يتعرض مجتمعنا للخطر نتيجة لأحد أمرين يجب علينا أن نحذر منهما أشد الحذر، ونحذر منهما كل التحذير، وهما:

·  أن يجمد ما من شأنه التغير والتطور والحركة، فتصاب الحياة بالعقم والجمود، وتصبح كالماء الراكد الآسن، [7] الذي يجعله الركود مرتعا للجراثيم والميكروبات.

وهذا ما حدث في عصور الانحطاط والشرود عن هدي الإسلام الصحيح؛ فرأينا كيف توقف الاجتهاد في الفقه، وتوقف الإبداع في العلم، والأصالة في الأدب، والابتكار في الصناعة، والافتنان في الحرب وغيرها... وضربت الحياة بالجمود والتقليد في كل شيء، وأصبح المثل السائد الذي يعبر عن وجهة النظر السائدة "ما ترك الأول للآخر شيئا" على حين أخذت المجتمعات الأخرى الراكدة تستيقظ وتنهض وتتطور وتنمو وتتقدم، ثم تزحف غازية مستعمرة، والمسلمون في غمرة ساهون.

·  أن يخضع للتطور والتغير ما من شأنه الثبات والدوام والاستقرار، كما نرى ونسمع في عصرنا الحديث، أن فئة من أبناء المسلمين يريدون خلع الأمة من دينها، وعزلها عن تراثها كله باسم التطور.

يريدون أن يفتحوا الباب للإلحاد في العقيدة، والانسلاخ من الشريعة، والتحلل من الفضيلة، كل ذلك باسم هذا الصنم الجديد "التطور".

إنهم يريدون أن يطوروا الدين نفسه لكي يلائم ما يريدون استيراده من الشرق والغرب، من عقائد وأفكار، وقيم وموازين، وأنظمة وتقاليد، ومثل وأخلاق، وما جعل الله الدين إلا ليمسك البشرية أن تتدحرج وتنقلب على عقبها.

لهذا أوجب أن يكون الدين هو الميزان الثابت الذي يحتكم إليه الناس إذا اختلفوا ويرجعون إليه إذا انحرفوا، أما أن يصبح الدين خاضعا لتقلبات الحياة وظروفها؛ يستقيم إذا استقامت، ويعوج إذا اعوجت، فإنه لذلك يفقد وظيفته في حياة الإنسان[8].

بهذا كله يظهر لنا وجه المجتمع المسلم بين الملامح، واضح القسمات، متميزا بهذه الفضيلة البارزة في حياته و هي: الجمع بين الثبات الذي يمنحه الاستقرار، فلا يتزحزح عن مبادئه، ولا يتحول عن أصوله, وبين المرونة التي يواجه بها سير الزمن وسنة التطور، فهو يجمد في بعض الأمور كالصخر، ويلين في بعض الأمور كالعجين، أو كما قال شاعر الإسلام محمد إقبال في وصف المسلم: يجمع بين نعومة الحرير وصلابة الحديد.

رابعا. الانتصار والازدهار في التاريخ الإسلامي تابع للتمسك بالشريعة الإسلامية:

هناك حقيقة بارزة يجب الالتفات إليها، والتأكيد عليها، وهي أن المتتبع للمد والجزر، والامتداد والانكماش، والنصر والهزيمة في تاريخ الإسلام، يتضح له بيقين أن فلاح هذه الأمة وقوتها وعزتها مرتبط بمدى تمسكها بشريعتها، فإذا أعرضت عنها، أصابتها الويلات من كل جانب جزاء وفاقا.

ولهذا نجد العهد النبوي وعهود الراشدين المهديين أبلغ مثل، وأوضح دليل على صدق هذه القضية في شقها الأول.

ولا يجهل أحد ما كان عليه المجتمع العربي في الجاهلية، وماذا كان حاله بعد أن هداه الله إلى الحق وحكمته شريعة الإسلام، ويكفي لكي نعرف فضل الإسلام على العرب أن نقرأ قوله عز وجل: )هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2)( (الجمعة)، فهذه تبين حالتهم الفكرية والثقافية التي تتلخص في الأمية والضلال المبين، وقوله عز وجل: )واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (103)( (آل عمران).

قال قتادة في تفسير هذه الآية وتصوير ما كان عليه العرب قبل الإسلام، وما صاروا إليه بعد: "كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودا، وأجوعه بطونا، مكعومين[9] على رأس حجر بين الأسدين: فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات ردي إلى النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظا، وأدق فيها شأنا منهم؛ حتى جاء الله - عز وجل - بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل به لكم دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك"[10].

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأبي عبيدة رضي الله عنه: «إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله»[11].

ولقد زعم بعض الناس أن هذه الشريعة لم تطبق إلا في عهد الخلفاء الراشدين، بل في عهدي أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - خاصة، وبنوا على ذلك أنها شريعة مثالية لا تصلح للتطبيق.

والحق أن هذه دعوى مريضة يكذبها الواقع التاريخي للمسلمين، فقد ظلت الشريعة الإسلامية أساس الحكم والتعامل في جميع ديار الإسلام، ثلاثة عشر قرنا يقوم عليها - دون غيرها - القضاء والإفتاء والفقه والتشريع، ولم يخطر ببال حاكم من الحكام - أموي أو عباسي أو عثماني - أو غيرهم، كما لم يدر بخلد شعب من الشعوب - عربي أو غير عربي - أن يستبدلوا بهذه الشريعة الإلهية السماوية الخالدة شريعة وضعية أرضية، أو شريعة دينية منسوخة كتابية أو وثنية، بل كان اعتزاز الأمة وحكامها بهذه الشريعة فوق الحد، وفوق الوصف.

وبقيت هذه الشريعة صاحبة السيادة في أرض الإسلام حتى ابتليت بهجوم الاستعمار الصليبي عليها؛ فطفق يسلخها من ذاتيتها ويصرفها عن شريعتها، ويفرض عليها قوانين من عنده ما أنزل الله بها من سلطان، أحل بها الحرام كالربا والزنا والخمر والميسر، وعطل بها فرائض، كالزكاة، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فثبت بها فكرة الإقليمية القائمة على تجزئة الأمة الإسلامية، وتمزيق دار الإسلام الواحدة، وظل يتدرج في فرض هذه القوانين حتى شملت الحياة كلها، إلا جانبا واحدا منها حصرت فيه الشريعة، وهو ما سمي بـ "الأحوال الشخصية".

ولا زالت بعض الفئات في بعض البلاد الإسلامية تجهد جهدها لتخرج الإسلام من هذه المنطقة الباقية له، في حين أن الشعب التركي المسلم يجهد جهده للعودة إلى شريعته، وتحرير نفسه من الاستعمار التشريعي الذي قهر عليه قهرا.

وهذا كله - على كل حال - لم يحدث إلا في عهود ذلة المسلمين، وعلية الاستعمار على أوطانهم وعقولهم، ولقد بدءوا يتحررون الآن، أو على الأقل ينادي بعض منهم بوجوب التحرر من مخلفاته في التشريع بعد التحرر العسكري والسياسي، بل غدا هذا مطلبا للجماهير المسلمة في كل مكان من أوطان المسلمين[12].

ويقول محمد قطب: ومن التخلف العقدي نشأت كل ألوان التخلف التي أصابت العالم الإسلامي: التخلف العلمي والحضاري والاقتصادي والحربي والفكري والثقافي، وقد تختلف النسبة بين العوامل المختلفة التي أدت إلى التخلف العقدي في تأثرها في كل نوع من أنواع التخلف التي ذكرناها آنفا؛ فتكون نسبة تأثير الفكر الإرجائي في بعضها أوضح، ونسبة تأثير الصوفية في بعضها أظهر، ونسبة تأثير التفلت من التكاليف في بعضها أكثر، ونسبة تأثير الاستبداد السياسي في بعضها أشد, ولكنها موجودة في مجموعها، وعاملة في كل مجال من مجالات التخلف التي ترتبت أصلا على التخلف العقدي واستمدت منه.

فتحت تأثير الخدر[13] الذي أنشأه الفكر الإرجائي، والذي مقتضاه أن الإنسان مؤمن كامل الإيمان بالتصديق والإقرار ولو لم يعمل بمقتضيات الإسلام.

والخدر الذي أنشأته الصوفية سواء في تهويمات "الذكر" أو في إطماع العبد في مغفرة ربه بدون أن يعمل بمقتضيات الإسلام.

وتحت تأثير الاستبداد السياسي الذي يجعل كل إنسان ينشغل بخاصة نفسه، ولا يلتفت إلى مصالح الجماعة ولا حاجات الأمة, مصحوبا ذلك كله بالتفلت من التكاليف.

تحت تأثير ذلك كله، غفت الأمة الإسلامية غفوة طويلة، امتدت فترة قرنين من الزمن على الأقل، إن لم يكن أكثر، تقابل من تاريخ أوربا قرنيها الثامن عشر والتاسع عشر، قرني الصعود الأوربي نحو السيطرة والتمكن، والتقدم العلمي والحضاري والمادي.

كانت أوربا قد برئت من آثار قرونها الوسطى المظلمة، وأقامت - عن طريق ما استمدت من العالم الإسلامي من علم وحضارة - حركة قوية في جميع الاتجاهات، وإن كانت فقيرة كل الفقر في الناحية الروحية والأخلاقية.

أما العالم الإسلامي فقد كان في الفترة نفسها قد غفا غفوته الطويلة بتأثير الخدر المزدوج الذي أشرنا إليه، وبتأثير الاستبداد السياسي والتفلت من التكاليف، فكان على المنزلق الهابط في الوقت نفسه الذي تبذل أوربا كل جهدها للصعود.

ففي المجال العلمي حدث تقلص ضخم، وأبعد - بالتدريج - كل العلوم الدنيوية من معاهد العلم! في ذات الوقت الذي اقتصرت فيه العلوم الشرعية على فكر القرن الخامس على أكثر تقدير، مع الفارق الكبير بين الأصالة التي كان عليها فكر القرن الخامس والتقليد الذي تلا ذلك من القرون، وظل " يتحجر " قرنا بعد قرن!

لقد كان من مفاخر الحركة العلمية الإسلامية أنها تفتحت للعلم كله، وأبدعت في العلم كله، وكان العالم متمكنا في العلوم الشرعية، وعالما في الوقت نفسه في الطب أو الفلك أو الفيزياء أو الكيماء بغير تعارض ولا تناقض بين هذا وذاك، وكانت المعاهد العلمية في الأندلس وغيرها - تلك التي تعلمت فيها أوربا حين بدأت تخرج من قرونها المظلمة - تعلم طلابها كل فروع العلم وألوانه بغير تفريق، وكانت العلوم " الدنيوية " من المعالم البارزة في تلك المعاهد، إلى جانب العلوم الشرعية، ومن هناك تعلمت أوربا المنهج التجريبي في البحث العلمي، وترجمت ما كتبه المسلمون في الطب والفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات والبصريات؛ لكي تتتلمذ عليه في بدء نهضتها الحديثة.

ولكن المسلمين - الغافلين - طردوا تلك العلوم تدريجيا من معاهدهم ليقتصروا على العلوم الشرعية، مع ما في دراستهم للعلوم الشرعية ذاتها من "تخلف" عن الصورة التي ينبغي أن تكون الدراسة عليها.

وهنا قد يكون تأثير الصوفية أوضح، فهي التي فرقت بين الدنيا والآخرة، واتجهت إلى إهمال الدنيا بحجة تزكية الأرواح من أجل الآخرة، وأهملت بالتالي عمارة الأرض، على أساس أن الاشتغال بها يثقل الروح ويذهب عنها شفافيتها وطلاقتها، ومن ثم أهملت كل العلوم المتصلة بتلك العمارة، واعتبرتها نافلة تستطيع الأمة أن تستغني عن أدائها بلا ضير.

نعم قد يكون تأثير الصوفية هنا أوضح، ولكنها لا تستقل بالتأثير، فلو أن المسلمين قاموا بالتكاليف التي كلفهم بها ربهم، ومن بينها إعداد القوة لإرهاب أعداء الله، لوجدوا أنه لزام عليهم أن يتعلموا كثيرا من تلك العلوم الدنيوية ويتقنوها ويتفوقوا فيها على أعدائهم؛ لأنهم بغير هذه العلوم يعجزون عن الوفاء بأمر ربهم وتكليفه، ولكن التفلت من التكاليف كان يؤثر - إلى جانب الصوفية - في إهمال تلك العلوم وعدم الإحساس بالحاجة إليها، كما أن الفكر الإرجائي موجود دائما في الساحة يغطي كل نقص أو تقصير!

ورويدا رويدا فقدت الأمة حاستها العلمية تماما، وخرجت من الدائرة التي كانت هي مركزها في يوم من الأيام، يوم كانت هي الأمة العالمة في الأرض، وأوربا تهرع إليها لتتتلمذ على ما لديها من العلم.

أما العلوم الشرعية فقد تأثرت هي الأخرى بروح "التقلص" العامة التي غشت العالم الإسلامي من أكثر من وجه.

فمن ناحية قل الإقبال على العلم عند الناس؛ فتفشت الأمية والجهل في الأمة، بنفس المقدار الذي كانت أوربا تزيل به أميتها وتفتح المدارس لنشر العلم!

ومن ناحية أخرى جمدت العلوم الشرعية على صورتها التي كانت تدرس بها قبل خمسة قرون على الأقل، بما كان قد دخل فيها من غزو فكري إغريقي، ومن "علم كلام" لا يغني ولا ينفع، فوق تحويله دراسة العقيدة إلى معاظلات[14] ذهنية باردة معقدة، تفرغ العقيدة من محتواها الحي، وتحيلها إلى قضايا فلسفية مثيرة للجدل بغير نتيجة ولا غاية! وفوق ذلك كله فقد تحول الطلاب إلى حفظة لا مفكرين يتعالم الواحد منهم بمقدار ما يحفظ من المتون والشروح والحواشي، ولكنه لا يفكر لنفسه ولا يفكر بنفسه، ففقد "العلماء" أصالة العلم, وأصبحوا مجرد نقلة مقلدين، بل أضيف إلى ذلك شر ثالث، هو التعصب المذهبي الذي عم الدارسين، كل يتعصب لمذهبه الذي نشأ عليه، ويجعل قصارى جهاده من أجل دينه أن يثبت تفوق مذهبه وشيوخه على المذاهب الأخرى وشيوخها، وأن يدخل في معارك من أجل المذهب تتجاوز في كثير من الأحيان حد الجدل باللسان، إلى التدافع بالأيدي والأبدان! وفشت الفرقة والتنابذ بين أصحاب المذاهب المختلفة؛ حتى إن أحدهم قد يرفض أن يصلي خلف إمام من غير مذهبه، بل قد يقاتل أخاه في الصلاة؛ لأنه رآه إلى جواره يرفع يديه أو يضعها على صدره بما يخالف مذهبه، ويحس أن مقاتلته لأخيه في الإسلام على هذا النحو هي "الخدمة " التي يؤديها للإسلام!

وحين يكون هذا حال الدارسين من الأمة في المعاهد الدينية - بعد أن تحولت بقية الأمة إلى أميين " لا يعلمون الكتاب إلا أماني " - فأي فراغ من حقيقة الدين يملأ النفوس، وأي تفاهة في اهتمامات الناس، بعد أن كان الدين هو محور الحياة ومحركها، وباعث الاهتمامات الجادة وموجهها!

وحقيقة إنه لم يخل عصر من عصور الإسلام - حتى أحلكها[15] - من عالم بالمعنى الحقيقي للعلم، ولكن قلتهم التدريجية لها دلالتها, وفشو الجمود والتقليد له دلالته، فكل شيء متفق مع التقلص والضمور الذي غشى بطابعه كل شيء.

إن التخلف العلمي بشقيه الدنيوي والشرعي - الناشئ أصلا من التخلف العقدي - أصبح هو الطابع السائد للمجتمع الإسلامي قبيل الغزوة الصليبية الهائلة التي اجتاحت بلاد الإسلام في العصر الحديث.

أما التخلف الحضاري - بشقيه المعنوي والمادي - فهو صنو[16] التخلف العلمي وزميله على الطريق! كما أنه نابع من نفس المنبع، ومتأثر بذات المؤثر، وهو التخلف العقدي.

أما الجانب المعنوي - جانب الأخلاق والقيم - فقد أسقطه الفكر الإرجائي حين قدم للناس إسلاما بلا أخلاق! ذلك أن الأخلاق، وإن كانت قيما معنوية، فإنها من جانب آخر سلوك، وإلا فهي شعارات معلقة في الفضاء لا واقع لها في عالم الحقيقة.

 وحين كان الدين على حقيقته، كان من مزاياه الكبرى أنه قيم أخلاقية مطبقة في عالم الواقع في صورة سلوك واقعي، وكانت هذه - في حس الأجيال الأولى - هي الترجمة الحقيقية لـ "لا إله إلا الله"، أي: إنها مرتبطة في حسهم بالعقيدة، أو - بعبارة أخرى - كان في حسهم أن من يعتقد هذه العقيدة ينبغي أن يكون سلوكه ملتزما بتلك القيم الأخلاقية؛ فالدين المعاملة كما علمهم رسولهم صلى الله عليه وسلم، وكما قالت لهم عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: «كان خلقه القرآن»[17].

وهذا الارتباط بين العقيدة ومقتضياتها الأخلاقية هو القيمة الحضارية الجوهرية في هذا الدين، التي تجعل المجتمع الإسلامي هو المجتمع المتحضر - مهما يكن نصيبه ضئيلا من العمارة المادية للأرض - وتجعل العقيدة في هذا الدين هي جوهر الحضارة، بما يشع منها ويرتبط بها من قيم وأخلاق.

وبهذا المعيار كان الجيل المتفرد أعلى جيل حضاري في تاريخ البشرية كله، على الرغم من البساطة المتناهية في الأشكال المادية والتنظيمية التي كانت في متناول يديه؛ لأنه كان يمارس - في عالم الواقع - أعلى قيم إنسانية وأخلاقية عرفتها البشرية.

ثم جاء العمران المادي في موعده امتدادا للدفعة الحيوية الهائلة التي أطلقها الإسلام في الأمة الإسلامية في جميع الاتجاهات؛ فاكتمل الشكل الحضاري الذي يغلف " المضمون " الذي كان قائما من لحظة الميلاد.

ولكن الفساد الذي طرأ على مفهوم " العبادة " فحصرها في الشعائر التعبدية فحسب، وأخرج منها ألوانا كثيرة من المعاملات كانت عند الأجيال الأولى داخلة في مفهوم العبادة الواسع الشامل، باعتبارها سلوكا إسلاميا مرتبطا بلا إله إلا الله، ثم جاء الفكر الإرجائي الذي أعطى لهذا الفساد شرعية حين أخرج " العمل " من مسمى الإيمان ومن مقتضياته, هذا وذاك قد دمرا الجوهر الحضاري المتضمن في هذا الدين، الذي كان قوامه السلوك الأخلاقي المرتبط بالعقيدة، المترجم لها في دنيا الواقع.

بعبارة أخرى حين صار المسلم لا يجد حرجا في قلبه أن يكذب، وأن يغش، وأن يخون الأمانة، وأن يتهاون في العمل، وأن يخلف الوعد، وأن يحقد على أخيه ويتمنى زوال نعمته، وأن ينافق، وأن يغمز ويلمز ويغتاب، وأن يبخل ويجبن، وأن يبيت شبعان وجاره جوعان وهو يعلم، فقد فقد جوهره الحضاري الإسلامي؛ لأنه تجرد من أخلاقيات لا إله إلا الله، وتجرد من قيمتها الإنسانية العليا، التي هي جوهر الحضارة وعماد المجتمع المتحضر.

ومن الجانب الآخر فإن الاتجاه الصوفي الذي أهمل عمارة الأرض، وتنميتها وتنظيم شئونها على أساس أن الدنيا جيفة وطلابها كلاب، وأنها لا تستحق عند الله جناح بعوضة، فينبغي أن تكون في حس المؤمن التقي أضأل وأحقر من أن يلقي إليها التفاتة عابرة[18].

هذا الاتجاه الصوفي قد أتى كذلك على الشكل الحضاري، وقعد بالناس عن الإنشاء والتشييد والتنظيم؛ لأنهم - ونقصد الغالبية بطبيعة الحال - قد أصبحوا فقراء، ثم رضوا بالفقر، وفلسفوا رضاهم بأنه من القناعة المحبوبة، ومن الرضا بقدر الله! فلم تعد التنمية لازمة لهم، ولم يعد التنظيم لازما كذلك، فإنها سنوات عابرة تمضي على أي وضع وفي أية صورة، ثم يذهب الناس إلى ربهم فينعمون بالخلد في جنات النعيم.

فإذا أضيف إلى ذلك ما تحمله الصوفية في طياتها من تواكل وتقاعس عن الأخذ بالأسباب، واعتقاد أو إحساس بأن الواقع الموجود مهما يكن من سوئه فلا ينبغي أن يسعى المرء إلى تغييره، بل لا ينبغي أن تساوره الرغبة في ذلك؛ لأن ذلك يعتبر تمردا على قدر الله، فقد انعدمت الرغبة تماما في أي إبداع حضاري مادي وتنظيمي، ثم يجيء الفقر العلمي المدقع فينشئ عجزا كاملا عن الأداء حتى لو وجدت الرغبة في النفوس!

وهكذا.. من نقطة التخلف العقدي، المتمثل في فساد مفهوم العبادة، والفكر الإرجائي الذي يعطي ذلك الفساد شرعية، والاتجاه الصوفي المنحرف عن التوازن الإسلامي، وعن الممارسة الإسلامية الواقعية للحياة وتعميرها بمقتضى المنهج الرباني تكليفا لا تطوعا.

ومن نقطة التخلف العقدي نشأ تخلف حضاري هائل، أخرج هذه الأمة من زمرة المتحضرين، كما أخرجها التخلف العقدي من قبل من زمرة المتعلمين، ولا يحتاج التخلف الاقتصادي الذي أحاط بالعالم الإسلامي إلى جهد في بيان أسبابه الحقيقية في حياة الأمة.

نعم، لقد كانت هناك أسباب خارجية قوية أسهمت في هذا التخلف,ولكنها - وحدها - لا تبرره ولا تفسره.

لقد كانت أوربا الصليبية تسعى - منذ القضاء على الدولة الإسلامية في الأندلس - إلى تطويق العالم الإسلامي، وإضعافه بكل الوسائل وكان من بين الوسائل التي اتخذوها السعي الدائب لتحويل التجارة العالمية إلى أيديهم، وانتزاعها من يد المماليك، الذين كانوا يمسكون بزمامها عن طريق سيطرتهم على البحر الأحمر والبحر الأبيض، فتدر عليهم أموالا طائلة، وعلى العالم الإسلامي كله كذلك.

ومنذ اكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح - الذي اكتشفوه على هدي الخرائط الإسلامية وبمعاونة بحارة مسلمين - بدءوا يتجهون إلى الشرق الأقصى ليستولوا على أرضه وخيراته، وينقلوها على سفنهم عن طريق رأس الرجاء الصالح فيحرموا منها دولة المماليك، ويحرموا منها العالم الإسلامي كله.

وحدث ذلك بالفعل، وتأثرت اقتصاديات العالم الإسلامي تأثرا بالغا بما حدث.

ولكن.. هل هذا هو التفسير؟ أو هذا هو التبرير؟! أين كانت مراكز القوة يوم قامت الدولة الإسلامية أول مرة، سواء القوة الحربية أو السياسية أو الاقتصادية؟ ألم تكن كلها في يد فارس والروم؟ فما الذي حدث في التاريخ؟!

لقد انساحت الأمة المؤمنة في الأرض، فأزالت قوى الباطل ودكتها دكا، وأقامت في مكانها دولة الإسلام، واستولت هي على مراكز القوة فأصبحت أكبر قوة في الأرض، وشملت قوتها كل جانب، فصارت في يدها القوة الحربية والسياسية والاقتصادية، وكان ذلك كله تحقيقا لوعد الله للمؤمنين من هذه الأمة، قال عز وجل: )وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55)( (النور).

فما الذي غير الحال بعد ذلك، وسلب مراكز القوة من يد المسلمين؟

سنقول: ضعفت قوتهم الحربية بينما ازدادت قوة أعدائهم فتغلبوا عليهم.

نعم، تلك هي الأسباب الظاهرة، ولا شك, ولكن قراءة التاريخ بالأسباب الظاهرة وحدها لا تؤدي إلى الحقيقة، بل قد تضلل عن الحقيقة, يقول الله عز وجل: )إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم( (الرعد: 11). ويقول: )ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم( (الأنفال53).

والذي يشغل النفوس المؤمنة هو الإيمان, والذي يتغير في النفوس هو حقيقة الإيمان.

فحين تكون الأمة "متقدمة" في الإيمان، يتحقق لها وعد الله بالاستخلاف والتمكين والتأمين, وحين تكون "متخلفة" يحدث تغيير النعمة - أي سلبها - ويذهب عن الأمة الاستخلاف والتمكين والتأمين.

فسلب التجارة من يد المسلمين، واستيلاء أوربا الصليبية عليها، له أسبابه الكامنة في التخلف العقدي الذي أصاب الأمة في مجموعها، والتقلص والضمور الذي ترتب عليه في كل اتجاه,وتضاؤل القوة الحربية الذي مكن الأعداء من أجزاء متزايدة من العالم الإسلامي هو ذاته أثر من آثار التخلف العقدي.

ولكن آثار التخلف العقدي في الميدان الاقتصادي الخاص لا تحتاج إلى توكيد.

فلنفرض أن التجارة العالمية قد سلبت من أيدي المسلمين لسبب قاهر لا يقدرون على درئه، فهل تتوقف ثروة العالم الإسلامي على التجارة وحدها في ذلك الحين أو في أي حين؟!

إن الأرض الإسلامية من المحيط إلى المحيط هي - بقدر من الله - أغنى بقعة في الأرض وأكثرها خيرات، وقد كانت - وما تزال حتى هذه اللحظة - لم تستثمر الاستثمار الكامل، الذي يستغل كل مواردها وكل طاقتها.

فإذا ضاع جزء من الثروة لأسباب قاهرة، فلماذا لم تسع الأمة - في مجموعها - إلى استغلال الثروات الأخرى القابلة للاستغلال، من زراعة وصناعة ومعادن مذخورة في باطن الأرض؟!

 السبب هو التقاعس، والتواكل، والضعف العلمي، ووهن العزائم، والانصراف عن عمارة الأرض، والرضى بالفقر على أنه قدر من الله لا ينبغي السعي إلى تغييره؛ خوفا من الوقوع في خطيئة التمرد على قدر الله!

ومن أين نشأت هذه العوامل كلها إلا من التخلف العقدي؟!

لو تخيلنا هذا العارض - وهو ضياع التجارة من يد المسلمين - قد حدث للأجيال الأولى من هذه الأمة، فهل كان رد الفعل عندها سيكون مماثلا لما حدث للأجيال المتأخرة؟

وهل يكمن الفارق في الظروف الخارجية التي أحاطت بالمسلمين؟ أم أنه راجع في حقيقة الأمر إلى الفارق النفسي الهائل بين أول هذه الأمة وآخرها, بين الإيمان الصحيح والإيمان المخلخل المنحرف,أي راجع إلى التخلف العقدي الذي أصاب الأمة في أجيالها المتأخرة؟

وكذلك ينبغي أن يكون فهمنا لأحداث التاريخ الإسلامي.

إن أمما أخرى - غير الأمة الإسلامية - يمكن أن تنال القوة والتمكين في الأرض بالبعد عن الله! بل كلما زادت بعدا عن الله زادت في القوة والتمكين, كما هو حال أوربا اليوم؛ لأن هذه من السنن الربانية في معاملة الكفار: )فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء( (الأنعام: 44). لفترة من الزمن يقدرها الله, ثم يأتي التدمير: )فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (44) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين (45)( (الأنعام).

أما أمة الإسلام فإنها تعامل بسنة خاصة, لا يمكنون إلا على الإيمان، فإذا انحرفوا زال عنهم التمكين؛ ذلك لأن الله لا يريد لهم أن يفتنوا بالتمكين وهم منحرفون عن طريقه، فيزيدوا انحرافا حتى يصلوا إلى الكفر فتأخذهم سنة الكافرين: )من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون (16)( (هود).

فمن رحمته سبحانه بهذه الأمة أنه لا يمكنها أبدا و هي منحرفة عن السبيل! لكي تعود إليه، فيمكنها وهو راض عنها، ويدخر لها في الآخرة ما يدخره لعباده الصالحين.

أما التخلف الحربي فصلته بالتخلف العقدي واضحة بكل تأكيد!

فكل عوامل التخلف العقدي قد أثرت في القوة الحربية لهذه الأمة، سواء الاتجاه الصوفي الذي يصرف الناس عن جهاد الأعداء؛ بحجة توفير الطاقة لجهاد النفس! أو الفكر الإرجائي الذي يغطي كل تخلف عن حقيقة الإسلام ويربت عليه، [19] ويمنحه شرعية الوجود، أو التفلت من التكاليف التي أمرت بإعداد القوة لإرهاب الأعداء، أو انشغال الحكام بفرض سلطانهم على شعوبهم عن الجهاد لإعلاء كلمة الله.

فإذا أضيف إلى ذلك التخلف العلمي والتكنولوجي، النابع أصلا من التخلف العقدي، فقد اكتملت أسباب التخلف الحربي، وأصبح هو النتيجة المنطقية لكل الظروف التي أحاطت بالناس في القرون الأخيرة.

لقد حملت الدولة العثمانية عبء حماية العالم الإسلامي من الغزو الصليبي عدة قرون، وإن جهادها في هذا السبيل، وإخلاص نيتها، وبذلها جهد الطاقة، لمما يحسب لها في ميزانها عند الله يوم القيامة.

ولكن عوامل التخلف التي كانت تحيط العالم الإسلامي كله، ولا تنجو منها الدولة الحاكمة، ظلت تؤتي ثمارها التدريجية في الميدان الحربي كغيره من الميادين.

فبعد أن وصلت الجيوش الإسلامية إلى فيينا غربا وبطرسبرج - لننجراد حاليا - شرقا، وحاصرت كلا منهما فترة من الوقت، أخذت تتراجع لا عن تلك الأهداف القصوى فحسب، بل عن الأهداف الدنيا، حتى أكلت روسيا بقاعا من الأرض كل سكانها مسلمون، كما أكلت أوربا الصليبية بقاعا من الأرض كانت خاضعة للحكم الإسلامي، يعيش فيها نصارى ومسلمون تتراوح نسبتهم من مكان إلى مكان، وكان التخلف الحربي سببا من الأسباب الرئيسة في هذا التقلص المستمر.

نعم لقد كانت أوربا تتقوى باستمرار حتى صارت قوتها مكافئة لقوة الدولة العثمانية، ثم بدأت تتفوق عليها، فتغير ميزان القوى، وبدأت الصليبية تأكل من جسم العالم الإسلامي، ولكن هذا - وحده - لا يفسر ولا يبرر، إنما الذي يفسر - وإن كان لا يبرر - هو الجمود والقعود، والرضى بالموجود، والتواكل بدلا من التوكل الحق مع الأخذ بالأسباب، والتخلف العلمي والصناعي, وفقدان روح الابتكار، وكلها كما بينا من قبل راجعة إلى ذلك التخلف الأساسي الخطير عن حقيقة الإيمان كما بينها الله ورسوله للمؤمنين.

وإذا كان هذا حال الدولة الحاكمة، التي أخذت على عاتقها حماية العالم الإسلامي من الغزو الصليبي فإن حال بقية العالم الإسلامي كان أسوأ بكثير.

إن الشعب التركي شعب عسكري بطبعه، كما أنه شديد المحافظة على التقاليد، يضاف إلى ذلك صرامته في التربية، لصب أبنائه وبناته منذ نعومة أظافرهم في القوالب المضبوطة التي يراد تنشئتهم عليها، وكان لهذا كله أثره في إطالة عمر الدولة رغم كل عوامل الهدم التي حلت بالدولة في القرنين الأخيرين.

أما بقية العالم الإسلامي - على اختلاف في الدرجة بين شعب وشعب - فكان نصيبه من هذه الصفات أقل، مع وجود التخلف العقدي بكل آثاره المدمرة في العالم الإسلامي كله بلا استثناء، فضلا عن تعرض تلك الأقطار للغزو الصليبي في وقت باكر منذ القرن السابع عشر الميلادي إلى القرن التاسع عشر، لقد كان ذلك الانهيار فيها أسرع؛ لأن عوامل التخلف كانت فيها أشد!

لقد قاتل المماليك ببسالة نادرة أمام الحملة الصليبية بقيادة نابليون، ولكن ماذا تجدي البنادق إزاء المدفع الذي سلح به نابليون جيشه؟! لقد كانت الهزيمة حاسمة, هزيمة التخلف الحربي أمام التقدم والابتكار! وحدث مثل ذلك تباعا في العالم الإسلامي, وانتهت المعارك بانتصار القوة الجديدة على التخلف والجمود.

ومن نافلة القول أن نتحدث عن التخلف الفكري والثقافي في الجو الذي وصفناه.. بعد كل الذي ذكرناه! فكلها ألوان من التخلف ممسك بعضها برقاب بعض، ومؤد في النهاية إلى الانهيار.

ولكن الصلة بين التخلف الفكري والثقافي وبين التخلف العقدي قد تحتاج إلى إشارة خاصة بمناسبة ما تبدئ الجاهلية المعاصرة وتعيد في هذا الشأن بالذات.

لقد أوحى الغزو الصليبي للمسلمين بأن كل ما أصاب المسلمين من تخلف كان بسبب أنهم مسلمون! أي بسبب الإسلام! وركز بصفة خاصة على الجانب الفكري والثقافي مستدلا بتاريخ الكنيسة في أوربا، وبأن أوربا كانت متخلفة في جميع الميادين - وميدان الفكر والثقافة خاصة - وقت أن كانت حياتها محكومة بالدين، وأنها لم تتقدم وتتحضر وتنطلق في جميع الميادين إلا بعد أن تحررت من ربقة الدين.

إن الدعوة إلى التفكر وإلى استخدام العقل على أساس منهجي صحيح, هي في صميمها دعوة هذا الدين، والدعوة إلى السياحة في الأرض ودراسة التاريخ على أساس منهجي كذلك، هي في صميمها دعوة هذا الدين، والدعوة إلى تدبر آيات الله في الكون, والتعرف على السنن الربانية في الكون المادي وفي الحياة البشرية، هي في صميمها دعوة هذا الدين.

ومن توجيهات القرآن الكريم وتوجيهات الرسول - صلى الله عليه وسلم - انطلق الفكر الإسلامي في جميع ميادين الفكر والثقافة التي كانت متاحة يومئذ، وأبدع فيها إبداعات تدل على الأصالة والتمكن والثقة بالذات، وكان هذا كله صدى للحركة العقدية الضخمة التي تحركت بها الأمة الإسلامية في جميع الميادين، وصدى لإيمانها بأن طلب العلم فريضة كما علمها رسولها الكريم - صلى الله عليه وسلم - وصدى لتلك الكلمة العظيمة التي بدأ بها نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله عز وجل: )اقرأ( (العلق: ١).

ولما حدث التخلف العقدي التدريجي، الذي حصر العبادة في الشعائر التعبدية وحدها، وأخرج منها بقية التكاليف، حدث ضمور تدريجي في جميع التكاليف التي كانت من قبل مرتبطة بالعقيدة, ومرتبطة بالمعنى الشامل للعبادة، وأصبحت أمورا كمالية، إن شاء الإنسان قام بها وإن شاء تركها بلا ضير! وكان طلب العلم، والقراءة، والتفكير، من بين هذه التكاليف التي خرجت من حيز العبادة فأصابها الضمور، ثم جاء الفكر الإرجائي فربت على هذا التخلف ومنحه الشرعية القائمة على أنه لا يضر مع الإيمان شيء! وجاءت الصوفية فحصرت عمل العقل كله في أضيق نطاق؛ لتفسح المجال - في وهمها - لعمل الروح! وساعد الاستبداد السياسي على إحداث جمود شامل في جميع المجالات, ومن هذا التخلف العقدي نشأ التخلف الفكري والثقافي وأخذ مكانه في موعده المقدور، حيث حدث هذا القدر الهائل من التخلف العقدي أولا، ثم العلمي والحضاري والاقتصادي والحربي والثقافي والفكري, فماذا بقي؟!

إسلام بلا أخلاق, إسلام بلا حضارة, إسلام بلا علم, إسلام بلا ثقافة ولا فكر, إسلام متهالك القوى الاقتصادية والحربية والمادية,فماذا بقي فيه من حقيقة الإسلام؟!

فأما الفكر الإرجائي فقد رضي عن هذا الإسلام - غير المتبع - وقال: لا ضير؛ لأنه لا يضر مع الإيمان شيء!

وأما الاتجاه الصوفي فقد رضي كذلك عن هذا الإسلام المتخلف المتهالك، وقال: لا ضير! فهذه كلها من أمور الدنيا الفانية، وليس المهم هو الدنيا إنما هو الآخرة، ليس عالم المادة وإنما عالم الروح!

وأما بالنسبة لحقيقة الإسلام، فقد كان هذا الإسلام - غير المتبع - يوشك في الحقيقة أن يصبح إسلاما بلا إسلام!!

وعندئذ أقبل الصليبيون من كل حدب ينسلون[20].

أما إن شئنا أن نتحدث عن الإسلام في صورته الناصعة الواضحة فنقول: إن الإسلام نزل في قوم نصفهم من الأعراب، بلغ من جفوتهم وغلظة قلوبهم أن يقول فيهم القرآن: )الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم (97)( (التوبة)، فكانت معجزته العظمى أن جعل من هؤلاء الغلاظ الجفاة أمة من الآدميين، لا يكتفون بأنهم اهتدوا بهدى الله فارتفعوا من حيوانيتهم إلى آفاق الإنسانية الرفيعة، بل أصبحوا هم أنفسهم هداة البشرية يدعونها إلى هدى الله، وذلك وحده برهان على ما في هذا الدين من قدرة عجيبة على تحضير الناس وتهذيب النفوس.

ولكن الإسلام لم يكتف بهذا في داخل النفوس، وهو العملية الحقيقية التي تستأهل الجهد وتستحق التسجيل؛ لأنها الهدف الأخير من كل المدنيات والحضارات, لم يكتف الإسلام بهذا التهذيب العميق للأفكار والمشاعر، بل ضم إليه كل مظاهر المدنية التي يهتم بها الناس اليوم ويحسبونها لباب الحياة، فتبنى كل الحضارات التي وجدها في البلاد المفتوحة في مصر وفارس وبلاد الروم، ما دامت لا تخالف عقيدته في وحدانية الله، ولا تصرف الناس عن الخير الواجب لعباد الله، ثم تبنى كل الحركة العلمية التي كانت لدى اليونان من طب وفلك ورياضة وطبيعة وكيمياء وفلسفة، ثم أضاف إليها صفحات جديدة تشهد بتعمق المسلمين في البحث، وانشغالهم الجدي بالعلم، حتى كانت خلاصة ذلك كله في الأندلس هي التي قامت عليها نهضة أوربا الحديثة وفتوحاتها في العلم والاختراع.

فمتى؟ متى وقف الإسلام في وجه حضارة نافعة للناس؟!

أما موقف الإسلام من الحضارة الغربية السائدة اليوم فهو موقفه من كل حضارة سابقة، يتقبل كل ما تستطيع أن تمنحه من خير، ويرفض ما فيها من شرور، فهو لا يدعو - ولم يدع قط - إلى عزلة علمية أو مادية، ولا يعادي الحضارات الأخرى معاداة شخصية أو عنصرية؛ لإيمانه بوحدة البشرية واتصال الوشائج[21] بين البشر من جميع الأجناس وجميع الاتجاهات.

وإذن فلا خوف من أن تقف الدعوة الإسلامية دون استخدام ثمار الحضارة الحديثة، كما يفهم بعض البلهاء من المثقفين، ولن يشترط المسلمون أن تكون الأدوات والآلات مكتوبا عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ حتى يقبلوا استخدامها في منازلهم ومصانعهم ومزارعهم ومختلف مرافق حياتهم! وإنما يكفي أن يستخدموها هم باسم الله وفي سبيل الله، والآلة في ذاتها لا يمكن أن يكون لها دين ولا جنس ولا وطن، ولكن الهدف من استخدامها هو الذي يتأثر بأولئك جميعا.

فالمدفع في ذاته إنتاج بشري لا عنوان له، ولكنك حين تسخدمه لا تكون مسلما إذا استخدمته في الاعتداء على الآخرين؛ فشرط استخدامه في الإسلام أن يكون دفعا لعدوان أو إحقاقا لكلمة الله في الأرض, والسينما في ذاتها إنتاج بشري كذلك، وتستطيع أن تكون مسلما حين تستخدمها في عرض العواطف النظيفة والإنسانية الرفيعة وصراع الأحياء في سبيل الخير، ولكنك لا تكون مسلما وأنت تستخدمها لعرض الأجساد العارية والشهوات العارية والإنسانية الهابطة في حمأة الرذيلة، الرذيلة من كل نوع - خلقية كانت أو فكرية أو روحية - فليست الأفلام التافهة التي تغرق الأسواق هي لمجرد استثارة الغرائز الدنية، ولكنها تهوين للحياة وحصرها في أهداف تافهة رخيصة لا يمكن أن تكون غذاء لبشرية صالحة.

وكذلك لم تقف الدعوة الإسلامية دون التفاعل مع التجارب العلمية التي تنتجها البشرية في أي مكان على الأرض، فكل تجربة بشرية صالحة هي غذاء يجب أن يجربه المسلمون، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة»[22],والعلم حين يطلق هكذا يشمل كل علم، وقد كانت دعوة الرسول إلى العلم كافة، ومن كل سبيل.

كلا! لا خوف من وقوف الإسلام في وجه الحضارة ما دامت نفعا للبشرية، أما إذا كانت الحضارة هي الخمر والميسر، والدعارة الخلقية، والاستعمار الدنيء، واستعباد البشر تحت مختلف العنوانات، فحينذاك يقف الإسلام حقا في وجه هذه الحضارة المزعومة، ويقيم نفسه حاجزا بين الناس وبين التردي فى مهاوي الهلاك[23].

الخلاصة:

·  إن من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية وأهم مميزاتها أنها تشتمل على ثوابت لا يجوز المساس بها، ومتغيرات يصلح الاجتهاد معها؛ فالأصول الدينية من اعتقادات في الإيمان بالله - عز وجل - واليوم الآخر ثوابت لا تتغير، وأما ما يتعلق بتفصيل الأحكام في شئون الحياة المختلفة والفروع الجزئية,فإن هذا قد يتغير بتغير الإنسان والزمان والأحوال.

·  ومما يدل على تطور الشريعة الإسلامية في الأمور التي يجوز فيها الأخذ بهذا التطور هو مسايرتها للتطور على المستوى العصري في مجالات الحياة، والاستفادة من التقنيات الحديثة في سائر العلوم من طب وصيدلة، وفلك، وعلوم الأرض... إلخ.

·  الشريعة الإسلامية لا تنكر التطور جملة واحدة، كما لا تقبله جملة واحدة دون تفصيل، فهي شريعة ثابتة متحركة، تسع الجميع بشموليتها، ولكن في حدود الشرع الذي ارتضاه الله لخلقه وهيأهم له.

·  والتطور ومسايرته لا يأت دائما بخير؛ لذلك وجب الاحتياط والتحفظ، فأي تطور يجر شرا على الأمة فهو غير مقبول؛ لأن دفع الضرر مقدم على جلب النفع كما في الأصول.

·  لقد أرست الشريعة الإسلامية مبدأ الاجتهاد والاستنباط لمن يقدر عليه من أهل العلم والورع، وهذا المبدأ يدل دلالة واضحة على سعة الشريعة، وقابليتها للتطور والمرونة، وفي ذلك دحض لدعوى الجمود وإثبات لتهافتها.

·  لا بد من الاعتراف من خلال استقراء التاريخ الإسلامي على مدى عصوره، أن الازدهار والتقدم كان في عهد التمسك بالدين وتطبيق الشريعة، فكانت الفترة التي يتمسك الناس فيها بالإسلام عملا وعبادة، هي الفترة التي تتحقق فيها الانتصارات، وتفتح البلدان وينتشر الرخاء والأمن، وما أضاع المسلمين أيام الهزائم في الشام أو في الأندلس إلا تخليهم عن الشريعة الإسلامية، وتجرؤهم على انتهاك الحرمات، ورضاؤهم بانتشار الظلم بينهم فتخلى الله عن نصرتهم، وأعرض عن مؤازرتهم.

·  إن التخلف العقدي الذي وقع فيه المسلمون كان سببا للعديد من ألوان التخلف الأخرى؛ منها التخلف الحضاري، والتخلف العلمي، والتخلف الأخلاقي... إلخ.

 

 



(*) افتراءات المستشرقين على الإسلام: عرض ونقد، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1412هـ/ 1992م.

[1]. صحيح: أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها (12)، والحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة مريم (3419)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2256).

[2]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، أخبار عبادة بن الصامت (22830)، وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2340)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (896).

[3]. الاستصلاح: استنباط الحكم في واقعة لا نص فيها ولا إجماع؛ بناء على مصلحة عامة لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها، ويعبر عنه أيضا بـ "المصالح المرسلة".

[4]. الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1424هـ/ 2003م، ص 84: 86.

[5]. بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، مصر، ط3، 1424هـ/ 2003م, ص73: 77 بتصرف يسير.

[6]. بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، مصر، ط3، 1424هـ/ 2003م, ص85: 88.

[7]. الآسن: المتغير، والماء الآسن: المتغير الذي لا يشرب.

[8]. بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، مصر، ط3، 1424هـ/ 2003م, ص94: 101 بتصرف.

[9]. معكومين: ساكتين في ذلة.

[10]. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (87/ 7)، تفسير سورة آل عمران، آية 103، رقم (7591).

[11]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الإيمان (207)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (51).

[12]. شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط5، 1417هـ/ 1997م، ص38: 40 بتصرف.

[13]. الخدر: كل ما واراك من بيت ونحوه.

[14]. المعاظلات: عاظل بالكلام عقده وصعبه.

[15]. الحالك: شديد السواد.

[16]. الصنو: النظير والمثل.

[17]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام أو مرض (1773).

[18]. إن الدنيا تذم في القرآن الكريم وأحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين تصد الإنسان عن الإيمان بالله أو عن الجهاد في سبيله، ولكن توجيهات الإسلام صريحة في وجوب المشي في مناكب الأرض وعمارتها بمقتضى منهج الله وابتغاء فضله.

[19]. يربت: يؤكد.

[20]. واقعنا المعاصر، محمد قطب، مؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر، جدة، ط3، 1410هـ/ 1989م، ص173: 186.

[21]. الوشائج: جمع وشيجة، وهي القرابة المشتبكة.

[22]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب فضل العلم، باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم (224)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (220).

[23]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م، ص157: 159.

click website dating site for married people
click website dating site for married people
signs of a cheater why married men cheat on their wives website
my husband cheated married looking to cheat open
go online how long for viagra to work
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
viagra vison loss vasodilator viagra read
husband cheat my husband almost cheated on me online affair
read here website why women cheat on men
My girlfriend cheated on me my wife cheated on me with my father signs of unfaithful husband
My girlfriend cheated on me find an affair signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  886
إجمالي عدد الزوار
  36625713

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع