مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

الزعم بأن القرآن الكريم تحدى الضعفاء فقط(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض الواهمين أن القرآن الكريم قد تحدى الجاهلين والضعفاء، ومن لا قدرة لهم على التحدي فقط، ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل: )فأتوا بعشر سور مثله مفتريات( (هود: ١٣) **، والتحدي لا يكون للضعيف المغلوب، بل للأقران الأكفاء، ويشككون بذلك في كون القرآن الكريم كلام الله تعالى، وكونه معجزا.

وجوه إبطال الشبهة:

إن الأصل في الإعجاز - كما بينه علماء المعاني والبلاغة - أن يكون فيما يجيده الخصم ويتمكن منه - ويكون بذلك نيرا لمن يتحداه ويعجزه.

وقد زعم بعض الواهمين أن القرآن الكريم في قوله تعالى: )فأتوا بعشر سور مثله مفتريات( قد تحدى الضعفاء والجاهلين، ومن هنا فإنه كما في زعمهم لا قيمة للتحدي، ولا أساس للإعجاز؛ إذ يجب أن يكون التحدي للنظير الكفء، وقد أبطل العلماء هذه الشبهة من وجوه هي:

1)  أن القرآن كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، معجز في نظمه ولفظه محتو على كل صنوف الإعجاز، فهو معجز في لغته وبيانه، كما أنه معجز في تشريعاته وحقائقه العلمية.

2)  أن القرآن الكريم تحدى أهل الفصاحة والبيان من العرب مجتمعين ومفترقين، بل وتحداهم مع قرنائهم من الجن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو حتى بسورة من مثله فعجزوا، وما يزال التحدي قائما إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة، ولن يستطيعوا.

3)  أن كل المحاولات التي أرادوا بها معارضة القرآن باءت بالفشل، بل وقد اعترف فصحاء العرب برفعة بيان لغة القرآن وبلاغته، وأنه ليس بكلام بشر.

التفصيل:

أولا. القرآن كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم معجز في نظمه ولفظه، محتو على كل صنوف الإعجاز، فهو معجز في لغته وبيانه، كما أنه معجز في تشريعاته وحقائقه العلمية، والحق الذي لا مرية فيه أن القرآن كتاب الله )كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1)( (هود)، وقد تأكد ذلك المعنى كثيرا في مواجهة الماديين المشركين، سواء في رد افتراءاتهم أم في تحديه لهم، وإعجازه إياهم1.

أما رد افتراءاتهم؛ فمنها في سورة الطور المكية قوله تعالى: )فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون (29) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنـون (30) قـل تربصـوا فإنـي معكـم مـن المتربصيــن (31) أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون (32) أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون (33) فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين (34)( (الطور).

وفى سورة الحاقة - وهي مكية أيضا - قوله تعالى: )فلا أقسم بما تبصرون (38) وما لا تبصرون (39) إنه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون (42) تنزيل من رب العالمين (43) ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحد عنه حاجزين (47) وإنه لتذكرة للمتقين (48) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (49) وإنه لحسرة على الكافرين (50) وإنه لحق اليقين (51) فسبح باسم ربك العظيم (52)( (الحاقة).

وهكذا يمضى القرآن في كثير من سوره ليؤكد تلك الحقيقة، وعلى الأخص في سوره المكية.

ومما يلفت النظر في افتتاح الكثير من السور المكية والمدنية إقرار تلك الحقيقة ابتداء؛ لأنها الحق، والحق ثابت لا شك فيه مهما عارض المعارضون، وأنكر الملحدون.

ولا يكون الإعجاز إعجازا صحيحا، إلا إذا توفرت للمتحدي أسباب القدرة التي تمكنه من محاولة التصدي والتحدي. والمعروف أن العرب كانوا - وقت نزول القرآن - أهل فصاحة وبلاغة، وقد فشلوا فشلا ذريعا، وعجزوا عجزا تاما عن معارضة القرآن.

أما الزعم أن الإعجاز القرآني كان بالصرفة فهو زعم خاطئ، وقد قال بهذا الرأي المعتزلة، وخاصة النظام، الذي ذكر أن الله - عز وجل - صرفهم عن تلك المعارضة، وسلبهم القدرة عليها ومن هنا كان الإعجاز.

إن هذا الفهم يجعل القرآن كمثل من أوثق غريمه المريض، ثم انهال عليه ضربا، ثم قال: إنه أعجزه وانتصر عليه، أيعد هذا إعجازا؟!

أما إذا ما رغبنا في الكشف عن الوجوه الحقيقية لإعجاز القرآن، فقد تعددت الوجوه بتعدد تخصصات العلماء: من العقيدة، إلى علوم القرآن، إلى البلاغة، إلى العلم التجريبي، ولكل وجهة هو موليها وفق ميوله وحسب تخصصه، ومن ثم قالوا بالإعجاز اللغوي والبياني، كما قالوا: بالإعجاز العلمي، والإعجاز التشريعي[1].

والرأي عندنا، أن هذا التنوع في الوجوه يعضد بعضه بعضا، وليس ثمة تعارض بين بعضها وبعضها الآخر؛ ولهذا يصح لنا القول: بأن الإعجاز القرآني إعجاز مطلق، بكل ما تحتمل كلمة الإعجاز من معنى دقيق وعميق. يقول المرحوم مصطفى صادق الرافعي في كتابه "إعجاز القرآن": "إن القرآن معجز بالمعنى الذي يفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه، وحين ينفى الإمكان بالعجز عن غير الممكن فهو أمر لا تبلغ منه الفطرة الإنسانية مبلغا، وليس إلى ذلك مأتى ولا وجهة.

وإنما هو أثر كغيره من الآثار الإلهية، يشاركها في إعجاز الصنعة، وهيئة الوضع، وينفرد عنها بأن له مادة من الألفاظ كأنها مفرغة إفراغا من ذوب تلك المواد كلها، وما تظنه إلا الصورة الروحية للإنسان إذا كان الإنسان في تركيبه هو الصورة الروحية للعالم كله، فالقرآن معجز في تاريخه دون سائر الكتب، ومعجز في أثره الإنسانى، ومعجز كذلك في حقائقه، وهذه وجوه عامة لا تخالف الفطرة الإنسانية في شيء"[2].

وإذا كان الإعجاز القرآني مطلقا فإن جهود العلماء قد توافرت في الكشف عن وجوه ذلك الإعجاز في مختلف الأنحاء. وقد كتب في ذلك الشيخ الزرقاني بحثا خاصا[3] ممتعا في كتابه "مناهل العرفان"، ضمنه أربعة عشر وجها من وجوه الإعجاز في القرآن.

وتلك الوجوه تدور حول: لغة القرآن وأسلوبه، وطرق تأليفه، وعلومه، ومعارفه، ووفائه بحاجات البشر، وموقف القرآن من العلوم الكونية، وسياسته في الإصلاح، وأنباء الغيب فيه، وآيات العتاب فيه، وما نزل بعد طول انتظاره، ومظهر النبي عند نزول الوحي عليه، وآية المباهلة، وعجز الرسول عن الإتيان بمثله، والآيات التي تجرد الرسول من نسبة القرآن إليه، وتأثير القرآن ونجاحه.

هذا ما يراه الشيخ الزرقاني وهو حق كله؛ لأن القرآن معجز من أي وجه نظرت إليه فيه.

تلك الخصائص التي جعلته يتوجه إلى كل إنسان على وجه الأرض منذ اللحظة الأولى لنزوله إلى أن تقوم الساعة، رغم اختلاف العقول، وتباين المدارك، وتضارب الثقافات، واختلاف الزمان والمكان.

إنه لم يتوجه إلى الناس في عقولهم فحسب، ولا إلى عواطفهم فقط، وإنما هو يخاطب فيهم العقل والقلب والوجدان، ومن هنا أصبح ميسورا على كل إنسان أن يجد فيه حظه، ويأخذ منه طلبته، طالما هو ينشد الحق، ويستهدف الخير. )ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (17)( (القمر).

إن القرآن ليس معجزة فحسب، بل هو معجزة المعجزات. ذلك أنه الوعاء الكامل للرسالات الإلهية في تمامها وكمالها.

ويقول الشيخ الزرقاني: "إن القرآن مشتمل على آلاف من المعجزات، لا معجزة واحدة، كما يبدو لبعض السذج والسطحيين، وإذا أضفنا إلى هذا ما يحمل القرآن من وجوه الإعجاز تراءت لنا معجزات متنوعة تجل عن الإحصاء، والتعداد، وسبحان من يجعل من الواحدة كثرة؛ ومن الفرد أمة"1.

إننا حينما نرصد الآيات القرآنية الكريمة في هذه القضية يتضح لنا أن القرآن قد تحدى الله به المشركين ومن على شاكلتهم أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، وهذا التدرج في التحدي يدل على أمرين:

الأمر الأول: منتهى التحدي والإعجاز.

والأمر الثاني: أن أقل قدر ممكن في الإعجاز القرآني، يصدق بسورة منه وهذه الأخيرة منها الطويلة ومنها القصيرة؛ وبمقتضى منهج القرآن في التدرج بالتحدي يتضح أن أصغر سورة قرآنية هي أقل قدر معجز من القرآن.

ويصدق ذلك على قوله عز وجل: )إنا أعطيناك الكوثر (1) فصل لربك وانحر (2) إن شانئك هو الأبتر (3)( (الكوثر)، وقوله عز وجل: )وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنـا فأتـوا بسـورة من مثلـه وادعـوا شهداءكـم مـن دون الله إن كنتـم صادقيـن (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)( (البقرة).

ويتضح من هذه الآية الكريمة ومثيلاتها في كتاب الله تعالى أن القرآن لا يتحدى فردا، أو جماعة محددة من الناس، وإنما يتحدى أمة بل يتحدى العالم كله.

ثانيا. القرآن الكريم تحدى أهل الفصاحة والبيان من العرب مجتمعين ومفترقين، بل وتحداهم مع قرنائهم أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، وما يزال التحدي قائما إلى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة ولن يستطيعوا؛ ذلك أن القرآن الكريم يتحدث إلى المشركين من العرب - وهم أهل فصاحة وبلاغة مشهودة - ويتحداهم بل يتحدى جمع الخطباء والشعراء أن يأتوا بمثل ما أتى به من نص معجز معصوم من الخطأ.

وفي هذا التحدي ينهج القرآن نهجا تدريجيا مع الملحدين. حيث يتنزل معهم إلى أقل مستوى ممكن من التحدي؛ حتى لا تكون لهم حجة، وتثبت عليهم الحجة.

ومن هذا المنطلق يتحدى القرآن كل من تسول له نفسه بالتطاول عليه بأن يأتي بمثله، وليستعن على ذلك بمن يستطيع معاونته من البشر.

تؤكد سورة الإسراء تلك الحقيقة الناصعة في الإعجاز القرآني، وهي أن الإنس والجن معا لو اجتمعوا على قلب رجل واحد منهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فلن يأتوا بمثله، وفي ذلك تقول السورة الكريمة: )قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88)( (الإسراء).

ولما عجز المشركون عن الإتيان بمثل القرآن تراه يتدرج معهم في التحدي إلى مستويات أقل خطورة من التحدي الأول، فيتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله، وسورة هود تعرض لهذا التحدي في سخرية ومشاكلة عجيبة؛ إذ تقول: )أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (13) فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون (14)( (هود).

ومن البدهي أن يعجز الماديون المشركون عن مواجهة ذلك التحدي الأدنى، ورغم ذلك يدفعهم العناد والإصرار إلى المكابرة بتوالي افتراءاتهم وأكاذيبهم على الله، وهنا يتدرج معهم القرآن في التحدي إلى أقل قدر ممكن يتحقق معه الإعجاز، ومن ثم يطلب إليهم بأن يأتوا بأية سورة، ولو كانت قصيرة. وفي ذلك يقول الله عز وجل: )أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (38)( (يونس)، ويقول عز وجل: )وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)( (البقرة).

وواضح من كل ما سبق أن القرآن يتحدى المشركين وأشباههم في:

·             أن يأتوا بمثله.

·             أو بعشر سور من مثله.

·             أو بسورة على الأقل من مثله.

وعلى الرغم من كل هذا التدرج في التحدي لم يفلح المشركون في الإتيان بمثله.

ثالثا. كل المحاولات التي أرادوا بها معارضة القرآن باءت بالفشل، بل واعترف المكذبون للقرآن ببلاغته، وأنه ليس بكلام مخلوق من المخلوقات.

لقد حاول بعض المشركين معارضة القرآن بكلام مسجوع موزون، وظنوا أنهم بذلك التطاول على القرآن ينالون منه، أو يصرفون الناس عنه. ومن هؤلاء من ادعى النبوة، وزعم أن وحيا يأتيه من السماء، وأن له قرآنا مثل قرآن محمد صلى الله عليه وسلم.

ومسيلمة الكذاب واحد من هؤلاء الأدعياء؛ فقد ادعى النبوة باليمامة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عنه الرافعي: "قد زعم مسيلمة أن له قرآنا نزل عليه من السماء، ويأتيه به ملك يسمى "رحمن"، بيد أن قرآنه إنما كان فصولا وجملا، بعضها مما يرسله، وبعضها مما يترسل به في أمر إن عرض له، وحادثة إن اتفقت، ورأى إذا سئل فيه، وكلها ضروب من الحماقة يعارض بها أوزان القرآن في تراكيبه، ويجنح في أكثرها إلى سجع الكهان".

وقد اتهم ابن المقفع بمعارضة القرآن، ولكن الرافعي يدفع تلك التهمة ويقول: "وإن ابن المقفع من أبصر الناس باستحالة المعارضة، لا لشيء من الأشياء، إلا لأنه من أبلغ الناس... وإنما نسبت المعارضة لابن المقفع دون غيره من بلغاء الناس؛ لأن فتنة الفرق الملحدة إنما كانت بعده، وكان البلغاء كافة لا يمترون في إعجاز القرآن وإن اختلفوا في وجه إعجازه؛ ثم كان ابن المقفع متهما عند الناس في دينه؛ فدفع بعض ذلك إلى بعض، وتهيأت النسبة من الجملة"[4].

وقد نسب إلى الشاعر المتنبي أنه عارض القرآن، لا سيما وأنه ادعى النبوة في حدثان أمره، على حد عبارة الرافعي. كما نسبت المعارضة أيضا إلى أبي العلاء المعري.. والنتيجة الحتمية لكل ذلك من قبل ومن بعد أنه )قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88)( (الإسراء)، إن هؤلاء يعرفون تلك الحقيقة، ولكن يدفعهم إلى عنادهم وإصرارهم ذلك الحقد الدفين في قلوبهم.

تلك هي الحقيقة التي سجلها القرآن الكريم في واقعة الوليد بن المغيرة وموقفه من القرآن حين استمع إليه. فقال القرآن في ذلك: )ذرني ومـن خلقـت وحيـــدا (11) وجعلـت لـه مـالا ممــدودا (12) وبنين شهودا (13) ومهدت له تمهيدا (14) ثم يطمع أن أزيد (15) كلا إنه كان لآياتنا عنيدا (16) سأرهقه صعودا (17) إنه فكر وقدر (18) فقتل كيف قدر (19) ثم قتل كيف قدر (20) ثم نظر (21) ثم عبس وبسر (22) ثم أدبر واستكبر (23) فقال إن هذا إلا سحر يؤثر (24) إن هذا إلا قول البشر (25) سأصليه سقر (26) وما أدراك ما سقر (27) لا تبقي ولا تذر (28) لواحة للبشر (29) عليها تسعة عشر (30)( (المدثر).

وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عن أبي جرير عن عكرمة - رضي الله عنه - أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: أي عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال: لـم؟ قال: يعطونكه. فإنك أتيت محمدا تعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا. قال أبو جهل: فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له. قال الوليد: فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله، إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى عليه. قال أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه. قال فدعني حتى أتفكر فيه، فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر عن غيره، فنزلت: )ذرني ومن خلقـت وحيـــدا (11)( (المدثر)، حتى بلــغ: )عليها تسعة عشر (30)( (المدثر)1.

وقد حكى الرافعي شيئا من هذا القبيل فقال: "قد رووا أن طلحة النمري جاء اليمامة فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مه! رسول الله. فقال: لا حتى أراه. فلما جاءه مسيلمة، قال: أنت مسيلمة. قال: نعم. قال: من يأتيك؟ قال: رحمن. قال: أفى نور أم في ظلمة؟ قال: في ظلمة. قال طلحة: أشهد أنك كذاب، وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر".

الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:

·   "أم" هذه منقطعة بمعنى "بل" التي للإضراب؛ للانتقال من غرض إلى آخر، إلا أن "أم" مختصة بالاستفهام، فتقدر بعدها همزة الاستفهام، والتقدير: بل يقولون افتراه، والإضراب الانتقالي في قوة الاستئناف الابتدائي، فللجملة حكم الاستئناف، والمناسبة ظاهرة؛ لأن الكلام في إبطال مزاعم المشركين، فإنهم قالوا: هذا كلام مفترى، وقرعهم بالحجة[5].

·   الاستفهام في قوله تعالى: )أم يقولون افتراه( استفهام استنكاري، فالله سبحانه وتعالى ينكر عليهم قولهم، وجملة )قل فأتوا( جواب لكلامهم؛ فلذلك فصلت على ما هو مستعمل في المحاورة، سواء أكانت حكاية المحاورة بصيغة حكاية القول، أم كانت أمرا بالقول.

·   المماثلة في قوله: )مثله( هي المماثلة في بلاغة الكلام وفصاحته لا في سداد معانيه، قال علماؤنا: وهذا دليل على إعجازه وفصاحته بقطع النظر عن علو معانيه، وتصديق بعضه بعضا.

·   الدعاء في قوله تعالى: )وادعوا من استطعتم( بمعنى: النداء لعمل. وهو مستعمل في الطلب مجازا ولو بدون نداء. وحذف المتعلق لدلالة المقام؛ أي: وادعوا لذلك، والأمر فيه للإجابة، أي: إن شئتم حين تكونون قد عجزتم عن الإتيان بعشر سور من تلقاء أنفسكم فلكم أن تدعوا من تتوسمون فيه المقدرة على ذلك، ومن ترجون أن ينفعكم بتأييده من آلهتكم وبتيسير الناس ليعاونوكم؛ كقوله: )وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23)( (البقرة).

ومن خلال ما سبق يتضح أن القرآن لم يتحد الضعفاء، بل تحدى من تحدوه، من فصحاء العرب وبلغائهم والذين نزل القرآن بحضرتهم، ولا يزال هذا التحدي قائما، وسيظل إلى قيام الساعة، ولن يستطيع أحد أن يصمد أمام هذا التحدي مهما أوتي من فصاحة وبيان؛ وذلك يبطل زعم الزاعمين.

 

 



(*) اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1420 هـ/ 2000م.

[1]. يراجع في ذلك: إعجاز القرآن، الباقلاني، إعداد: ممدوح حسني محمد، دار الأمين، القاهرة، ط1، 1414هـ/ 1993م. دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، مكتبة القاهرة، مصر، 1980م. إعجاز القرآن، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1928م. مناهل العرفان، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م.

[2]. إعجاز القرآن، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1928م، ص157.

[3]. انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م، ج2، ص331: 435.

[4]. إعجاز القرآن، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1928م، ص179.

[5]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، ص19، 20 بتصرف.

husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
reasons wives cheat on their husbands why husbands cheat why do men have affairs
reasons wives cheat on their husbands why husbands cheat why do men have affairs
go online how long for viagra to work
generic viagra softabs po box delivery viagra 50 mg buy viagra generic
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
dating a married woman all wife cheat i cheated on my husband
read here click here why women cheat on men
My girlfriend cheated on me my wife cheated on me with my father signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  10225
إجمالي عدد الزوار
  36571031

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع