مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

ادعاء أن القرآن الكريم لم يأت بجديد وأن ما فيه مقتبس من التوراة والإنجيل(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم لم يأت بجديد في أحكامه وتشريعاته وقصصه، وإنما هو مقتبس من الكتب السابق ومصاغ من نصوصها. هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في مصدر القرآن الكريم والقول ببشريته.

وجها إبطال الشبهة:

1)  انفرد القرآن بأحكام وتشريعات لم تعهدها الكتب السابقة عليه.

2) التشابه في ذكر الوقائع والأحداث بين القرآن والكتب السابقة لا يعني أنه اقتبس منها، فقد أضاف وعدل وذكر ما لم تعرفه؛ فالجديد في القرآن لا يتمثل في الإضافة فقط، وإنما في تصويب الأخطاء التي وردت في العهدين القديم، والجديد بسبب التحريف والتزييف.

التفصيل:

أولا. القرآن يتضمن أحكاما وتشريعات مغايرة لما ورد في الكتب السابقة، وأخرى غير معهودة من قبل:

فمما نجده في القرآن من أحكام وتشريعات لم تعهدها الكتب السابقة:

·       في محيط العقيدة:

 نرى أن "الله" - سبحانه وتعالى - في عقيدة اليهود يحمل صفات بشرية، فهو يستشير الحاخامات، ويندم على ما أنزله باليهود وبالهيكل، والله عندهم ضعيف صارع "إسرائيل" فصرعه "إسرائيل"، وهو مصدر الشر، كما هو مصدر الخير.

أما في المسيحية فالله اثنان أو ثلاثة، وله أبناء ينتسبون إليه، والمسيح إله وهو ابن الله، فلو كان القرآن مقتبسا من الإنجيل، فلماذا لم يأخذ بنظرية التثليث، وعقيدة الصلب والفداء والخطيئة الموروثة؟!

أيضا كان الإسلام واقعيا حين رفض "الرهبنة" التي تعني اعتزال الحياة الدنيا، وتحقير الواقع الذي أصله رد فعل على العبودية اليهودية للدنيا.

·       في محيط التشريعات:

ترتكز التشريعات اليهودية على الوصايا العشر، أما التشريعات المسيحية فترتكز على مجموعة مواعظ، وكلتاهما تفتقد مفهوم التشريع المطلوب للحياة. أما القرآن فهو رسالة خاتمة صالحة لكل مكان وزمان، وقد حدد القرآن موقف الإنسان وعلاقته بالدنيا والآخرة، وقد أتى بالجديد الذي غير مسار البشرية.

·       في محيط الأسرة:

ينظر العهد القديم إلى المرأة باعتبارها مصدر كل شر، وهي شباك وقلبها أشراك، ويداها قيود، فقد جاء في سفر الجامعة: "درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلا، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون. فوجدت أمر من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود. الصالح قدام الله ينجو منها. أما الخاطئ فيؤخذ بها. (الجامعة 7: 25، 26). أما الإسلام فيضعها في مكان المساواة مع الرجل، ويقدر العديد من النماذج المثالية للمرأة أمثال: مريم ابنة عمران، وامرأة فرعون، وأم موسى، وغيرهن الكثيرات.

·       في مجال حرية الإرادة وحقوق الإنسان:

وفيما يتصل بقضية الحرية واحترام حقوق وكرامة الإنسان، فالقرآن وضع القوانين التي تصون الإنسان، وتحفظ له دمه وماله وعرضه، وتحقق له السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة. فإن الإنسان لا يخضع إلا لخالقه، ويقدر له الحرية من لحظة ميلاده - ولو لم يسلم - وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟! إضافة إلى حرية الإنسان في الاعتقاد والسياسة.

أما إذا نظرنا إلى وصية بولس للعبيد لوجدنا أنها تعتبر طاعة الطبقة الحاكمة كطاعة المسيح فيقول: "أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح... ". (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6: 5).

·       في أمر الحرب والسلام:

اعتبر القرآن السلام هو الأصل والحرب ضرورة لإصلاح الفساد، فلأول مرة في تاريخ الحروب يوصي بألا يقتل شيخ، ولا صبي، ولا امرأة، ولا راهب في صومعته، ولا عابد في محرابه، ولا تقطع شجرة مثمرة ولا مظلة، ولا يجهزوا على جريح ولا يمثل بقتيل... إلخ.

·       في شئون المال والثروة:

كان الربا ولا يزال قوام الاقتصاد بين أهل الكتاب، وهو ما برر فلسفة "الاستعمار" واغتصاب ما بأيدي الضعفاء، أما الإسلام فقد قضى ولأول مرة على هذه الظاهرة أو أنذر من يتعاملون بها بحرب من الله ورسوله. وقد أنزل القرآن "المال" من مكانة المعبود إلى حالة الخادم (أي وسيلة لا غاية لرعاية الناس وليس هدفا يتقاتلون عليه، ويمتصون بسببه دماء الفقراء)، وقدر أن المال مال الله، والناس ليسوا إلا مستخلفين فيه.

·       في العلاقات الدولية والتعايش السلمي:

جاء القرآن برؤية مستقبلية جديدة في مجال العطاء الحضاري، قوامها الارتقاء بالإنسان من عنصر الطين فيه إلى عالم الروح، وبين أن تغيير الناس يرتبط بتغيير أنفسهم، بعيدا عن العنف والثورات التي تضر أكثر مما تنفع[1].

وبالنظر إلى تقييم المنظمات الحقوقية، والأمم المتحدة ومواثيق جنيف، يتبين أن قتل المدنيين جريمة حرب، واغتصاب المنتصر لنساء المهزوم جريمة حرب، وذبح أطفال المهزوم جريمة حرب، وقتل البهائم - لكونها ملكية خاصة للمهزوم - جريمة حرب وجنون وشذوذ عقلي.

فهل طبقوا هذه القوانين في معاملتهم مع الآخر - فهذه القوانين هي ما دعا إليها الإسلام، وطبقها المسلمون ـ؟ بالطبع لا، فكتبهم المقدسة تحثهم على قتل الأطفال والنساء واغتصابهن، وتعد هذا قربى إلى الله، ففي سفر التثنية ينقل لنا الكاتب الكاذب الإرهاب والإجرام في صورة أوامر من الرب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا: "فضربا تضرب سكان المدينة بحد السيف، وتحرقها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف". (التثنية 13: 15)، فهذا أمر صريح بقتل الجميع، وحرق المدينة بما فيها من البهائم، وهذا قليل من كثير".

ففي السفر نفسه نجد: " وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما". (التثنية 20: 13ـ 16)، بل الأدهى من ذلك ما نجده في سفر أخبار الأيام الأول من أبشع صور القتال المنسوبة إلى نبي الله داود عليه السلام: "وأخرج الشعب الذين بها ونشرهم بمناشير ونوارج حديد وفؤوس. وهكذا صنع داود لكل مدن بني عمون. ثم رجع داود وكل الشعب إلى أورشليم". (أخبار الأيام الأول 20: 3)، وفي سفر العدد: "فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها. لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات". (العدد 31: 17، 18).

أفبعد هذا ما زالوا يصرون على ادعائهم هذا، فهل قرر القرآن هذه الأكاذيب أم صححها وعدل ما بها من تحريف[2]؟!

القرآن يحتوي على تشريعات وقصص لم تعهدها الكتب السابقة:

فيما يتصل بهذا الشأن نرى:

·   اشتمال القرآن على أخبار لم يكن يعرفها أهل الكتاب، فقد ذكر مثلا قصة زكريا وولادة مريم وكفالته لها، وخصص لها سورة كاملة ولم تذكر في العهد الجديد، فمن أين استقى محمد هذه المعلومات إذن؟

·   جاء في سفر الخروج: أن ابنة فرعون هي التي تبنت موسى في حين قرر القرآن أن امرأة فرعون هي التي تبنته، وفيه أيضا نسبة عبادة العجل إلى هارون، والقرآن نسبه إلى السامري، وذكر إنكار هارون ذلك عليهم.

·   لقد جعل القرآن الكريم من أنبياء الله نماذج أخلاقية عليا، بينما ينسب العهد القديم إلى بعضهم ارتكاب الفواحش، وهذا لا يتفق مع مكانة الأنبياء في التصور الإسلامي "، فقد زعم أهل الكتاب مثلا أن لوطا زنا بابنتيه، وأن نوحا ثمل[3] حتى ترنح سكرا، وإبراهيم كاذب وديوث لا يغار على عرضه، وموسى يهدد ربه بالاستقالة من النبوة... وغيرها الكثير".

·   العبادات في الإسلام والتي جاء بها القرآن من صلاة وصيام وزكاة وحج، وتفاصيل هذه الشعائر وطريقة إجرائها، من الأمور التي لا نظير لها في الديانات السابقة، فالصلوات الخمس وطريقة أدائها في أوقات معينة وبصيغ محددة، والصيام في شهر رمضان من كل عام بالامتناع عن الطعام والشراب وجميع الشهوات من الفجر إلى غروب الشمس، والزكاة، وطريقة أدائها ومصارفها وأنواع الزكاة، والحج وما يشتمل عليه من طواف ووقوف بعرفة وسعى بين الصفا والمروة ورمى للجمار... إلخ، أمور لا يشتمل عليها أي دين بالكيفية التي أتى بها الإسلام[4].

وقد أجمل الأستاذ محمد قطب وجوه إعجاز القرآن - ومن ثم جديده ومتفرده - بقوله: "ولن يفي كتاب واحد - مهما تضخمت صفحاته - بالحديث عن كل مجالات الإعجاز في القرآن، فهي في حاجة إلى أن يتفرغ لها كتاب وباحثون، بحيث تتكون من مجموع بحوثهم مكتبة كاملة عن إعجاز القرآن، سواء الإعجاز البياني الذي لا تنفد عجائبه، أو الإعجاز الدعوى بوصفه كتاب دعوة قد أبرز عقيدة التوحيد الصافية، كما لم يبرزها كتاب قط، ودخل بها إلى قلوب البشر من جميع منافذها وأقطارها كما لم يفعل كتاب قط، أو الإعجاز التشريعي الذي تضمن شريعة متكاملة، وافية بحياة البشر ومتطلبات وجودهم لا في زمان نزولها فحسب، بل مهما امتد بهم الزمن وتعددت مجالات الوجود، أو الإعجاز التربوي الذي أخرج خير أمة أخرجت للناس، أو الإعجاز العلمي الذي تتكشف آياته كلما زاد البشر علما بما حولهم من الكون"[5].

ويفصل هذا الجديد شيئا ما د. محمد عبد الله دراز بطرحه السؤال الآتي: ما هو الجديد والتقدمي إذن في تعاليم القرآن الأخلاقية؟ ثم يجيب قائلا: "هذا هو ما سنوضحه في ملاحظات مختصرة تهم كل باحث منصف:

1.    في مجال الفضيلة الشخصية:

في هذا المجال الفردي نجد على الأقل قاعدة جديدة ومبدأ جديدا في القرآن، فالقاعدة الجديدة هي تحريم الخمر والقضاء على مصادرها بمنع تناول أي مشروب مسكر: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90)( (المائدة).

وأما المبدأ الجديد الذي نقصده هنا فهو "النية" باعتبارها لب العمل الأخلاقي، فلكي يحمس موسى قومه كان يغريهم بآمال أرض الميعاد، وبالنصر على الأعداء وبالبركة والرخاء في كل شئون الحياة الدنيا. وجاء المسيح لكي يفتتح عهدا جديدا في الدعوة الدينية، فيوضح لنا الإنجيل أن النعيم والسعادة الموعودة ليست في هذه الدنيا. فآمال النفوس وطموح الأرواح، عليها منذ ذلك الحين أن تنصرف عن الحياة الدنيوية وتتجه إلى السماء، وأخيرا يأتي القرآن الكريم، وإذا هو بمنهجه البناء يجمع بين هذين الوعدين ويوفق بينهما لا باعتبارهما الباعث المحرك للإنسان وإنما باعتبار أن الهدف الذي ينبغي على الإنسان الفاضل أن يقصده ليس في ملكوت السماء ولا في ملك الدنيا. إنما هو أعلى من هذا كله، إنه في الخير المطلق أي في ابتغاء وجه الله تعالى الذي يجب استحضاره في القلب عند أداء العمل الإنسـانــي بتنفيــذ أوامــره: )وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله( (البقرة: 272) )وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى (21)( (الليل).

2.     الفضيلة في العلاقات بين الأفراد:

وها هو تقدم آخر يرتبط بالقاعدة الأخلاقية التي تحدد علاقاتنا بإخوتنا فبأحكام التوراة وأحكام الإنجيل استقامت شجرة الفضيلة وبزغت فروعها وأوراقها، أما في المجال القرآني فإن هذه الشجرة الخضراء سوف تزهر وتؤتي ثمارها، فبالإضافة إلى كنز العدل والمحبة الذي عني القرآن بحفظه، أوجد فصلا رائعا فيما يمكن تسميته بالحضارة الأخلاقية، إنه تقنين حقيقي في الأدب والذوق الاجتماعي والتحشم في المظهر: )وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا (86)( (النساء).

وقـال تعالـى: )يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكـم لعلكـم تذكـرون (27) فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم (28)( (النور).

وقال تعالــى: )يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (58)( (النور).

وقال تعالى: )ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون (61) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم (62)( (النور).

وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2)( (الحجرات). وقال تعالى: )ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير (8) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون (9) إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (10) يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير (11)( (المجادلة)، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا( (الحجرات: 12)، وقال تعالى: )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون (31)( (النور)، وقال تعالى: )والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن( (النور: 60)، وقال تعالى: )يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (32) وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب)، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما (53)( (الأحزاب)، وقال تعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب: 59).

الفضائل الجماعية والفضائل العامة:

ونقطة بارزة في القانون الأخلاقي في الديانة الموسوية، ألا وهي هذا الحاجز العالي والقائم بين الإسرائيلي وغير الإسرائيلي. فأي خير يسديه الإسرائيلي إذا لم يكن مقتصرا على شعبه، ينبغي ألا يتعدى وطنه ولا يشمل الغريب المقيم معه. " لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا". (تثنية 23: 19، 20). "الأجنبي تطالب، وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئه يدك منه". (تثنية 15: 3). "وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبد... لا تتسلط عليه بعنف، بل اخش إلهك. وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك، فمن الشعوب الذين حولكم. منهم تقتنون عبيدا وإماء. وأيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم، منهم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم، فيكونون ملكا لكم. وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك. تستعبدونهم إلى الدهر. وأما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف". (اللاويين 25: 39 - 46).

أما قانون الأخلاق المسيحي فله الفضل في إسقاط هذا الحاجز الذي كان يفصل بين الإنسان وأخيه الإنسان "سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم.. وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون.. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل". (متى 5: 43 - 48).

ولكن في مقابل ذلك لا نجد هنا هذا الالتحام الاجتماعي، وهذا الشعور بالمسئولية الجماعية الذي تتضمنه النصوص العبرية مثل: "اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك". (التثنية 6: 4 - 9). "فتنزعون الشر من بينكم". (التثنية 13: 5). "فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها، لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها". (اللاويين 20: 22).

والفضيلة الاجتماعية المسيحية - كما تقدمها الأناجيل - تتعلق بالعلاقات بين الأفراد أكثر من دلالتها على الروح الجماعية بصفة أساسية، فقد كانت الروح الجماعية في الماضي تستهدف غرضين: صالح الجماعة من ناحية وتمييزها عن صالح الغير من ناحية أخرى، ولكن المحبة المسيحية بامتدادها خارج الحدود الإقليمية، وبرغبتها في احتواء الإنسانية كلها، وقد أحسنت صنعا بإبطال هذا الطابع العنصري، واستبداله بأخوة عالمية - المقصود استبدال أخوة عالمية به - ولكنها لم تركز اهتمامها بالقدر الكافي لتقوية الرابطة المقدسة للجماعة بصفة خاصة.

ألا يمكن - في الوقت الذي تراعى فيه عمليا وقلبيا محبة عالمية - أن تخلق في ظل هذه الأسرة العالمية الكبرى أسرة أصغر وأكثر ترابطا، وأكثر إدراكا لكيانها، وكأنها مجموعة من الخلايا تكون كيانا عضويا داخل ذلك الجسم الكبير؟

إن هذا الجمع الموفق بين الفضيلة العامة والفضيلة الجماعية هو الذي أبرمه القرآن الكريم، إذ يعلمنا في الواقع أن خارج الأخوة في الله توجد الأخوة في آدم )إنما المؤمنون إخوة( (الحجرات: 10)، وقال تعالى: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات). وأن اختلاف المشاعر الدينية لا يجوز أن يحول بيننا وبين أن نبادل إخواننا في الإنسانية المحبة والإحسان، وقال تعالى: )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)( (الممتحنة) وأن قسوة الكفار علينا لا ينبغي أن تدفعنا إلى العدوان، ولا لأن نكون غير مقسطين في معاملتهم: )ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)( (المائدة)، ولقد حرم على المؤمنين أن يتعاملوا بالربا مع أي إنسان، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278)( (البقرة). وبين أن التقي العادل داخل الجماعة الإسلامية هو كذلك خارجها، وقـال تعالـى: )ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليـس علينـا في الأمييــن سبيـل ويقولـون علـى الله الكـذب وهم يعلمـون (75) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76)( (آل عمران).

وإذا كان على المسلم في بعض الظروف أن يبدي عناية خاصة في فك أسر إخوانه المسلمين، فإن عتق العبيد بوجه عام يعتبر إما التزاما عليه، وإما عملا يستحق التقدير ويحث عليه القرآن دائما. وهكذا تتطور فكرة الفضيلة العامة التي أعلنها الإنجيل، وتتحدد أكثر فأكثر عندما تتسع لتشمل مجالات الحياة المختلفة.

ولكن هل معنى ذلك أن الجماعة الإسلامية ستتراخى في روابطها الداخلية لتضيع في محيط البشرية الواسع؟ على العكس، نجد أن مبدأين أساسيين يذكرانها بكل قوة بدورها كجماعة متميزة ومتماسكة:

الأول: يدعو المسلمين بأن يكونوا جماعة موحدة، لا تنقسم بدون فرقة أو انشقاق، تلتف حول مثل أعلى وحول رئيسها، )واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا( (آل عمران: 103) )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم( (النساء:59) )وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا( (الأنفال: 46).

ومع ذلك، فقد بدا لبعض المستشرقين أن يصوروا المسلم على أنه ذو نزعة فردية لا تقاوم، لم يعرف معنى "رباط التضامن" في يوم من الأيام، إن الدين الإسلامي - كما يقول أحد المستشرقين - يحترم النزعة الفردية ويقدسها، ولا يعرف معنى اندماج النفوس وتلاشيها في تنظيم كبير، فليست الأعمال الجماعية مثل صلاة الجمعة ووقفة عرفات وصلاة الأعياد، إلا أعمالا فردية يؤديها المؤمنون في وقت واحد ومكان واحد، دون أن تتخذ طابع الاحتفالات الموجهة أو المنظمة وفق تنسيق خاص.

وسوف يلاحظ أي إنسان يحضر صلاة الجماعة للمسلمين، أن هذا القول لا أساس له من الصحة، وإنما سوف يرى المؤمنين مصطفين في نظام جميل متلاصقين كتفا إلى كتف، الغني بجانب الفقير، والرئيس بجوار مرءوسه، في وضـع واحـد واتجـاه واحـد ودعـاء واحد، كل منهـم يدعـو للجميـع )إياك نعبد وإياك نستعين (5) اهدنا الصراط المستقيم (6)( (الفاتحة).

إنهم جميعا يطلبون النجاة والفلاح، ليس فقط لمجموعة المصلين، وإنما لجميع عباد الله الصالحين أينما كانوا: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". إن هذا التوافق في المظهر لا يعدو أن يكون وسيلة لتأليف القلوب والجمع بينها. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم»[6]. فالإسلام ليس فرديا فحسب وإنما هو أخوة في الله )إنما المؤمنون إخوة( (الحجرات: 10).

والمسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. فالواجبان الأساسيان اللذان يعتبرهما المسلمون واجبين توأمين، يترتب على التخلف عنهما النبذ والعقاب. هما الصلاة والزكاة، إنهما ينهضان كدليل بالغ عن روح التضامن في الإسلام.

أما المبدأ الثاني: وهو على جانب كبير من الأهمية من الناحية الأخلاقية، فهو التزام جميع المسلمين بألا يتركوا المنكر يسود في مجتمعهم )واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة( (الأنفال: 25). وضرورة أن يتواصوا بالحق والفضيلة: )وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)( (العصر) )وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17)( (البلد).

إنه ليس حقا، ولكنه واجب كل مسلم صغيرا كان أو كبيرا، أن يدعو أخاه المسلم إلى ما هو حق وعدل، وأن ينهاه عن كل سوء، ويجب ألا يقل اهتمامه بسعادته الأخروية، عن اهتمامه بسعادته المادية. إن علينا جميعا أن نتعاون في نشر الفضيلة والتقوى بيننا: )وتعاونوا على البر والتقوى( (المائدة: 2).

ودليل القيمة التي يراها القرآن في وضع هذا التضامن موضع التنفيذ العملي أن جعله المقياس الذي على أساسه سمى جماعة المسلمين الأولى خير أمة أخرجت للناس)كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر( (آل عمران:110).

الفضيلة في المعاملات الدولية وبين الأديان:

نضيف إلى كل ما تقدم فصلا آخر في الأخلاق الإسلامية، جديدا كل الجدة؛ لأن اليهودية والمسيحية في وقت تأسيسهما لم تتح لهما الفرصة لإقامة علاقات مع دول معادية، فدعوى عيسى السلمية المحلية كانت تناقضها في اتجاه مضاد الحروب التي قادها موسى ضد الأمم المجاورة والتي انتهت بالقضاء عليها بسرعة. ولقد اختلف الوضع تماما بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم خلال العشر سنوات التي كان فيها على علاقات دائمة مع أمم وديانات مختلفة، تارة مسالمة وتارة معادية.

إن هذه الظروف الخاصة التي جعلت من المرشد الروحي والأخلاقي صلى الله عليه وسلم سياسيا وقائدا، اقتضت تشريعا أخلاقيا لظروف السلم والحرب، تضمن للقرآن مبادئه الأساسية. ومن هذه المبادئ أن الحرب الشرعية لا تقوم إلا من أجل دفع العدوان، ويجب أن تتوقف بمجرد انتهائه )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا( (البقرة: 190)، )وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله( (الأنفال: 61).

وهناك بعد ذلك المبدأ الذي يحترم المواثيق المبرمة مع العدو مهما كانت فرص عقدها غير متكافئة، فالمعاهدة الموقعة بين الأطراف واجبة الاحترام حتى ولو كانت في غير صالحنا: )وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به( (النحل). وحتى إذا بدأ العدو في نقض اتفاقه، فلا يحق لنا أن نهاجمه على غرة، بل يجب أولا إعلانه بإلغاء عهده معنا بطريقة واضحة: )وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء( (الأنفال: 58).

ولقد أخطأ جولد تسيهر عند ترجمة هذه الآية، وكذلك كازمرسكي وسفاري فترجموها "عامله بمثل معاملته الخائنـة"، وهـذا يتناقـض مـع نهايـة نفـس الآيـة )إن الله لا يحب الخائنين (58)( (الأنفال)، وهذا بخلاف القواعد التي حددتها السنة والتي نجحت - إن لم يكن في القضاء على هذه الأمة - فعلى الأقل في التخفيف من نتائجها القاسية"[7].

وإذا أردنا في هذا الشأن مزيدا من التفصيل، لمزيد من التوكيد والتدليل على وجوه الجدة والأصالة المتعلقة بالقرآن أسلوبا ومضمونا، فلنختر مثلا باب "الإعجاز العلمي" وهو المضمار الذي لا يبارى القرآن فيه أي من الكتب السابقة، وهذا ما أثبتته الدراسة الشهرية للمستشرق الفرنسي موريس بوكاي الذي درس طويلا الإشارات العلمية الكونية الواردة في الكتب السماوية الثلاث، وقارنها بحقائق العلم الحديث، وخلص إلى نتيجتين ضمنهما كتابه المعروف: "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث"، وهما:

الأولى: من حيث الكم، فإن كم هذه الإشارات في الكتابين السابقين ضئيل، بينما هو في القرآن كبير.

الثانية: من حيث الكيف، فإن الكم الضئيل يتناقض - في معظمه - مع حقائق العلم، بينما كم الإشارات في القرآن - وهو كثير - يتطابق مع هذه الحقائق. وهذا طبيعي لكون القرآن محفوظا بحفظ الله له، بينما الكتابان السابقان طالتهما - كما هو معروف - يد التحريف والتبديل.

عن وجوه الإعجاز العلمي البارزة المتفردة في القرآن يحدثنا د. عبد الحافظ سلامة الأستاذ بالمركز القومي للبحوث قائلا: "سأذكر بعض الموضوعات في القرآن الكريم تبين لنا صدق ما جاء به، وأنه منزل من عند الله ردا على ما قيل عنه من حيث احتواؤه على دلالات علمية، لم يظهر تفسيرها إلا حديثا مع تطوير العلوم، فكيف وردت هذه الحقائق العلمية في حينها منذ أربعة عشر قرنا، فمن أين جاء بها؟ وكيف صاغها؟ وكيف تناول هذه المعلومات شديدة التعقيد في آية صغيرة؟ وهذا أبرز مواطن الجدة والأصالة ومظاهرهما، وكيف لإنسان مهما كان متعلما ومثقفا وفيلسوفا أن يكون عالما في علوم البيولوجي والجيولوجي والفلك والتاريخ.. إلى آخره، سنلقي بعض الضوء على بعض هذه الموضوعات العلمية التي لم ترد في كتاب من قبل نزول القرآن.

من العجيب أن هذا الكتاب الذي ظهر منذ أربعة عشر قرنا في بيئة صحراوية بدوية - يحتوي على أكثر من (2000) ألفين من الجمل أو الآيات العلمية التي لم يظهر تفسيرها إلا في القرن العشرين والحادي والعشرين، وسوف تتوالى الحقائق العلمية التي يحتويها القرآن إلى يوم الدين، ثم يخرج علينا بعض العلمانيين والمنافقين من المسلمين والمستشرقين ويدعون أن القرآن ناتج ثقافي، وقد يكون للمستشرقين بعض العذر، لعدم إلمامهم التام بالعربية، وأنهم مدفوعون بغيرتهم على دينهم في تجريح الآخرين، ولكن ما عذر المسلمين الذين ساروا على نهجهم في تجريح القرآن بحجة البحث العلمي أو لطلب الشهرة وإرضاء أوليائهم، فألغوا عقولهم واتبعوا أهواءهم وتكلموا بغير علم؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد أعلمنا الله بأخبارهم في الآية الكريمة الآتية: )هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (7)( (آل عمران).

نعم يا الله، نشهد أن ما جاء في هذا الكتاب هو الحق، وعندما أعملت عقلي في آيات الله في القرآن وجدت أن أول آية نزلت في هذا الكتاب المبين هي (اقرأ) فكيف يكتب عن نفسه، ويقول: اقرأ، ويدعي أن جبريل قال له: اقرأ، وهو لا يعرف القراءة والكتابة؟ هل هو كاتب هذا الكتاب. أم أن جبريل هو الذي أوحى إليه؟ ولأمانة التبليغ، قال لنا الرسول ما سمعه بالضبط، و (اقرأ) هذا ليس أمر القراءة للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط، ولكن الأمر هنا من الله سبحانه، لكل من قرأ الآية، ففي أول آيات نزلت في القرآن )اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)( (العلق).

ما الفرق بين (اقرأ) في الآية الأولى، و (اقرأ) في الآية الثالثة؟ نحن مستمرون في فرضية أنه متعلم، وأنه مؤلف القرآن، وأنت أيضا متعلم مثله، ودائرة معلوماتك المفروض أنها مئات أو آلاف أضعاف المعلومات المتوافرة لدى زمانه، كيف ربط هذا المؤلف بين علم المشاهدة وأن تقرأ في كتاب الكون، وأن تبدأ بنفسك، وأنك مخلوق من علق[8]، وليس من نطفة مثلا - فلم يعرف أن النطفة تتحول إلى علقة في جدار الرحم إلا بعد اكتشاف علم الأجنة - ولكنه ذكر ذلك في آية علمية أخرى في سورة المؤمنون: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون). وهي تشرح أطوار الجنين في بطن الأم، وقد أشار القرآن إلى حقائق علم الأجنة - سبحان الله - وبكل دقة، ولذلك قال الله سبحانه )خلق الإنسان من علق (2)( (العلق)؛ لأن النطفة يمكن أن تقذف خارج الرحم، وبالتالي لا يتكون جنين، والنطفة الوحيدة التي تلقح البويضة هي التي تكون العلقة، وهو علم المشاهدة، أما (اقرأ) الثانية في الآية الثالثة أن تقرأ في الكتاب المسطور المدون، أي العلم المكتوب بالقلم، وهذا العلم الذي علمه الله للإنسان منذ خلقه وما زال يمده بالعلم إلى يوم الدين، علم الإنسان ما لم يعلم.. ثم يذكر المؤلف نماذج لبعض الإشارات العلمية في مجالات العلوم المختلفة، فيقول:

علم الأرض:

1.    شكل الأرض:

قال تعالى: )ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير (61)( (الحج)، وقال تعالى: )يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (33)( (الرحمن)، وقال تعالى: )خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5)( (الزمر)، وقال تعالى: )والأرض بعد ذلك دحاها (30)( (النازعات).

علمنا من التاريخ أن العلامة جاليليو عندما أعلن أن الأرض كروية حوكم لكفره، وأحرق في روما؛ لأن المعلومات المتوافرة لديهم في الفاتيكان تقول: إن الأرض مسطحة وهي المقولة السائدة عند الإغريق والعالم أجمع، وكذلك العرب. فمن أين جاء محمد بأن الأرض كروية، بل بيضاوية، كما رأيناها في التليفزيون عندما صورت بالأقمار الصناعية؟ وبعد ذلك نقول: إنه مؤلفه؟

2.    تركيب الأرض:

)وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59)(

 (الأنعام). في الآية الكريمة السابقة يقسم لنا الله - سبحانه وتعالى - الأرض إلى: البر والبحر، والغلاف الغازي المحيط به وهو ما بين السماء والأرض، ليس هذا فحسب، فكل شيء في الوجود مكتوب في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ: )وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين (3)( (سبأ). وقال سبحانه وقوله الحق: )ويعلم ما في البر والبحر( (الأنعام: 59) وهو علم مطلق، )ولا حبة في ظلمات الأرض( وسبق أن قال سبحانه: )ويعلم ما في البر( وهذا يعلمنا أن الأرض هي البر والبحر؛ لأن أية حبة أو بذرة تحملها الرياح وتسقط في البحر ستستقر في القاع، إن لم تأكلها الكائنات البحرية، وبالتالي تصل إلى الأرض أيضا، علاوة على أن الآية تعلمنا أن أية ورقة نباتية تسقط بعلم الله؛ لأنه سيتغذى عليها البلايين من الكائنات سواء الكائنات الحية الدقيقة، أو ديدان الأرض، أو الحشرات، أو منظومة التغذية جميعها؛ لأن الله - عز وجل - قد أعلمنا أن أي دابـة في الأرض يعلم مستقرهـا ومستودعهــا: )ويعلـم مستقرهـا ومستودعهـا كـل في كتـاب مبين (6)( (هود). ليس هذا فحسب، فهو يعلم أيضا كل رطب سواء في السماء، أو في الأرض، وأي شيء فيه حياة: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (30)( (الأنبياء).

فكل رطب على الأرض يحتوي على كائنات تعيش فيه كالبكتريا والفطريات وخلافه من كائنات حية دقيقة، وكذلك الأوليات من الطحالب والبروتوزا، ثم النباتات والدواب الأخرى، وكذلك الرطب؛ والسحب المتناثرة، ثم تتجمع فتصبح سحبا ركامية، ثم تلقح فتصبح سحبا ثقالا تخرج الودق[9]، والرعد، والبرق، والبرد، والصواعق، وكل بإذن الله، وكل في كتابه فلا يوجد عشوائية في الكون.

3.    ما تحتويه الأرض من كائنات حية:

كان معروفا منذ القدم أن الأرض ميتة ليس فيها حياة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، عندما اكتشف فان ليفنهوك الميكروسكوب، وكذلك اكتشاف البكتريا عن طريق لويس باستير، وروبرت كوخ عندئذ عرفنا أن التربة - أو الأرض - يحتوي الجرام الواحد منها على ملايين الملايين من الكائنات الحية الدقيقة من بكتيريا وفطريات وطحالب وبروتوزوا وخلافه، ولذلك أطلق على الأرض بعد هذا "الأرض الحية"، وكذلك اكتشفنا عند سقوط ورقة النبات، أو دفن إنسان أو حيوان، فإن الكائنات الحية الدقيقة، وخصوصا البكتيريا تقوم بتحليلها إلى مكوناتها الأساسية إلى ثاني أكسيد الكربون والماء والطاقة، وبعض العناصر المعدنية، ولذلك قال سبحانه: )له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى (6)( (طه)، )ألم نجعل الأرض كفاتا (25) أحياء وأمواتا (26)( (المرسلات) فيعلم ما تحت الثرى، أي: ما في باطن الأرض من كائنات حية، وغيرها من المعادن والتراكيب الصخرية، وخلافه.

وكذلك ما بين السماوات والأرض، وهي السحب المحملة بالمياه، وما تحتويه من شحنات كهربية: برق، ورعد، وصواعق، وفي الآية التالية لها حدد لنا أن الله جعل الأرض كفاتا، أي: مأوى للأحياء وهي الكائنات الحية الدقيقة، والديدان، والحشرات، وكذلك جذور النباتات، وكذلك للأموات عندما تدفن فتحلل إلى موادها الأساسية.

علم النبات:

والنباتات تعتبر من أهم الكائنات الحية على وجه الأرض، ولقد ذكر في القرآن العديد من أشكال وألوان وثمار النباتات المختلفة، إلا أننا سنذكر فقط عملية التمثيل الضوئي في النبات كما جاء في القرآن. فالمعروف علميا أن عملية التمثيل الضوئي تحتاج إلى ضوء وحرارة، وماء وكلوروفيل، وثاني أكسيد الكربون، لإنتاج المواد الكربوهيدراتية.

ولذلك ذكر في القرآن أن الشمس سراج وهاج، وهي الطاقة والضوء، وأنزل من المعصرات، وهي السحب الماء العذب الثجاج مع الخضر، ليخرج أو ينبت به حبا ذا فلقة واحدة، ونباتا ذا فلقتين، وجنات ألفافا وهي الغابات الاستوائيـة والمداريـة والصنوبريــة: )وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعـه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون (99)( (الأنعـام)، )وجعلنا سراجـا وهاجا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (14) لنخرج به حبا ونباتا (15) وجنات ألفافا (16)( (النبأ).

ففي الآيتين الكريمتين ربط الماء مع النبات، بخروج النبات الأخضر نبات كل شيء ذي الفلقة الواحدة، وهو الحب، كالقمح، والزيتون، والرمان، وكذلك الجنات الألفاف، وهي النباتات الملتفة على بعضها، وهي صورة الغابات الاستوائية والمدارية والصنوبرية. فهل هذه المعلومات كانت متوافرة في زمانه صلى الله عليه وسلم؟ وإن كانت متوافرة فهل يمكن لإنسان أن يوضح هذه المنظومة في جملتين فقط؟! ما هو إلا إعجاز من الله - عز وجل - ليبين قدرته في كتابه، أفلا يتدبرون القرآن؟!

علم الحيوان:

)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (164)( (البقرة).

وبث في الأرض من كل دابة من البكتيريا للديناصورات في الأرض، ومن البكتيريا للحيتان في البحر شاملة من الأوليات مثل: البروتوزوا والحشرات والديدان، حتى الحيوانات الراقية كالقردة وخلافه، كما وصف الله - سبحانه وتعالى - الإنسان عند عدم إيمانه بالله وأنبيائه، وعدم إعمال العقـل أنـه من شـر الـدواب: )إن شـر الــدواب عنـد الله الصم البكم الذيـن لا يعقلون (22)( (الأنفال)، )إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55)( (الأنفال).

والدواب: هي كل ما يدب على الأرض، وقد بين لنا الله الحركة للدواب، فمنها من يمشي على بطنه )والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير (45)( (النور) مثل الزواحف (الثعابين) ومنها من يمشي على رجلين كالطيور، ومنها من يمشي على أربع كالحيوانات، ثم قال: )يخلق الله ما يشاء( مثل: الحركة بالأسواط، والأهداب، والأقدام الكاذبة، ومفصليات الأرجل وعديدة الأرجل كالديدان، سبحان الله!!

ليس هذا فحسب، فقد بين لنا الله - عز وجل - آيات أخرى لم يظهر تفسيرها إلا حديثا مثل:

1.    علم تخاطب الطيور:

من المعروف أن الطيور لها أصوات مختلفة التناغم وهي مسموعة، ولكن الغريب هو تخاطب الحشرات، والمعروف أن الحشرات طائرة، ولذلك نجد في القرآن العظيم أن هناك لغة للطيور، فقد تحدث سيدنا سليمان مع الهدهد، وقد سمع النملة، وهي آية من آيات الله، ولم نعرف أن هناك لغة للطيور، أو تحادث الحشرات إلا حديثا في القرن العشرين، ثم نقـول: إن هـذا الكتـاب مؤلــف!! )وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين (16)( (النمل)، )وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (20)( (النمل)، )فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين (22)( (النمل).

وقد سمع النملة وهي تتحدث على الرغم من أن تذبذبات صوت النمل لا يمكن لإنسان أن يسمعها، ولكنها قدرة أعطاها الله لسيدنا سليمان - عليه السلام - دون خلقه أجمعين: )وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون (17) حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون (18) فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (19)( (النمل)، ولم يطغ سليمان، ولكن شكر الله على نعمائه، فكان من عباد الله الشاكرين.

2.    بيئة الحيوانات:

وفي مجال الحيوان أيضا ذكر الله لنا في كتابه المفترى عليه، أن أنثى العنكبوت هي التي تبني بيتها وليس الذكر، ولا يعرف هذه المعلومة إلا من كان عالما في علم الحيوان، وهل يعرف محمد - صلى الله عليه وسلم - في عصره أن أنثى العنكبوت هي التي تبني البيت؟ ولماذا لم يقل إن أوهن الخيوط، وليس أوهن البيوت؟ )مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون (41)( (العنكبوت).

على الرغم من أن كلمة (بيت) مثل خيط في عدد الحروف وفي الصوت، أي: في النطق، وكذلك في الإعراب، وهو ما نشاهده أن أوهن الخيوط خيط العنكبوت وليس بيتا، إلا أن العلم الحديث أظهر أن خيط العنكبوت أقوى من خيط من الصلب مماثل له في السمك.

وبالتالي لو قال: أوهن الخيوط لأثبت العلم أنه لم يكن صادقا، ويكون هذا الكتاب من تأليف بشر، ولكن عندما قال (أوهن البيوت) فهو فعلا أوهن البيوت، ولذلك ختمت الآية: (لو كانوا يعلمون)، وهنا العلم مطلوب لإثبات ما جاء في الآية، ولا يصح أن يقال: لو كانوا يعقلون أو يتدبرون، أو يتفكرون، مثل الأمثال الأخرى في القرآن، ليس هذا فحسب، فالآية التي تليها يذكر لنا الله أن الذي يعرف هذه الحقيقة من العلماء العاقلين، وهنا ذكر العقل والتدبر )وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43)( (العنكبوت).

وآية علمية أخرى في بيئة الحشرات تدل على آيات الله العلمية في القرآن العظيم، والدالة على صدق ما جاء في هذا الكتاب، وأنه من عند الله خالق كل دابة يعرف مقرها ومستودعها سبحانه )وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (6)( (هود)، وفي مثل آخر أخذ شغالة النحل لرحيق الأزهار، للحصول على غذائها آية من آيات الله في القرآن: )وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68)( (النحل)، )ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)( (النحل).

من قال: إن في مملكة النحل أن تقوم الشغالة بهذه الوظائف إلا في علم الحشرات، أو علم النحل، كما أفرد له تخصص بذاته لتميزه عن باقي الحشرات، وقد ظهر لنا في هذا العلم أن الشغالة.. وهي الفرد الأساسي في الخلية - هي التي تبني البيوت بوحي من الله، لذلك نجد الشكل السداسي واحدا في جميع بيوت النحل، سواء أكان في الصين، أم كندا، أم في أوربا متساويا في أضلاعه وبدقة شديدة.

حيث ذكر لنا الله أنه أوحى إلى النحل، ومن وظائفها أيضا تجميع الرحيق، وحبوب اللقاح لإنتاج عسل النحل، وخبز النحل، وهي التي تنظف الخلايا، وهي المحاربة ضد الأعداء، وهي التي تهوي بأجنحتها داخل الخلية في أوقات الحر، وهي.. وهي.. وليس الذكور مثلا أو الملكات! أما المقولة في الآية: )ثم كلي من كل الثمرات( هي من آيات الله العلمية في القرآن تبين مدى دقة اللفظ، والمعلومة العلمية، فنحن نعلم أن النحل يجمع رحيقه من الأزهار، وكذلك حبوب اللقاح.

فكيف يذكر أن النحل يأكل من الثمرات؟ فمن المعروف أن 85% من الأزهار ذاتية التلقيح، بمعنى أنها تلقح نفسها قبل أن تتفتح الزهرة، ومن المعروف أيضا علميا أنه إذا لقح المبيض الزهرة بحبوب اللقاح تصبح ثمرة. وبالتالي تصبح جميع الأزهار ذاتية التلقيح ثمارا قبل أن تتفتح الأزهار، كما أنه من وظيفة الشغالة في النحل أنها تعمل على تلقيح الأزهار، وذلك بحبوب اللقاح التي تنتشر على ظهورها والمحمولة على أرجلها، وبالتالي تصبح الأزهار ثمارا، فيكون لفظ)ثم كلي من كل الثمرات( هو اللفظ العلمى السليم لأخذ الشغالة لرحيقها من الأزهار، ليس هذا فحسب، - فقد وجد من تشريح النحلة - في فم النحلة قارض لاعق، وهي فعلا تأكل جدار المبيض للثمار، فمن أين جاء هذا الكاتب بهذه الحقائق العلمية التي أخذت منى جهدا كبيرا للحصول عليها، وذلك بالبحث في علم تقسيم النبات وكيفية التلقيح في الأزهار، وعلم تشريح الحشرات لمعرفة تركيب فم النحلة وخلافه؟!

كذلك )يخرج من بطونها شراب( على الرغم من أن الحديث عن فرد واحد، وجد عند تشريح النحلة أن لها عدة بطون - خمسة أبطن - فيكون اللفظ (بطونها) آية من عند الله أيضا.

الإنسان:

ذكر القرآن في آياته العلمية أن الإنسان ذكرا كان أو أنثى هو من نطفة الرجل، ولا دخل للمرأة في تحديد الجنس: )ألم يك نطفة من مني يمنى (37) ثم كان علقة فخلق فسوى (38) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى (39)( (القيامة).

ويلاحظ دقة لفظ القرآن عمليا، حيث ذكر تحول النطفة إلى علقة، وأن هذا التحول هو خلق وليس تكوينا، وقد فسر ذلك في آية أخرى أشد تحديدا ودقة، وكما أثبتها علم الأجنة حديثا: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون).

ونجد أن مراحل تكوين الجنين في الرحم مذكورة بالتفصيل، وجميعها في آية واحدة، وأنها خلق.. خلق.. خلق حتى كمال الجنين، فالخلق من سلالة من طين، أي نوع من أنواع الطين وهو الصلصال وهو أحد مكونات التراب؛ لأن الطين معدن يتكون من الألمونيوم والسيليكون، بينما التراب علاوة على احتوائه على معدن أو أكثر من معادن الطين إلا أنه يحتوي أيضا على السلت[10] والرمل، والعناصر الغذائية الصغرى والكبرى.. ولذلك ربط الله - سبحانه وتعالى - هذه الأطوار السابقة، وأوصلها إلى نهاية عمر الإنسان بالماء والتراب والنبات، حيث يكون الكربوهيدرات والبروتينات والفيتامينات... إلخ، اللازمة لتكوين الإنسان سواء في بطن أمه أو بعد ولادته، حيث يدخل في تركيب دم الأم الذي يستخلص منه اللبن، وحتى عندما يكبر حيث يدخل النبات أيضا - أي الغذاء - في تعويض ما يفقده الجسم من الخلايا، علاوة على حصول الكائن الحي أو الإنسان على الطاقة اللازمة لحياته: )يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتـزت وربـت وأنبتـت من كـل زوج بهيـج (5)( (الحج).

ليس هذا فحسب، فجميع علاقات وسلوك الإنسان بأسرته، ومجتمعه المحلي، ومجتمعه العالمي، وسلوكه في الدنيا، ومآله في الآخرة، مذكور بدقة في هذا الكتاب العظيم، وأما ما ذكرناه سابقا فهو خلقه فقط.

الماء في القرآن:

 بدراسة الماء في القرآن العظيم فقد وجد أنه قد ذكر مكثفا شاملا لأنواعه، ومصادره وعلاقته بالرياح، والشمس، والنبات، والدواب، والإنسان، والجبال وقد يأتي الماء بالسخاء والرفاهية، أو يأتي كعتاب من عندالله دمارا شاملا كالطوفان، والسيول، وغيرها. وقد احتوى القرآن العظيم في منظومة علمية فريدة لا يمكن لبشر في عصر نزول القرآن، وحتى عصرنا هذا أن يجمع في كتاب واحد، هذا الموضوع الشائك والمهم في الكون؛ لذا وجد الماء في القرآن العظيم في الآيات الكريمة الدالة على عظمة الخالق، وأن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون إلا من عند الله سبحانه"[11].

بل إن الأمر لا يتعلق فقط بالجدة في المضمون القرآني وقت نزوله والأصالة وعدم التقليد والاحتذاء الحرفي للكتب السابقة عليه، بل تمتد هذه الجدة والأصالة والطرافة للحاضر والمستقبل، ونقصد هنا الحيوية المستمرة والقابلية للتطبيق، والصلاحية الدائمة للمبادئ والتعاليم القرآنية لحل مشكلات الإنسانية على مر عصورها وكر دهورها؛ وذلك لأنها تحوي أصولا وثوابت وهيكلا عاما يدور المسلمون في إطاره ولا يخرجون عنه، وفي الوقت نفسه تركت لهم مساحة واسعة من حرية الحركة داخل هذا الإطار العام، فيجتهدون في تفاصيل حياتهم ودقائق ظروفهم ومشكلاتهم بما يتسق مع الثوابت، ويتناغم مع الأصول ولا يند عنها، ومن هنا تمتعت مبادئ هذه الشريعة، وتعاليم كتابها المقدس - القرآن الكريم - كما ذكرنا، بديمومة حيويتها واستمرارية صلاحيتها للزمان والمكان.

حول هذا المعنى يقول الأستاذ محمد قطب: "يتردد على لسان العلمانيين دائما هذا السؤال: أنى للشريعة التي نزلت قبل أربعة عشر قرنا أن تحكم الواقع الموجود اليوم، وهوواقع يختلف أشد الاختلاف عن الواقع الذي نزلت فيه تلك الشريعة، فضلا عن الزعم بأنها صالحة للمستقبل كذلك؟

ونقول نحن: إن هذا أحد أوجه الإعجاز في الشريعة التي أنزلها الله، وأمر باتباعها، ولم يجعل لأتباعها حدا زمنيا معينا يجوز للبشر بعده أن يتخلوا عنها، ولم يحدد أحوالا بيئية أو سياسية أو اقتصادية معينة يكف البشر فيها عن تطبيق الشريعة.

وإن مجرد القول بأن الظروف تغيرت معناه الشك في علم الله وحكمته، فكأنما علمه - نستغفر الله - كان ناقصا وقت تنزيل الشريعة، فلم يكن يعلم سبحانه أن الظروف ستتغير، وتأتي ظروف غير الظروف! وكأنما حكمته - نستغفر الله - كانت ناقصة، فلم يقدر سبحانه أثر تغير الظروف في صلاحية هذه الشريعة التي أنزلها وأمر باتباعها اتباعا مطلقا بغير تحديد!

وقد لا يدرك الذين يرفعون لافتة تغير الظروف أنهم بذلك يطعنون في علم الله وحكمته، ولكن هذا هو لازم قولهم، ولازم اعتقادهم، وعوا ذلك أو لم يعوه، وقصدوه أو لم يقصدوه. فلو أنهم آمنوا حقا بأن الله عليم حكيم، لم تجرؤ تلك الخواطر الفاسدة أن تخطر على قلوبهم، وتفسد مشاعرهم تجاه الله ودينه وشريعته. ولا عيب في أن يكون الإنسان جاهلا لأمر من الأمور التي تتعلق بدينه، ولكن عليه عندئذ أن يبحث عن الحق حتى يزيل جهالته، وأن يقول: )وقل رب زدني علما (114)( (طه).

أما الذين يخالفونه فهم الجهال المتأخرون المتخلفون أعداء العلم، وأعداء العقلانية، وأعداء التقدم، فهذا من مصائب الجاهلية.. كل جاهلية.. والجاهلية المعاصرة بصفة خاصة التي ترفع لافتة العلم والتنوير، وتضعها فوق ما أسماه ألكسيس كاريل بـ "الجهل المطبق" في كتابه الشيق "الإنسان ذلك المجهول"[12].. ونعود الآن بعد هذه الجولة إلى قضية الشريعة الربانية المنزلة قبل أربعة عشر قرنا، وموقفها من الإنسان وموقف الإنسان منها، على ضوء قضية الثبات والتغير.

إذا تبين لنا من البحث الموضوعي أن في الحياة البشرية أصولا دائمة لا تتغير، هي المركوزة في أصل الفطرة، وصورا متغيرة من الممارسة لبعض النوازع الفطرية (وليس كلها) مع ثبات أصولها ومنابعها في الفطرة، فما الطريقة المثلى لتنظيم الشريعة في مجالات الحياة كافة، بصرف النظر عمايجد في حياة البشر؟ أم تركها تتغير في جميع مجالاتها كلما عن للبشر أن يغيروا؟ أم تثبيت ما من شأنه الثبات، وإتاحة المجال للمتغيرات أن تتغير مع تثبيت الأصول التي تحكمها في تغيرها؟

هنا - في هذا المجال بالذات - يتجلى لنا عنصر من عناصر الإعجاز في التشريع الرباني، في الحياة البشرية ثوابت ليس من شأنها أن تتغير؛ لأن تغيرها يفسد حياة الناس، وهذه نصت عليها الشريعة نصا صريحا ملزما. وهناك متغيرات ليس من شأنها أن تثبت على صورة معينة؛ لأن تثبيتها يجمد الحياة مع تثبيت الأصول التي تحكمها بحيث لا تحل حراما، ولا تحرم حلالا، ولا تصادم مقاصد الشريعة. وبهذا تواكب الشريعة البشرية في جميع خطواتها، وتضبط منطلقها في ذات الوقت، فلا تأسن[13] من الجمود، ولا تجنح مع الانحراف.

هناك الضرورات الخمس: حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ المال. هذه ثوابت لا تخضع للتغيير، لا من حيث الجوهر ولا من حيث الصورة؛ لأن أي تغيير فيها يفسد الحياة. ومن حفظ الدين تحكيم الشريعة وتحريم الردة. ومن حفظ العقل، تحريم المسكر، والمخدر. ومن حفظ النفس تحريم القتل والعدوان، ومن حفظ العرض تحريم الفاحشة، وما يقرب منها أو يؤدي إليها. ومن حفظ المال تحريم السرقة، والغش، وأكل أموال الناس بالباطل. وتتعلق بهذه جميعا حدود لا تغير فيها، ولا استبدال لغيرها بها.

ثم هناك ثوابت أخرى ناشئة من ثبات أركانها وعدم قابليتها للتغيير، كعلاقات الأسرة، وعلاقات الجنسين، وعلاقات المجتمع الإسلامي بعضه ببعض، وعلاقات الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم. وتلك كلها تحكمها قواعد ثابتة ونصوص تفصيلية غير قابلة للتغيير.

وهناك بعد ذلك أمور كثيرة تتغير صورتها على الدوام، نتيجة تفاعل العقل البشري مع الكون المادي، واكتساب الإنسان خبرات جديدة من خلال هذا التفاعل فتتغير الصورة السياسية، والصورة الاقتصادية، والصورة الاجتماعية، ولكنها في تغيرها الدائم لا ينبغي لها أن تخرج على القواعد العامة التي تحكمها، والمنصوص عليها في كتاب الله، والسنة مكملة وشارحة، وهي من الوحي الرباني.

وهكذا تنمو المجتمعات نموا سويا، وتتغير بعض الصور في حياتها من جيل إلى جيل، ومن طور إلى طور، ولكن أصولها لا تتغير، فتظل الشريعة عاملة في حياتها، لا تحتاج إلى تبديل، ولا تغيير ولا تعديل. بينما يظل باب الاجتهاد مفتوحا لتغطية ما يجد من أمور في حياة الناس بغطاء الشريعة الدائم الذي لا يتغير، وتظل الأمة محافظة على إسلامها بمحافظتها على عقيدتها وشريعتها، ومحافظة في الوقت ذاته على رضوان الله، الذي أنزل غضبه على من لم يحكم بما أنزل الله )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (50)( (المائدة)، )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء) [14].

ولا يفوتنا أن نذكر في باب الإعجاز التشريعي ذلك الشمول الذي تتميز به الشريعة الربانية، مع خاصية التوازن التي أشرنا إليها من قبل. فما من مجال من مجالات الحياة إلا للشريعة مدخل فيه. فهو - بالضرورة - واقع في واحد من هذه الأبواب الخمسة: حرام أو حلال، أو مباح، أو مندوب، أو مكروه. سواء أكان مجالا اقتصاديا، أم سياسيا، أم اجتماعيا، أم أخلاقيا، أم فكريا، أم ما يكون من ألوان النشاط البشري في الأرض، وذلك مـن الإعجــاز: )قل إن صلاتي ونسكـي ومحياي ومماتـي لله رب العالمين (162) لا شريـك له وبـذلك أمـرت وأنـا أول المسلميـن (163)( (الأنعام).

إن النظم البشرية - بحكم قصور البشر عن الإحاطة بكل شيء - تهتم ببعض الجوانب على حساب جوانب أخرى، وتركز على مجالات وتهمل مجالات.

ففي الديمقراطيات "الليبرالية": هناك تركيز كبير على (الحقوق السياسية) يقابله إهمال ملحوظ في الجوانب الأخلاقية يصل إلى حد التسيب الذي يهدد تلك المجتمعات في النهاية بالانهيار.

وفي النظم الرأسمالية تركيز شديد على حرية رأس المال في العمل والحركة، ورفع الحواجز من طريقه، دون النظر إلى العواقب المحلية والعالمية التي تنجم عن هذه الحرية التي عبر عنها أحد كتابهم، وهو يتحدث عن عواقب الربا، والمعاملات الربوية بأن نتيجتها النهائية هي: تزايد الثروة في يد فئة يتناقص عددها باستمرار، وتزايد الفقر في أعداد من الناس يتزايد عددهم باستمرار، وذلك فضلا عن الحروب والصراعات العالمية التي تطحن الناس طحنا، وتفسد عليهم أمنهم وطمأنينتهم، والعولمة الحاضرة نموذج!

وفي النظم الدكتاتورية: تركيز شديد على سيادة (السيد) الذي يحكم، وإحاطته بكل وسائل السيطرة، وكبت حريات الناس في المقابل؛ لأنها تحدمن سلطان (السيد)، ولا حقوق للناس إلا مايتكرم به السيد على الناس تكرما، وعليهم أن يرضوا صاغرين.

وفي الوقت ذاته تباح الملهيات ليغرق الناس فيها، وينسوا همومهم، كما كانت الشيوعية تفعل بشعوبها، وتفخر بأن أعلى الرواتب هي رواتب الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات.

وبهذا البيان يتضح لنا أن النظرة الشاملة التي تضع كل شيء في مكانه ليست من شأن البشر! فالبشر تحركهم أهواؤهم أكثر مما تحركهم عقولهم: )إلا عباد الله المخلصين (40)( (الصافات) لا لأنهم من طينة أخرى غير طينة البشر، ولكن لأنهم يلتزمون بشريعة الله، فتمنع عنهم الجنوح في جانب والإهمال في جانب. وتوازن حياتهم فينعمون بالأمن والطمأنينة والاستقرار[15].

يؤكد على هذه الخصوصية - خصوصية جدة وحيوية مبادئ الشريعة، وتعاليم القرآن الدائمة - الأستاذ محمد فريد وجدي، مبرزا قابليتها لاستيعاب كل جديد، وتسخيره لفائدة البشر، على عكس الجمود الراسخ الذي أصاب تعاليم الأديان السابقة، وتحجر المؤسسات الممثلة لها في مواجهة كل جديد، مما حدا بمجتمعاتها إلى معاداتها، والخروج عن طوعها فبرزت فيها لذلك العلمانية المجافية للدين.

يقول الأستاذ وجدي: "الإسلام مرن يتسع لما يجد من الآراء العلمية، ولا يستعصي على ما يثبت أو يرجح من المذاهب الفلسفية، ولا ما يقوم الدليل عليه من الشئون الكونية، والواقع أنه قليل على الإسلام أن يوصف بالمرونة وسعةالصدر للآراء والمذاهب والكونيات؛ لأنه دين انطلاق وتعقل وتفكير ومطالبة بالفهم وبالدليل، وإشعار بالتبعية الشخصية، ونهى عن التقليد. وقد كان الناس إلى عهده أسرى الأوهام والأضاليل، وصرعى الموروثات والتقاليد، ليس في الدين فحسب، ولكن في العلم أيضا.

نعم، في العلم الذي يفخر اليوم بأنه أطلق العقل من إساره، وخلصه من أغلاله، وأرسى المعلومات على أساس الواقع المحسوس، هذا العلم صادق فيما يدعي، وقد سبق الإسلام باكون العلامة الإنجليزي بنحو ألف سنة بمثل هذه الآيات: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض( (يونس: 101) )أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها( (الحج: 46)، )وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء)، )قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب (9)( (الزمر)، )وقل رب زدني علمـا (114)( (طه)، )ويخلــق مــا لا تعلمــون (8)( (النحل)، )وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43)( (العنكبوت)، )ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله( (لقمان: 27)، أي آياته وحكمه، وبمثل هذه الآيات في النعي على الخياليين والمقلدين: )وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (28)( (النجم)، )قالــوا حسبنــا ما وجدنــا عليـه آباءنـا أولــو كان آباؤهـم لا يعلمون شيئـا ولا يهتــدون (104)( (المائدة)، )قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111)( (البقرة)، وبمثل هذه الآيات في وجوب التثبت والتدقيق. )ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (36)( (الإسراء) )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( (إبراهيم: 27).

لقد جاء الإسلام إلى العرب في عهد كانت فيه حياتهم الاجتماعية قد استوت على قرار منذ قرون، فأهل البداوة منهم كانوا هملا، ومن الفوضى بحيث كانوا يتناحرون، وكان من جاور الفرس والروم منهم قد وقعوا تحت نير هاتين الدولتين منذ قرون، واستكانوا لهذه العبودية وألفوها، ولم يحركوا ساكنا لرفع نيرها عنهم. زد على هذا أن الأمة العربية كانت تكاد تكون وحيدة في عملها من الناحية الكتابية، فلم تترك لنا كتابا واحدا حتى ولا ما تحرص عليه كل أمة من مخطوطات دينية ونقوش طلسمية.

جاء الإسلام إلى هذه الأمة، وهي في هذا الدور من الجاهلية الجهلاء، فصاح بها صيحات تحمل في تياراتها نفخات من روح الحق، فهبت من سباتها العميق تتطلب الحياة، وسارت في طريق التطور الاجتماعي، فما مضت عليها مائتا سنة حتى أصبحت صاحبة القيادة العلمية والسياسية في الأرض، وكانت سببا مباشرا في حفظ تراث الإنسانية من ثمرات العقول، ونتائج الفكر.

فهذه الحركة العلمية القوية فيها ما نشأت إلا بباعث من الإسلام، وما اتجهت وجهتها إلا بإملائه، وما توسعت وألمت بجميع فروع المعارف إلا بدافع منه، وقد شهد بذلك جميع مؤرخي العالم قديما وحديثا.

وثمة شواهد تاريخية على أن المسلمين الأوائل لم يحرموا على أنفسهم مذهبا من المذاهب، ولم يهملوا رأيا من الآراء، ولم يهجروا أسلوبا من الأساليب بحجة دينية، ولكنهم ألقوا بأنفسهم أحرارا في عباب العلوم، والفلسفات غير مقيدين ولا متأثمين، فبنوا للناس من ثمرات جهودهم صرحا من المجد لا تعفى على آثاره الدهور.

قال العلامة درابر المدرس بجامعة نيويورك في كتاب (المنازعة بين العلم والدين): "لقد كان تفوق العرب في العلوم ناشئا من الأسلوب الذي توخوه في بحوثهم، وهو أسلوب اقتبسوه من فلاسفة اليونان الأوربيين، فإنهم تحققوا أن الأسلوب العقلي - أي النظري الفكري المجرد - لا يؤدي إلى التقدم، وأن الأمل في الوقوف على الحقيقة يجب أن يكون معقودا بمشاهدة الحوادث ذاتها. ومن هنا كان شعارهم في بحوثهم، الأسلوب التجريبي والدستور العلمي.. إلى أن قال: وهذا الأسلوب هو الذي حقق لهم التقدم الباهر في الهندسة، وحساب المثلثات، وهو أيضا الذي مكنهم من وضع قواعد علم الجبر، ودعاهم لاستعمال الأرقام الهندية... إلخ.

إن من يتأمل فيما ذكرناه، يرى أن المسلمين الأولين قد ألقوا بأنفسهم في باحات العلم مطلقين غير مقيدين، فلم تكن هنالك سلطة دينية تحاكم العلماء على الفتيل[16] والقطمير[17]، وتحاول أن تجعل العقل والعلم تحت وصايتها فتقف حجر عثرة في سبيله.

فهل في الأديان المعروفة شيء من هذا النوع؟

لو شئنا لملأنا مجلدات من أخبار مكافحتها للعلم، والعقوبات القاسية على كل صغيرة وكبيرة منها أكثر من عشرة قرون متوالية؟ - على عكس موقف الإسلام المتألق من العلم، وإعمال العقل، وهذا من طرائف هذا الدين ومواطن الجدة في تعاليمه القرآنية، وهو ما نؤكده في ردنا على هذه الشبهة الزاعمة أنه لم يأت بجديد، وأنه نسخة ملفقة مما سبقه من كتب الأديان السابقة - ولكنك لو علمت أن هذا الدين شرع ليكون دين البشرية العام الخالد، وأنه أنزل للناس في آخر الزمان حيث يبلغ العلم أبعد شأو مما يتصوره الخيال بعيد المدى، وتكثر المسائل العلمية الحديثة التي يؤيدها الإعجاز العلمي في القرآن، لبطل تعجبك وأدركت العاقبة له حتما، وإن كره ذلك الكارهون، مصداقا لقوله تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (53)( (فصلت) [18].

هل هناك براهين وحجج أوضح من هذا ما تزال تعوزنا للتدليل على أن هذا الكتاب الكريم - القرآن - قد حوى جديدا غير معهود من قبل، فيما سلف من كتب ورسالات؟

ثانيا. القرآن مصوب ومتمم، وليس نسخة مقتبسة مما سبقه:

أما عن الشق الثاني من الدعوى والذي يتمثل في اقتباس القرآن - على حد قولهم - من الكتب السابقة، فذلك باطل، ويبين بطلان ذلك أمران[19]:

الأول: التشابه بين التوراة والقرآن في أصل الواقعة فقط لا في التفاصيل.

1.    لقطة من قصة يوسف - عليه السلام - مع امرأة العزيز:

·      القصة في التوراة:

"وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت: "اضطجع معي". فأبى وقال لامرأة سيده: "هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت، وكل ما له قد دفعه إلى يدي. ليس هو في هذا البيت أعظم مني. ولم يمسك عني شيئا غيرك، لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله"؟ وكان إذ كلمت يوسف يوما فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها.

ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله، ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت. فأمسكته بثوبه قائلة: "اضطجع معي"! فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج. وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج، أنها نادت أهل بيتها، وكلمتهم قائلة: "انظروا! قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا! دخل إلى ليضطجع معي، فصرخت بصوت عظيم. وكان لما سمع أني رفعت صوتي وصرخت، أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلى خارج". فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته. فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة: "دخل إلى العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليداعبني. وكان لما رفعت صوتي وصرخت، أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إلى خارج".

فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلمته به قائلة: "بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك"، أن غضبه حمي. فأخذ يوسف سيده ووضعه في بيت السجن، المكان الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه". (التكوين 39: 7 - 17).

·      أما النص القرآني:

قال تعالى: )وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون (23) ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24) واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم (25) قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين (26) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين (27) فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم (28) يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين (29) وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين (30) فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم (31) قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمـره ليسجنـن وليكونـا مـن الصاغريــن (32) قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين (33) فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم (34) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين (35)( (يوسف).

وبالنظر في النصين التوراتي والقرآني يتبين أنهما لم يتفقا إلا في أصل الواقعة، ويختلفان بعد ذلك في كل شيء، على أن القرآن قام هنا بعملين جليلي الشأن:

o  أورد جديدا لم تعرفه التوراة فمثلا: حديث النسوة وموقف المرأة منهن، شهادة الشاهد الذي هو من أهل امرأة العزيز.

o  تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها: لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة، بل كان لابسا إياه، ولكن قطع من الدبر، غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاطها - التوراة - دفاعه عن نفسه.

ربما يقول قائل: ولماذا تتحيز للقرآن وتعتبر النص التوراتي هو الخاطئ؟!

والرد على هذا الاعتراض يبينه دواعي حكمنا هذا بدون تعصب للقرآن أو المسلمين، إذ إنه لم يرد في القرآن - قط - ما هو خلاف الحق؛ لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقد ثبتت هذه الحقيقة في كل مجالات البحوث التي أجريت على "مفاهيم" القرآن العظيم في كل العصور، وهذا الداعي وحده كاف في تأييد ما ذهبنا إليه، بالإضافة إلى أنه منتزع من الواقعة نفسها: فكل من التوراة، والقرآن متفق على عفة يوسف وإعراضه عن الفحشاء، ثم اختلف في سرد القصة كاملة.

فالتوراة تذكر أن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب، والقرآن يقول: إنه لم يترك قطعة الثوب، بل أمسكته المرأة من الخلف، ولما لم يتوقف يوسف - عليه وسلم - اقتطعت قطعة منه وبقيت ظاهرة في ثوبه، فأي الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين، أن يترك ثوبه كله؟ أو أن يخرق ثوبه من الخلف؟!

وإذا سلمنا جدلا بصحة رواية التوراة فيوسف ليس عفيفا، والمرأة على حق في دعواها، وهذا ما لا يليق بنبي من أنبياء الله؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه هكذا إلا إذا كان هو الراغب وهي الأبية، ولا يقال إن المرأة هي التي خلعت ثوبه عنه؛ لأن يوسف رجل وهي امرأة، فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة، وعندما يمتنع، تحتفظ هي بالثوب كدليل مادي على جنايته المشينة؟! وهل خرج يوسف "عريانا" وترك ثوبه لدى غريمته؟ يقال أما ما نلمحه في القرآن من فرار يوسف من المرأة، وإمساكها وتشبثها به، فأدى ذلك إلى قطع ثوبه من الخلف، فيتفق مع عفة يوسف التي صرح بها في المصدرين فكيف يقال إن القرآن مقتبس من التوراة؟

والمعروف أن المقتبس لا بد أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها، وها نحن رأينا أن القرآن يتجاوز هذه الأسس، فيأتي بجديد لم يذكر فيما سواه، ويصحح خطأ وقع فيه ما سواه، والاختلاف بين النص هنا وهناك يشمل الأصول والفروع بالإضافة إلى إحكام البناء، وعفة الألفاظ، وشرف المعاني.

2.    قصة قابيل وهابيل ابني آدم:

·      النص في التوراة:

"وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين. وقالت: "اقتنيت رجلا من عند الرب". ثم عادت فولدت أخاه هابيل. وكان هابيل راعيا للغنم، وكان قايين عاملا في الأرض. وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه. فقال الرب لقايين: "لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟ وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها". وكلم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقايين: "أين هابيل أخوك؟" فقال: "لا أعلم! أحارس أنا لأخي؟" فقال: "ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها. تائها وهاربا تكون في الأرض". فقال قايين للرب: "ذنبي أعظم من أن يحتمل. إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك أختفي وأكون تائها وهاربا في الأرض، فيكون كل من وجدني يقتلني". فقال له الرب: "لذلك كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه". وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده. فخرج قايين من لدن الرب، وسكن في أرض نود شرقي عدن". (التكوين 4: 1 - 16).

·      نص القرآن:

وقـال تعالـى: )واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتلـه فأصبــح مــن الخاسريــن (30) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين (31) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)( (المائدة).

اتفق المصدران في مسألة القربان، وقتل أحد الأخوين للآخر. وما ورد في القرآن - عدا ذلك - يختلف تماما عن نظيره في التوراة. فنلاحظ أنه لا هدف لذكر القصة في التوراة إلا مجرد التاريخ، فهي معلومات ذهنية خالية من روح التربية والتوجيه، أما القرآن فيجعل من هذه القصة هدفا تربويا، أو يبني شريعة القصاص العادل عليها، ويلوم بني إسرائيل على إفسادهم في الأرض بعد مجيء رسل الله إليهم، إضافة إلى هذا سوء مخاطبة قابيل الرب في قوله: "أحارس أنا لأخي" ففيها فظاظة، لو صدرت من إنسان لأبيه لعد عاقا فظا غليظا، فكيف تصدر من "مربوب" إلى ربه وخالقه؟

ولكن هكذا تنهج التوراة، فهي لا تعرف قدرا للرب، ولا من تنقل عنه حوارا مع الرب، ولا غرابة في ذلك، فالتوراة تذكر أن موسى أمر ربه أن يرجع عن غضبه على بني إسرائيل، بل هدده بالاستقالة من النبوة إذا لم يستجب لأمره.

فكيف يقال إن القرآن اقتبس هذه الأحداث من التوراة، وصاغها في قالب البلاغة العربية؟! والاختلاف بينهما أصيل. فمن أين أتى القرآن بكلام الشقيق الذي قتل بيد أخيه؟ ومن أين أتى بقصة الغراب الذي جاء ليرى القاتل كيف يواري سوءة أخيه؟ ولماذا أهمل القرآن الحوار الذي تورده التوراة بين الرب وقابيل القاتل، وهذا الحوار هو هيكل القصة كلها في التوراة.

إن القرآن له مصدره الخاص به الذي استمد منه الوقائع على وجهها الصحيح، ومجرد التشابه في أصل الواقعة لا يؤثر في استقلال القرآن أبدا.

3.    مسألة المحرمات من النساء:

·      في التوراة:

"لا يقترب إنسان إلى قريب جسده ليكشف العورة. أنا الرب. عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف. إنها أمك لا تكشف عورتها. عورة امرأة أبيك لا تكشف. إنها عورة أبيك. عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة في البيت أو المولودة خارجا لا تكشف عورتها. عورة ابنة ابنك، أو ابنة ابنتك لا تكشف عورتها. إنها عورتك. عورة بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك لا تكشف عورتها. إنها أختك. عورة أخت أبيك لا تكشف. إنها قريبة أبيك. عورة أخت أمك لا تكشف. إنها قريبة أمك. عورة أخي أبيك لا تكشف. إلى امرأته لا تقترب. إنها عمتك. عورة كنتك لا تكشف. إنها امرأة ابنك. لا تكشف عورتها. عورة امرأة أخيك لا تكشف. إنها عورة أخيك. عورة امرأة وبنتها لا تكشف. ولا تأخذ ابنة ابنها، أو ابنة بنتها لتكشف عورتها. إنهما قريبتاها. إنه رذيلة. ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها في حياتها". (اللاويين 18: 6 - 18).

·      في القرآن الكريم:

قال تعالى: )ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا (22) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما (23) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم( (النساء).

ونلاحظ ما يلي:

·      التوراة لا تقيم شأنا للنسب من جهة الرضاع.

·      تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة.

·      تحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه.

·      لا تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين وزواجهن قائم.

·      تجمل التحريم غالبا للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة الأب، الأم، العم.... إلخ.

أما القرآن:

·      فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

·      لا يحرم نكاح امرأة العم ولا يدعوها عمة.

·      لا يحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه، إذا طلقها أو مات عنها أخوه.

·      يحرم نكاح المتزوجات فعلا من آخرين زواجا قائما، ويطلق عليهن وصف المحصنات من النساء.

·      يجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه، أوقرابة زوجته أحيانا.

 هذه الفروق الدقيقة لا تؤهل النص التوراتي لأن يكون أصلا للنص القرآني لا علميا ولا عقليا، فالحجم مئات المرات. ولكن لا مجال للمقارنة بين التوراة والقرآن، فهو فوق ما يأتي به من جديد، يصحح الأخطاء التي وقعت فيما سواه، وهذا هو معنى الهيمنة )مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه( (المائدة: 48).

فالأمور التي لم يلحقها تحريف في التورة جاء القرآن مصدقا لها أو هو مصدق لكل من التوراة والإنجيل بالصفة التي أنزلها الله عليهما قبل التحريف، أما الأمور التي حرفت وتعهدها القرآن بالتصحيح، فذلك سلطان الهيمنة المشهود للقرآن بها من منزل الكتاب على رسله.

الثاني: الاختلاف بين الإنجيل والقرآن.

بشارة زكريا بـ "يحيى" عليهما السلام:

·       نص الإنجيل:

"كان في أيام هيرودس - ملك اليهودية - كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا، وامرأته من بنات هارون واسمها أليصابات. وكانا كلاهما بارين أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم. ولم يكن لهما ولد، إذ كانت أليصابات عاقرا. وكانا كلاهما متقدمين في أيامهما. فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الله - حسب عادة الكهنوت - أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر. وكان كل جمهور الشعب يصلون خارجا وقت البخور. فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: "لا تخف يا زكريا، لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنا وتسميه "يوحنا". ويكون لك فرح وابتهاج، وكثيرون سيفرحون بولادته، لأنه يكون عظيما أمام الرب، وخمرا ومسكرا لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته، ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيئ للرب شعبا مستعدا". فقال زكريا للملاك: "كيف أعلم هذا، لأني أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها؟" فأجاب الملاك وقال له: "أنا جبرائيل الواقف قدام الله، وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم، إلى اليوم الذي يكون فيه هذا، لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته". وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه في الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم، ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل. فكان يومئ إليهم وبقي صامتا". (لوقا 1: 5 - 22).

·       أما النص القرآني:

قال تعالى: )هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38) فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (39) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقـر قـال كذلـك الله يفعـل مـا يشـاء (40) قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار (41)( (آل عمران).

وقال تعالى: )ذكر رحمت ربك عبده زكريا (2) إذ نادى ربه نداء خفيا (3) قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا (4) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا (5) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا (6) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا (7) قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغـت مـن الكبـر عتيـا (8) قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا (9) قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا (10) فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا (11) يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا (12) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (13) وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا (14) وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا (15)( (مريم).

وبمطالعة ما ورد في النصين تبين أن القرآن ينفرد بدقائق لا وجود لها في النص الإنجيلي أبرزها:

·   تقدم على قصة البشارة في "آل عمران" قصة نذر امرأة عمران ما في بطنها لله محررا، وهذا لم يرد في النص الإنجيلي.

·       الإخبار بأنها ولدت أنثى "مريم" وكانت ترجو المولود ذكرا.

·       كفالة زكريا لمريم، وسؤاله إياها عن مصدر رزقها، وجوابها إياه "هو من عند الله".

·       القرآن يربط بين قصة الدعاء بمولود لزكريا، وبين قصة مولودة امرأة عمران.

·       دعاء زكريا منصوص عليه في القرآن، وليس له ذكر في النص الإنجيلي.

هذا في سورة "آل عمران"، أما في سورة "مريم":

·       فقد رتب زكريا على هبة الله له وليا، أن يرثه ويرث من آل يعقوب.

·       السبب في حمل زكريا على دعاء ربه، هو خوفه الموالي من ورائه.

·       كون زكريا أوحى لقومه بأن يسبحوا بكرة وعشيا.

·   الثناء على المولود "يحيى" بأنه بار بوالديه - عليه السلام - يوم ولادته ويوم موته، ويوم بعثه حيا ورد في القرآن، ولا مقابل له في النص الإنجيلي.

إذن ما قام به القرآن الكريم هنا هو: تصحيح الأخطاء التي وردت في النص الإنجيلي:

1.  النص الإنجيلي يجعل الصمت الذي قام به زكريا عقوبة له من الملاك، فصحح القرآن، وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا ربه، فالصمت كان تكريما لزكريا من الله، وليس عقوبة من الملك. فما هو الذنب الذي ارتكبه زكريا حتى يعاقب من الله أو حتى من الملاك؟! هل إقراره بكبر سنه، وعقر امرأته هو الذنب؟!

لقد وقع هذا من إبراهيم - عليه السلام - حين بشر بإسحاق، ووقع من سارة حين بشرت به، فلم يعاقب الله منهما أحدا، وقد وقع هذا من مريم حين بشرت بحملها بعيسى، ولم يعاقبها الله عليه، فما السر في ترك إبراهيم وسارة ومريم بلا عقوبة، وإنزالها بزكريا وحده، أفي المسألة محاباة؟!

إن أكبر دليل على نفي هذا القول هو خلو النصوص القرآنية منه، وليس هذا تعصبا منا للقرآن، وهو الحق، ولكنه الملك الكريم اللائق بمنزلة الرسل عند ربهم.

إن الصمت الذي حل بزكريا كان بالنسبة لتكليم الناس، ومع هذا فقد ظل لسانه يلهج بذكر الله وتسبيحه في العشي والإبكار.

2.  النص الإنجيلي يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل إلى يوم أن ولد يحيى، وهذا خطأ ثان صححه القرآن المهيمن فجعل مدته ثلاثة أيام بلياليهن بعد الخروج من المحراب.

3.  يجعل البشارة على لسان ملاك واحد، بينما النصان القرآنيان يجعلانها على لسان جمع من الملائكة )فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب( (آل عمران: 39)، )يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى( (مريم: 7).

4.  النص الإنجيلي يجعل التسمية بـ "يحيى" من اختيار زكريا، بيد أن الملاك تنبأ بها، والقرآن جعل التسمية من وحي الله إلى زكريا: )اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا (7)( (مريم).

5.  النص الإنجيلي يقول: إن زكريا حين جاءه الملاك وقع عليه خوف واضطراب، وقد خلا منه النص القرآني، فدل خلوه على أنه لم يقع، ذلك أن القرآن الكريم عودنا في قصه للوقائع المناظرة لهذه الواقعة أن يسجلها إذا حدثت ولا يهملها، بدليل أنه قد نص عليها في واقعة السجدة مع موسى، فقال: )فأوجس في نفسه خيفة موسى (67)( (طه)، وقال: )فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب( (القصص: 31)، وحكاية إبراهيم لضيوفه: )إنا منكم وجلون (52)( (الحجر)، وعن مريم: )قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (18)( (مريم).

إذن فلم يقتبس القرآن جزءا من الواقعة، ولا الواقعة كلها، بل قام بإضافة الكثير جدا من الجديد الذي لم يعرفه الإنجيل، وصحح كثيرا من الأخطاء التي وردت فيه بفعل التحريف والتزوير، إما بالنص وإما بالسكوت، وهذا لا يتأتى من مقتبس ليس له مصدر سوى ما اقتبس منه، وإنما يتأتى ممن له مصادره، ووسائله، وسلطانه المتفوق، ومن يقل غير هذا فقد ظلم نفسه.

حول إثبات أصالة الوحي القرآني، وأنه وحي سماوي رباني خالص، وليس تأليفا بشريا مجتزا من كتب سابقة، دار نقاش كثير برهن العلماء من خلاله على ربانية مصدر هذا الكتاب الجليل لا بشريته.

وقد فصل الحجج والأدلة على أصالة القرآن، وكونه وحيا سماويا لا اقتباسا أرضيا، د. محمد عبد الله دراز" فكان مما أورده في هذه القضية نافيا - في بحث علمي شائق - أن يكون الرسول الكريم قد ألفه من عند نفسه أساسا، قوله: "لقد علم الناس أجمعون علما لا يخالطه شك أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي ولد بمكة، في القرن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله - هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواتر به لا يماثلها ولا يدانيها شهادة لكتاب غيره، ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض.

أما بعد، فمن أين جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟ أمن عند نفسه ومن وحي ضميره، أم من عند معلم؟ ومن هو ذلك المعلم؟ نقرأ في هذا الكتاب ذاته أنه ليس من عمل صاحبه، وإنما هو قول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين، ذلكم هو جبريل - عليه السلام - تلقاه من لدن حكيم عليم، ثم نزله بلسان عربي مبين على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فتلقنه محمد منه كما يتلقن التلميذ عن أستاذه نصا من النصوص، ولم يكن له فيه من عمل بعد ذلك إلا:

· الوعي والحفظ.        

· الحكاية والتبليغ.

· البيان والتفسير.                        

· التطبيق والتنفيذ.

أما ابتكار معانيه وصياغة مبانيه فما هو منها بسبيل، وليس له من أمرهما شيء، إن هو إلا وحي يوحى. هكذا سماه القرآن حيث يقول: )وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي( (الأعراف: 203) ويقول: )قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي( (يونس: 15) وأمثال هذه النصوص كثيرة في شأن إيحاء المعاني، ثم يقول في شأن الإيحاء اللفظي: )إنا أنزلناه قرآنا عربيا( (يوسف: 2)، )سنقرئك فلا تنسى (6)( (الأعلى)، )لا تحرك به لسانـك لتعجـل بـه (16) إن علينـا جمعـه وقرآنــه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنـه (18) ثـم إن علينـا بيانه (19)( (القيامة)، )اقــرأ( (العلق: 1)، )واتل( (الكهف: 27)، )ورتل( (المزمل: 4)، فانظر كيف عبر بالقراءة والإقراء، والتلاوة، والترتيل، وتحريك اللسان، وكون الكلام عربيا، وكل أولئك من عوارض الألفاظ لا المعاني البحتة.

القرآن إذا صحيح في أنه "لا صنعة فيه لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولا لأحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله بلفظه ومعناه"، والعجب أن يبقى بعض الناس في حاجة إلى الاستدلال على الشطر الأول من هذه المسألة، وهو أنه ليس من عند محمد.

في الحق أن هذه القضية لو وجدت قاضيا يقضي بالعدل لاكتفى بسماع هذه الشهادة التي جاءت بلسان صاحبها على نفسه، ولم يطلب وراءها شهادة شاهد آخر من العقل أو النقل، ذلك أنها ليست من جني (الدعاوى) فتحتاج إلى بينة، وإنما هي من نوع (الإقرار) الذي يؤخذ به صاحبه ولا يتوقف صديق، ولا عدو في قبوله منه، إن أي مصلحة للعاقل الذي يدعي لنفسه حق الزعامة، ويتحدى الناس بالأعاجيب والمعجزات لتأييد تلك الزعامة، نقول: أي مصلحة له في أن ينسب بضاعته لغيره، وينسلخ منها انسلاخا؟ على حين أنه كان يستطيع أن ينتحلها فيزداد بها رفعة وفخامة وشأنا، ولو انتحلها لما وجد من البشر أحدا يعارضه، ويزعمها لنفسه.

الذي نعرفه أن كثيرا من الأدباء يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها أو يسرقون منها ما خف حمله، وغلت قيمته، وأمنت تهمته، حتى إن منهم من ينبش قبور الموتى، ويلبس من أكفانهم، ويخرج على قومه في زينة من تلك الأثواب المستعارة. أما أن أحدا ينسب لغيره أنفس آثار عقله، وأغلى ما تجود به قريحته[20]، فهذا ما لم يلده الدهر بعد.

ولو أننا افترضناه افتراضا لما عرفنا له تعليلا معقولا، ولا شبه معقول اللهم إلا شيئا واحدا قد يحوك في صدر الجاهل، وهو أن يكون هذا الزعيم، قد رأى أن في "نسبة القرآن إلى الوحي الإلهي" ما يعينه على استصلاح الناس باستحباب طاعته عليهم، ونفاد أمره فيهم؛ لأن تلك النسبة تجعل لقوله من الحرمة والتعظيم ما لا يكون له لو نسبه إلى نفسه، وهذا قياس فاسد في ذاته، فاسد في أساسه.

أما أنه فاسد في ذاته فلأن صاحب هذا القرآن قد صدر عنه الكلام المنسوب إلى نفسه، والكلام المنسوب إلى الله تعالى، فلم تكن نسبة ما نسبه إلى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئا، ولا نسبة مانسبه إلى ربه بزائدة فيها شيئا، بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء، فكانت حرمتهما في النفوس على سواء، وكانت طاعته من طاعة الله. ومعصيته من معصية الله، فهلا جعل كل أقواله من كلام الله تعالى، لو كان الأمر كما يهجس به ذلك الوهم.

 وأما فساد هذا القياس من أساسه؛ فلأنه مبني على افتراض باطل، وهو تجويز أن يكون هذا الزعيم من أولئك الذين لا يأبون في الوصول إلى غاية إصلاحية أن يعبروا إليها على قنطرة من الكذب والتمويه، وذلك أمر يأباه علينا الواقع التاريخي كل الإباء، فإن من تتبع سيرته الشريفة في حركاته وسكناته وعباراته وإشاراته، في رضاه وغضبه، في خلوته وجلوته، لا يشك في أنه كان أبعد الناس عن المواربة، وأن سره وعلانيته كانوا سواء في دقة الصدق وصرامة الحق في جليل الشئون، وحقيرها، وأن ذلك كان أخص شمائله وأظهر صفاته قبل النبوة وبعدها، كما شهد ويشهد به أصدقاؤه وأعداؤه إلى يومنا هذا )قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16)( (يونس).

فمثلا ما كتبه توماس كاريل الإنجليزي في كتاب "الأبطال"، وما كتبه الكونت هنري دي كاستري الفرنسي في خواطره وسوانحه عن الإسلام، ثم اقرأ شهادة قريش التي سجلها أبو سفيان وهو في الجاهلية بين يدي هرقل قيصر الروم، لما سألهم هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، وسأله: هل يغدر؟ قال: لا.

وكأني بك ها هنا تحب أن أقدم لك من سيرته المطهرة أمثلة واضحة الدلالةعلى مبلغ صدقه وأمانته في دعوى الوحي الذي نحن بصدده، وأنه لم يكن ليأتي بشيء من القرآن من تلقاء نفسه، فإليك طرفا من ذلك:

لقد كانت تنزل به نوازل من شأنها أن تحفزه إلى القول، وكانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم، بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مقالا ومجالا، ولكنه كانت تمضي الليالي والأيام تتبعها الليالي والأيام ولا يجد في شأنها قرآنا يقرأه على الناس.

ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه عائشة - رضي الله عنها - وأبطأ الوحي، وطال الأمر والناس يخوضون، حتى بلغت القلوب الحناجر، وهو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ واحتراس: «إني لا أعلم عنها إلا خيرا»، ثم إنه بعد أن بذل جهده في التحري والسؤال، واستشارة الأصحاب، وفي شهر بأكمله والكل يقولون: «ما علمنا عليها من سوء»، لم يزد على أن قال لها آخر الأمر: «يا عائشة، أما إنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله»[21].

هذا كلامه بوحي ضميره، وهو كما ترى كلام البشر، الذي لا يعلم الغيب، وكلام الصديق المثبت الذي لا يتبع الظن، ولا يقول ما ليس له به علم، على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلنا براءتها، ومصدر الحكم المبرم بشرفها وطهارتها.

فماذا كان يمنعه - لو أن أمر القرآن إليه - أن يتقول هذه الكلمة الحاسمة من قبل ليحمي بها عرضه ويذب بها عن عرينه، وينسبها إلى الوحي ال سماوي لتنقطع ألسنة المتخرصين؟

ولكنه ما كان ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله )ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحد عنه حاجزين (47)( (الحاقة).

وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه ويهواه، فيخطئه في الرأي يراه. ويأذن له في الشيء لا يميل إليه، فإذا تلبث فيه يسيرا تلقاه القرآن بالتعنيف الشديد، والعتاب القاسي، والنقد المر، حتى في أقل الأشياء خطرا: )يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم (1)( (التحريم) )وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه( (الأحزاب: 37) )عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43)( (التوبة). )ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم (113)( (التوبة). )ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68)( (الأنفال). )أما من استغنى (5) فأنت لـه تصـدى (6) ومـا عليـك ألا يزكــى (7) وأما من جاءك يسعـى (8) وهـو يخشـى (9) فأنـت عنـه تلهـى (10)( (عبس).

أرأيت لو كانت هذه التقريعات المؤلمة صادرة عن وجدانه، معبرة عن ندمه، ووخز ضميره حين بدا له خلاف ما فرط من رأيه، أكان يعلنها عن نفسه بهذا التهويل والتشنيع؟ ألم يكن له في السكوت عنها ستر على نفسه، واستبقاء لحرية آرائه؟ بلى إن هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه لكان يستطيع عند الحاجة أن يكتم شيئا من ذلك الوجدان، ولو كان كاتما شيئا لكتم أمثال هذه الآيات، ولكنه الوحي لا يستطيع كتمانه: )وما هو على الغيب بضنين (24)( (التكوير). وتأمل آية الأنفال المذكورة، تجد فيها ظاهرةعجيبة، فإنها لم تنزل إلا بعد إطلاق أسارى بدر وقبول الفداء منهم، وقد بدئت بالتخطئة والاستنكار لهذه الفعلة، ثم لم تلبث أن ختمت بإقرارها، وتطبيب النفوس بها، بل صارت هذه السابقة التي وقع التأنيب عليها هي القاعدة لما جاء بعدها. فهل الحالة النفسية التي يصدر عنها أول هذا الكلام - لو كان عن النفس وصدره - يمكن أن يصدر عنها آخره ولما تمض بينهما فترة تفصل بين زمجرة [22] الغضب والندم، وبين ابتسامة الرضى والاستحسان؟

كلا، وإن هذين الخطرين لو فرض صدورهما عن النفس متعاقبين لكان الثاني منهما إضرابا عن الأول ماحيا له، ولرجع آخر الفكر وفقا لما جرى به العمل. فأي داع دعا إلى تصوير ذلك الخاطر الممحو وتسجيله، على ما فيه من تقريع[23] علني بغير حق، وتنغيص لهذه الطعمة التي يراد جعلها حلالا طيبة؟ إن الذي يفهمه علماء النفس من قراءة هذا النص أن ها هنا ألبتة شخصيتن منفصلتين، وأن هذا صوت سيد يقول لعبده: لقد أسأت، ولكني عفوت عنك وأذنت لك.

وأنت لو نظرت في هذه الذنوب التي وقع العتاب عليها لوجدتها تنحصر في شيء واحد، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ترجح بين أمرين، ولم يجد فيها إثما اختار أقربهما إلى رحمة أهله وهداية قومه وتأليف خصمه، وأبعدهما عن الغلظة والجفاء، وعن إثارة الشبه في دين الله، فلم يكن بين يديه نص فخالفه كفاحا، أوجاوزه خطأ ونسيانا، بل كل ذنبه أنه مجتهد بذل وسعه في النظر، ورأى نفسه مخيرا فتخير. هبه مجتهدا أخطأ باختيار خلاف الأفضل. أليس معذورا ومأجورا؟ على أن الذي اختاره كان هو خير ما يختاره ذو حكمة بشرية - وما كان اختيار عمر - رضي الله عنه - في مسألة الأسرى ونحوها إلا مظهرا من مظاهر الشدة التي كانت أغلب على طبعه، وإن كانت هذه الشدة لتفتنه عن أمر الله يوم الحديبية، فكانت موافقته الوحي في تلك المسائل مصادفة للحكم من غير مقدماته الحقيقية التي انفرد بها علام الغيوب، وإنما نبهه القرآن إلى ما هو أرجح في ميزان الحكمة الإلهية.

هل ترى في ذلك ذنبا يستوجب عند العقل هذا التأنيب[24] والتثريب؟ أم هو مقام الربوبية ومقام العبودية، وسنة العروج بالحبيب في معارج التعليم والتأديب؟

توفي عبد الله بن أبي كبير المنافقين، فكفنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثوبه، وأراد أن يستغفر له ويصلي عليه، فقال عمر رضي الله عنه: «أتصلي عليه وقد نهاك ربك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنما خيرني ربي فقال: )استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم( (التوبة: ٨٠) وسأزيده على السبعين»[25]. وصلى عليه، فأنزل الله تعالى: )ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره( (التوبة: 84)، فترك الصلاة عليهم - اقرأ هذه القصة الثابتة برواية الصحيحين وانظر ماذا ترى؟ إنها لتمثل لك نفس هذا العبد الخاضع، وقد اتخذ من القرآن دستورا يستملي أحكامه من نصوصه الحرفية، وتمثل لك قلب هذا البشر الرحيم، وقد آنس من ظاهر النص الأول تخييرا له بين طريقين، فسرعان ما سلك أقربهما إلى الكرم والرحمة، ولم يلجأ إلى الطريق الآخر إلا بعد ما جاءه النص الصريح بالمنع.

وهكذا كلما درست مواقف الرسول من القرآن في هذه المواطن أو غيرها، تجلى لك فيه معنى العبودية الخاضعة، ومعنى البشرية الرحيمة الرقيقة، تجلى لك في مقابل ذلك من القرآن، معنى القوة التي لا تتحكم فيها البواعث والأغراض، بل تصدع بالبيان فرقانا بين الحق والباطل، وميزانا للخبيث والطيب، أحب الناس أم كرهوا، رضوا أم سخطوا، آمنوا أم كفروا، إذ لا تزيدها طاعة الطائعين ولا تنقصها معصية العاصين، فترى بين المقامين ما بينهما وشتان بين سيد ومسود، وعابد ومعبود.

ولقد كان يجيئه الأمر أحيانا بالقول المجمل أو الأمر المشكل الذي لا يستبين هو ولا أصحابه تأويله، حتى ينزل الله عليهم بيانه بعد. قل لي بربك: أي عاقل توحي إليه نفسه كلاما لا يفهم هو معناه، وتأمره أمرا لا يعقل هو حكمته؟ أليس ذلك من الأدلة الواضحة على أنه ناقل لا قائل، وأنه مأمور لا آمر؟

نزل قوله تعالى: )وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله( (البقرة: 284) فأزعجت الصحابة إزعاجا شديدا، ودخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء آخر؛ لأنهم فهموا منها أنهم سيحاسبون على كل شيء حتى حركات القلوب وخطراتها، فقالوا: «يا رسول الله، أنزلت علينا هذه الآية ولا نطيقها، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير»[26]. فجعلوا يتضرعون بهذه الدعوات حتى أنزل الله بيانها بقوله: )لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286)( (البقرة). وهنالك علموا أنهم إنما يحاسبون على ما يطيقون من شأن القلوب، وهو ما كان من النيات المكسوبة والعزائم المستقرة، لا من الخواطر والأماني الجارية على النفس بغير اختيار.

وموضع الشاهد منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان يعلم تأويلها من أول الأمر، لبين لهم خطأهم ولأزال اشتباههم من فوره؛ لأنه لم يكن ليكتم عنهم هذا العلم وهم في أشد الحاجة إليه.

ولم يكن ليتركهم في هذا الهلع الذي كاد يخلع قلوبهم وهو بهم رءوف رحيم، ولكنه كان مثلهم ينتظر تأويلها، ولأمر ما أخر الله عنهم هذا البيان، ولأمر ما وضع حرف التراخي في قوله: )ثم إن علينا بيانه (19)( (القيامة).

واقرأ قضية الحديبية ففيها آية بينة: أذن الله للمؤمنين أن يقاتلوا من يعتدي عليهم أينما وجدوه، غير ألا يقاتلوا في الحرم من لم يقاتلهم فيه، فقال تعالى: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم( (البقرة: 190)، فلما أجمعوا على زيارة البيت الحرام في ذلك العام، وهو العام السادس من الهجرة أخذوا أسلحتهم حذرا أن يقاتلهم أحد فيدافعوا عن أنفسهم الدفاع المشروع.

ولما أشرفوا على حدود الحرم، علموا أن قريشا قد جمعت جموعها على مقربة منهم فلم يثن ذلك من عزمهم؛ لأنهم كانوا على تمام الأهبة[27]، بل زادهم ذلك استبسالا وأصروا على المضي إلى البيت، فمن صدهم عنه قاتلوه، وكانت قريش قد أنهكتها الحروب، فكانت البواعث كلها متضافرة والفرصة سانحة للالتحام في موقعة فاصلة يتمكن فيها الحق من الباطل فيدفعه، وإنهم لسائرون عند الحديبية، إذ بركت راحلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ أصحابه يثيرونها إلى جهة الحرم فلا تثور، فقالوا: خلأت[28] القصواء[29]، أي حزنت الناقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل»[30].

يعني أن الله الذي اعتقل الفيل، ومنع أصحابه من دخول مكة محاربين هو الذي اعتقل هذه الناقة، ومنع جيش المسلمين من دخولها الآن عنوة. وهكذا أيقن أن الله تعالى لم يأذن لهم في هذا العام بدخول مكة مقاتلين، لا بادئين ولا مكافئين، وزجرالناقة فثارت إلى ناحية أخرى، فنزل بأصحابه في أقصى الحديبية، وعدل بهم عن متابعة السير امتثالا لهذه الإشارة الإلهية التي لا يعلم حكمتها، وأخذ يسعى لدخول مكة عن طريق الصلح مع قريش قائلا: «والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»[31]. ولكن قريشا أبت أن يدخلها في هذا العام لا محاربا ولا مسالما، وأملت عليه شروطا قاسية، بأن يرجع من عامه، وأن يرد كل رجل يجيئه من مكة مسلما، وألا ترد هي أحدا يجيئها من المدينة، تاركا لدينه، فقبل تلك الشروط التي لم يكن ليمليها مثل قريش في ضعفها على مثل المؤمنين في قوتهم.

وأمر أصحابه بالتحلل من عمرتهم وبالعودة من حيث جاءوا، فلا تسل عما كان لهذا الصلح من الوقع السيئ في نفوس المسلمين، حتى إنهم لما جعلوا يحلقون بعضهم لبعض كاد يقتل بعضهم بعضا ذهولا وغما، وكادت تزيغ قلوب فريق من كبار الصحابة، فأخذوا يتساءلون فيما بينهم ويراجعونه هو نفسه قائلين: لم تعط الدنية في ديننا؟ وهكذا كاد الجيش يتمرد على أمر قائده، ويفلت حبله من يده، ولكن انظر كيف كان جوابه حين راجعه عمر: "إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري"، يقول: إنما أنا عبد مأمور ليس لي من الأمر شيء إلا أن أنفذ أمر مولاي، واثقا بنصره قريبا أو بعيدا.

وهكذا ساروا راجعين، وهم لا يدرون تأويل هذا الإشكال حتى نزلت سورة الفتح فبينت لهم الحكم الباهرة، والبشارات الصادقة، فإذا الذين ظنوه ضيما[32] وإجحافا [33] في بادئ الرأي، كان هو النصر المبين والفتح الأكبر، وأين تدبير البشر من تدبير القدر: )وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا (24) هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما (25) إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما (26) لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا (27)( (الفتح).

ولقد كان حين ينزل عليه القرآن في أول عهده بالوحي يتلقفه متعجلا، فيحرك به لسانه وشفتيه؛ طلبا لحفظه، وخشية ضياعه من صدره، ولم يكن ذلك معروفا من عادته في تحضير كلامه، لا قبل دعواه النبوة ولا بعدها، ولا كان ذلك من عادة العرب، إنما كانوا يزورون كلامهم في أنفسهم، فلو كان القرآن منبجسا[34] من معين[35] نفسه لجرى على سنة كلامه وكلامهم، ولكان له من الروية[36] والأناة[37] الصامتة ما يكفل له حاجته من إنضاج الرأي وتمحيص الفكرة، ولكنه كان يرى نفسه أمام تعليم يفاجئه وقتيا ويلم به سريعا، بحيث لا تجدي الروية شيئا في اجتلابه لو طلب، ولا في تداركه واستذكاره لو ضاع منه شيء، وكان عليه أن يعيد كل ما يلقى إليه حرفا، فكان لا بد له في أول عهده بتلك الحال الجديدة التي لم يألفها من نفسه أن يكون شديد الحرص على المتابعة الحرفية، حتى ضمن الله له حفظه وبيانه بقوله: )لا تحرك به لسانك لتعجل به (16)( (القيامة)، وقوله: )ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما (114)( (طه).

هذا طرف من سيرته بإزاء القرآن، وكلها شواهد ناطقة بصدقه في أن القرآن لم يصدر عنه بل ورد إليه، وأنه لم يفض عن قلبه بل أفيض عليه، فإذا أنت صعدت بنظرك إلى سيرته العامة، لقيت من جوانبها مجموعة رائعة من الأخلاق العظيمة. وحسبك الآن منها أمثلة يسيرة إذا ما تأملتها صورت لك إنسانا الطهر ملء ثيابه، والجد حشو إهابه[38]، يأبى لسانه أن يخوض فيما لا يعلمه، وتأبى عيناه أن تخفيا خلاف ما يعلنه، ويأبى سمعه أن يصغي إلى غلو المادحين له، تواضع هو حلية العظماء، وصراحة نادرة في الزعماء، وتثبت قلما نجده عند العلماء، فأنى من مثله الختل [39] أو التزوير أو الغرور أو التغرير؟ حاشا لله!

«جلست جويريات يضربن بالدف في صبيحة عرس الربيع بنت معوذ الأنصارى، وجعلن يذكرن آباءهن من شهداء بدر حتى قالت جارية منهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين»[40]. ومصداقه في كتاب الله تعالى: )قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب( (الأنعام: 50)، )ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير( (الأعراف: 188).

والآن، وقد وفينا بكل الوعد بعرض هذه النماذج من السيرة النبوية نعود إلى تقدير ما قصدنا من هذا العرض فنقول: إن صاحب هذا الخلق العظيم، وصاحب تلك المواقف المتواضعة بإزاء القرآن، ما كان ينبغي لأحد أن يمتري في صدقه حينما أعلن عن نفسه أنه ليس هو واضع ذلك الكتاب، وأن منزلته منه منزلة المتعلم المستفيد، بل كان يجب أن نسجل من هذا الاعتراف البرئ دليلا آخر على صراحته وتواضعه"[41].

ومما يزيد الأمر وضوحا ما قاله د. دراز، فقد قال تحت عنوان "الاتصال بالكتب المقدسة": "إن أول إجابة تتبادر إلى الذهن في هذا المجال، هو أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد استخلص دروسه من مطالعاته المباشرة للكتب المقدسة القديمة، سواء كانت مسيحية، أو يهودية، أو غيرها.. ولكن هل كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يعرف القراءة والكتابة؟

يجيب القرآن بالنفي، ويبرهن بأمية الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - على ربانية تعليمه، إنه لا يقرر فحسب أنه أمي من شعب أمي )الذين يتبعون الرسول النبي الأمي( (الأعراف: 157)، أي غير متعلم، وليس فقط كما يريد سبرنجر أنه ينتمي إلى شعب وثني لم يتلق أي كتاب سماوي من قبل، وإنما يؤكد بصريح العبارة أنه لم يسبق له أن قرأ كتابا قبل القرآن، أو كتب بيده: )وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك( (العنكبوت: 48).

ولا شك أن معارضيه كانوا يعرفون فيه هذه الأمية جيدا؛ لأنهم عندما أرادوا تعليل المصدر الذي تلقى عنه أساطير العصور القديمة، لم يجرءوا أن يقولوا "كتبها" وإنما قالوا "اكتتبها" أي كتبها له غيره )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)( (الفرقان)، وهما عبارتان مختلفتان تمام الاختلاف، إلا أنه التبس معناهما على بعض المستشرقين.

وحتى على فرض أنه كان يعرف القراءة، فقد كانت هناك عقبة يستحيل تذليلها؛ لأن في هذا الوقت لم تكن قد وجدت بعد توراة ولا إنجيل باللغة العربية، ووجود هذه الوثائق بلغة أجنبية جعلها حكرا لبعض العلماء المتحدثين بأكثر من لغة الذين حفظوها بعناية، بل لقد وصفهم القرآن بالبخل بما عندهم من العلم، بحيث إنهم لم يكونوا ليتنازلوا عن بضع أوراق من التوراة إلا مع حرصهم على إخفاء الجزء الأكبر منها: )تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا( (الأنعام: 91)، وسوف يكشف القرآن فيما بعد في المدينة وسائلهم الأخرى لإخفاء العلم شفويا وتحريريا: )وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله( (آل عمران: 78)، )فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا( (البقرة: 79).

 وعلى كل حال لم ينبئنا التاريخ عن أي اتصال كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين وسط العلماء قبل الهجرة، فطالما أن الكلام يدور في العموميات التي يصعب التحكم فيها، فلا شك أنه يمكن افتراض وجود مثل هذه العلاقة، وذلك بإتاحة الفرصة لكل حدس[42] وخيال، أما عندما نطالب بالتحديد فإنه يحدث التناقض والتخبط في الحال[43].

وعن القصص الديني اليهودي والمسيحي في القرآن يقول: "فيما يختص بالقصص المسيحي واليهودي بوجه عام، يؤسفنا ألا نجد ما يؤيد هذه الملاحظة، من قريب أو بعيد، والرجوع إلى النص القرآني يثبت لنا العكس تماما، فالسور المكية هي التي تعرض أطوار قصص التوراة بتفاصيلها الدقيقة، ولم يترك للسور المدنية - حيث احتك الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتكاكا فعليا مباشرا باليهود - سوى فرصة استخلاص الدروس منها، وغالبا في تلميحات موجزة[44].

هل بقي بعد كل هذا مجال للقول بأن القرآن تكرار لمضمون الكتب السابقة، أو بعضها؟!! ولم يأت بجديد؟!

الخلاصة:

·   تضمن القرآن الكريم أحكاما وتشريعات مغايرة لما ورد في الكتب السابقة، وأخرى غير معهودة من قبل. فالذات الإلهية في العقيدة اليهودية - من خلال ما يسمى بالعهد القديم - تتصف بصفات بشرية، فالرب - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - يستشير الحاخامات ويندم على ما أنزله باليهود والهيكل، وهو ضعيف فقد صارع يعقوب - إسرائيل - فصرعه الأخير، وهو مصدر الخير والشر على حد زعمهم.

·       أما المسيحية - من خلال ما يسمى بالعهد الجديد - فالله والد ومولود، وهو على ثلاثة أقانيم وصور.

·   أما الإسلام فقد جاء فيما يخص مقام الألوهية بأنصع وأصفى، وأنقى عقيدة توحيدية عرفها تاريخ الأديان، فالله - في العقيدة الإسلامية - واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولا شريك له في ملكه، وليس كمثله شيء، فإذا كان القرآن مقتبسا من هذه الكتب السابقة عليه، فلم لم يكرر فكرها الملوث المحرف الوثني هذا عن الذات الإلهية، وغايرها في هذا الشأن على طول الخط؟!

·   وفي جانب التشريع، فإنه يتركز في التوراة والتلمود - العهد القديم - في الوصايا العشر المنسوبة لموسى - عليه السلام - أما التشريع المسيحي - في العهد الجديد - فمجموعة مواعظ.

·   أما الجانب التشريعي في القرآن فهو أحد أبرز مواطن الإعجاز فيه، إذ تضمن شريعة متكاملة وافية بحياة البشر ومتطلبات وجودهم، لا في زمان نزوله فحسب، بل على مر الزمان وتغاير الحدثان[45]، وحدد موقف الإنسان وعلاقته بالدنيا والآخرة، وجاء بالجديد الذي غير مسار البشرية في شئون الأسرة والمجتمع، والمال، والحرب، والسلم، والعلاقات الدولية... إلخ.

·   ومن أبرز ملامح الجدة والأصالة - عدم الاقتباس والتكرار والتقليد - في القرآن باب الإعجاز العلمي المتضمن فيه، والذي لا يباريه فيه أي من الكتب السابقة، كما أثبت وما يزال يثبت كثيرون من العلماء المنصفين المستبصرين، كالمستشرق الفرنسي موريس بوكاي في كتابه: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث.

·   ومن جهة أخرى فقد جاء القرآن مصوبا ومتمما للكتب السماوية السابقة، التي أصابها التحريف والتبديل - ولم يقتبس منها أو يكرر مضامينها. ولم يؤلفه محمد - صلى الله عليه وسلم - منها ولامن غيرها فعند استعراضنا لبعض القصص في التوراة والإنجيل ومقارنتها بما جاء في القرآن، نجد القرآن قد بين ووضح، وأزال اللبس والغموض، وجاء بأمور لم يرد ذكرها في العهدين القديم أو الجديد، مثل قصة سيدنا يوسف - عليه السلام - وقصة سيدنا زكريا وتبشيره بيحيى - عليهما السلام - وغيرهما كثير.

فلو لم يكن وحيا - حقا - وكان من تأليفه - صلى الله عليه وسلم - فكم نزلت به في سيرته العطرة نوازل من شأنها أن تحفزه إلى القول والتأليف، وكانت الحاجة القصوى وقتها ماسة لأن يتكلم لو كان الأمر إليه، ولكنه كانت تمضي الليالي والأيام تتبعها الليالي ولا يجد في شأنها قرآنا يقرأ على الناس.

من ذلك مثلا إرجاف المنافقين بحادثة الإفك عن زوجه عائشة - رضي الله عنها - وإبطاء الوحي عليه، والناس يخوضون في الأمر حتى بلغت القلوب الحناجر، وهو - صلى الله عليه وسلم - يردد: إني لا أعلم عنها إلا خيرا"، فلو كان الأمر إليه لألف وادعى وبرأها وبرأ ساحة عرضه على الفور، ثم إنه كان أميا - لا يقرأ ولا يكتب - فكيف له بقراءة هذه الكتب والاقتباس منها، والنسج على منوالها، وعلى فرض عدم أميته - وهو فرض خاطئ - فلم تكن هذه الكتب السابقة قد ترجمت في عصره للعربية بعد، إذ تأخر ذلك لقرون لاحقة.

 

 

 



(*) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م. القرآن والرسول ومقولات ظالمة، د. عبد الصبور مرزوق، وزارة الأوقاف،القاهرة، 1425هـ/ 2004م.

[1]. القرآن والرسول ومقولات ظالمة، د. عبد الصبور مرزوق، وزارة الأوقاف، القاهرة، 1425هـ / 2004م، ص25: 30 بتصرف.

[2]. رد القرآن والكتاب المقدس على أكاذيب القمص زكريا بطرس، إيهاب حسن عبده، مكتبة النافذة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص145، 146 بتصرف.

[3]. ثمل: أثر الشراب فيه.

[4]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م ، ص17: 19.

[5]. لا يأتون بمثله، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص10.

[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجماعة والإمامة، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها (685)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها (1006).

[7]. مدخل إلى القرآن الكريم، د. محمد عبد الله دراز، ترجمة: محمد عبد العظيم، دار القلم، الكويت، ط5، 2003م، ص112: 119.

[8]. العلق: جمع علقة، وهي النطفة في الطور الثاني.

[9]. الودق: المطر.

[10]. السلت: شعير لا قشر له.

[11]. يقولون عن الإسلام، د. عبد الحافظ سلامة حامد، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، ط1، 2007م، ص17: 32 بتصرف.

[12]. لا يأتون بمثله، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص175، 176 بتصرف يسير.

[13]. تأسن: تتغير.

[14]. لا يأتون بمثله، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص183: 185 بتصرف يسير.

[15]. لا يأتون بمثله، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص190: 192 بتصرف يسير.

[16]. الفتيل: ما يخرج من بين الإصبعين إذا فتلتهما.

[17]. القطمير: الحبة في وسط النواة، وقيل: لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة.

[18]. الإسلام دين الهداية والصلاح، محمد فريد وجدي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991م، ص59 وما بعدها.

[19]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص495.

[20]. القريحة: ما خرج من الطبيعة من غير تكلف.

[21]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا (2518)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (7196).

[22]. الزمجرة: الصوت، يقال للرجل إذا أكثر الصخب والصياح والزجر.

[23]. التقريع: التوبيخ.

[24]. التأنيب: اللوم.

[25]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب سورة براءة (4393)، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة المنافقين وأحكامهم (7203).

[26]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: ) وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ( (البقرة: ٢٨٤) (344).

[27]. الأهبة: العدة.

[28]. خلأت: أي حرنت فلم تبرح مكانها تعسرا.

[29]. القصواء: المشقوقة الأذن، وكان هذا لقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[30]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل العرب (2581).

[31]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل العرب (2581).

[32]. الضيم: الظلم.

[33]. الإجحاف: الإضرار.

[34]. انبجس: نبع.

[35]. من معين نفسه: أي من ذاتها.

[36]. الروية: التفكر في الأمر.

[37]. الأناة: البطء في الحركة وفي مقاربة الخطو في المشي وقبل الحلم والتؤدة.

[38]. الإهاب: الجلد.

[39]. الختل: الخداع.

[40]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتـاب المغـازي، بـاب شهـود الملائكــة بــدرا (3779)، وفي موضع آخر.

[41]. النبأ العظيم: نظرات جديدة في القرآن، د. محمد عبد الله دراز، دار القلم، الكويت، ط4، 1977م، ص49: 64 بتصرف.

[42]. الحدس: الظن والتخمين.

[43]. مدخل إلى القرآن الكريم، د. محمد عبد الله دراز، ترجمة: محمد عبد العظيم، دار القلم، الكويت، ط5، 2003م، ص148 وما بعدها.

[44]. مدخل إلى القرآن الكريم، د. محمد عبد الله دراز، ترجمة: محمد عبد العظيم، دار القلم، الكويت، ط5، 2003م، ص168 بتصرف يسير.

[45]. الحدثان: الليل والنهار.

why do wife cheat on husband website reasons why married men cheat
husband cheat my husband almost cheated on me online affair
dating a married woman cheat on my wife i cheated on my husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  8812
إجمالي عدد الزوار
  36579325

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع