اسم المقالة:
شهادة ويل ديورانت للمواطنة المصرية
المؤلف:
د. محمد داود
شهادة ويل ديورانت
للمواطنة المصرية
نحو خمسة عشر
قرنًا من التعايش الآمن الحميم بين المسلمين والأقباط في هذا البلد الآمين الذي قال
الله عز وجل فيه: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
آمِنِينَ}، والذى وصف النبى الكريم صلى عليه وسلم أهله الأقباط بقوله: {هم
في رباط إلى يوم القيامة}.
• "رباط": تلك هي الكلمة الدقيقة في التعبير عن وحدة
الشعب المصري وتلاحم نسيجه الوطني على مرِّ الزمان، و"إلى يوم القيامة".
• لم يكن المصريون يومًا يفرِّقون بين قبطي ومسلم، وهذه شهادة الفيلسوف والمؤرخ
البريطانى ويل ديورانت الذي يقول في كتابه " قصة الحضارة":
"كان أهل الذمَّة المسيحيون واليهود والمجوس فى عهد الخلافة الأموية بدرجة من
التسامح لا نظير لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فقد كانوا أحرارًا في
ممارسة شعائرهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.
ويقول اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر في أوائل القرن العشرين: لم أجد
فارقًا بين مسلم وقبطي في مصر، ولم أكن أستطيع أن أميز بينهما إلّا عندما يدخل
المسلم يصلي في المسجد، ويدخل القبطي ليصلي فى الكنيسة.
والشواهد التاريخية على هذا التماسك في نسيج الأمة المصرية تفوق الحصر، ولعلَّ مشهد
الصلاة في ميدان التحرير حين كان المسيحيون يحمون إخوانهم المسلمين أثناء الصلاة،
والمسلمون يحمون إخوانهم المسيحيين أثناء القداس، خير دليل على المحبة والمودَّة
بين أبناء مصر.
وعندما كان المحتل الإنجليزى يحاول بث الفرقة بين المسلمين والأقباط في مصر، قال
السياسي المصري القبطى مكرم عبيد: إنني مسلم وطنًا، قبطي دينًا. وكان يحفظ القرآن
ويستشهد في مرافعاته وخطبه بآيات القرآن.
وحينما كتب اللورد كرومر يهاجم القرآن الكريم ويصفه بالركاكة، كان المفكر القبطى
سلامة موسى هو الذي تصدَّى للردِّ عليه.
وغير ذلك الكثير من الأمثلة والشواهد البينة على وحدة وتآلف المسلمين والأقباط في
مصر عبر التاريخ، كما تجسدها عبارة العقاد:
مصريون قبـل الأديـان
ومصريون بـعد الأديـان
ومصريون حتى آخر الزمان
• مهما قيل عن
الفلول والمؤامرات والأيدي الخفية، وإن كان بعضه صحيحًا، فلا يجدر بنا أن تمرَّ هذه
الكارثة دون أن نتساءل حول العنف المتزايد بين عنصري الأمَّة، وأن نتحمَّل جميعًا
المسئولية بشجاعة، وأن نكون على مستوى الظرف الدقيق الذي يضع وحدة الأمة على
المحكّ.
لقد كان الأمل معقودًا على ثورة 25 يناير التي شارك
فيها المسلم والقبطي، ورأينا الصليب يعانق الهلال، ولكن ها نحن أولاء أمام امتحان
عسير لأبناء هذه الأمَّة، حيث يتألب دعاةُ الفتنة لإجهاض الثورة ، وتنساق وراءهم
الجماهير العريضة باسم الدفاع عن الدين، والدين بريء من كل مظاهر العنف والإرهاب.
الحلُّ في العدل بين المصريين جميعًا .. المواطنة، فحماية الوطن والدفاع عن أمنه
وسلامته واجب مقدس عن الأقباط وعند المسلمين.
الإسلام يقرِّر حرية العقيدة بوضوح لا مزيد عليه :
(لا إكراه في الدين)، والمسيحية تقرِّر بكل وضوح أن «
الله محبة»، بل «أحبُّوا
أعداءكم» !
الإسلام دين الرحمة، والمسيحية دين المحبة، واليهودية دين الحكمة، فلم لا تتكامل
هذه المبادئ السامية لصالح البشرية كلها ؟
إن الأديان السماوية كلها مددٌ من السماء لهداية الحيارى، وطاقة إيجابية فى تحرير
الإنسان وإطلاق قدراته الخلاَّقة.
• كفانا بكاءً على اللبن المسكوب! كفانا تجاهلاً وتغاضيًا، فالأمر جد خطير، والحلول
الأمنية أثبتت فشلها، وكذلك اللقاءات بين رجال الدين المسيحي والإسلامي.
إن العقلاء يتخذون من الأحداث الكارثية بداية للتماسك والتعايش الآمنى، ونقطة
انطلاق لبناء قواعد راسخة تقوم عليها حياتنا، تتأسس على ثقافة الحوار، وقبول الآخر،
والديمقراطية، والدولة المدنية وحكم القانون.
• ينبغي أن تكون جهودنا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر موحدة ومركزة حول غاية
واحدة: المشروع المصرى للنهضة.. من أجل مصر الحرية والكرامة والعدالة.
بأيدينا جميعًا – بوصفنا مصريين – أن ننقذ السفينة.
|